1
الانقطاع المتواصل جريمة.
للقراء؟ لا. للكاتب نفسه؟ لا.
بل لشخصيات العمل.
كاتبٌ واحدٌ ارتكب بهذا القدر العظيم من الإثم.
قال: “أنتم تعيشون في عالم كهذا، وبعد عام واحد سينتهي العالم”.
ثم توقف عن الكتابة تمامًا.
انقطاع مفاجئ، وعدة سنوات تمر دون أن يُنشر الفصل التالي.
اشتعلت نيران القلوب المحترقة لدى القراء، فتدافعوا جموعًا إلى خانة التعليقات.
– “يا سيدي الكاتب، أخبرنا على الأقل بأنك بخير وحيّ!”
– “يا سيدي الكاتب، ألا يمكنك أن تقول لنا فقط من هو البطل ؟ أنا لا أستطيع النوم من شدة الفضول…”
وبينما كانوا يتوسلون هكذا، كتب الكاتب – بعد زمن طويل – سطرًا واحدًا على حسابه الشخصي في وسائل التواصل:
“البطل ذو الشعر الأسود.”
ذاك هو عنوان الرواية.
المهمة: ابحث عن بطل الرواية الذكر وأنقذ العالم.
الدلائل: سردٌ محكم البناء، علاقة متميزة مع البطلة، وسامة فائقة، شعر أسود.
شرط إنقاذ العالم: مشهد رومانسي بين البطلة والبطل، وارتباط عميق وحميم بينهما.
“هذا…”
تيري رومان، الشخصية الأولى في تلك الرواية بالذات.
امرأة تحدق في النافذة الشفافة شبه الشفافة التي ظهرت أمام عينيها بدهشة واضحة.
“…ما هذا؟”
كانت هي البطلة في الرواية غير المكتملة التي تحمل عنوان <أنا أعيش جيدًا>، الرواية التي ستمضي إلى نهايتها بالفناء بعد عام واحد.
* * *
“متى تنوي الكونت أن تتزوج؟”
كان هذا أول ما نطق به الملك في قاعة الاستقبال.
ولم يكن الأمر غريبًا، لأن المرأة التي يخاطبها هي تيري رومان.
بطلة مملكة فيلترا، العبقرية الفذة، الساحرة العظمى التي قد تظهر مرة واحدة كل ألف عام.
فتاة يتيمة من عامة الشعب، نالت لقب الكونت بعدما حققت إنجازات باهرة في حروب الحدود، وهي المرأة التي يُقال عنها أن الملك يكنّ لها محبة خاصة.
ومع ذلك… فهي لا تُبدي أدنى اهتمام بالحب أو الزواج.
على الرغم من أن عشرات الرسائل الخاصة بالخطبة تصل إلى قصرها كل شهر، إلا أنها تتعامل معها كما يتعامل المرء مع حشرة مزعجة.
وكان مشهد رفضها للجميع يُمتع الملك.
لذا اعتاد أن يسألها بنفس الطريقة المعهودة، وكأنه يغرز إبرة في خاصرتها.
“خلال عام واحد. كلما كان أسرع، كان أفضل.”
“نعم، نعم… ستظلين عزباء هذا العام أيضًا… ماذا؟”
خلال عام…؟
“أتمنى أن ألتقي بلقاء مصيري. وإن كان لقاءً يراه الجميع ويقولون عنهما: “هذان رفيقان مكتوبان لبعضهما”، فسيكون ذلك أفضل بكثير.”
…؟
“نعم يا مولاي. سأتزوج زواج حب.”
كان يُفترض أن تجيب… أليس كذلك؟
…كان يُفترض أن تجيب، أليس كذلك؟
“أيتها الكونت، هل أصبتِ بهجوم نفسي من وحشٍ شيطاني أثناء مطاردة الوحوش بالأمس؟”
“لا يا مولاي، فأنا بصحة جيدة تمامًا.”
“لا، أظن أنك أُصبتِ. يبدو لي أنك أُصبتِ بالتأكيد. ألا تظنين أن من الأفضل أن تُفحَصي؟”
“لقد أجريتُ كافة الفحوصات الطبية فور عودتي من المهمة. وكلها طبيعية.”
“هناك سحر أسود كامن قد يظهر متأخرًا بعد فترة…”
“أعلم جيدًا أن سحرة البلاط الملكي يتمتعون بمهارة عالية، وإن لم يكونوا في مستواي بالطبع. لكنني بخير يا مولاي.”
“تيري رومان… السليمة تمامًا…”
تمتم الملك وهو يحرك شفتيه ببطء.
“تتمنى لقاءً مصيريًا وزواج حب؟”
رفعت تيري رأسها بثبات، وقالت بوقفة مستقيمة وواضحة:
“نعم يا مولاي.”
ثم أكدت كأنها تطعن بخازوق:
“أنا أرغب في زواج حب نابع من لقاء مصيري.”
وأضافت:
“على أن يكون الطرف الآخر… ذا شعر أسود حتماً.”
ساد صمتٌ دام خمس ثوانٍ، ثم فتح الملك فمه بسرعة:
“أيتها الكونت… أنت تعلمين أن ابني ذا شعر أسود، أليس كذلك؟”
* * *
لو سألت أي عابر سبيل عن الشخص الذي يتمنون الزواج به أكثر من غيره، وأعطيتهم درجات، لكانت تيري رومان هي الوحيدة التي ستحصل على المئة من مئة… بل وتزيد.
الثروة: تفيض وتزخر.
الشرف: اسمها يُعرف في المملكة وخارجها، في القارة بأسرها.
الجمال: فائقة الوصف.
الشخصية: مستقيمة، حاسمة، تحسن التصرف، تحسن معاملة الآخرين، وتتميز بالزهد والاقتصاد.
المكانة: ساحرة عظيمة.
قد يُثار أحيانًا بعض اللغط في المجتمع الأرستقراطي المتعجرف لأنها ليست من أسرة نبيلة وراثية، لكن ذلك لا يعدو أن يكون همهمة عابرة في الخفاء.
كل معركة تشارك فيها تيري رومان تنتهي بانتصار ساحق لجانبها.
كل مشروع استثماري في مجال السحر تضع فيه يدها ينجح ويزدهر.
وحتى في الدبلوماسية، إذا تعثرت المفاوضات مع دولة ما، يُقال على الفور: “أحضروا تيري رومان”.
فما أن يراها الوفد الأجنبي حتى يتغير موقفه كليًا.
ولهذا السبب بالذات بدأ الملك يسألها عن الزواج في المقام الأول؛ لأنه كان يرغب أشد الرغبة في أن تصبح رفيقة ابنه.
ولأن الزواج هو الطريقة الوحيدة لضمان بقاء هذا الكنز الوطني في المملكة إلى الأبد.
عبقرية نادرة، سيدة حرب امشي على الأرض، ساحرة عظيمة تتطلع إليها القارة بأسرها.
المشكلة الوحيدة كانت… عدم اكتراثها المطلق بالحب والزواج.
ولا يُعقل أن تترك القوى الأخرى مثل هذه الجوهرة النفيسة دون محاولة انتزاعها.
فمن العائلات الكبرى إلى الأثرياء الجدد، أرسل الجميع خطبًا رسمية إلى تيري.
وكلها… رُفضت بلا استثناء.
وبينما كان الجميع يلتصقون بالنوافذ ينظرون إليها بعيون مشتعلة بالشوق والحنين…
كانت تيري رومان لا تزال تنتظر.
تنتظر ذاك الشاب ذا الشعر الأسود الذي سيغير مصيرها.
إعلان تيري الجريء: “سأتزوج زواج حب نابع من لقاء مصيري”
قد أحدث موجة عاصفة في أرجاء مملكة فيلترا.
ولهذا السبب تحديدًا، كان هذا اللقاء الثالث والثلاثين.
“أوه، يا سيدتي، الأرض هنا وعرة وغير مستوية، فكوني حذرة في خطواتك.”
ظهور صاحب شعر اسود يتظاهر بأنه لقاء مصيري مقنَّع بثوب الصدفة.
“لم أترنح ولو بمقدار مليمتر واحد منذ قليل.”
“كادت مقدمة حذائك تتعثر بحجر! لولا أنني هرعت لمساعدتك.”
“لا، لم يكن ليتعثر. أنا أحسن التوازن جيدًا.”
“ومع ذلك، هذا المكان…”
لحسن حظها أن “اللقاء المصيري” قد وضع في المقدمة، وإلا لكانت رسائل الخطب قد انهالت مجددًا.
لكن بفضل وضع اللقاء المصيري في الصدارة، فقد ازدادت أيضًا محاولات الاحتيال والتدليس.
نظرت تيري بنظرة باردة كالجليد إلى ذي الشعر الأسود الذي يتمايل أمامها بكل وقاحة.
ثم مدت يدها، ورفعت خصلة من شعره برفق،
وأمعنت النظر في جذور الشعر المكشوفة، ثم قالت بصوت مخيف هادئ:
“شعر بني.”
كان ذلك الرفض الثالث والثلاثين.
غضبت تيري غضبًا شديدًا.
ليس فقط لأن ثلاثة وثلاثين شخصًا حاولوا خداعها.
ولا لأن سبعة عشر منهم كانوا يصبغون شعرهم باللون الأسود زورًا.
بل لأنها صاحت وهي وحدها:
“أنا قبلتُ أن أخوض هذا الزواج المكروه من أجل إنقاذ العالم!!”
‘فهل يظن هؤلاء الأوغاد أن اللقاء المصيري لعبة؟!’
نعم، كان الأمر كذلك.
قبل شهر واحد، في اليوم الذي سبق إعلانها أمام الملك عن رغبتها في زواج حب مصيري…
تلقت تيري مهمة بالغة الخطورة.
أن تجد البطل ذا الشعر الأسود…
وأن ترتبط به ارتباطًا عميقًا…
من أجل منع فناء العالم.
فضحكت تيري ضحكة ساخرة خالية من البهجة.
تيري رومان.
الاسم الحقيقي: إيتيري.
في التاسعة من عمرها، انتقلت إلى جسد تيري رومان، وعاشت فيه أربعة عشر عامًا حتى الآن.
رواية <أنا أعيش جيدًا> كانت، كما يوحي عنوانها، قصة بطلة قوية بشكل مبالغ فيه تبتلع العالم وتعيش في رفاهية تامة.
لذلك لم يكن هناك شيء يخيف تيري حقًا.
فبما أنها البطلة، فطالما لم تنحرف كثيرًا عن مسار القصة الأصلية، فكل شيء سيجري على ما يرام مهما فعلت.
على الأقل فيما يتعلق بالمال والشهرة والمكانة، لم يكن هناك ما يدعو للقلق.
حتى في آخر فصل تم نشره قبل الانقطاع، كانت البطلة لا تزال تعيش في سعادة ورغد.
كان هناك الكثير من الرجال الذين يرتبطون بها.
المشكلة الوحيدة كانت أنهم كانوا كثيرين جدًا.
كل رجل يتبادل معها نظرة واحدة كان يقع في غرامها على الفور.
ولا غرابة في ذلك، فتيري رومان تمتلك مواصفات تفوق الخيال.
حتى عندما كانت تيري مجرد قارئة للرواية، لم يكن مرشحو البطل يروقون لها كثيرًا.
بل إن كثرتهم الزائدة هي ما جعلها تشعر بالضيق.
بصراحة، كل الرجال الوسيمين في هذا العالم مرشحون ليكونوا البطل.
كانوا بهذا العدد الهائل.
تلك النماذج المصنَّعة المتكررة من مرشحي البطل لم تجذب انتباه تيري القارئة أبدًا.
لم يكن لها أي تأثير، أي تأثير يُذكر.
كانت تشعر أن البطلة تستطيع العيش سعيدة لوحدها تمامًا.
لذلك، عندما أصبحت هي البطلة، فعلت بالضبط ما كانت تفكر فيه: عاشت لوحدها في سعادة ورفاهية.
لكن… لسوء الحظ الشديد…
لسوء الحظ البالغ…
تبيَّن أن البطل ، الذي اعتبرته هي الأقل أهمية، هو الجزء الأكثر أهمية في العالم كله.
‘لو كان البطل بهذه الأهمية، لكان عليهم أن يعالجوا الرومانسية بجدية وحرفية!!’
لم يكن من الممكن أن تنجح الحياة الجيدة لوحدها.
ولو كان الأمر كذلك، لكان عليهم أن يسموا الرواية: <أنا أعيش جيدًا… مع البطل>.
ومع ذلك، ها هي تيري رومان الآن، جالسة أمام طاولة الشاي في حديقة القصر الملكي، تتمتم بالشكوى.
لم تدم شكواها طويلاً، إذ ظهر شخص ما من بعيد.
شعر أسود.
نبل ينضح من كل خلية في جسده، جمال فائق، وقفة ملكية، أناقة، عبير…
“الكونتيسة.”
دانتي غاربان.
الأمير الذي لم يستطع مقاومة إلحاح والدته أخيرًا، فوافق على لقاء تيري.
كان في وقت من الأوقات معجبًا بتيري رومان، لكنه استسلم تمامًا أمام الحاجز الفولاذي الأعلى من الجبال.
“أخيرًا وافقتِ الكونتيسة على تحقيق أمنية أمي.”
“لا يزال الأمر معلقًا وغير محسوم بعد، يا صاحب السمو. كيف حالكم؟”
“لقد كنتُ مقتنعًا تمام الاقتناع أن الكونتيسة لا تهتم بي. منذ ثلاث سنوات على الأقل، أليس كذلك؟”
“كيف يمكن ذلك؟ كيف لمواطنة في هذه المملكة أن تكون غير مبالية بصاحب السمو؟”
“لسانك لا يزال حادًا كما هو دائمًا.”
ابتسم دانتي ابتسامة خفيفة، ثم جلس مقابل تيري.
أشار بيده فابتعد الجميع، بمن فيهم المرافقون، ثم أومأ إليها بعينيه:
“ألم تكونِ قد جئتِ لتريني في هذا اللقاء الرسمي ؟”
“هل تعلم أن كلمة “لعلّ” تقتل الناس أحيانًا؟”
“حقًا، لم أصدق أمي حين قالت أن السماء قد انشقت نصفين. ما الذي حدث بالضبط؟”
“لم يحدث شيء.”
سأل دانتي بنظرة شك مداعبًا شفتيه بأطراف أصابعه:
“رغبة في زواج حب مصيري… وأن يكون الطرف الآخر رفيق القدر الحقيقي؟”
“كما قلتُ بالضبط، يا صاحب السمو.”
“إذن لماذا أنا بالذات؟”
“لا تقلق، يا صاحب السمو. لم آتِ اليوم لأفعل شيئًا معك. أريد فقط التأكد من أمر ما.”
“التأكد؟ من ماذا؟”
عندئذ، أخرجت تيري شيئًا وفرشته على الطاولة الفارغة أمامهما.
تفاجأ دانتي لحظة، ثم استعاد هدوءه وانحنى قليلاً لينظر إلى ما نشرته.
كانت ورقة.
ورقة استبيان.
قرأ دانتي العبارات المكتوبة بعينين ضيقتين، ثم رفع بصره إلى تيري بتعبير لا يمكن وصفه.
وأمامه، قالت تيري رومان بهدوءٍ يفوق كل وصف:
“صاحب السمو الأمير حلَّ في المركز الأول في استطلاع رأي أجري على نساء مملكة فيلترا في العشرينيات والثلاثينيات بعنوان:
“من هو الشخص الذي يبدو أكثر شبهاً ببطل رواية رومانسية؟””
—
كيف عرفت اني مسكت رواية بدون ما اقراها؟ انا اللي متفاجأة بأن البطلة ساحرة و أحسبها مغلوبة على امرها 😭😭
••••◇•••••••☆•♤•☆•••••••◇••••
ترجمة : 𝑁𝑜𝑣𝑎
تابعونا على قناة التلغرام : MelaniNovels
التعليقات لهذا الفصل " 1"