عندها فقط، بدأ آشيل يصفّق برفق ويهزّ رأسه بإلحاح.
‘لا أعلم ما الذي يريد أن يفعله سيدي تحديدًا،
لكن من الأفضل أن أجاريه.
إن أعدتُ سؤاله، فسيغضب حتمًا.’
في الواقع، لم يكن آشيل قد فهم ما يريده إيسْتين بالضبط،
لكنّه على الأقل خمّن أنه يُحاول التصرّف وكأنه خادم.
وكان هذا بحدّ ذاته كافيًا لأن يزعج إيستين.
‘ما حكاية ما يفعلهُ
هل فهم فعلًا ما أريده؟’
لو أنّ شخصًا آخر من الحرس هو من رآه أولًا،
لكان تدارك الموقف وفهم التمثيلية على الفور.
كان محبطًا لأن أوّل من رآه كان آشيل تحديدًا.
“على أيّ حال، يا سيدي آشيل، أخبر كبير الخدم وبقية الحرس أنّني عدت.
ويجب أن تنقل لهم تمامًا ما فهمته أنتَ الآن. هل هذا واضح؟”
“نعم، حاضر!
لكن، لحظة، من تكون هذه الفتاة التي تقف بجانبكَ؟”
كان آشيل قد همّ بالدوران،
ثمّ لاحظ فجأة وجود فتاة صغيرة بجانبِ إيستين.
ملابسها الرثةُ جعلتهُ يَظنّ لوهلةٍ أنّها شحّاذةٌ،
لكن تصرّفها المرح كان يُناقض ذلك تمامًا.
“آه، أنا مييلا!”
رفعت يدها بحماسٍ، وأعلنتَ اسمها بعفويةٍ،
فتلألأت عيناها البنيّتان كقشرةِ كستناءٍ ناضَجةٍ.
بصراحةٍ، لم يَكن إيستين يكرهُ ذلك البريقَ في عينيها.
لكنّه شعر أنّه إن تَركها تتكلّمُ كما تَشاءُ،
فستحدثُ كارثةٌ في الحوارِ مع آشيل.
لذا، بادر هو بالشرح قبل أن تفتح فمها:
“أُغمِيَ عليّ أثناء زيارتي للقرية،
وسقطتُ على الأرض.”
“سَـ… سقطتَ؟! أوه، يا إلهي!”
غطّى آشيل فمه بيدهِ الضخمةِ، وقد صُدم حَقًا.
إن عَلِم الدوق بأنّ ابنه خرج دون إذن وسقط مغشيًّا عليه…
فالفاجعةُ لا تُوصفَ.
‘سيجمّدون راتبي!
سيلغون إجازتي!
سيخفضون رتبتي!’
رأى حياتهُ تَنهارُ أمَام عينيهِ.
“نعم، ومييلا هي مَن اعتنتَ.
بل ساعدتني على العودةِ أيضًا.
لولاها، لا أعلمُ ما كان سَيحدث.”
“آه، إذًا هي منقذةُ السيد… أقَصدُ، خادمَنا!
أعتذر لأنّي لم أنتبهُ!”
نظر آشيل إلى مييلا باحترامٍ،
وبدأ يَفهم سبب تَظاهر إيسْتين بأنهُ خادمّ.
فالدوق قد أوصى بعدم الكشَف عن هوية ابنهِ أثناءَ فترة النقاهةِ.
أما مييلا، فقد شعرت بالتوتّر عندما انحنىَ لها الفارس،
وهو أكبر منها بثلاث أو أربع مرّات في الحجم.
“لـ… لا داعي لكل هذا!
أنا لم أفعلَ شيئًا يُذكر!
لقد كان مغمًى عليه، فحملته إلى البيت ووضعته على الفراش، هذا كلّ ما في الأمر…”
هزّت رأسها بخجلٍ،
لكنّ إيستين ابَتسم وهوَ يَنظر إليها:
“لا حاجة للتواضع.
لولاكِ، لكنتُ ميتًا الآن، مييلا.”
“……!”
احمرّت وجنتا مييلا كأنّهما حبّتان من الفراولةِ الناضجة.
‘كأنَ أفَكارها تظهرُ على وجِهها فورًا.
غريبةٌ، لكنّها ممتعةٌ.’
فكّر إيستين وهو يَنظرُ إليها.
‘غريبةٌ، لكن لطيفةٌ أيضًا.’
لم يُدرك أنّه قال ذلك في داخله،
إلا حينما احمرّ وجهه هو الآخر فجأة، كأنّه أدرك ما يُفكرُ فيهِ.
“هل لا زلتَ مريضًا؟
وجهك محمرّ كأنّك محموم…”
مدّ آشيل يده بتوجّسٍ نحو وجهه.
أدار إيستين رأسهُ بعيدًا فورًا وتظاهرَ بالبرودِ.
لكنّه تعثّر في كلماته أيضًا:
“لـ… لا بأس.
على أيّة حال، سأُكافئ مييلا لاحقًا بطرَيقتي.”
“آه، لهذا جئتَ بها إلى القصر إذًا!”
“شيءٌ من هِذا القبيل.”
ظنّ إيستين أن آشيل غبيّ،
لكنّه كان ذكيًّا فقط في الأماكن غير المناسبةِ!
ثمّ أمسك بيد مييلا التي كانت واقفةً بارتباكٍ:
“هيا، لنذهب.”
“اـ… انتظر!
هل مسموح لي بدخولِ مكان كهذا؟
ألن يطردوني؟”
نظر إليها إيستين بطرفِ عينهِ،
وأخذ لحظةً للتفكير.
“لا بأس.
المالك وافقَ.”
رغم جوابه، بقيت مييلا مترددة:
“المالك… تقصد الشخص الذي تعملُ لديهِ، تيتي؟”
“أجل.
شابٌ في مثل عمري تقريبًا،
لكنّه مريض جدًّا، ولا يخرج من غرفتهِ أبدًا.
لن تريه أبدًا، أعدكِ.”
حاول أن يقطع عليها الطريق لأيّ شكوكٍ.
لكن اهتمام مييلا لم يكن موجّهًا لذلك الشخص الوهمي.
“يا إلهي!
أنتَ طفل صغير، ومع ذلك تَرعى مريضًا؟
ألا تجد الأمر صعبًا؟”
“……أنا لستُ طفلًا.”
لم يستطع تحمّل الكلمة، فاعترضَ.
لكنّ مييلا رفعتَ كتَفيها:
“قلتَ إنك في السابعة، أليس كذلك؟
يعني أنّك طفل.”
“لو اعتبرنا الأمر هكذا،
فأنتِ في العاشرة، وأنتِ أيضًا طفلة.”
“لكنّي أكبر منك، يعني أنا أختكَ الكبرى!
وأقلقُ عليكَ فحسبٌ.”
“همف، قلقكِ غير ضروري.”
لكن تلك الكلمة الأخيرة جعلت قلبه يهدأ،
رغم أنّه أراد أن يقولَ:
‘أنا أكبر منكِ بعامين في الحقيقة!’
وفي تلك الأثناء، كان آشيل يراقب الحوار الصبياني بينهما باستغراب.
‘ما الذي يحدث؟
لِمَ يتصرّف السيّد هكذا؟’
كان ذلك غريبًا فعلًا.
أن يتظاهر بأنه خادم بعمر السابعة،
ويُدخل فتاة مجهولةٍ إلى القصرِ،
ويُحادثها بهذه العفوية…
لكنّ أكثر ما أدهشه هو أنّ إيستين،
الذي دائمًا ما كان يَجد صعوبةً في التَواصل مع منَ هم بعمرهِ،
كان الآن يتشاجر ويلعبُ كأيّ طفلٍ!
‘لم أتخيّل أنني سأرى هذا اليوم.’
فجأة، تذكّر آشيل اليوم الذي عملَ فيه دوق فالوار لأول مرةٍ.
كان الدوق حينها يبدو كقلعةٍ بشريةٍ، لا تشوبَها شائبةٌ.
‘ما من ثغرةٍ في هَذا الرجلِ.
إنه السيّد الجدير بالولاء.’
لكنه كان يتساءل أحيانًا:
متى أصبحَ بهذه الهيبةِ؟
في شبابهِ؟ أم بعدما أصبحَ بالغًا؟
وقد وجد الجواب عندما رأى إيستين.
‘إنّهَ نسخةٌ مصغّرةٌ من والدهِ تمامًا.
يبدو أن الدوق كان نبيلًا منذ صغرهِ!’
بينما كان الأطفال يبكون ويضحكون،
كان السيّد الصغير دومًا جادًّا ومتّزنًا.
وها هو الآن، يتصرف كطفلٍ حقيقَي لأول مرةٍ.
وكان هذا صادمًا تمامًا لآشيل.
“أن يَصِل الأمر به إلى هذا الحد… آه!”
وضع يدهُ على صدرهُ،
وامتلأت عيناهُ بالدموعِ.
“ما الذي تهذي به، يا آشيل؟”
عقد إيستين حاجبيهِ باستغرابٍ،
فأجاب آشيل بسرعةٍ وهو يتصبّب عرقًا:
“لا، لا شيء!
إنّه تأثّرٌ لحظي، لا تُعِرْه اهتمامًا!
هاهاها…”
“هُراء.”
زمّ شفتيه، واستدارَ.
أما مييلا، فقد كانت تُفكّر.
‘قال لي إنّه ليس من عائلةٍ نبيلةٍ…
لكن، يبدو كذبًا.’
كانت تُدير عينيها بحيرة.
‘الفارس هذا قويّ وجادّ،
ومع ذلك يتصرّف بتوتّر أمام إيستين…’
في الواقعِ، لم تكن غبيةٍ.
كانت تَمتلكُ بعض الفطنةٍ.
وهكذا، وصلت إلى استَنتاجها الخاصِ:
‘يبدو أن وظيفةُ الخادمِ… وظيفةٌ عظيمةٌ جدًّا!’
(ميري : والله بفطح ضحك من وراها متنسوش أنها طفلة بجد ومش متجسدة ولا حاجه 😭)
وإلا، لماذا يُنادي الفارس إيستين بكلِ هذا الاحترامِ؟
وهكذا، ازدادت الفجوةُ في سوءِ الفهَم بين مييلا وإيستين عمقًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"