في العادة، لَكانت قد قالت:
“أنتِ، مِن أيِّ عائلة أُرسلتِ كجاسوسة؟”، وبدأت تحقيقًا معها. لكنّها لم تفعل هذه المرّة، ولَسببٍ وجيه.
قبل أسبوعين، بعد زيارتها للفيلا وعودتها إلى قصر الدوق، أمرتْ فورًا أحد خدمها المقرّبين بالتحقيق في خلفيّة مييلا.
‘لا بدَّ مِن أمرٍ مريبٍ فيها.’
لقد جاءت إلى قريةٍ ريفيّةٍ بعيدة بقصد العلاج، ومع ذلك، كيف يُمكن أن تعرف تلك الطفلة عن عائلة فالوار، بل وتلتقي بإيستين بالصدفة؟
الاحتمالات ضئيلة للغاية. بدا الأمر وكأنّه ليس مجرد صدفة.
‘تحقَّقوا مِن كلِّ شيء يخصُّ تلك الطفلة، عائلتَها، وسلوكَها.’
“أَمْرٌ مُطاع، سيّدتي.”
لكن ما كانت النتيجة؟ نقيّة تمامًا.
بل أنقى مما توقّعت. والدها تُوفِّي في حادثٍ منذ زمن، ووالدتها ماتت بالمرض قبل نحو عام.
كلاهما مِن أهل القرية الأصليّين، ولا وجود لأيّ سجلّ يدلُّ على ارتباطهم بأشخاصٍ مِن خارجها.
حتّى الشكّ بكونها جاسوسة أصبح بلا معنى.
‘هاه… يبدو أنّ العرّافات حقًّا موجودات.’
وإلّا، فكيف يمكن تفسير ما يحدث؟ أشياءٌ لا تُفسَّر منطقيًّا بدأت تظهر.
في هذه المرحلة، لَمْ تجد ريجينا بُدًّا مِن الاعتراف بأنّ مييلا ليست بطفلةٍ عاديّة.
“ذلك الممرُّ السريّ، هو المكان الذي تُحفَظ فيه كنوز قصر الدوق، أليس كذلك؟ تُخزَّن فيه الأشياء النادرة فقط.”
بدأت مييلا تروي أسرارًا خطيرة تتعلّق بعائلة باللوار.
“صحيح، كلامكِ صحيح. يوجد مستودع كنوزٍ سريّ في القبو.”
أمعنت دوقة فالوار النظر في الطفلة التي أمامها وكأنّها تنظر إلى شيءٍ غريب، لكنّ مييلا تابعت حديثها بثبات دون أن تهتزّ.
“ضمن تلك الكنوز، يوجد الغرض الذي يُعتَقد أنّه أصل اللعنة. علينا أن نجده ونُطهّره.”
“أ… أحقًّا تقولين؟”
شعرت وكأنّ أحدهم صفعها بالكلام. كيف لَمْ يخطر لها ذلك؟ لقد كانت تظنُّ أنّ اللعنة مغروسة في الجسد فحسب، ولم تتخيّل أبدًا أن يكون مصدرها غرضًا ماديًّا.
لا عجب أنّ أفضل السحرة كانوا عاجزين عن تحديد منشأ اللعنة، وكانوا في حيرةٍ دائمة.
“نعم، حين أسترجع حديث أُمِّي،
قالت إنّ سيفًا ملكيًّا أُرسِل كهدية إلى القصر الإمبراطوري، قد يكون هو مَن يحمل اللعنة.
وأمّا طريقة التطهير، فإمّا أن يستخدم الكاهن قوّته المقدّسة مباشرةً لإزالتها، أو أن نحصل على كمّيةٍ هائلةٍ مِن الماء المقدّس.”
“……!”
كان البلاط الإمبراطوري يتّبع طُرقًا عدّة للتأكّد مِن ولاء النبلاء الأقوياء.
إحدى تلك الطُّرُق هي مطالبتهم بتقديم كنزٍ عائليّ يُعَدّ غاليًا جدًّا للقصر.
لكنّ هذه الكنوز لا تبقى في القصر الإمبراطوري إلى الأبد، بل تُعاد بعد مرور نحو عشر سنوات.
كانت هذه وسيلةً لبناء الثقة بين الإمبراطور والنبلاء.
‘حقًّا، السيف يُناسب تمامًا أن يكون وسيلةً لنقل اللعنة.
إنّه غرضٌ تاريخيٌّ ورثناه عن أوّل دوقٍ مِن آل فالوار. ويعني ذلك أنّه غارقٌ في الزمن والذكريات.’
عندها، تحدّثت ريجينا بصوتٍ هادئ:
“حسنًا، مييلا. سأُصدِّقكِ هذه المرّة.”
“شـ-شكرًا جزيلًا لتصديقكِ لي!”
ارتسمت الفرحة فورًا على وجه مييلا. كانت طوال حديثها قلقةً مِن أن يُرفَض كلامها.
“إذا تخلَّصنا مِن اللعنة فعلًا بالطريقة التي قلتِها، فسوف أُجازيكِ كما يليق.”
“تُجازينني؟ هل تقصدين أنّكِ ستقفين معيَ؟”
(مييلا فهمت غلط هنا، بما أنها ما عرفت القصد فيها فا هي حسبت أن المجازاة هي الوقوف بالتساوي)
أمالت مييلا رأسها في حيرة. فابتسمت ريجينا بهدوء.
“لا، أعني أنّني سأُكافئكِ بمقدارٍ يليق بجميلكِ.”
“جٕـ-جميلي؟!”
ابتلعت مييلا ريقها بلا وعي. لقد حصلت مِن قبل على وليمةٍ لذيذة كمكافأةٍ على إنقاذ إيستين…
فهل ستأكل هذه المرّة عشاءً فاخرًا في قصر الدوق؟
لم تفعل ذلك طلبًا للمقابل، لكنّ الأمل تسلّل إليها دون أن تشعر.
‘يا إلهي، لا يجوز أن أتمنّى شيئًا كهذا!’
“نعم، ومهما كانت توقّعاتكِ، فستكون المكافأة أعظم. أعدكِ بشرف عائلة فالوار.”
ابتسمت ريجينا ابتسامة خفيفة. كانت متأكّدة أنّ هذه الطفلة لا تُدرك مدى قيمة وعدها الآن.
لو كان شخصًا آخر مكانها، لَتباهى بما قدّم، ولَطالب بكنوزٍ أو بمنصبٍ مرموق.
‘لكن حتّى ذلك، لَنْ يكون جزاءً مبالغًا فيه.’
فإزالة اللعنة، لا تعني إنقاذ إيستين فحسب، بل إنقاذ عائلة الدوق بأكملها.
“لكن، إنْ تبيّن أنَّ كلامكِ كان خاطئًا…”
توقّفت ريجينا عن الكلام فجأة.
“لا، لا شيء.”
لو كانت هي نفسها المعتادة، لَطالبتها بالضمانات، وهدّدتها علنًا، بغضِّ النظر عمّن تكون. لأنّها صفقةٌ في نهاية المطاف، وكلّ صفقة تحتاج إلى ضمان.
لكن هذه الطفلة لا تملك شيئًا. ومع ذلك، بادرت بنفسها وتحدّثت.
‘لا أرغب في أن أبدو صارمةً حتّى في موقفٍ كهذا.’
يا للمفاجأة، هذا كان أول تساهلٍ مِن ريجينا. لم تُبدِ رحمةً حقيقيّة تجاه أحدٍ مِن قبل.
“إذا فعلتِ ما قلتُه، ولم تُزَلْ اللعنة، يُمكنكِ أخذ حياتي.”
لكن في اللحظة التالية، نطقت مييلا بكلامٍ لا يُصدّق.
فزعقت دوقة بللوار مذعورة.
“ماذا؟! ما الذي تقولينه الآن؟ الحياة ليست شيئًا تُراهني به كما يحلو لكِ!”
“لكن في القصص، يراهنون بحياتهم عند القسم…”
أمالت مييلا رأسها مجددًا، يبدو أنّها رأت ذلك في مكانٍ ما.
“يا إلهي، أيُّ كلامٍ سخيف هذا! وما الّذي سأفعل بحياتكِ؟ اسحبي كلامكِ حالًا.”
انكمشت مييلا تحت لهجة الدوقة الحادّة، وهزّت رأسها خجولة.
“نعم… سأسحبُه…”
“أحسنتِ.”
أجابت ريجينا ببرود، لكنّها تنفّست الصعداء داخليًّا.
طوال حياتها، لَمْ تشعر بالدهشة مرارًا في يومٍ واحد كما شعرتْ اليوم بسبب هذه الطفلة.
“على أيّ حال، لنُنْهِ الحديث الآن، وقد حان الوقت للتحرّك.”
“إلى أين أنتم ذاهبون، سيّدتي ريجينا؟”
“عليَّ أن أُجرِّب الطريقة التي أخبرتِني بها. الوضع لا يحتمل التأخير. سأعود قريبًا.”
بعدها، استدعت كبير الخدم، وشرحت له الموقف بإيجاز، ثمّ بدأت الاستعداد للذهاب إلى قصر الدوق.
تردّدت لحظةً في ركوب العربة، لكنها قرّرت استخدام لفافةِ سحرٍ للسفر الفوريّ نظرًا إلى خطورة الوضع.
“يا إلهي، أهذا صحيح؟! هل وُجدَ أخيرًا حلٌّ لفكِّ اللعنة؟!”
“يا للعجب، يبدو أنّ حديث الدوق الصغير عن كون الآنسة مييلا عرافةَ كان صحيحًا.”
من جهتهم، تغيّرَت نظرات كبير الخدم ومديرة الخادمات تجاه مييلا، وكأنّهم ينظرون إلى ضيفةٍ عظيمة المقام.
أمّا مييلا، فلم تكن تعلم بذلك، رغم شعورها بوخزٍ خفيفٍ في مؤخّرة رأسها.
‘أرجوك… أتمنّى أن تُزول لعنة إيستين، وأن يستفيق سالمًا.’
أغمضت عينيها بشدّة، وقطّبت جبينها. ظلّت مييلا على تلك الحال، جاثيةً أمام سرير إيستين، تُصلّي بكلِّ إخلاص.
في تلك الأثناء، داخل قصر دوق فالوار… كانت الأروقة الواسعة هادئةً إلى درجة السكون.
ولِمَ لا؟ فالدوق الصغير سافر إلى الريف للعلاج، والدوقة ذهبت للاطمئنان عليه، والدوق غادر إلى العاصمة منذ أيّامٍ قليلةٍ لأداء مهامّه.
وفجأة، وسط ردهة القصر، لمعَت دائرةٌ سحريّةٌ فجأة وسط الأرض.
“يا إلهي!”
صرخت إحدى الخادمات التي كانت تنظّف بالقرب، فزِعةً. ثمّ هبّت ريحٌ دوّاميّة مِن قلب الدائرة، وظهرت منها امرأة.
إنّها ريجينا فالوار.
“……يبدو أنّني سأضطر لاستدعاء ساحرٍ قريبًا.
لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ آخر مرّةٍ فُعِّلت فيها هذه الدائرة. حالتها سيّئة. تحتاج إلى صيانة.”
كانت علامات الضيق باديةً على وجه ريجينا. إذْ إنّ تجربة الانتقال لم تكن كما توقّعت. كانت تعاني غثيانًا أشبه بالدوار الشديد.
لحسن الحظ، وصل كبير الخدم دايسن مهرولًا ليستقبلها.
“سـ-سيّدتي؟! ما الّذي دعاكِ للمجيء عبر الدائرة السحريّة؟!”
كان دايسن يشغل منصب الخادم المؤقّت، بعد أن غادر كبير الخدم الأصليّ غراي مع الدوق الصغير إلى الفيلا.
“أرجو أن لا يكون قد أصاب السيّد الصغير مكروهٌ؟”
بدأت الظنون تسيطر على ملامح دايسن، خاصّةً وأنّ لفافات الانتقال السحريّ نادرةٌ للغاية، ولا تُستعمل إلّا في الحالات الطارئة.
أي أنّ عودة الدوقة عبر الدائرة السحريّة تعني أن أمرًا خطيرًا قد وقع في الفيلا.
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 24"