تجمدت ملامح إيثان حين لاحظ ارتباك ليتيا يخيّم على وجهها.
“سيدريك إيدون…”
ليتيا إتْوار في الوقت الراهن تبدو منهكة من كلّ شيء.
تؤدي حواراتها المحفوظة بإخلاص، رغم تعبيرات السأم التي لا تفارق وجهها، وتمضي بالأحداث كما هي بلا تذمر ولا تراجع.
لكنّ هناك استثناءً وحيدًا، لحظةً واحدةً لا تعرف الكلل فيها:
سيدريك إيدون.
فهو وحده من تتلألأ عينها لرؤيته.
“أنا منذ البداية أرى في هذا العالم سوى سيدريك إيدون.
ولكي أراه، عليّ أن أستمر في المراحل، أليس كذلك؟”
ضحك إيثان ضحكةً هادئة، متعبة، إذ لم تفاجئه إجابة ليتيا، ولم تخالف توقّعاته.
وكان الأمر محيرًا بعض الشيء، فاللاعب منغمس بحماسٍ في عالمه، ومع ذلك شعوره بالضيق لا يُفسّر.
“على أيّ حال، لدي عشر محاولات للحياة.
حتى لو قُتلت، تستأنف القصة من النقطة التي توقّفت عندها.
لذا، أرجوك، لا توقف الأحداث.”
“هل رؤية سيدريك إيدون أهمّ لديك من حياتك؟”
“لأن لي أكثر من حياةٍ أعيشها.”
ردّت ليتيا وكأنّ الأمر بديهيّ.
لو كانت تملك حياةً واحدة، لكانت حتمًا قد انغلقت في غرفتها تحمي نفسها.
لكن هذا عالم لعبة، حيث عدد الأرواح أكثر من حياة القطّ نفسه، عشرةٌ كاملة.
حرّك إيثان شفتيه لوهلة، ثم أومأ موافقًا.
“حسنًا. إن حدث طارئ أثناء غيابك، فاستخدمي بطاقة اللقاء.”
“بطاقة اللقاء؟”
“لقد أنهيتِ ثلاث فصول، لذا من المفترض أن تكون لديك ثلاث بطاقات لقاء.
إذا وقع أمر مشابه، استدعي بها ديلين أو سيدريك إيدون.”
“وهل لا أستطيع استدعاؤك أنت؟”
اتسعت عينا إيثان بدهشةٍ، وارتسمت على فمه ابتسامة خفيفة.
“للأسف، لا.”
“همم، فهمت. شكرًا على قلقك قبل قليل. واحذر على نفسك أيضًا.”
لوّحت ليتيا بيدها بخفة، وأومأ إيثان برأسه بتحيةٍ مختصرة وغادر الغرفة بوجهه الجامد المألوف.
“أما أنا، فعليّ أن أستعدّ للفصل القادم.”
جلست ليتيا وحيدةً في الغرفة، تتلمّس المكان بعادة لم تتركها بعد: البحث عن هاتفها الذي لم يعد موجودًا أصلًا.
“الفصل القادم فرصة ذهبية لرفع مستوى المودّة بشكل كبير.”
ربّتت بيدها على ركبتها، غارقةً في التفكير، فالهموم كثيرة ومتشابكة.
كانت القصة تسير بلا تدخلٍ منها، دون أي محاولة لتغيير أحداثها، وهو ما أربكها قليلًا.
أكثر ما أزعجها هو سرعة ارتفاع مؤشر مودّة سيدريك نحوها.
في الأصل، كان من الأصعب بين كل الشخصيات في هذهاللعبة.
“لقد التقينا ثلاث مرات فقط، ومع ذلك ارتفع المؤشر إلى نصفه تقريبًا…”
تنفست ببطء، مستغربة.
“ما الذي يجده فيّ؟ هذا غريب للغاية.”
وفجأةً، غمرها شعورٌ بالنعاس والإرهاق، وكأنّ أحداث الفصل التالي بدأت تتسلل إلى وعيها.
[ بدأ الفصل الجديد:
الفصل الرابع: “نزهةٌ في النهر.
مُلاحظة: قد تظهر مهمة مفاجئة.]
وحين تلاشى الضباب من أمام ناظرها، ظهرت فتاةٌ تشبه زهرة دوّار الشمس.
“ليتيا! هنا!”
“آه، ماري.
يا لها من مصادفةٍ رائعة في يومٍ كهذا!”
ابتسمت ليتيا، وسارت نحوها بخطًى رشيقة.
الطقس مثالي، والماء تحت الجسر صافٍ، والفراشات البيضاء ترفرف بهدوء.
على ضفّة النهر، تمايلت زهور الإكّيناسيا والسوسن مع نسيمٍ لطيف.
“حقًّا، هذا هو الفردوس على الأرض.”
شهقت ليتيا بعمق، ممتلئةً بالبهجة.
من حولها، تلاقت أعين الشبان والفتيات، يتبادلون المشاعر أحيانًا بخجل وأحيانًا بجرأة، وسط مناظرٍ تشبه الحكايات الخيالية.
“هل قرّرتِ بعد، ليتيا؟”
“ماذا تقصدين؟”
اقتربت ماري وهمست بخفة:
“قارب النزهة، من ستختارين أن يكون مجدّفك؟”
“قارب النزهة؟”
سألت ليتيا رغم إدراكها بالسؤال، لكن وجود هذه الجملة كان ضروريًا للمشهد.
وتدفّقت كلماتها المحفوظة بسلاسةٍ غريبة.
كانت تذكّرها بأمها:
“لو حفظتِ دروسك بحماسك هذا، لحققتِ المرتبة الأولى.”
“أما أنا، فقد تلقيتُ عروضًا من ذاك الرجل وذاك الآخر…
آه، من أختار؟ اختر بدلًا عنّي يا ليتيا، فأنتِ صاحبة الذوق الرفيع!”
رفيع، نعم، إلى درجة تجاوزت الواقع، متعلقةً بشخصٍ وراء شاشة باردة.
ابتسمت ليتيا، وأشارت إلى أحد الشباب بعد تفكير قصير:
“لو كنتُ مكانك، لاخترتُ هذا الرجل.”
“ولماذا؟”
“لأنه وسيم ويبدو مهذبًا.”
“وأيهما أهمّ عندك، الوسامة أم الأدب؟”
سؤالٌ بلا معنى.
اتسعت عينا ليتيا بدهشة، فأجابت بلا تردد:
“لو اضطررتُ للتخلي عن أحدهما، لفضلتُ الإبحار وحدي.”
ضحكت ماري، ثم غمزت بعينها، وغادرت نحو الرجل الذي اختارته ليتيا.
بقيت ليتيا وحدها، تُحيّي الفتيات بابتسامة لطيفة، ثم اتجهت نحو المرفأ.
كان من المفترض أن تظهر هنا خيارات الشركاء، لكنها لم تظهر.
“…؟”
وفجأةً، امتدت يد أمامها.
“ليتيا.”
“سي… سيدريك؟”
توقفت في مكانها.
لم تظهر الخيارات، ومع ذلك ها هو سيدريك أمامها مباشرة.
كان هذا خطأً واضحًا في السيناريو، شعورٌ داخليّ بالريبة يخيّم على كتفيها، كحدس موظفٍ أدرك أنه أرفق ملفًا خاطئًا في البريد.
“هل وجدتِ من يرافقك في القارب؟”
“…”
“ليتيا؟”
استفاقت على صوته، وقالت متلعثمة:
“آه، لا، لم أجد بعد. شردت قليلًا، ولم أسمع النداء.”
“فهمت. اليوم الطقس مثالي للإبحار.”
“نعم، كأنّ الجنيّات ستخرج الآن، هه.”
ابتسم لها بخجل، ومدّ يده ليزيل زهرةً سقطت على شعرها.
“ليتيا، ليتني أشاركك هذا المشهد حتى في ليلة روح الصيف.”
ابتسم لها مبتسمًا، فشعرت وكأنّ الزمن يبطئ أمام عينيها.
“هَهْ!”
“هل أرهقتك كلماتي يا ليتيا؟”
‘ما هذه النظرة؟ وما هذا البريق؟!’
وضعت يدها على صدرها، وفتحت فمها بعزم:
“أبدًا. لو عرض عليّ سيدريك الآن الزواج والإنجاب،
لما شعرت بأي عبء!”
“الإنجاب؟”
أمال رأسه باستفهام، فانتابها خجل شديد.
كانت عينا سيدريك نظرات إنسان عادي، لم يعرف الهوس من قبل.
“أقصد… أنّني أستمتع فعليًا بالوقت معك.”
ابتسمت ابتسامة اجتماعية طبيعية، فهذه من تعاليم عشاق الانغماس في الواقع: التصرف بسلاسة أمام المدنيين.
“إذن، هل لي شرف الإبحار معك، ليتيا؟”
غطى فمه بقبضته، وضحك بخفة.
كانت صراحة ليتيا وسذاجتها الصادقة تجعل المشهد ساحرًا.
“بالطبع! لا حاجة للسؤال.
يمكنني التجديف أيضًا إن أردت!”
وهكذا كانت دائمًا — صادقة، متحمّسة، صريحة، لكنها… ليتيا.
التعليقات لهذا الفصل " 11"