انحبستِ الكلماتُ في حلقي.
توقّفتُ عن السير، وبدأتُ أفتحُ فمي وأغلقه بلا صوت، فرأى رآون ذلك فأكمل كلامه.
“لِـمُدّةِ 3 سنواتٍ فقط.”
“نـ… نَـ… نَعَمْ، صَحيح.”
“حسنًا، لا نعرفُ كيف ستجري الأمور.”
“……نَعَمْ؟”
“قد يُعجبُكِ قصرُ وينسفير كثيرًا، وتبقين فيه إلى الأبد، مَن يَدرِي؟”
كان رآون يبتسم، ولِلأسف، كان جميلًا إلى حدٍّ مُغيظٍ.
ارتجفَ طرفُ فمي، لكنّي حاولتُ أن أبتسم.
وبالرغم من أنّ الدموع كانت تتجمّعُ في عيني، إلّا أنّ فمي كان يبتسم، وهذا يكفي… أليس كذلك؟
“السيّد رآون، يا لَطفَ مُزاحِك.”
“لَمْ أكُنْ أمزح. ثمّ، أَلَمْ نَحْسِمِ أمرَ الألقابِ قبلَ وصولِنا؟”
“الألقاب… آه، صحيح أنّ هناك… موضوعُ الألقاب.”
“قبل قليلٍ رأيتُكِ تُنادينهمَ ، أمّا أنا، الذي سأعملُ معكِ دائمًا، فتُناديْنَني السيّد رآون؟ هذا مُحزِن قليلًا. مع أنّكِ في البداية ناديتِني كما أُحِبّ.”
“إذًا… يمكنني إضافة كلمة سيّدٍ لكلِّ مَن في القصر…”
“ولماذا تُعقّدين الأمر؟ يكفي فقط أن تُغيّري لقبي.”
“……لا.”
خرجت الكلمة من فمي قبل أن يمرّ على عقلي أيُّ تفكير.
لكنّ عينيّ اصطدمتا بنظرة رآون الباردة، فغيّرتُ جوابي فورًا.
“صَحيح. أنا أُوافِق. السيّد رآون… أتطلّعُ للعملِ معك.”
ربّما سيقول الناس إنّي بلا موقف، لكن لا بأس.
فحياتي على المحك!
ابتسم رآون راضيًا، كاشفًا أسنانه البيضاء.
“ها قد وصلنا. سيون، أَعِدْنا إلى المكانِ السابق.”
رفع الساحرُ المتلفّعُ بردائه رأسه. ذلك الساحرُ الذي يُنادونه ساحرًا لكنّه في الحقيقة شيطان.
“أمرك! طالما أنّها رغبةُ السيّد رآون.”
يبدو أنّه كان سيقول: يا صاحبَ السموّ الدوق.
“بالطبع يجبُ تنفيذُ ذلك. آنسة وُوكَر، رأيتُكِ قبل قليل. اسمي سيون.”
“نَعَمْ. تشرّفتُ بلقائك.”
سحبتُ يدي من يد رآون وصافحتُ سيون.
بعد تحيّةٍ لطيفة، ابتعد عنّي بلا تردّد، ثمّ التصق برآون وهو يهمس.
“لأنّي رأيتُ البشر خارج القصرِ بعد زمن، فـ… آه… أنا مُتَحمّسٌ جدًّا.”
كان يهمس بخفوتٍ شديد، لكن حواسّي كانت مُرهَفة، فوصلت كلماته إلى أُذني بوضوح.
“إذا احتجتِ للخروج مرّةً أخرى، فاستدعيني أنا فقط. غيري لا يجوز. البقيّة سينكشفون فورًا.”
اللعنة. أسمعُ كلَّ شيءٍ يا شياطين.
نظرتُ بعيدًا إلى الغابة لأتجنّب النظر إليهم.
شعرتُ بأنّ رآون ينظرُ إليّ، لكنّي رفضتُ أن ألتفت ناحيته.
ثمّ شعرتُ بأنّ سيون يُلقي عليّ نظرةً أيضًا، فجفّ حلقي.
هل انكشف أمري؟
لم تمرّ حتى ساعة واحدة، فكيف انفضحَ كلُّ شيء؟
لكنّ كلام رآون كان عاديًا تمامًا.
“سيون. توقّفْ عن الكلامِ الفارغ، وابدأِ الانتقال.”
“تِش، نَعَمْ.”
حرّك سيون يديه عدّة مرات، فراقبتُه بصمت.
وبعد لحظاتٍ قصيرة، اكتملَت دائرة انتقالٍ مثالية.
“حسنًا، يمكنكما المرور الآن.”
لم يستغرق الأمر دقيقةً واحدة.
‘سحرةُ القصرِ الإمبراطوريّ لا يستطيعون فعل هذا بسهولة.’
وفوق ذلك، تعلّمنا في النظرية أنّ الانتقال قصير المدى، ويجب الدخول فور اكتماله، وإلاّ تُمزّق الجسد إلى أجزاء متفرّقة.
لكن سيون بدا واثقًا أنّ سحره لن ينتهي.
كان ينظّف أُذنيه ويتلفّت حوله بلا مبالاة.
ومن هذه الثقة المفرطة أدركتُ فجأة أنّ شياطين وينسفير أقوياء فعلًا.
ثمّ خطرت لي فكرة صغيرة.
وفق الرواية، سيون ليس حتّى أقوى شيطان في القصر.
هناك بايل… وهناك آمون الذي لم يظهر بعد.
إن كانوا بهذا القوّة، فكيف انتهى بهم الأمر إلى السقوط بهذه السهولة في القصّة؟
لكنّ أفكاري لم تدم طويلًا.
“آنسة وُوكَر.”
“……نَعَمْ؟”
“يدُك.”
ما إنْ شدّ رآون على يدي حتّى سُحِبتُ إلى داخل الضوء.
بعد عبور الضوء، ظهرت أمامي المناظرُ المألوفة.
ارتجفتُ قليلًا من تغيّر الحرارة المفاجئ، ثمّ سحبتُ يدي من يد رآون.
“ها قد وصلنا. لن يستغرق إحضار أمتعتكِ وقتًا طويلًا.”
“حقًّا.”
اتجهتُ نحو البيت، ولحق بي خلفي بشكلٍ طبيعيّ كلٌّ من رآون وسيون.
“لديّ بعض شؤون البيت التي يجب حلّها. هل يمكن أن أذهب وحدي؟”
توقّفت خطواتهما.
وانكمشت شفاههما قليلًا.
“لا داعي للقلق من أنّكِ ستهربين.”
بالطبع فكّرتُ بالأمر.
لكن لو هربتُ الآن، فسأعترف ضمنيًا بأنّي اكتشفتُ أنّهم شياطين.
وفوق ذلك، لو تجاهلنا كونهم شياطين، فهذه وظيفة ممتازة.(رغم أنّ كونهم شياطين مُشكِلة كبيرة.)
ازداد وجه رآون صلابةً حين سمع كلامي، فتساءلتُ إنْ قلتُ شيئًا خاطئًا.
وبدأتُ أشعرُ بالعرق على يدي، إلى أن تحدّث أخيرًا.
“لمْ يخطر ببالنا ذلك.”
لم أتوقّع هذا الرد إطلاقًا.
رمشتُ عدّة مرات، ثمّ صافحتُ حلقي.
“أُم… شكرًا لثقتِكُم.”
“لا شكر على واجب. إذًا، أنا وسيون سننتظرُكِ في المكان الذي التقينا فيه أول مرّة. عودي براحتك.”
ابتعد رآون عنّي دون تردّد.
فناديتُهما:
“سأعود خلال 2 ساعة! لا… خلال ساعة واحدة!”
ففي النهاية، سأعيش مع هذين الـ… الشيطانين لمدة 3 سنوات.
ولا فائدة من كسبِ عداوتهما.
انحنيتُ لهما، ثمّ أسرعتُ إلى البيت.
كانت خطواتي خفيفة على غير العادة.
مهما يكن، فقد حصلتُ على الـ300 ذهب التي طلبها والدي… خلال نصف نهار فقط.
وما إنْ أعطيه النقود وأُنهي أوراق السجلّ، فلن أكون ملكًا للبارون وُوكَر بعد الآن.
رغم أنّ اليوم كان طويلًا، إلّا أنّ شعورًا غريبًا أخبرني أنّني سأنام الليلة مبتسمة.
الغيوم السوداء بدأت تتجمّع، وكأنّ المطر سيعود.
“يجب أن أسرع قليلًا.”
وسرتُ بسرعة أكبر، فبفضل ذلك وصلتُ قبل الموعد بحوالي خمس دقائق.
وقفتُ أمام الباب القديم، وأغمضتُ عيني، وأخذتُ نفسًا عميقًا.
فلو أعطيتُ والدي الـ300 ذهب، فلن يكون والدي بعد الآن.
كان شعورًا غريبًا.
طوال حياتي ناديتُه والدي.
والآن سأقطع علاقتي به.
ربّما لهذا بدأتُ أغوص في أفكارٍ غير ضرورية.
“أنتِ مجنونة. 7 سنوات من الغباء، وما زلتِ لا تتعلّمين؟”
صفعتُ خدّي بضع مرّات، ثمّ فكّرتُ بجدّية.
“……لكن ربّما عندما أسدّدُ الدين، سيغيّر سلوكَه؟”
لمْ يكُن أبي سيئًا في البداية.
قبل أن يبدأ مشروعه التجاري، كان أبًا طيبًا ومحبًّا لعائلته.
لكن كلّ شيء تحطّم بعد ذلك.
وربّما لأنّي أتذكّر ذلك الأب القديم… لم أستطع تركه بسهولة.
وقفتُ أمام الباب طويلًا.
‘يمكنني أن أرى ردّة فعلهِ أولًا… ثمّ أقرّر. من المخيف قطع العلاقة فجأة.’
أغمضتُ عيني ثانيةً، وأخذتُ نفسًا طويلًا.
ثمّ فتحتُ الباب ودخلت.
صدر صوتٌ مزعج من المفصلة الصدئة.
ويبدو أنّ والدي لاحظ ذلك الصوت، فقد خرج لاستقبالي.
“أوه! لِيليانا! لقد عدتِ!”
لحظة. هو… يستقبلني؟
اقتربَ مني بابتسامة مشرقة، فارتجفت كتفي.
لأنّه لا يفعل هذا إلا عندما يرتكب كارثة جديدة.
شعرتُ بنذيرِ شؤمٍ يغمرني.
وتلاشت كلُّ أفكاري الإيجابية التي كنتُ أفكّر بها عند الباب.
ابتعدتُ عنه وسألته ببرود:
“ما الذي فعلتَه الآن؟”
“أيّ فعل؟ ما هذا الكلام الذي تقولينه لوالدكِ؟”
“قُل الحقيقة.”
رضخ تحت إصراري، وقال ما كان كفيلًا بإسقاطي في الهاوية.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"