كان سؤال السيدة ميغين مفاجئًا.
“نعم،أنها أول مرةِ نلتقي فيها.”
لم يسبق أن رأت لوناريا السيدة من بعيد حتى. فبالطبع، كانت هذه المرة الأولى.
بعد سماع إجابة لوناريا، قالت السيدة ميغين، “حسنًا”، واستدارت مبتعدة.
كانت هذه محادثتهما الأولى الغامضة.
بما أن السيدة ميغين لم تقل لها أن تغادر القصر، اعتبرت لوناريا أن بإمكانها العمل كخادمة.
منذ ذلك الحين، كانت تأتي يوميًا إلى قصرها الذي يُدعى بقصرِ بيلا،
تطهو الطعام وتقوم بالتنظيف و الترتيب.
هكذا استقرت لوناريا في قصر بيلا كخادمة.
في اللحظة التي انتهت فيها الذكريات القديمة المتشابكة،
اختفت الظلال التي كانت تتمايل على نافذة الطابق الأول.
ثم فُتحت بوابة القصر.
وقفت امرأة متوسطة العمر بلا تعبير تمسك بمقبض الباب وتحدق في لوناريا.
كانت المرأة ذات قامة تتجاوز بكثير قامة معظم الرجال البالغين،
وكانت عضلاتها بارزة بشكل واضح.
“يا الهي،هل كنتِ تنتظرين قدومي؟”
“فقط جربي البقاء مع السيدة ميغين طوال اليوم. ستعرفين كم هو ممل.”
كانت إميلي، الممرضة، تتحدث بنبرةِ باردة،
لكن من الداخل كانت أدفأ وألطف من أيِّ شخصٍ آخر.
في حياتها السابقة، قُطعت أخبار إميلي بعد وفاة السيدة ميغين.
والآن حتى بعد عودتها، ما زالت هوية إميلي غير واضحة بالنسبة لها.
لم تكن تبدو كممرضة عادية، لكن هذا كان تخمين لوناريا فقط.
“أنتما قريبتان من بعضكما، لماذا تتحدثين هكذا؟”
حاولت لوناريا ابتلاع المشاعر التي شعرت بها في حلقها،
وابتسمت بلطف وهي تتحدث.
كان هذا لقائهما الأول بعد 10 سنوات بالنسبة لها و ليس إميلي.
“ما هذا الكيس الذي تحملينه؟”
أشارت إميلي إلى الكيس القماشي البالي الذي كان في يد لوناريا.
“هل هربتِ من منزلكِ؟”
لم تفوت ملاحظة تعابير وجه لوناريا العابرة،
وتابعت حديثها دون أن تنتظر إجابة.
“هذا رائع. هل لديكِ مكانٌ تذهبين إليه؟”
“نعم!”
أجابت لوناريا بسرعة قبل أن تُنهي إميلي جملتها.
“لا تمتلكين مكانًا، أليس كذلك؟”
“قلت لكِ، لدي!”
تجاهلت إميلي كلمات لوناريا التي بدت وكأنها تبرر لنفسها،
وتقدمت إلى داخل القصر.
ظلت لوناريا تُلحّ على إميلي بعدم إخبار السيدة أنها قد هربت من المنزل
حتى وصلتا إلى باب غرفة السيدة ميغين.
“سيدتي، الآنسة لوناريا هنا.”
“ادخلي.”
فتحت الباب لترى السيدة ميغين جالسة في كرسيٍّ مريح و عينيها مغمضتين.
شعرها الفضي الناصع وشفتيها المغلقتين بحزم أعطيا انطباعًا لكبرِ العمر.
كم كانت لوناريا تتوق لرؤيتها؟
كان من الغريب أن تراها و هي على قيد الحياة.
حاولت لوناريا منع دموعها من الإنهمار.
هل كان هناك من أظهر لها اهتمامًا وحنانًا مثل السيدة ميغين خلال حياتها المضطربة؟
كانت علاقتهما لم تتجاوز نصف عام، ومع ذلك، كتبت السيدة اسمها في وصيتها حتى.
“لقد اشتقتُ إليكِ، سيدتي.”
كادت أن تهرع لتحتضنها، لكنها تمالكت نفسها بصعوبة.
بدلاً من ذلك، أمسكت بيد السيدة المسنّة بلطف، وشعرت بحرارتها.
“لقد رأيتِني البارحةَ أيضًا للتذكير.”
ابتسمت السيدة ميغين برفع زاوية شفتيها وهي تمسك بيد لوناريا.
كان هذا الابتسامة المتعجرفة تشبه كثيرًا ابتسامة فرانسيس،
حتى أن لوناريا شعرت بشيء من الحنين وهي تحدق بها.
“الآنسة لوناريا هربت من المنزل. لهذا هي حساسةٌ الآن.”
“آه اخيرًا، لقد أحسنت صنعًا.”
لقد طلبتُ منكِ ألا تخبريها!
نظرت لوناريا إلى إميلي بتعبيرٍ مملوءٍ بالخيانة.
“تقول إنها لا تمتلكُ مكانًا تبقى فيه،
هل أنظف الغرفة في الطابق الثاني نهاية الجناح الشرقي؟”
“افعلي ذلك.”
أوقفت لوناريا محادثتهما بسرعة.
“لا، لا داعي، سيدتي، آنسة إميلي.”
لكن الاثنتين لم تستمعا لها. في مثل هذه اللحظات، كانتا تنسجمان تمامًا.
أخدت إميلي حقيبة لوناريا من يدها.
القوة المفاجئة جعلت جسم لوناريا يميل قليلًا.
لكن إميلي لم تهتم و واصلت سيرها بخطوات سريعة.
“هيا بنا. لم ننظف هذه الغرفة منذ فترةٍ طويلة، والغبار متراكم فيها.”
كان على لوناريا أن تركض للحاق بإميلي.
“يجب أن تتقبلي اللطف حين يُقدم لكِ.
رفضه لا يُعتبر من الأدب أيضًا.و السيدة فقط تفعل ذلك من أجلكِ، لوناريا.”
كانت كلماتها صائبة، فبالتأكيد لن تكون لوناريا راضية إن
واجهت موقفًا يتم فيه رفض لطفها من الآخرين.
ومع ذلك، لم تكن لوناريا معتادة على أن تكون في موقف المستقبِل فقط.
أخذت أصابعها تتراقص في الهواء بلا هدف.
“إذًا، كيف ينبغي لي أن أدفع نفقات المعيشة؟”
“لا داعي. السيدة ميغين ليست ممن يحتاجون للمال،
فهي تملكُ فائضًا لن تتمكن من إنفاقه قبل رحيلها.”
“شكرًا لكما…”
“لم أفعل شيئًا يستحق الشكر. يمكنكِ توجيه شكركِ للسيدة ميغين لاحقًا.”
صعدت إميلي السلالم المؤدية إلى الطابق الثاني بخطواتٍ سريعة.
“سوف يقيم ضيفٌ في غرفة الجناح الغربي لفترة.
قال إنه سيصل وقت العشاء. لو أعطانا تنبيهًا مسبقًا،
لكنا قمنا بتنظيف الغرفة دون استعجال، لكن شخصيته المتهورة لم تتغير.”
دقَّ قلبُ لوناريا بقوةٍ.
“من الذي سيأتي؟”
شعرت برعشةٍ في صوتها وهي تتحدث.
“ابنُ أخِ السيدة ميغين. إنه رجل. قد تشعرين ببعض الإزعاج لأنه شخص فوضويٌ للغاية،
لكني واثقة أن الأمر لن يؤثر عليكِ، فأنت لست من النوع الذي قد يقعُ في فخ أمثاله.”
ابتسمت لوناريا محاولةً كتمان ضحكتها ردًا على التقييم اللاذع لإميلي.
“لِمَ ذلك؟ هل هو زيرُ نساء؟ هل هو على الأقل وسيم؟”
أجابت إميلي بغضب كما لو أنها لا تستطيع فهم السبب،”له شعبيةٌ بالفعل.”
“على أيِّ حالٍ، كوني حذرة.”
كانت إميلي دائمًا تقلق بشأن أمور مستحيلة الحدوث.
مثلما هو الحال مع فرانسيس فكيف يمكن لرجل متميز المكانة
والمظهر أن يكون جادًا تجاهها؟
ربما قد يبدي بعض الاهتمام لفترة قصيرة،
ولكن هذا الشعور بالتملك لا يحققه سوى من يمتلك المؤهلات أو الحظ.
‘كيف لي أن أفكر في شيء كهذا؟’
ربطت لوناريا مئزرًا أبيض حول خصرها، وجمعت شعرها للأسفل.
بعدها قضت صباحها مع إميلي في تنظيف غرفتها الجديدة.
كانت هذه أول مرة ترى غرفة الجناح الشرقي من الداخل.
كانت السيدة ميغين تكره الأعمال غير المجدية،
لذا كانت تأمر بعدم تنظيف الغرف غير المستخدمة.
لذلك كانت لوناريا تكتفي بمسح الغبار عن ممر الطابق الثاني.
وكما هو متوقع، كانت الغرفة مليئةً بشبكات العنكبوت والغبار المتراكم.
فتحت لوناريا النافذة القديمة التي كانت تصدر صريرًا بعد إغلاقها لفترة طويلة.
بينما كانت إميلي ترفع السرير، قامت لوناريا بتنظيف أسفله.
بعد أن نظفت الأرضية وأحضرت ملاءات جديدة،
أصبحت الغرفة نظيفة إلى درجة أن مظهرها السابق لم يعد يُذكر.
علقت لوناريا ملابسها الباهتة القليلة في خزانةٍ صغيرة من خشب الماهوغني.
كانت تشعر بالضيق. بدا لها كرم السيدة ميغين مثقلًا على قلبها.
‘عانيتُ كثيرًا في حياتي السابقة،
لذا ربما من المقبول أن أستمتع بهذا القدر الآن أليس كذلك..؟’
حاولت أن تقنع نفسها بذلك، لكن لم يكن الأمر سهلاً.
توجهت لوناريا نحو النافذة وألقت نظرة على الحديقة الجميلة.
بقيت تحدق وكأنَّ أحدًا ما سيظهر قريبًا.
***
بعد أن انتهت من تنظيف الغرفة، كان الوقت قد وصل إلى الظهيرة.
أعدت لوناريا الطعام ببراعة، حيث أنجزت الطبخ في لحظات.
جلس الثلاثة حول المائدة وتناولوا وجبة الغداء معًا.
وفقًا للأعراف الإمبراطورية، لم يكن مسموحًا للخدم أن يتناولوا الطعام مع أسيادهم.
ولكن في قصر السيدة ميغين، كان هناك استثناء لهذا العرف.
“لونا، حضّري لنا كعكة الليمون للعشاء.”
قالت السيدة ميغين ذلك وهي تتناول شطيرة اللحم البقري.
بالرغم من أنها قالت هذا ببساطة، إلا أن ابتسامةً طفيفة ظهرت على وجه لوناريا،
فقد شعرت بمدى محبة السيدة ميغين لابن أخيها.
كانت كعكة الليمون التي تصنعها لوناريا هي الحلوى المفضلة لدى السيدة ميغين.
و ربما لأنهما من دمٍ واحد، ففرانسيس أحبَّ أيضًا كعكة الليمون التي تصنعها لوناريا.
بعد أن تذوقها، أصبح يأتي إلى المطبخ مرارًا لإلحاحه على أن تعلّمه طريقة صنعها.
على الرغم من أنه كان شخصًا بارعًا في كل شيء،
إلا أنه غالبًا ما كان يفشلُ فشلًا ذريعًا في خبز الكعكة، ربما بسبب تشتت تركيزه.
لكن استمراره في المحاولة جعل لوناريا تدرك مدى عشقه لكعكة الليمون.
كانت تلك الأيام جزءًا من حياتهم اليومية، قبل أن ترحل السيدة ميغين.
‘نعم، هذا صحيح…’
بعد شهرين، سترحل السيدة ميغين تاركةً لوناريا خلفها.
هذه الحقيقة لن تتغير مهما حاولت لوناريا المقاومة.
عندما رأت السيدة ميغين وهي تتناول طعامها بجانبها،
شعرت بغصة في قلبها وكادت أن تذرف الدموع.
كانت السيدة ميغين عجوزًا متماسكةً وحيوية مقارنة بعمرها.
لقد كانت تأكلُ الطعام الصلب بسهولة وتهضمه بشكل جيد.
بالرغم من أنها اشتكت قليلاً من ألم في المفاصل،
إلا أنها لم تكن تواجه أيَّ صعوبةٍ في المشي.
ومع ذلك، كانت تقول إن حالتها الصحية ليست جيدة،
وكأن هناك ألمًا في مكان ما في أعماقها، غير ظاهرٍ على السطح.
حتى عندما نصحتها لوناريا بأن تستدعي طبيب القرية أو توكل طبيبًا خاصًا لها،
رفضت السيدة ميغين قائلةً إن لديها مرضًا خاصًا لا يملكه أحد سواها،
مؤكدةً أنهم لن يتمكنوا من علاجه أبدًا.
حتى إميلي، التي لم تتردد يومًا في الكلام معها بصراحة،
كانت تتعامل بتأني في هذا الأمر فقط.
كانتا وكأنهما جاءتا إلى قصر بيلا استعدادًا لموتٍ مُحدد.
‘هل كان الأمر فعلاً كذلك؟’
ربما كانت السيدة ميغين تعلم متى ستموت، حتى أنها كانت تعرف التاريخ.
في حياتها السابقة، قيل إنها أغمضت عينيها وهي في حالةٍ من السكينة والراحة.
ولأن لوناريا كانت مشغولةً في التعامل مع المقرضين الجشعين،
لم تتمكن من التواجد بجانب السيدة ميغين في لحظاتها الأخيرة،
وعندما سمعت الخبر لاحقًا، قضت الليلة بأكملها تبكي حتى انتفخت عيناها.
الآن وقد عادت، باتت تفهم قليلاً ما كانت تشعر به،
ذلك القلب الشجاع الذي كان يستعد لنهايةٍ محتومة.
‘هذه المرة، سأحرصُ على أن أودع السيدة ميغين.
سأبذلُ قصارى جهدي لأكون إلى جانبها حتى آخر لحظة..’
وبعد أن ينتهي كل شيء في تيلبيري،
ستغادر لوناريا إلى مكان لا يعرفها فيه أحد، باحثةً عن قبرها الخاص،
مثلما فعلت السيدة ميغين…
“حسناً، سأفعل. سأذهب لشراء الليمون بعد تنظيف غرفة الضيف.”
قالت إميلي: “لا داعي. بعد انتهائكِ من الطعام، اركبي الحصان واذهبي إلى القرية.
لقد قمنا بتنظيف الغرفة الغربية منذ ستة أشهر، وأستطيع فعل ذلك بنفسي.”
“في العادة، ينبغي أن أكون أنا من يقوم بهذه الأمور،
وليس من المناسب أن تساعديني فيها، إميلي.”
“لماذا تكونين عنيدة فقط في مثل هذه الأمور، لوناريا؟
أليس من الأفضل لكِ أن تعيشي براحةٍ أكبر و خفة؟”
وبينما كانتا تتجادلان، سُمِعَ صوتُ قرعٍ على باب المدخل.
أخيراً، وصل الزائر المنتظر.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات