عندما تحدث إيستين، أومأت مييلا برأسها بهدوء. في الحقيقة، كانت تشعر ببعض الإحراج.
آنسة القصر الصغيرة؟! لم تكن مستعدة لتقبل هذا اللقب بكل هدوء بعد.
‘هل تيتى لا يبالي بهذا إطلاقًا؟’
نظرت مييلا خلسة إلى إيستين الذي كان يمشي بجانبها.
لكنه بدا أكثر اتزانًا منها. وكأن كونها تُدعى “آنسة صغيرة” لم يكن يزعجه رغم أنه مجرد خطيبها. بدا أن مييلا وحدها من تجد في ذلك عبئًا.
أخيرًا، شدّت شفتيها بقوة وتظاهرت بالهدوء بينما كانت تنظر أمامها.
“أمي قالت سابقًا إن قصر دوق فالورا واسع وجميل جدًا.”
وقد كان كذلك فعلًا.
سقف البهو كان عاليًا جدًا حتى لتظن أن عشرة من مييلا، لو وقفن على أكتاف بعضهن، لما وصلن إليه.
والثريا المعلقة فيه كانت ضخمة وبديعة، والتماثيل واللوحات المنتشرة في كل مكان أضافت شعورًا بأنها دخلت عالمًا خياليًا لم تره من قبل.
‘كنت أعتقد أن الفيلا كانت كبيرة وجميلة، لكنها لا تُقارن بالقصر أبدًا!’
عجزت مييلا عن الخروج من وقع الصدمة. كل زاوية كانت تحمل شيئًا مدهشًا.
كانت تتبع إيستين في الممر الطويل وهي لا تتوقف عن الاندهاش.
وفي تلك اللحظة، اقترب منها رجل في منتصف العمر يرتدي بذلة رسمية وانحنى محيّيًا.
“مرحبًا، سيدي. وتشرفت بلقائك، سيدتي الصغيرة. أنا دايسن، كبير خدم هذا المكان. آمل أن ننسجم جيدًا.”
“آه، سررت بلقائك! أنا مييلا! بالمناسبة… هل التقينا من قبل…؟”
رغم أنها تراه لأول مرة، كان وجهه مألوفًا بشكل غريب. فابتسم دايسن وأجاب:
“ربما التقيتِ بالخادم غراي في الفيلا؟ نحن إخوة، ولذلك قد تجديننا متشابهين نوعًا ما. وبالمناسبة، عائلتنا تخدم آل فالورا جيلاً بعد جيل.”
“آها!”
فهمت مييلا أخيرًا سر شعورها بالألفة. ثم بدأ دايسن بإرشادهما.
“كما أمرت السيدة، قمنا بتحضير الغرفة التي ستقيمين فيها يا سيدتي الصغيرة. من فضلك، تعالي معي.”
“غـ… غرفتي؟”
بدت مييلا مترددة قليلاً. في المنزل الذي عاشت فيه من قبل، لم يكن لديها غرفة خاصة، إذ كان البيت كله عبارة عن غرفة واحدة صغيرة. لذا، لم تتوقع شيئًا.
لاحظ دايسن تعبيرها وعلّق بلطف:
“نعم. وإذا لم تُعجبك، يمكننا تغييرها. كما أن بإمكانك طلبـ أي شيء ترغبين به.”
“أمم، حسنًا، سأفعلُ.”
لاحظ دايسن حيرتها وتحدث بحذر:
“ومن الأفضل ألا تستخدمي أسلوب الاحترام مع الخدم هنا، سيدتي الصغيرة. فأنتِ سيدة هذا القصر.”
“ها؟ آه، لكن…”
ارتبكت نظرات مييلا، لكن دايسن تابع بهدوء:
“أعلم أن كل شيء جديد وغريب بالنسبة لكِ، وهذا طبيعي تمامًا.
أنا هنا لمساعدتكِ في التأقلم. لذا، تصرفي براحةٍ، وسيتغير كل شيء تدريجيًا.”
“آه، حسنًا! سأفعل ذلك!”
عندما رآها إيستين تهز رأسها بحماسة، فكر في نفسه أن طريقها لن يكون سهلاً.
“والدتي قالت إنها ستجلب لها معلمًا لأساسيات الإتيكيت والتعليم قريبًا.”
فالإتيكيت شيء يتعلمه أبناء النبلاء منذ الطفولة.
وهنالك فرق كبير بين من يعتاد على السلوكيات منذ الصغر، ومن يبدأ متأخرًا بعدما تثبّتت العادات.
قد يستغرق الأمر وقتًا. وقد تبكي من التعب.
“سأكون بجانبها وأساعدها قدر استطاعتي.”
لن يتركها وحدها، فقد كان له الدور الأكبر في إحضارها إلى هنا. وذلك يجعلهُ مسؤولًا عنها.
“لكنني أؤمن أنها ستنجح بسرعةٍ. رغم أنها تبدو غبيةً أحيانًا، إلا أن لديها موهبة في الحِرف والحركة. وكل ما أعلّمه إياها تحفظه فورًا.”
إيستين كان يثق بها، بل ربما يُقدّرها أكثر مما ينبغي.
في تلك اللحظة، توقف دايسن أمام إحدى الغرف.
“هذه هي الغرفة التي ستقيم فيها سيدتي الصغيرة.”
“حقًا؟!”
فتحت مييلا الباب ببطء، ثم أطلقت أضخم صوت اندهاش صدر منها حتى الآن.
“و… واااو!”
هل هذه فعلًا غرفتي؟
لم تستطع التصديق.
فرش بلون بنفسجي باهت، وستائر من الدانتيل الأبيض، وسجادة وردية ناعمة.
وحتى الدمى المزينة على الطاولة.
بدا وكأنها دخلت غرفة بطلة رواية رومانسية خيالية كما كانت تسمع من أمها.
“مستحيل. هل هذه الغرفة حقًا لي وحدي؟”
بدأت تدور في الغرفة وتتأمل كل ركن بذهول.
بجانب غرفة النوم، وُجدت غرفة ملابس وحمام.
وكان هناك حوض استحمام كبير وصنبور. ومن باب الفضول، أدارته… وانهال الماء الدافئ بغزارة.
“أآه! من أين يخرج كل هذا الماء؟!”
“يوجد أنبوب مياه. ونستخدم السحر لتعديل درجة الحرارة.”
أجاب إيستين بهدوء، حتى مع أن ملابس مييلا تبللت من المياه، لم يُظهر أي انزعاج. بينما كانت مييلا تهمس بدهشة:
“هذا هو السحر الذي سمعت عنه كثيرًا…!”
بالنسبة لمييلا التي اعتادت جلب الماء بالدلو من البئر أو النهر، كان صنبور الماء أشبه بالعالم الآخر.
بعد أن تفقدت الحمام طويلاً، عادت إلى غرفة النوم.
“السرير ناعم جدًا! ماذا بداخله؟ تبن؟ صوف؟”
“لست متأكدًا، لكن بالتأكيد ليس تبنًا.”
ضحك إيستين. كانت تبدو ظريفة وهي تهز ساقيها جالسة على السرير.
“ما رأيك، هل أعجبكِ، مييلا؟”
انتهز إيستين لحظة الهدوء ليسأل. فأومأت مييلا بسرعةٍ:
“مم، كثيرًا! أريد أن أذهب فورًا وأشكر ريجينا على ذلك!”
أكثر ما أحبته كان النافذة الزجاجية الكبيرة التي تدخُل منها الشمس على عكس منزلها القديم الرطب المليء بالعفن.
شعرت بأنها يمكن أن تغفو هناك أثناء الاستمتاع بأشعة الشمس.
ثم تذكرت شيئًا وقالت:
“…لكن في الحقيقة، أشعرُ ببعضَ القلق.”
“سعيدة لأنكِ أعجبتِ بها. ممّا تقلقين؟”
“أن أكون وحدي في غرفة بهذا الحجم… قد يكون مرعبًا قليلًا. آه!”
وكأن فكرة رائعة خطرت لها، صفقت بيديها وسألت إيستين:
“هل يمكنني مشاركتك الغرفة؟ الغرفة تتسع لشخصين بالتأكيد!”
“ماذا؟ لا. حتى لو كنا مخطوبين، لا يمكننا ذلك. مشاركة الغرف مسموحة فقط للبالغين.”
تفاجأ إيستين من اقتراحها، وأجاب بلهجة أكثر حدة مما اعتاد كي يخفي ارتباكه.
بدت مييلا حزينة وهمست:
“لكن الغرفة كبيرة جدًا…”
“ما باليد حيلة. ما رأيك أن تنتقلي إلى الغرفة المجاورة لغرفتي؟”
اقترح إيستين حلًا بديلًا. للحظة أضاَء وجهُ مييلا، ثم سرعان ما عاد شاحبًا.
“حقًا؟ لكنني أحب هذه الغرفة.”
فتراجع إيستين خطوة:
“حسنًا، سأنتقل أنا إذًا. دايسن، انقل أمتعتي إلى الغرفة المجاورة من اليوم.”
“حاضر، سيدي.”
“…!”
هل اتخذ القرار بهذه السرعة؟ اتسعت عينا مييلا بدهشة. لكن المفاجآت لم تنتهِ بعد.
فجأة، سُمِع صوت طرق على الباب.
“آنسة مييلا، هل يمكنني الدخول؟”
“نعم، تفضلي! لكن من أنتِ؟”
أجابت مييلا دون تفكير، ثم سألت باستغراب. كان صوت امرأة لم تسمعه من قبل.
فُتح الباب، ودخلت زائرة جديدة.
“أنا مصممة الأزياء إيلينا. أرسلتني السيدة الدوقة لتصميم ملابس مييلا.”
“……!”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات