“هاه؟!”
فتحت ليتيا عينيها وهي تُرمش بسرعة.
توقّعت أن ترى سقف شقّتها الأبيض البسيط، لكنّها وجدت نفسها تحت لوحةٍ مذهلةٍ تليق بصالة قصرٍ ملكيّ.
كان أمامها احتمالان لا ثالث لهما:
“اختطاف؟”
أو… “اتّجار بالبشر؟!”
ارتجف جسدها من الفكرة الثانية، فسارعت تتفقد نفسها.
ولحسن الحظّ، لم تجد أثر قيدٍ أو خدشٍ عليها.
“أيّ نوعٍ من الخاطفين يضعكِ في قصرٍ فخمٍ كهذا؟ انتظري… قلتُ قصر؟!”
أدارت رأسها بتردّد، وعيناها تتّسعان دهشةً.
“يا للعجب… هل أنا في حلمٍ واعٍ؟!”
هبطت من السرير بحذرٍ، ومدّت يدها إلى مزلاج الشرفة.
كان الحديد بارداً واقعيًّا حدَّ القسوة، وحين فتحت الباب هبّت نسمةٌ دافئةٌ لامست وجنتيها برائحة الزهور والعشب الطريّ.
“ما هذا…؟!”
أمامها حديقةٌ مترامية الأطراف، كأنّها مشهدٌ من روايةٍ خياليّة.
زهورٌ تتلألأ، فراشاتٌ تتطاير، وعصفورةٌ زرقاء تحطّ على غصنٍ قريب فتُثير دوّامةً من الألوان.
“غريب… ألم أكن نائمةً في بيتي؟”
طَرقٌ خفيفٌ على الباب أيقظها من شرودها.
خفق قلبها بعنفٍ حتى كادت تهرب، لكنّها تماسكت وضغطت كفّيها على صدرها لتهدّئه.
“آنستي، لقد أحضرتُ ماء الغسيل.”
“آنستي؟!”
التفتت بارتباك، ثمّ أبصرت مرآةً قريبة.
“هذا المنظر… مألوف!”
اقتربت بخطواتٍ متردّدة، وما إن انعكس وجهها فيها حتى صرخت صرخةً عالية:
“آااااه!”
“آنستي! ما بكِ؟!” هرعت الخادمة مذعورة.
“أنا… أنا…!”
“هل أصابكِ مكروه؟!”
“أنا جميلة جدًا!”
“…عفوًا؟!”
بُهِتَت الخادمة وهي ترى سيّدتها تحدّق بنفسها في المرآة بعينين تلمعان كالمجنونة.
لكنّ ليتيا كانت ترفرف سعادةً وذهولًا.
“إنّي أشبه جنيّة! لا يُعقَل… لكن هذا الوجه… رأيته من قبل!”
قالت الخادمة بلطفٍ متحفّظ: “يبدو أنّ حلمكِ كان واقعيًّا يا آنستي، ها هو ماء الغسيل.”
أي بمعنى آخر: “اغسلي وجهكِ واستفيقي.”
انحنت ليتيا لتغمس وجهها في الماء البارد.
‘هذا الوجه… لا يُنسى أبدًا… أهو من لعبةٍ ما؟’
رفعت رأسها فجأة وهي تلهث: “فوه!”
قدّمت لها الخادمة منشفةً، لكن ليتيا ظلّت جامدة، تنظر إلى شيءٍ في الهواء أمامها.
كانت قطرات الماء تتساقط من وجهها بينما تقرأ سطرًا متوهّجًا أمام عينيها:
[ مرحبًا بكِ في لعبة: <ألا يمكننا الاكتفاء بالحبّ؟>
هل ترغبين في بدء التعليمات؟ Y / N ]
[زوز: البطلة بعدهي ما مختارة أسمها باللعبة لذلك النظام يشير لها بـ Y/N أي YOUR NAME ]
“<ألا يمكننا الاكتفاء بالحبّ?>”
إنّها اللعبة ذاتها التي كانت تلعبها كلَّ يومٍ في طريقها إلى العمل!
اللعبة التي دفعت فيها مالًا حقيقيًّا من شدّة ولعها بها!
تجمّدت وهي تحدّق في النافذة المضيئة.
“لقد… تجسّدتُ حقًّا…”
“هاه؟!”
“لقد تجسّدتُ داخل اللعبة أخيرًا!”
رفعت ذراعيها عاليًا وهتفت بفرحٍ طفوليٍّ مجنون.
نظرت إليها الخادمة في حيرةٍ ورفعت يدها بخجلٍ مجاملةً دون أن تفهم شيئًا.
‘هل طريقة البدء هي نفسها؟’
ضغطت ليتيا على الزرّ Y. فانبثق نصّ جديد:
[ اللاعبة: ليتيا إتْوار، الابنة الوحيدة لكونت إتْوار.
ارفعي مؤشّر المودّة مع الهدف المختار حتى تصلي إلى النهاية.
الحياة: 10/10
الطاقة العقليّة: 80/100
المودّة: ?/100]
“تمامًا مثل النسخة الأصلية… لكن كيف حصل هذا وأنا لم أمت؟!”
عقدت حاجبيها تفكر.
في القصص، التجسّد لا يكون إلّا بعد حادثٍ أو موت، فهل هذه الحالة استثناءٌ بلا موت؟
استعرضت القصص التي قرأتها مؤخرًا… لا شيء يشبه ما تمرّ به.
كانت اللعبة قد ابتلعت كلّ وقتها أصلًا.
“كنت أعود من العمل ألعن الثلاثاء، ثم أفتح اللعبة… وبعدها؟”
“أغمضتُ عينيّ… وها أنا هنا.”
هل أنهكها العمل حتى الموت؟ احتمالٌ غير مستبعد.
فقد كانت تعمل حتى الحادية عشرة تلك الليلة، وشركتها لم تلتزم قطّ بنظام 9 إلى 6!
تنفّست غصّةَ ظلم، لكنّ الخادمة قطعت تيّار أفكارها بلطف:
“آنستي، إن كنتِ قد استيقظتِ، فاسمحي لي أن أساعدكِ على ارتداء ثيابكِ.”
ابتسمت ليتيا بدهشةٍ وقالت:
“آه… بالطبع، لكن ما اسمكِ؟”
“اسمي هيث، آنستي، وأرجو ألّا تتكلّفي في الحديث معي.”
“ذلك مستحيل، يا هيث. لكن سررتُ حقًّا بلقائكِ.”
صافحتها بحرارة، فبادرت هيث إلى تمشيط شعرها بعنايةٍ تليق بالأميرات.
شعرت ليتيا كأنّها جروٌّ مدلّل من فصيلة “المالتيز” يُغسل ويُهيّأ بكلّ حبٍّ وحنان.
“تمّ الأمر، آنستي.”
“شكرًا لكِ، يا هيث. إنّ يديكِ ساحرتان!”
“هل تزورين السيّد الكونت اليوم كما هو مقرّر؟”
“الكونت إتْوار…”
تذكّرت فورًا والد البطلة في اللعبة.
شخصيّة جانبيّة، لا تظهر إلا عرضًا، وتبقى حيّة فقط إن اختارت البطلة القائد المقدّس “ديلين” طريقًا للحبّ.
‘إذًا… من الأفضل ألّا أتعلّق به كثيرًا.’
لأنّها لم تختر ديلين، فمصيره المحتوم الموت في منتصف القصّة.
رافقت الخادمة إلى مكتب الكونت، والقلعة حولها تتوهّج فخامةً ودفئًا.
“سيّدي الكونت، الآنسة ليتيا وصلت.”
“دعيها تدخل.”
فُتح الباب قبل أن ينتهي الخادم من كلماته.
“تعالي يا ليتيا.”
“نعم، أبي.”
ما إن وقع نظرها عليه حتى شهقت واضعةً كفّها على فمها.
“يا للعظمة!”
“همم؟ ما الذي يدهشكِ يا ليتيا؟”
“إنّك… وسيمٌ بصورةٍ أسطوريّة!”
“هاه؟ أتقصديني أنا ؟”
كان ذا شعرٍ ورديٍّ فاتح، وبشرةٍ بيضاءَ تضيء كالقمر، ورموشٍ طويلةٍ تُظلّل عينيه الزرقاوين كالصفاء الياقوتي.
في الرسومات بدا كالكائن الخياليّ، أمّا على الحقيقة فكان يفوق كلّ خيال.
“حقًّا، هذه أول مرّةٍ أرى فيها أحدًا أجمل من نسخته المصوّرة!”
وبينما يزداد بريق عينيها، انبثقت نافذة صغيرة أمامها:
[ الاسم: ريفان إتْوار
العمر: 172 سنة
ملاحظة خاصّة: مُصاب بلعنةٍ تنّينيّة، خالدٌ لا يموت.
مُلاحظة: لا يمكن التودّد إليه لعلاقة الدم. ]
كانت في السابق ترى قصّة اللعنة التنّينيّة مجرّد حيلةٍ دراميّة ضعيفة…
لكن بعد أن رأت جمال الكونت، باتت تؤمن أنّ حتى التنانين قد تقع في غرامه.
“غريب… أنتِ…”
“نعم، أبي؟”
ابتسم ابتسامةً مبهمةً ثمّ قال:
“لا شيء. على أيّ حال، لم يبقَ وقتٌ كثير قبل حفلة تقديمكِ في البلاط. أوجدتِ شريككِ للحفلة؟”
وما إن أنهى كلمته حتّى ظهرت أمامها نافذةٌ جديدة:
[اختاري شريك حفلة تقديمكِ:
1. القائد المقدّس
2. الدوق
3. زعيم نقابة الظلال
4. الكونت إتْوار]
تجمّدت ليتيا في مكانها، تتلفّت من حولها.
كلّ شيءٍ سكن، حتى نسمة الهواء توقّفت عن الحركة.
“هل… أنا فعلًا داخل اللعبة؟”
همست بنبرةٍ مرتجفة، والواقع والحلم والخرافة يتمازجون في عينيها…
ولم يَعُد أحدٌ في هذا العالم ليُجيب.
التعليقات لهذا الفصل " 1"