كانت لونايرا تحتضر، وهي وحيدةٌ على أرضيةٍ خشبيةٍ باردةٍ وقديمة.
‘هذا جيد. ماهي فائدةُ العيشِ لفترةٍ أطول؟
ربما كان مقدراً لي أن أكون هكذا منذ لحظة ولادتي…’
كانت تلهث كما لو أن انفاسها ستنقطع قريبًا.
عندما كانت شابةً ، اعتقدت أنها تعيشُ حياةً تُحسد عليها.
إلى حد أنها شعرت أحيانًا بأنَّ أشعةَ الشمسِ الساطعة في العالم تتجهُ نحوها.
لكن الحياة بدأت تلتفّ حولها ببطءٍ،
بشكلٍ ماكر وغير ملحوظ، وسحبتها نحو اليأس.
في قريةٍ ريفيةٍ صغيرة، وفي قصر البارون،
وُلدت طفلةٌ حديثةُ الولادة وبدأت بالبكاء.
كانت تُدعى لوناريا.
وكأنها شعرت بحدسٍ أن مصيرها سيكون قاسيًا، فبقيت تبكي لفترةٍ طويلة.
كانت تجاعيد القلق تبدو بوضوحٍ على وجوه الكبار.
قبل أن تبلغَ لوناريا العمر الذي تستطيعُ فيه استيعابَ ما حولها،
تركتها أمها الحقيقية وغادرت، تاركةً الغرفة نظيفةً.
بعد ذلك ظهرت زوجة أبيها واختها غيرُ الشقيقة،كأنهما عادتا لمكانها الأصلي.
نشأت لوناريا وهي تُقارن بشقيقتها الصغرى لوبيليا ذات الجمال المذهل و
لكن كل سكانِ القرية أحبوا لوناريا بسبب جمالها الفريد من نوعهِ و جاذبيتها الخاصة.
و في إحدى الليالي، جاء ابن عائلةٍ نبيلة من المنطقة،
وكان يرتعش خجلًا وهو يعترف بحبه لها.
“لو-لونا. أنا أحبكِ، أعتقدُ أنكِ تشعرين بنفسِ الطريقةٍ التي أشعر بها….”
قبلت لوناريا اعترافه بوجهٍ مُحمر.
رفرفت زهور الزنبقِ الزرقاء المحيطة بهم ببتلاتها المتفتحة، مُباركةً خطوبتها.
لكن في ذلك الوقت، بدأ الوضع المالي بالتدهور،بسبب فشل والدها في أعماله.
لم يستطع والدها وزوجة أبيها التخلي عن حياة الترف التي اعتادا عليها،
وانغمسا أكثر في اللهو والمقامرة، مما زاد من الديون.
حُجز لقب البارون، ولم يتبقَ سوى القصر فقط.
كانت لوناريا تطمح لمتابعة دراستها، لكنها تخلت عن أحلامها للبحث عن عمل.
بسبب سوء سمعة عائلتها، شعر أهل القرية بالأسف عليها، لكنهم لم يقبلوها للعمل.
لذا اتجهت نحو أطراف القرية، وهذا كان الخيار الوحيد المتبقي أمامها،
لكسب المال وإعالة عائلتها.
هناك، عاشت سيدة مسنة قادمة من العاصمة، كانت تعيش مع ممرضة خاصة بها،
كانت هناك شائعاتٌ بأنها كانت نبيلةً رفيعة المستوى، لكن لا أحد يعرف الحقيقة فعلاً.
“ألا تحتاجين إلى خادمة؟”
سألت لوناريا، الذي تمكنت بطريقة ما من الدخول إلى قصر المرأة العجوز، بجرأة.
كانت كلماتٍ يائسةٍ بلا أي ذرةِ توقعات.
قامت المرأة العجوز بتقويم ظهرها، ورفعت حاجبيها، وعلى عكس التوقعات، وافقت بسهولة.
وهكذا بدأت حياة الشابة الصغيرة كخادمة.
بالمال الذي كسبته، سددت بعض الديون الصغيرة،
ودفعت نفقات معيشة الأسرة، ودعمت دراسة أختها الصغيرة.
كانت هناك أيام تعمل فيها بمشقةٍ بما يساوي عملَ عشرةٍ اشخاص.
بسبب انشغالها اليومي، أصبحت علاقتها بخطيبها بعيدة تدريجياً.
حاولت لوناريا أن تخصص وقتًا له، لكن خطيبها أصبح غير مبالٍ بها بشكل متزايد.
ثم ظهر ذلك الرجل.
‘فرانسيس…’
مجرد التفكير فيه كان يجعل قلبها يخفق بشدة ويؤلمها.
كان يظهر بخطواتٍ مليئةٍ بالثقة، يضيئه ضوء الشمس في ظهره.
نظرته الفضولية وابتسامته الماكرة عند النظر للوناريا،
و الأناقة المتأصلة فيه، لقد كان يجذب الأنظار أينما ذهب.
بدا وكأنه لم يختبر الفشل يومًا في حياته.
كان فرانسيس ابن أخ السيدة العجوز، وكان أهل القرية يمتدحونه في العلن،
بينما يذمونه سرًا بسبب تغطرسه.
و كان خطيب لوناريا يغضب بشدة كلما تلاقت أعينها مع فرانسيس.
ومع ذلك، كانت لوناريا تستمتع بالحديث مع فرانسيس،
وكأنها لن تجد مثله في العالم بأسره.
ففي أي مكان آخر في العالم سيمكنك مقابلة شخص مثل هذا؟
نظرًا لأنه ليس لديها ما تخفيه في قلبها، فكانت دائمًا سعيدةً معه في تلك الأوقات.
لقد كان أروع رجلٍ التقتهُ وقتها.
***
ثم انهارت حياتها دون سابق إنذار.
“أنا حاملٌ من أوبا.”
لقد حملت أختها لوبيليا من خطيبها.
شعرت لوناريا وكأنَّ صفعةً مفاجئةً أصابتها، وظلت مشدوهة.
ألقى خطيبها اللومَ عليها، بينما بكت أختها بمرارة.
“هل تعرفين كم شعرتُ بالوحدة أثناء انشغالكِ؟! كل هذا بسببكِ.
لو أنكِ أوليتِني بعض الاهتمام، لما حدث ما حدث!”
“أختي، بما أنكِ الأخت الكبرى، يمكنكِ التنازل، أليس كذلك؟ أنا أحبُّه بشدة.”
لم يُؤخذ برأي لوناريا في أيِّ شيء، ففُسِخت الخطبة، وانعقدت خطبة جديدة.
استمرت الأمور غير المفهومة بالحدوث.
تراكمت الديون، وفي إحدى الليالي هرب والدها.
وعندما جاء المرابون، فرت زوجة أبيها وأختها للاختباء في منزل خطيبها السابق.
كانت جميع الأعباء الظالمة محملة على كاهل لوناريا وحدها.
حتى وإن تخلت عنها عائلتها، لم تستطع هي أن تتخلى عنهم.
استمرت المصائب تطاردها بلا هوادة.
توفيت السيدة العجوز التي كانت تعمل لديها بعد صراع طويل مع المرض.
لم يتبقَ لدى لوناريا حتى دموعٌ لتذرفها،
كانت هناك صرخةٌ تحاول الخروج من أعماقها لكن شفتيها ظلت مغلقة بإحكام.
***
“ما رأيكِ في الزواج مني؟”
نظرت لوناريا بصدمةٍ إلى فرانسيس.
لقد تقدم بذلك الاقتراح الصادم، ورغم ذلك كان وجهه هادئًا.
كان عرض الزواج هذا، بناءً على وصية السيدة العجوز، و دون أي مشاعر رومانسية.
أرادت أن تقبل العرض، لكنها لم تستطع.
لم يسمح وجود والدها، و زوجة أبيها، و أختها، و حتى خطيبها السابق بذلك.
وقبل كل شيء، لم تكن تريد أن تلوثه بتعاستها،
وكأن شقاءها سيعدي حياته كمرضٍ معدٍ. فرفضت في النهاية.
“حسنًا، إذا كان هذا هو قراركِ يا آنسة لوناريا.”
تقبل ردها ببساطة، وغادر القرية سريعًا.
وبعد فترة، وجدت لوناريا نفسها مخطوبة مجددًا.
كان هذا عندما تطوع كونت مسنٌ لسداد ديونها، فسارعت زوجة أبيها لتبيعها له.
كانت خطبةً مروعة.
كان الكونت المسن يهين لوناريا يوميًا ويضربها بوقاحة.و أبناؤه يسخرون منها ويتجاهلونها.
بمرور الوقت، اشتاقت بشدة للأيام التي قضتها في قصر السيدة العجوز.
‘لكن لم أكن أتمنى لقاءً مثل هذا….’
التقت بفرانسيس مرة أخرى في حفل لإحدى العائلات النبيلة.
كانت قد خمّنت من آدابه وسلوكه أنه من طبقة النبلاء،
لكنها لم تتوقع أنه الدوق الشهير والنبيل روتميريا من الإمبراطورية.
حاول فرانسيس أن يتحدث معها، لكنها فرت من الحفل بسرعة
لأنها لم ترد أن يراها بتلك الحالة.
طاردها الكونت المسن غاضبًا بسبب تصرفها المفاجئ.
و أمسك بها في الممر ورفع يده ليضربها.
لكن في تلك اللحظة، لم يتمكن الكونت من تنفيذ رغبته.
كان فرانسيس قد تبعه ولكم الكونت على وجهه.
حدثت ضجة، واجتمع الناس، بينما هربت لوناريا مجددًا.
وبعد فترة قصيرة، اقتحم الجنود القصر.
كان السبب هو تهمة اختلاس الضرائب.
حينها، اعتقدت لوناريا أن فرانسيس هو من تسبب بذلك.
في وسط الفوضى، بدأ أبناء الكونت بالصراخ عليه،
وخلال الشجار، سقط الكونت قتيلًا على يد أحدهم.
وعندما استوعبت لوناريا الموقف، وجدت نفسها ممسكةً بسكين مغطى بالدماء.
أما أبناء الكونت، فقد اختفوا.
“لقد مات الكونت! أمسكوا بتلك المرأة!”
وهكذا بدأت حياة لوناريا كفارّة ومطاردة بتهمة القتل.
بدّلت اسمها، وانتقلت من مكانٍ لآخر.
كانت الحياة خانقة ولم تشعر بتغيرات الإمبراطورية،
سواء توفي الإمبراطور، أو تم نفي ولي العهد، لم يكن أي من ذلك يعني شيئًا لها.
بمرور الوقت، تلاشت ملامح جمالها السابق.
أصبح جلدها جافًا كقشر الشجر، وخمدت حيوية نظراتها.
لم تعد تتذكر ملامحها الأصلية عندما تنظر في المرآة وكأنها كانت هكذا منذ البداية.
وبعد فترة، هدأت المطاردة.
عملت كخادمة في المطبخ، وكانت تتنقل من مكان إلى آخر بعد عملها.
في إحدى المرات، تقيأت دمًا لأول مرة أثناء الطهي.
قال هذا الطبيب اللطيف الذي توقف عند القصر: “استعدي لأسوء الإحتمالات.
لا أعتقد أنكِ ستصمدين طويلاً.”
شخص الطبيب حالتها، وأكد أنها كانت تعاني من مرضٍ مميت، وستفارق الحياة قريبًا.
لقد كان حكمًا بالإعدام.
طلبت مساعدة من ساحر مشهور لكنها واجهت نفس الإجابة بالنفي.
في النهاية تقبلت المصير بصمت،
وتساءلت كيف يمكن لشخص واحد أن يتحمل هذا الكم من المعاناة.
كان المرض قد بدأ منذ زمن، لكن أعراضه كانت طفيفة،
ولم تكن لديها فرصة للالتفات إليه بسبب حياتها الصاخبة.
لذا فقط استسلمت.
لن يبقى أمامها سوى الموت.
وربما كان هذا الأفضل إن كانت حياتها ستظل هكذا…
***
واليوم، قبل قليل، رأت وجهًا لم تتخيل أنها ستراه مجددًا وهي على قيد الحياة.
أمرها رب العمل بتحضير أفضل ما لديهم فقد كان هناك زائرٌ مميز قادم.
لذا قدمت كعكة الليمون التي تجيد صنعها على الطاولة،
وبعد أن أُرسلت الأطباق واحدًا تلو الآخر، استدعاها رب العمل فجأة.
لكن من ظهر أمامها كان فرانسيس.
لم يتغير شيء فيه حتى بعد عشر سنوات، ظل كما هو، وسيمًا ومتألقًا.
لكن نظراته أصبحت أكثر صلابة، وارتسمت عليه ملامح هدوء ونضج.
قال رب العمل بابتسامة.”طلب الدوق أن يقابل الطباخة التي صنعت الكعكة.”
اضطرب قلبها للحظة، ثم هدأ.
‘من المستحيل أن يعرفني، فقد تغيرتُ كثيرًا…’
ظنت أن نظراته المتفاجئة لم تكن إلا من وحي خيالها.
لكن….
“آنسة لوناريا.”
كان صوته مليئًا بالشوق.
لفظَ اسمًا لم تسمعه منذ زمن طويل، ولقبٌ ظلت تحاول نسيانه.
لم تتوقع أن يتذكر فرانسيس لوناريا التي التقى بها ذات مرة في الريف، بعد كل هذا الوقت.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات