“ما بكَ، جيروم؟ هل تعرفهُ؟ لا يَبدو أنّه من سكانَ هذه القرية.”
تساءلت ميريا وهي ترفع كَتفيها بلامبالاة،
لكنّ وجهُ جيروَم بدا شاحبًا على غيِر العادةِ.
فقد تذكّر ما رآه قبل أيّام.
رجلٌ غريب جاء سرًّا إلى المطحنةِ التي يُديرهِا والداه.
كان وسيمًا، أنيقًا، يحملُ بين يديهِ عملاتٍ ذهبيّةٍ لامعة…
وطلب منهم طحن بعض أكياس الحبوب عالية الجودة.
‘أبـ، أبي قال وقتها إنّ هذا الرجل خادمٌ نبيل من القصر الجديدة خلفَ التلّ،
وإنّ تلك الحبوب لم يسبق أن رأى مثَلها هِنا…’
وها هو الآن، ذلك الرجل نفسهُ، واقفٌ خلفَ هذا الطفل الصغير،
بوجهٍ جامدٍ ومهيب.
وبجانبه فارسٌ يرتدي زيًّا أنيقًا، وسيفهُ يتدلّى من خاصرته.
”جيروم، لا تحاول أن تمازحهُ أو تُخطئ معهُ، هل سمعتَ؟
يُقال إنّه خادمٌ مباشرٌ لأحد نبلاء العاصمة!
إن أزعجته، قد تُسلَّم للجنود!”
فما إن التقت عيناه بعينَي الفارِس،
حتى تذكّر تحذيَر أبيهُ تمامًا!
تراجع ببطء، ثم همس لميريا:
“هذ، هذان الشخصان خلف الطفل… ذلك الرجل هو خادم الفيلا الجديدةُ…”
“مـ-ماذا قلت؟!”
شهقتَ ميريا، وقد أدركَت ما يعَنيهُ.
رغم الشائعاتَ المملوءةَ بالإعجابِ عن تلك َالفيلا،
إلّا أنّ كثيرًا من القصص الغامضةِ والمخيفةِ كانت تدور حول النبلاء الذين يسَكنونها.
والآن، الطفلةُ التي سخروا منَها قبلَ لحظاتٍ،
اتّضحَ أنّ لها علاقةً بهؤلاءِ الغرباءَ المخيفينَ!
خمدت نبرةَ مَيريا وجيرومَ فجأةً.
“كيف تَجرّأتما على اتّهامِ مييلّا بالسرقةِ؟”
قال إيستين بنبرةٍ باردةٍ،
فقد رأى كلّ ما جرى قبل قليل بأمّ عينيه.
“مَن تظنّ نفسكَ لتتدخّلَ هكذا؟!”
صرختَ ميريا، لكنّ جَيروم أسرعَ لإسكاتها:
“اصمتي! ألا تلاحظين؟
هذا الطفل أيضًا من القصر!
إن لم يكن هو بنفسهُ النبيل، فلا بد أنّهُ مقرّب منَهم!”
“مـ، ماذا؟! تـ-تقصد أنّه… نـبيل؟!”
ارتبك إيستين للحظة، لكنهُ حافظَ على ملامحه:
“بالطبع، لستُ نبيلًا.”
في داخله، تمنّى لو لم تكن مييلّا تراهُ الآن،
لكان صرخَ بوجهُ هذين الطفلين الصغيرين وأعطاهما درسًا قاسيًا.
“هاه؟ لستَ نبيلًا؟ إذًا كيف تجرؤ، وأنت أصغر منّا، على التكلّم معنا بهذه النبرةِ؟!”
صرخت ميريا بغضبٍ.
فابتسمَ إيستين ببطءٍ:
“لستُ نبيلًا، لكنّ من أخدمه… هو كذلكَ.”
“د، دوق؟!”
“نعم. والدوق هذا، يحبّ مييلّا كثيرًا.”
كان إيستين قد أصبح خبيرًا في اختلاق القصص عن “الدوقَ الخفيّ”،
لكنّه لم يكن يكذب بالكاملٍ. فمشاعرُ تيتي تجاهَ مييلّا لم تكن عاديّةً.
“ماذا؟!”
لم يكن التعجّب فقط من ميريا وجيروم،
بل من مييلّا نفسها التي أشارت إلى صدرهَا:
“مـ-مستحيل! الدوق يحبّني؟! أنا؟!”
“نعم.”
أكّد إيستين بابتسامةٍ.
“لكنكِ لم تقابلينهُ بعد.
لكنه قال إنّه مهتمّ بكِ، بعد أن حدّثته عنك.”
“حـ-حقًا؟!”
تألّقَ وجهُ مييلّا.
في المقابلِ، عبسَ وجهَا جيروم وميريا.
“لا أصدق! كيف يُمكن لدوق أن يهتمّ بمتسوّلةٍ مثلكِ؟!”
“أجل! أنتَ فقط تختلقُ هذا لحَمايتها، أليس كذلكَ؟”
لكنّ إيستين اكتفى بهزّ كتفيه:
“صدّقوا ما شَئتم.
لكنّني هَنا بدعوةٍ رسميّة.
سآخذ مييلّا اليوم مجدّدًا إلى القصِر لتتناول الغداء.”
“ماذا؟! إذًا… حقًّا كانت مدعوّة؟!”
اتّسعت أعينهم.
“أجل. وهذا الفستان، الذي اتّهمتموها بسرقتهِ،
هو هديّةٌ منهُ. أليس كذلكَ، سيّدي الخادم؟”
استدار إلى الخلف.
أومأ الخادم برأسه ببطءٍ:
“أجل. أشهدُ على ذلك بشرفي.”
“لا… لا أُصدّقُ…”
تبادلت ميريا وجيروم النظرات، وقد تلاشى لونهما.
أما إيستين، فمدّ يدهُ نحو مييلّا:
“الآن بعد أن زال الشكّ، لنذهب يا مييلّا. لقد اقتربَ وقت الغداء.”
“نـ-نعم!”
أمسكت بيدهِ، والدفء يغمُر قَلبها.
‘منذ وفاة أمّي، لم يقف أحدٌ إلى جانبي هكذا…’
لطالما كانتَ وحيدةً.
يتنمّر عليها الجميع، ويضحكون منها، ولا أحد يُدافع عنها.
تمنّت لو أنّ أحدهم فقط، يسألها إن كانتَ بخيرٍ…
‘هل أرسلَت أمّي هذا الملاك من السماء… ليكون بجانبي؟’
وفي الطرف الآخر، كانت ميريا تحدّق في ظهرِ مييلّا وهي تمَضي بخطًى واثقةٍ،
يُرافقها الفارس والخادم النبيل.
ثمّ انفجرت غاضبة:
“هاه! سخيف! فتاةٌ قذرةٌ مثلها… كيفَ تجرَؤ على تلقّي دعوةٍ من دوقٍ؟!”
“صحيح… يا ليتني حاولتُ التقرّب منها.
ربّما كنتُ سأُدعى أنا أيضًا…”
قال جيروم وهو يرفَس الأرض.
لكن ميريا صرختَ:
“هل أنتَ غبي؟!
هل فقدتَ كرامتكَ؟!”
“أوه، فقط أمزح… لم أكن لأتذلّل لها أبدًا.”
لكنّها صرخت بوجهه:
“كاذب! كنتَ على وشك التوسّل لها قبل قليل!
وسأُخبر الجميع بأنّك حاولتَ التقرّب من مييلّا!
أنت وهي تُناسبان بعضكما كثيرًا! هاها!”
ركضت نحو القرية لتنشرَ الشائعةَ.
أما جيروم، فاحمرّ وجههُ حتى صار كالطماطمِ:
“ليست حقيقيّةً!! لم أقل هذا!!”
وهكذا، بدأت تتصدّع “الصداقة” السامّة بينهما.
داخل القصر…
اقتادتهم الخادمة إلى مكانٍ مختلفٍ هذه المرّة.
“أين… نحن؟”
ثريا فخمةٌ يتدلّى من السقف.
طاولة طويلة تتوسّط الغرفة.
أعملت مييلّا خيالها، وفكّرت:
‘هل هذه غرفة اجتماعات النبلاء؟ اسمها… غـ، غـر.. تـعام…’
لكنّ تيتي قال:
“إنّها غرفة الطعام.”
“غرفة… طعامٌ؟ بهذه الضخامةِ؟!”
فكّرت في مطعم السيدة نانسي وسط القرية.
كان فيه طاولتان فقط!
أما هذه الطاولة، فتكفي لعشرات الأشخاص!
‘هل يأكل تيتي هنا يوميًا؟ مع الَخدم، ومع… الدوقَ؟!’
لكنّ حتى لو اجتمعوا كلّهم، لما ملؤوا نصف الطاولة.
عندها أدركت مييلّا سبب الدعوةِ:
‘ربّما… فقط لأنّهم لا يريدون الأكل وحدهم.’
قال إيستين متداركًا:
“لم أفكّر بها كغرفة كبيرة.ً.. أقصدُ، ربّما لأنّ ضيوفًا كُثُرًا يأتون.”
لكن، الحقيقة أنّه لا أحد يأتيَ أصلًا.
كانت طاولةٌ عاديّة نسبيًّا، عليها رمز آل فالوار.
“فهمت. لكن… أنا الوحيدة هنا.”
“ولو كنتِ وحدكِ فقط، فلا بأس. اجلسَي.”
“نـ-نعم.”
وفورًا، وُضعت أمامها مائدةٌ أكبر من البارحة.
“هممم… لذيذ!”
“تناولي ببطء، لا تَتَخمي.”
وبينما يتأمّلها إيستين وهو يَبتسم،
دوّى صوت خطواتٍ في الممرّ، ثمّ انفتح الباب فجأةً، ودخلت الخادمةُ وهي تَصرخُ:
“السيّدة قد وصلت!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"