ما إن فتحت ليتيا عينيها حتّى وجدت نفسها — كما توقّعت — عادت إلى الغرفة ذاتها. بدا أنّه كلّما انتهت الحلقة أو فقدت وعيها، تُستَدعى إلى هذا المكان من جديد.
حين جذبت حبل الجرس، دخل إيثان إلى الغرفة بابتسامة هادئة.
“إيثان، هل يمكنك استدعاء ديلين من فضلك؟”
“نعم، سأحضره على الفور.”
يا لسرعة استجابته. يبدو أنّ وظيفة المساعد المقرّب ليست أمرًا يُؤتمن لأيّ كان.
ولم يلبث أن دخل ديلين بعد لحظات قصيرة.
“ما الأمر؟”
كان على حاله: باردًا، مقتضب الحديث.
“حين أردتُ تنفيذ المهمّة، انتقلتُ إلى ساحة تدريب إدوين، وتحديدًا إلى ساحة تدريب سيدريك الخاصّة.”
“أهكذا كان الأمر.”
‘أهكذا كان الأمر حقًّا؟’
كادت ليتيا أن تمسكه من تلابيبه وهي مشتعلة غضبًا، لكنها ابتسمت ابتسامة يغمرها الغضب المكبوت.
“هل يعني هذا أنّني في كلّ مرّة أبدأ فيها مهمّة، سأنتقل إلى ساحة تدريب إدوين؟”
“بحسب ما تحقّقتُ منه، لا يوجد خلل في نظام اللعبة. يبدو أنّ التفاصيل جزء من إعداد قصصيّ لم يُذكَر في السّيناريو.”
“إذًا كلمات سيدريك وتصرفاته أثناء المهمّة، هل…”
“ليتيا، تذكّري أنّنا في لعبة، وشخصيات اللعبة لا يمكن أن تكون كالبشر.”
“…”
آه، لقد أصاب كبد الحقيقة.
كانت ليتيا تعلم تمامًا أنّ هذا مجرّد عالَم افتراضيّ، لا يختلف عن تجربة واقعٍ معزّز.
لكن كيف للإنسان ألّا يخطئ الظنّ وهو يشعر بحرارة الجسد ودقّات القلب؟
وبينما كانت تحدّق فيه، مدّ ديلين فجأة يده وأمسك بيدها.
“هاه؟ ما الذي تفعل؟”
“أأنا دافئ؟”
“ماذا تعني بذلك؟”
تجمّدت حين التقت عيناها بعينيه الرماديّتين الغارقتين في عمقٍ غامض.
“هل أشعر بالدفء؟ أيسري فيّ نبض؟”
كانت يده في الواقع باردة قليلًا، لكنّها شعرت أنّ سؤاله لم يكن عن حرارة الجسد فحسب، بل عن شيء آخر أعمق
فمدّت يدها وأمسكت معصمه برفق.
“لا أدري ما الذي تفكّر فيه، لكنك دافئ فعلًا. النبض واضح هنا، أليس كذلك؟”
“لكني مجرّد شخصية مبرمجة.”
“أوّل مرة أرى شخصية تقول ذلك عن نفسها. أعلم أنّك غير حقيقي، وأعلم أيضًا أنّ سيدريك هو الشخصية القابلة للّعب.”
“…”
خفض ديلين نظره إلى يده العالقة بين يديها ثمّ رفع بصره من جديد، كانت عيناه خاليتين من التعبير، لكنّها شعرتُ باهتزازٍ في أعماق ذلك البرود.
“ومع ذلك، الإنسان لا يستطيع إلّا أن يمنح قلبه. لقد أحببتُ سيدريك إدوين، الذي لا يمكنني بلوغه أبدًا، لأنه منحني السعادة والعزاء. وهذا وحده كافٍ لنا نحن البشر.”
“لا أستطيع أن أفهم.”
عبس قليلًا ووضع كفّه على يدها.
‘هل يمكن للبشر أن يحبّوا من لا يملك مشاعر؟’
كان ما رآه من الحبّ في العالم الإنساني سريع الاشتعال، سرعان ما يخبو ويزول.
“يومًا ما ستفهمين، ليتيا. حين يبدأ قلبك بالخفقان، وتتراكم في داخلك لحظات الفرح، ثمّ تجد نفسك تبكين دون سبب أمام مشهد مألوف، فقط لأنّه أثار فيك شيئًا لا اسم له.”
“ذلك مستحيل، إلّا إنْ بدّل البرنامج قيم الإعداد فيّ.”
هزّ ديلين رأسه ببرود، نزع يده منها وأدار وجهه.
كم من اللاعبين الذين تحدّثوا بتلك الأحلام الواهمة، ثمّ رحلوا ما إن شعروا بالملل.
في نظره، كان الحبّ مجرّد إثارة مؤقّتة، وشغفٍ يذوي مع الوقت.
لكن النظام لم يكلّ، بل أصرّ على جرّ هذه المرأة إلى داخل اللعبة نفسها.
“ربّما يكون كلامك صحيحًا، وسيدريك لم يحبّني حقًّا، لأنّ مشاعره مبرمجة. لكنّ ما منحني إيّاه ليس زائفًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 9"