“هُمم، حسنًا…”
رغم أنّها قالت “حسنًا”، إلّا أنّ مِييلّا لم تبدُ وكأنّها تنوي التوقّف عن الأكل قريبًا.
‘أخشى أن تُصاب بعسرِ الهضم بهذا الشكل…’
في النهاية، صبّ إيستين عصير الفاكهة من إبريقٍ زجاجيّ شفاف في كأسٍ صغير.
ناولها إيّاه، فأخذتهُ منهُ وهي تميلُ برأسَها باستغراب.
“ما هذا؟ لا يبدو ماءً…”
“إنّه عصير. عُصارة فاكهة. جرّبي شربهُ.”
“آه، فهمتُ! شكرًا!”
أخذت الكأس سريعًا، ثمّ شربته جرعةً بعد أخرى.
واتّسعت عيناها على الفور.
“يا إلهي! كم هو حُلُوٌّ!”
“طبعًا. لأنّي أضفتُ إليه عسلًا.”
“عـ-عسل؟!”
هل يحقّ لي فعلًا أن أتناول شيئًا نفيسًا كهذا؟
في تلك اللحظة، تذكّرتَ مييلّا حادثةً قديمة،
حين وجدتْ خلية نحل منذ أشهر،
فحاولت الاقتراب منها… ولم تكد تفَعل حتّى هجمتَ عليها النحلات!
‘تورّمت عيناي حينها لدرجة أني لم أستطع فتحهما، وكانتَ تؤلمني كثيرًا…’
وبسبب وجهها المتورّم، تعرّضت آنذاك لسخريةٍ من أطفال الحيّ لفترةً طويلةٍ.
لكن، كلّ تلك الذكريات اختفَت فجأةً من رأسها.
فما أمامها الآن كان مائدةً فاخرة لا تنتهَي!
مجموعة من الأطباق تكفي لتشبعها لو ذاقت من كلٍّ منها قضمة واحدةً فقط.
‘هل أنا… في وليمةٍ سماويّة؟!’
قالت بصوتٍ خافت بعد أن شبعت تمامًا:
“تيتي…”
“هم؟”
“بقي الكثير من الطعام، فهل يُمكنني… أخذه معي إلى المنزل؟”
لم يكن إيستين يتوقّع هذا السؤال إطلاقًا، فبدت عليه الحيرة.
“هاه؟ ماذا قلتِ؟”
“فقط… أحببت الطعام كثيرًا وأريد أكله في البيت أيضًا. أهذا ممنوع؟”
“هاه، خذي ما شئتِ…”
لم يستطع أن يَرفضها وهي تنظر إليه بتلك العيونِ المتوسّلةِ.
لكنه شعر ببعض القلق في داخلهُ.
‘عندما رأيتُ منزلها سابقًا، لم يكن فيه غرفة تبريد سحريّة.’
وهذا طبيعيّ، فكوخها بالكاد يقفُ على قدمِيه.
‘يعني… لو أخذت الطعام، سيفسد حتمًا.’
فراحت خيالات إيستين تتوالى:
مييلّا تُصاب بالحزن حين ترى الطعام فاسدًا.
ثم تأكله رغمًا عنها، فيُصيبها ألمٌ في بطنها…
ثم تبكي وتتلوّىَ من الألمِ.
‘لا، لا يمكن السماح بهذا!’
وهكذا، تراجع عن قرارهِ بصوتٍ حازمٍ:
“انتظري. لا تأخذي الطعام معكِ.”
“آه… نعم. كان خطأً أن أطلبَ شيئًا كهذا… آسفةٌ.”
خفضت رأسها بخجلٍ،
لكنّ إيستين هزّ رأسه ببطء وهو يَنظر إليِها.
“لا تُسيئي الفهم. أنا لا ألومكِ،
فقط خفتُ أن تتعرّضي لمكروهٍ.
لكن بدلًا من أخذ الطعام، سأدعوكي غدًا أيضًا. هذا حلّ جيّد، أليَس كذلك؟”
“ماذا…؟”
اتّسعت عينا مييلّا بدهشةٍ.
ظنّ إيسْتين أنّها لم تفهمَ مقصدهُ، فقال بوضوح:
“تعالي لتتناولي الطعام هنا مجدّدًا، غدًا.”
“أ-أحقًا؟ يُمكنني ذلك؟!”
“طبعًا. سأذهبُ لأحضركِ بعد الظهرِ.”
لكن وجه مييلّا امتلأ بالقلق، وهمست:
“ألن تُغمى عليك مجدّدًا إن ذهبتَ وحدكَ؟”
ضحك إيستين ضحكةً خفيفةً رغم نفسهِ،
وسرهُ أن ترى فيه فتاةٌ مثله همّها الأكبر.
(ميري : يقصد هنا أن البطل ما يفكر لذا الشئ اصلاً ولا يهمه اصلاَ سيفرح بفعلهِ شيء كهذا من أجلها ، لكن البطلة تشوف هذا الشئ مثل أكبر هم لها )
“لا تقلقي. هذه المرّةَ سأذهبُ مع الخادِم والفارسِ.”
في اليوم التالي…
‘ذلك الخبز الأبيض بالأمس كان ناعمًا ولذيذًا جدًّا…’
كانت مييلّا تتناول رغيفًا من خبز الجاودار اليابس كوجبة إفطار وغداءٍ معًا.
في العادة كانت ستأكلهُ بسرعةٍ،
لكنّ مذاق وليمةَ الأمسِ لم يُفارقَ ذهَنها،
فلم تستطع أن تبتلعهُ بسهولةٍ.
شربت قليلاً من ماء البئر، وفكّرت:
‘لا بأس. تيتي وعدني بالدعوةِ مجدّدًا اليوم.’
كانت تصدّقِ وعده تمامًا.
رغم أنّ جميع الكبار وحتى أقرانها طالما نقَضوا وعودهِم مَعها،
لكنها كانت تؤمن بأنّ تيتَي مختلفٌ.
ففي عينيه كان هناك صدقٌ…
تمامًا كما كانتَ أمّها تفعلُ.
“هيه، مييلّا!”
ناداها طفلان من سنّها، وتقدّما نحوها.
إحداهما كانت ميريا، ابنة صاحب متجر التمويناَت.
والثاني كان جيروم، ابن صاحبَ مطحنةِ الحبوب، والذي يرافقها دومًا.
فما إن رأتهم مييلّا، حتى أخفت بسرعة قطعةَ الخبزِ خلفَ ظهرها.
“ياااه، اليوم لا أشمُ رائحة كريهة!
هل اغتسلتِ خمس مرات في النهر أو شيء كهذا هذا؟”
قال جيروم ساخرًا وهو يُمسك أنفه،
لكنّه اقترب بعدها ببطء وهو ينظرُ إليها بتعجّب.
“أه، لـ-لا، لستُ كذلك…”
تلعثمت مييلّا وقد بدت مرتبكةً.
فهي لم تكن واثقة من أنّهم سيصدّقونَ الحقيقةَ.
وبينما كانت ميريا تُدقّق فيها من رأسها إلى قدميها، تغيّر وجهها فجأةً.
“مييلّا، ما هذه الملابس الجديدة؟ لم أرَها من قبلٌ!”
كانت تقصد الفستان الذي أهَدته لها خادمةُ القصرِ بالأمسِ.
كان ناعمًا جدًّا مقارنة بخرقها القديمةِ،
لذلك لم تستطع التخلّي عنهُ.
“صحيح! إنّه جميلٌ وجودتهُ راقيةٌ!
من أين لكِ به؟”
وفجأة امتلأت وجوه ميريا وجيروم بالشكّ.
وبعد لحظاتٍ من التحديق والهمسات، توصّلا لاستنتاج:
“عرفتُ! مييلّا، أنتِ سرقتِ هذا الفستاَن، صحيح؟!”
“م-ماذا؟! لا، لم أسرق شيئًا! مستحيلٌ!”
صرخت مييلّا بخوفٍ.
لكنّ جيروم أمسك كمّها بعنف، كأنّه يريد أن يمزّقه.
“قولي الحقيقة! سأُخبرُ الجميعَ!
من أين لكِ بثيابٍ كهذه، ها؟!”
“لـ-لم أسرقه! لقد أهدوني إيّاه! أتركني!”
صاحت مييلّا بتوسّل خوفًا من أن يُمزّق الفستاَن.
لكن لا أحد صدّق أنّه هديّةٌ.
سخرت ميريامنها وهي تنفث الهواء من أنفها بازدراءٍ.
“هه، أضحكتني. ومن الذي سيُهدي فتاة مثلكِ شيئًا كَهذا؟”
“إنّه… من القصر خلفَ التلّ…”
في العادة، كانت مييلّا ستنهارُ بالبكاِء وتُهرولُ هاربةً،
لكن هذه المرّة، لم تكن تريد الهروب.
فهذا الفستان كان هديّة من صديَقها الجديدُ الرائعَ،
ولم تكن تريده أن يُلطّخ بالكذبِ.
“ماذا قلتِ؟ لم أسمع!”
قال جيروم ذلك ساخرًا، رغم أنّه سَمعها جيّدًا.
شعرت مييلّا بذلك،
واشتدّ بريق عينيها، وقالت بقوّة:
“دعاني أحدهم إلى القصر خلف التلّ، وهناك أهداني هذا الفستان! لم أسرقهُ!”
“مستحيل! القصر تلك يسكنها أناس من الطبقة العاليةَ!”
“بالضبط! فتاة فقيرة مثلكِ لن تُدعى إلى مكانٍ كهذا!”
صرخ جيروم وميريا في آنٍ واحد.
“لا! أنا حقًّا…”
“كفى! لا أطيق سماع أكاذيبكِ!
سأذهبُ الآن لأُخبر أمي، وأفضحكِ أمامِ الجَميع! هاهاها!”
قهقه جيروم وهو يضع يدَهُ على فمهِ.
وقالت ميريا بصوتٍ مرتفعٍ:
“وأنا سأخبر أبي، وسيَنتشر الخبر في القريةِ كلّها!
سنعلمهم كم أنّكِ سارقةً وكاذبةً يا مييلّا!”
ولكن فجأةً…
“ماذا تفعلون؟!
مييلّا، هل أنتِ بخير؟!”
صوتٌ غاضبٌ من خلفهم صرخَ فجأةً.
‘تيتي؟! كيفَ أتى إلى هنَا؟!’
رفعت مييلّا رأسها مصدومةً،
لتُقابل عيني إيستين مباشرة.
وكان خلفهُ كلٌّ من الخادم والفارَس الذين رأتهمَا بالأمس في الفيلا.
لكن… لماذا شعرت بالخجلِ أكثرَ من الراحةِ؟
كانت تتمنّى لو لم يَرَها أحد بهذا المشِهد المُهين.
‘لا أريد أن يَراني تيتي وأنا أُهان من الآخرين…’
لم تستطع حتى النظرِ في عينيهِ.
‘ماذا لو احتقَرني الآن؟’
“مَن هذا الطَفل… أهه؟!”
أما جيروم، فقد كانت صدمتهُ عنيفةً،
فقد أدركَ أخيرًا… مَن يكونَ هذا القادمُ الصغير!
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"