على عكس رغبة الكونت كوندرياس، لم يكن من السّهل عليه الاقتراب من عائلة إيمبليم.
منذ اللحظة التي دخل فيها أفراد عائلة دوقيّة إيمبليم إلى قاعة الحفل، أحاط بهم النّاس طبقةً فوق طبقة.
“سيدة ميليسيا، لقد كنتُ معجبًا بفرسان إيمبليم منذ زمن طويل. إنّ لقاءكم هنا شرفٌ عظيمٌ لعائلتي ومجدٌ كبير…”
“منذ ما قبل ولادتي، كانت والدتي تقرأ لي تاريخ فرسان إيمبليم كجزء من تهيئتها لي. أنا من هو مُغرمٌ بإيمبليم من صميم عظامي!”
“لا أريد شيئًا سوى مصافحة واحدة فقط!”
كان من النّادر جدًا أن يرى النّبلاء العاديّون، الذين لم يصلوا إلى مركز الإمبراطوريّة، فرسان إيمبليم.
أولئك الذين يعيشون على الحدود حيث تظهر الوحوش بكثرة، كان بإمكانهم أحيانًا رؤية فرسان إيمبليم المُرسَلين من العاصمة، لكن رؤية قائدتهم ميليسيا كانت أمرًا نادرًا للغاية.
إذا صادف نبيلٌ عاديٌّ ميليسيا، قائدة فرسان إيمبليم، فهذا يعني إمّا أنّه متورّطٌ في خيانة عظمى، أو أنّ عائلته وأراضيه تواجه خطر الزّوال.
لذا، من الأفضل لسلامة الفرد وراحته ألّا يرى ميليسيا، قائدة فرسان إيمبليم، طوال حياته، لكن هل يمكن لقلب الإنسان أن يتحكّم بمشاعره؟
“كنتُ أتوق حقًا، حقًا لرؤيتكم…”
بكى أحدهم بشدّة تأثرًا. أحيانًا، كان الحماس المفرط يتحوّل إلى دموعٍ بهذا الشّكل.
“واو…”
وكان من الطّبيعيّ أن يصدر من فمي تنهيدة إعجابٍ عميقة وأنا أراقب كلّ هذه المشاهد.
‘هذا ليس بأقلّ من نجمٍ مشهور.’
راقبتُ هذا الموقف كلّه وأنا أقف إلى جانب والدي، الذي ابتعد قليلًا عن والدتي بسبب الزّحام.
في حياتي السّابقة، شاهدتُ على التّلفاز مشاهير يغرقون وسط حشودٍ من النّاس، غير قادرين على التحرك خطوة واحدة.
وهذا بالضّبط ما كانت تعيشه والدتي الآن.
كنتُ أعلم أنّ عائلة إيمبليم تتمتّع بشهرة واسعة ليس فقط في الإمبراطوريّة، بل في القارّة بأكملها.
لكنّني، بعد أن وُلدتُ ونشأتُ في مكانٍ لا أرى فيه سوى إيمبليم أينما التفتّ، لم أكن أشعر بحقيقة هذه الشّهرة.
“أبي، هل كانت شعبيّة أمّي دائمًا بهذا الحجم؟”
عند سؤالي، ضحك والدي بحرجٍ خفيف وقال:
“في العاصمة، حيث اعتاد النّاس على رؤية والدتك بجانب جلالة الإمبراطور، لا تكون الأمور بهذا الحجم. لكن في مناسباتٍ مثل هذه، حيث يجتمع كلّ نبلاء الإمبراطوريّة، غالبًا ما يحدث هذا. في البداية، يتحمّس النّاس هكذا، لكنّهم سرعان ما يستعيدون رباطة جأشهم.”
“متى بالضّبط؟”
عند سؤالي، نظر والدي بهدوء نحو مدخل قاعة الحفل.
ثمّ، وبعد أن ضيّق عينيه كأنّه يبحث عن أحدهم، تنهّد وقال:
“عندما تظهر عائلة دوقيّة غراي.”
“لماذا؟ هل لأنّ شعبيّتهم أكبر، فيتدافع النّاس نحوهم؟”
“لا، لأنّ الإشادة بإيمبليم أمام عائلة غراي قد تُعتبر إهانة.”
لم أفهم كلام والدي على الفور، فمالت رأسي متسائلة.
حسب معرفتي، كانت عائلة دوقيّة غراي تتمتّع بشعبيّة لا تقلّ عن إيمبليم.
كما يختلف النّاس في تفضيلهم للمشاهير، هناك من يحبّ بريق إيمبليم، وهناك من يفضّل هدوء غراي.
أليس من الأفضل أن يعبّر كلّ شخص عن إعجابه بالعائلة التي يحبّها؟
‘لكن، هناك مثلٌ يقول: “قل شيئًا عن غراي أمام إيمبليم”، وهو الآن ليس فقط مثلًا في الإمبراطوريّة، بل في القارّة بأكملها.’
في ذروة التّنافس بين العائلتين، كانتا تتجاهلان بعضهما كأنّهما غير موجودتين.
يقال إنّه في التّاريخ، عندما تحدّث أحدهم عن إيمبليم أمام عائلة غراي، تعرّض لانتقامٍ دمويّ.
‘لكن أمّي وخالتي ديانا على وفاق، لذا يفترض أن يكون الأمر على ما يرام.’
ألقيتُ نظرة سريعة على وجه والدتي، التي كانت محاطة بالنّاس.
لم تستطع إخفاء تعبير الحرج على وجهها، لكنّها، رغم ذلك، كانت تنظر في عيني كلّ من يتحدّث إليها، تستمع إليهم، وتردّ بابتسامة.
كان ذلك تمامًا ما يميّز أمّي، عدم قدرتها على أن تكون قاسية مع من يحبّون إيمبليم.
“ما رأيكِ، سيل؟”
“ماذا؟”
“في يومٍ من الأيّام، إذا أصبحتِ قائدة فرسان إيمبليم، قد تكون هذه صورتك في المستقبل.”
“أنا؟”
رمشتُ بعينيّ ببطء. لم أكن أفكّر في شيء، لكنّ كلمات والدي عن قيادة فرسان إيمبليم ألقت بحجرٍ ثقيلٍ في بحيرة أفكاري الهادئة.
أنا، قائدة فرسان إيمبليم؟
كانت الفكرة تبدو مستحيلة منذ البداية.
‘هذا يعني أنّني يجب أن أصبح قويّة مثل أمّي.’
اليوم، ولأوّل مرّة، واجهتُ والدتي.
كانت قويّة.
حتّى لو استبعدنا الفروق الجسديّة الطّبيعيّة بين طفلٍ وبالغ، كانت والدتي قويّة حقًا.
عندما أدركتُ ذلك، أدركتُ أيضًا أنّني كنتُ متغطرسة.
صحيحٌ أنّني في السابعة من عمري، لكنّني لا أنقص عن أقراني في القوّة البدنيّة، أو المهارة، أو الصّبر.
بل كنتُ أتفوّق عليهم.
وعلاوة على ذلك، كانت خبرتي العمليّة من حياتي السّابقة، حيث واجهتُ مجرمًا يحمل سكّينًا، تخفي نقص مهاراتي تحت اسم الموهبة.
لذلك، ظننتُ أنّني إذا واجهتُ والدتي بالسّيف، سأتمكّن من الصّمود قليلًا.
مثلما سمعتُ أنّ إينوك، الذي بدأ للتّو تعلّم فنون مبارزة السّيف، بدأ بإسقاط الفرسان المبتدئين واحدًا تلو الآخر، ظننتُ أنّني إذا تعلّمتُ مبارزة السّيف، سأكون مميّزة بنفس القدر.
بفضل خبرتي كمحقّقة، ظننتُ أنّني سأكون أفضل من طفلٍ في السابعة بدأ للتّو تعلّم مبارزة السّيف.
لكنّني أدركتُ اليوم فقط أنّ ذلك كان وهمًا.
“يقال إنّ أمّي، عندما كانت في السابعة، واجهت جدّي بالسّيف مباشرة وتمكّنت من صدّ ثلاث ضربات. أمّا أنا، فقد سقطتُ بضربة واحدة.”
حاولتُ مرّاتٍ عديدة، لكنّني لم أتمكّن من صدّ سيف والدتي ولو مرّة واحدة.
ما زلتُ صغيرة، وبدأتُ تعلّم السّيف منذ وقتٍ قصير، لذا ربّما كانت والدتي تتعامل معي كما لو كنتُ ألعب لعبة أطفال.
ومع ذلك، شعرتُ في تلك اللحظة بجدارٍ لا يمكنني تجاوزه أمام والدتي.
“والدتك وُلدت بقوّة خارقة، أليس كذلك؟ أنتِ تعرفين ذلك، سيل.”
“أعرف. وأعرف أيضًا أنّني لا أملك تلك القوّة.”
حتّى مع محاولة والدي مواساتي، رددتُ بشفتين متشنّجتين.
والدتي وُلدت بقوّة خارقة غير طبيعيّة.
كانت قادرة على تكسير الصّخور بيديها العاريتين، وثني الملاعق أو السّكاكين كالقوس بمجرّد الضّغط عليها برفق.
يقال إنّ والدتي وُلدت في الوقت الذي استيقظ فيه جدّي، سيفيلد إيمبليم، كسيدٍ للسّيف، وقد قرأتُ في كتابٍ يتكهّن بأنّ هذا قد يكون السبب.
“سيل، عليكِ فقط أن تجدي طريقتكِ الخاصّة. كما أصبح كلّ أفراد إيمبليم أقوياء بطريقتهم الخاصّة، يمكنكِ أنتِ أيضًا أن تصبحي كذلك.”
“هل يمكنني ذلك حقًا؟”
“بالطّبع. والدّليل أنّكِ، رغم أنّكِ بدأتِ تعلّم السّيف منذ وقتٍ قصير، حصلتِ على إشادة بأنّكِ قادرة على مواجهة سيف قائدة إيمبليم. هذا هو ثاني أسرع تقدّم في تاريخ إيمبليم بعد والدتك.”
حاول والدي جاهدًا مواساتي.
وأنا، التي أعرف كم هو ثمين هذا الجهد، ابتسمتُ له.
لكنّ إحساسًا بالفراغ يمرّ بقلبي لم أتمكّن من التّخلّص منه.
— سيل لا تبدو مهتمّة بمواصلة تعلّم السّيف على أيّ حال. أليس من الأفضل أن تثبتي بسرعة أنّكِ لستِ موهوبة في السّيف، ثمّ تعيشي حياة مريحة كما تريدين؟
تذكّرتُ كلمات إينوك التي جعلتني أمسك بالسّيف في البداية.
لقد أمسكتُ بالسّيف في لحظة غضبٍ بسبب تلك الكلمات.
كلّما سمعتُ أخبار إينوك، كنتُ أحاول ملاحقته، لكنّ موهبته كانت تسبقني بخطوتين كلّما تقدّمتُ خطوة.
كان تعلّم السّيف باستخدام خبرتي من حياتي السّابقة ممتعًا، لكنّ الحدود الجسديّة وحدود الموهبة كانت تُحبطني أحيانًا.
أنا، التي كنتُ مجرّد محقّقة عاديّة في كوريا، أصارع لعدم التّخلّف عن زملائي بالمثابرة والإرادة، كنتُ متأكّدة أنّ الفوائد التي تمنحها خبرتي ستنفد يومًا ما.
في هذا العالم، في إمبراطوريّة روتيناس، في هذه القارّة، يوجد أناسٌ قادرون على تدمير الجبال وشقّ البحار بالسّيف.
عالمٌ يمكن فيه لشخصٍ واحدٍ أن يمتلك قوّة تعادل كارثة طبيعيّة. هذا هو العالم الذي وُلدتُ فيه من جديد.
‘ربّما إمساكي بالسّيف الآن هو مجرّد عمليّة لإثبات صحّة كلام إينوك.’
في البداية، فكّرتُ ببساطة أنّه إذا تمكّنتُ من هزيمة إينوك بالسّيف ولو مرّة واحدة، سأتمكّن من إسكات فمه المزعج.
لكن عندما أمسكتُ بالسّيف، أدركتُ أنّني ذهبتُ بعيدًا جدًا لأتوقّف بعد قول: “هزمتُ إينوك مرّة، وهذا يكفي!”
لنفي كلام إينوك، يجب أن أستمرّ في إثبات قوّتي، بل وقوّة إيمبليم أيضًا.
هل يمكنني حقًا أن أسير في هذا الطّريق الذي لا يبدو له نهاية طوال حياتي؟
“الدّوق جايد غراي، وإدوارد غراي، وإينوك غراي من عائلة دوقيّة غراي يدخلون!”
في تلك اللحظة، صدح صوت خادمٍ عند مدخل قاعة الحفل معلنًا وصول عائلة غراي.
انقسمت الحشود التي كانت تحيط بنا كما ينقسم البحر الأحمر إلى نصفين.
“…”
رأيتُ إينوك، مرتديًا زيّ فرسان غراي، يسير إلى جانب الدّوق جايد غراي، تمامًا كما كنتُ أرتدي زيّ إيمبليم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 21"