عندما نظرتُ إلى وجه إينوك الصّافي الذي لا يعرف شيئًا، شعرتُ بمكانٍ عميقٍ في قلبي يغلي غضبًا.
من أجل من أمسكتُ بهذا السّيف الذي لم يكن في نصيبي، وأغرقتُ نفسي في هذه التّأملات العميقة؟!
عضضتُ شفتيّ بقوّة ونظرتُ إلى إينوك بصمت. شعر إينوك بنظرتي، فنظر نحوي أيضًا.
“…”
“…”
ظللتُ أنا وإينوك نتبادل النّظرات لبعض الوقت. شعرتُ وكأنّ الهواء من حولنا تجمّد للحظة.
انتهت هذه المعركة الصّامتة عندما نادى الدّوق جايد غراي، جدّ إينوك، عليه.
“إينوك، تعالَ إلى هنا.”
“حسنًا.”
تبع إينوك الدّوق جايد غراي بهدوء.
بجانب إينوك، قام عمّي إدوارد، والد إينوك وزوج خالتي ديانا، بتحيّتي برأسه قليلًا.
رددتُ على إدوارد بتلويحٍ سريع بيدي، ثمّ استدرتُ، منتفضة، وتوجّهتُ نحو والدتي التي تحرّرت أخيرًا من الحشد.
“أمّي، أنا جائعة.”
“حقًا؟ أنا أيضًا كنتُ أشعر ببعض الجوع. هل نأكل شيئًا؟”
“نعم.”
أمسكتُ بيد والدتي بيدٍ واحدة، ومددتُ اليد الأخرى لوالدي.
كان والدي يبدو غارقًا في التّفكير للحظة، لكنّه سرعان ما ابتسم وأمسك بيدي.
التّفكير العميق الذي يكاد يفجّر رأسي لم يكن يناسب شخصيّتي على الإطلاق. كلّ ما يفعله هو جعلي جائعة ومزاجي سيّئ.
في يوم ميلادي، قرّرتُ أن أستمتع بهذا الحفل الذي أحضره لأوّل مرّة مع والديّ.
“هل رأيتم للتو؟ تلك الأجواء بين الأميرة الصّغيرة إيمبليم والأمير الصّغير غراي.”
“يا إلهي، يقال إنّهما بدآ بتعلّم السّيف، يبدو أنّ ذلك صحيح.”
“هل أدركا في هذا العمر الصّغير أنّهما خصمان؟”
“كانا مخطوبين حتى قبل ولادتهما، كنتُ أتخيّل شيئًا أكثر رومانسيّة.”
سمعتُ همهمات النّبلاء حول تبادل النّظرات بيني وبين إينوك، لكنّني تجاهلتها.
بعد رؤية والدتي وهي تُعامل كنجمة عالميّة، أدركتُ شيئًا. النّاس في هذا البلد مهووسون جدًا بإيمبليم وغراي.
في أعينهم، أنا وإينوك مجرّد لاعبين واعدين سيواصلان رقصة السّيوف التي تشتهر بها إيمبليم وغراي.
لذا، لا داعي لإعطاء معنى لهذه الكلمات أو تحمّل أيّ عبء.
“سير غراي، إن لم يكن ذلك إزعاجًا، هل تتناول بعض الكعك معي؟”
“أحضرتُ بعض الحليب تحسبًا لعطشك، سير غراي.”
“سمحت لي والدتي بأن أرقص هذا العام. أودّ أن أمنحك شرف رقصتي الأولى.”
الفتيات الصّغيرات، اللائي أزعجن أذني طوال الطّريق إلى إقطاعيّة كوندرياس، كنّ يتحدّثن بأسلوبٍ متكلّف لا يناسبهن، ويتودّدن إلى إينوك.
“سير غراي”؟ يدعونه “بالسير” وهو لم يصبح حتّى فارسًا مبتدئًا بعد.
شعرتُ بانقباضٍ في يديّ وقدميّ.
“أشكركم على دعوتكم، لكنّني هنا اليوم لأتعلّم بجانب جدّي. أرجو أن تعذروني، وأعدكم باللقاء في المرّة القادمة، آنساتي.”
بل إنّ إينوك كان يردّ عليهنّ بأسلوبٍ مهذّبٍ متكلّف لا يناسبه.
“هه.”
وأنا أحشو فمي بالطّعام الذي قدّمته والدتي، ابتلعتُ ضحكةً ساخرة. كدتُ أتقيّأ كلّ ما أكلته بسبب هذا الأسلوب المزعج.
‘لكن، إذا فكّرتُ في الأمر، هذا مزعج حقًا.’
كنتُ مذهولة أنّ هؤلاء الفتيات، القادرات على تقليد الكبار بهذا الشّكل، هنّ نفس الفتيات اللائي كنّ يتصرّفن معي كأطفالٍ مدلّلات.
يقال إنّ الأطفال هذه الأيّام أذكياء، ويبدو أنّ هذا صحيح. تغييرهنّ لسلوكهن بناءً على من يواجهن كان ذكاءً خالصًا.
والأكثر إزعاجًا، أنّ إينوك، الذي كان يتحدّث معي بلا فلتر وبكلامٍ جارح، يتصرّف الآن بكلّ هذا الأدب. شعرتُ بانقباضٍ في معدتي.
رأتني والدتي وأنا أبدو منزعجة، فسألتني بقلق:
“سيل، هل الطّعام غير جيّد؟ ألا يعجبك؟”
“لا، إنّه لذيذ.”
أبعدتُ نظري تمامًا عن إينوك.
لم يهمني إن دُعي إينوك “سير”، أو إن ذهب أصدقاء اللّعب الخاصّون بي إليه دون تحيّتي.
على أيّ حال، كنتُ أعلم أنّه بمجرد أن ولد إينوك بهذا الوجه، وتبدأ الفتيات بالهوس به، فإنّ تكوين صداقات أصبح أمرًا مستحيلًا.
لم يكن هناك ما يستحقّ الأسف عليه.
“سير إيمبليم…”
في تلك اللحظة، اقتربت مجموعة من الفتيان الصّغار من عائلتنا، وتحدّثوا بحرج.
هل هؤلاء معجبون صغار بوالدتي؟ لطيفون جدًا.
فكّرتُ بلا مبالاة وأنا أحشو فمي بالطّعام.
“ما الأمر، أيّها السّادة؟”
تحدّث والدي بلطف إلى الفتيان نيابةً عن والدتي المتعبة.
عندها، بدأ الفتيان، الذين كانت وجوههم محمرّة من التّوتّر، يتحدّثون بارتياح أكبر:
“نحن… لسنا هنا من أجل قائدة إيمبليم…”
نظروا إليّ بخجل.
كدتُ أفتح فمي، ناسيةً أنّه مملوء بالطّعام.
“هل تقصدونني الآن بـ’سير إيمبليم’؟”
شحب وجهي في لحظة. لقد كنتُ منزعجة من الفتيات اللواتي يدعون إينوك “سير غراي”، والآن يحدث هذا لي أيضًا؟
فركتُ ذراعيّ المقشعرّتين بيديّ وارتجفتُ.
“لم أُرسَم بعدُ فارسة، فأيّ ‘سير’ هذا؟!”
من ردّة فعلي شبه الهستيريّة، تفاجأ الفتيان، بل ووالداي أيضًا، ونظروا إليّ.
ماذا أفعل إذا كان تقليد الأطفال للكبار بهذا الشّكل يبدو سخيفًا؟
الأطفال يكونون في أجمل صورهم عندما يكونون طبيعيّين.
وضعتُ طبق الطّعام جانبًا، واقتربتُ من الفتيان، وطبطبتُ على أكتافهم واحدًا تلو الآخر.
“يا أصدقاء، على أيّ حال، عندما نكبر، سنضطرّ لنعيش مدفونين في قواعد الإتيكيت والكياسة المزعجة.”
“…”
“فلنعش ببساطة الآن، بينما عقولنا لم تكبر بعد، وبينما يمكن لعمرنا أن يغطّي على بعض النّقائص.”
أخذتُهم إلى طاولة الطّعام، وأعطيتُ كلّ واحدٍ منهم طبقًا، ووضعتُ الطّعام في أيديهم الصّغيرة.
“الأطفال مثلنا يجب أن يأكلوا كثيرًا ويركضوا ويلعبوا.”
لم يفهموا كلامي، فأمسكوا بالأطباق التي أعطيتها لهم وهم يرمشون بعيونهم.
كانوا ينظرون إلى والديهم من حينٍ لآخر، ممّا جعلني أدرك أنّ اقترابهم منّي لم يكن بإرادتهم تمامًا.
ربّما أرسلهم آباؤهم، لأنني من إيمبليم، ليحاولوا بناء علاقة معي.
النّبلاء المغرورون في العاصمة لن يتصرّفوا هكذا، لذا هم على الأرجح من النّبلاء المحليّين أو من عائلاتٍ ليست بتلك القوّة.
“إذا شعرتم بالملل، هل نلعب بالكرة؟ أمّي، هل يمكنني اللّعب بالكرة معهم في الخارج؟”
لم أهتم بظروف الكبار، كنتُ أنوي فقط أن ألعب مع هؤلاء الأطفال قليلًا ثمّ أتركهم يذهبون.
“لا يمكن ذلك، سيل. جلالة الإمبراطور سيصل قريبًا، ويجب أن نبقى في أماكننا. وأيضًا، لعب الكرة؟ إذا أردتِ ذلك، افعليه لاحقًا حيث لا أعين تراكِ. أنا، كبالغة، لا يمكنني التّغاضي عن النّقائص كما تفعلين.”
“تسك! إذن، بماذا نلعب؟”
مع تعليق والدتي المرح، نقرتُ بلساني وفكّرتُ مليًا. ما الذي يمكننا اللّعب به هنا؟
“هل نلعب مبارزة الأذرع؟”
“ما هذا؟”
ردّ الفتيان، الذين كانوا يستخدمون معي لهجة محترمة، دون قصدٍ بلهجتهم العاديّة تقليدًا لي.
رأيتُ الفضول في وجوههم الطّفوليّة النّقيّة، فشعرتُ بالانتصار داخليًا.
“لعبة يمكننا لعبها بهدوء. هل أنت قوي؟”
“بالطّبع! أنا رجلٌ كامل!”
“تقصد صبيًا، أليس كذلك؟”
“لا، أنا كبير! والدتي قالت إنّني كبرت!”
“إذن، هل سيتوقّف طولك عند هذا الحد؟ لن تكبر أكثر؟”
“لا، سأكبر أكثر! سأصبح مثل الدّوق سيفيلد إيمبليم!”
“إذن، أنت لم تكبر بعد. أنت لا زلت صغيرًا. نحن نسمّي ذلك طفل.”
“يا!”
“هيهيهيهي!”
ضحكتُ بصوتٍ عالٍ وأنا أمازحهم باعتدال.
الأطفال يجب أن يلعبوا بحريّة وبدون قيود. أطفال هذا العالم يتعرّضون لضغطٍ كبير ليصبحوا مثل إينوك، أطفالًا ناضجين مبكرًا.
وإينوك نفسه قد استوعب هذا الضّغط بشكلٍ مثاليّ لدرجة أنّه أصبح جزءًا منه.
الأطفال يجب أن يكونوا أطفالًا، هذا صحيح.
“هيّا، نلعب مبارزة الأذرع. هكذا، أمسك يدي. نعم، من ينجح في إسقاط يد الآخر يفوز. يجب أن تلمس يدك السّطح.”
أمسكتُ يد أحد الفتيان وشرحتُ قواعد اللّعبة.
تجمّع الأطفال الآخرون حولي، يستمعون إلى شرحي بعناية.
“هل هي بهذه البساطة؟”
“بالطّبع! إنّها لعبة رائعة لإثبات قوّتي بسهولة.”
“هذه أوّل مرّة ألعب فيها شيئًا كهذا.”
احمرّت خدود أحدهم البدينة. فكّرتُ أنّ ذلك يبدو لطيفًا، وقّلت:
“هيّا، لنبدأ. سأهزمكم جميعًا.”
“حسنًا! سأهزم إيمبليم!”
“حاول إن استطعت!”
ضحكات الأطفال الطّفوليّة انتشرت بهدوء من حولي.
رأيتُ ابتساماتٍ خفيفة على وجوه البالغين، بما فيهم والداي، وهم يراقبوننا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"