بعد أن أنهى شولتز توغراهان حديثًا قصيرًا مع إليسا عاد إلى مقصورته الخاصة.
“أهلاّ بعودتكَ.”
نهض المساعد الذي كان يرتّب الوثائق على عجل ليستقبل شولتز توغراهان.
“جلالتك….كيف كانت المأدبة؟”
“كانت ممتعةً أكثر مما توقعت. وكان هناك أشخاصٌ مثيرون للاهتمام أيضًا.”
كان لوزان يراقب بحذرٍ ملامح الملك الذي يخدمه، فأدرك أن مزاجه لم يكن سيئًا حقًا.
و لماذا؟ لم يستطع معرفة السبب.
لقد جاءوا إلى دولةٍ أجنبية بعيدةً من أجل الأدميرال شوتر وحدها، لكن اصطحابها لتصبح ملكةً بات الآن أمرًا بعيد المنال.
فجميع أعضاء وفد شلريد رأوا بأعينهم مشهد قبلةٍ بينها وبين خطيبها أدريان أوبرون. ومن المؤكد أن ملكهم رأى ذلك المشهد أيضًا.
خلال رحلتهم بالسفينة، أصبح للأدميرال شوتر خطيب. خطيبٌ تحبه بحرارة. ومن المستحيل أن تأتي امرأةٌ كهذه إلى شلريد، تلك الأرض الأجنبية البعيدة، مهما عُرض عليها منصب الملكة.
كان معنى ذلك أن كل ما فعلوه قد ذهب سدى. ومع ذلك، فإن الملك الذي يخدمه لوزان، رغم أنه رأى كل تلك الظروف في سيفيا بعينيه، بدا الآن، وقد وطأت قدماه أرض سيفيا، في غاية الرضا.
‘هل عثر على مرشحةٍ جديدة لمنصب الملكة؟’
ولمعرفة نية الملك، طرح لوزان سؤالًا استكشافيًا على شولتز توغراهان.
“وماذا نفعل ببقية الهدايا التي جلبناها من شلريد؟ أليس من الأفضل إعادتها مسبقًا؟ أم هل ترغبُ في البحث عن مرشحةٍ أخرى للملكة حتى الآن.…؟”
“لا. لا حاجة لذلك. لا تغيير في الخطة.”
“ماذا؟ لكنكَ رأيتم اليوم الأدميرال شوتر و وريث الدوق أوبرون، أليس كذلك؟”
“كيف بدا لكَ الاثنان؟”
فشعر لوزان بقلقٍ حقيقي على بصر رئيسه.
‘هل أصابه طول النظر بالفعل؟’
وإن لم تكن المشكلة في البصر، فهي في الذاكرة. لا بد أن سيد شلريد قد أصيب إصابةً خطيرة في رأسه أثناء حرب الاستقلال.
لكن لوزان لم يستطع أن يتفوه بمثل هذه الكلمات الخائنة بحق الملك الشاب، فبدأ متلعثمًا يعدد المشاهد الفاضحة التي رآها بعينيه في قاعة المأدبة.
“بدا أن العلاقة بين الأدميرال شوتر والسيد أوبرون وثيقةً للغاية. إن إظهار هذا القدر من العاطفة أمام هذا العدد من الناس أمرٌ يصعب حدوثه دون يقينٍ بالزواج. أليس من المرجح أن الأدميرال شوتر لا تنوي القدوم إلى شلريد؟”
لكن شولتز توغراهان، بعد أن سمع جواب لوزان، نقر بلسانه قائلًا “تسك” على الفور.
“لوزان، هل عيناكَ مثبتتان في مكانهما أصلًا؟”
“نعم؟”
فتح لوزان عينيه بدهشة، وقد بلغ به الظلم مبلغًا كبيرًا.
لم تكن المشكلة في عينيه، بل في رئيسه، لكن قول ذلك لملك شلريد كان إهانةً لا تُحتمل، فابتلعها بصمت.
و انتظر لوزان، وهو يتحمل نظرة شولتز توغراهان المستخفة، أن يكمل حديثه.
“أثناء رقصها معي، لم تنظر إليسا شوتر ولو مرةً واحدة إلى أدريان أوبرون.”
“وهل في ذلك مشكلة؟”
فقد رأى الجميع مشهد قبلةٍ حماسية بينهما.
وعلى عكس شكوك لوزان المتزايدة، كان صوت شولتز توغراهان التالي مشبعًا باليقين.
“كون الأدميرال شوتر ترقص معي يعني أن أدريان أوبرون كان أيضًا في وضعٍ يسمح له بالرقص مع امرأةٍ أخرى.”
“وماذا في ذلك.…؟”
“أوصلتُ لكَ الحديث إلى هذا الحد وما زلتَ لا تفهم؟”
ر شعر لوزان ببعض الظلم مرةً أخرى من نظرة الملك إليه، نظرة من يرى إنسانًا بليدًا ومثيرًا للشفقة.
“كانت تعلم أن خطيبها قد يرقص مع امرأةٍ أخرى، ومع ذلك لم تُعر الأمر أي اهتمامٍ ولو مرةً واحدة.”
“لكن أليس من الممكن أنها كانت متوترةً فحسب، أو أن الأمر مجرد مصادفة؟ إن لم يكن خطيبها في حسبانها، فما تفسير تلك القبلة التي حدثت اليوم أمام الجميع؟”
“هذا ما ستتحقق منه أنتَ من الآن فصاعدًا.”
“نعم؟”
“اعرف ما الذي جمعهما وما المصلحة التي حققاها من هذا الارتباط. وأيًا كانت تلك المصلحة، اعرض أن نمنحها إياها من جانبنا.”
“نعم؟!”
أصدر شولتز توغراهان أوامره بنبرةٍ واثقة.
“يجب أن تجد ذلك حتمًا قبل انتهاء الحفل على متن السفينة. هل تفهم قصدي؟”
بالنسبة إلى لوزان، الذي عانى دوارًا شديدًا أثناء الرحلة البحرية، كان الإرهاق الشديد محجوزًا له هذا اليوم أيضًا.
***
لم تستطع إليسا العودة إلى الغرفة التي كان فيها أدريان، ولم يكن بوسعها الوقوف طويلًا بسبب ألم قدمها المصابة، فقررت التوجه إلى غرفة الاستراحة.
لو لم تصادف في طريقها أسوأ حظٍ ممكن، وهو لقاء والدها الدوق روسيريكا، لكان الأمر أفضل.
“لقد أحسنتِ التصرف قبل قليل. لم أكن أعلم أن لديكِ مثل هذه القدرة.”
لم يكن مجرد شعور، بل بدا واضحًا أن عبارة “قدرة اصطياد الرجال مثل أمكِ” قد حُذفت عمدًا.
“سأتولى شؤوني بنفسي.”
“ومن تظنين أنه أطعمكِ وألبسكِ وأدخلكِ تلك الأكاديمية العسكرية المرموقة؟ إذا كنتِ قد نلتِ كل هذا الفضل، أليس من الواجب أن تكوني عونًا لعائلة الدوق روسيريكا؟”
“يبدو أن احتجاز الأبناء يُعد تربيةً في هذا الزمان، يا أبي.”
فنقر الدوق روسيريكا بلسانه وهو ينظر إلى إليسا نظرة استياء، معتبرًا أنها ما تزال غير ناضجة.
“إن استطعتِ الحمل، فاحملي أولًا. فهذا أسرع طريقٍ لدخولكِ إلى أسرة الدوق أوبرون.”
في اللحظة التي سمعت فيها كلمة “الحمل”، شحب عقل إليسا تمامًا. و لم تجد حتى وقتًا للشعور بخيبة أمل أو غضب.
كان عقلها وكأنه انقطع تمامًا. و لم يعد الإنسان الواقف أمامها يبدو لها كإنسانٍ من جنسها.
وعندما استعادت وعيها، كان الدوق روسيريكا قد أنهى كل ما أراد قوله وغادر. فرفعت إليسا يدها العارية وضربت الحائط بقوة.
لو كان بوسعها، لقفزت فورًا إلى البحر هربًا من هذا الحفل اللعين على متن السفينة.
‘دوق روسيريكا، ذلك الإنسان الملعون، ماذا قال في النهاية؟’
“لا تقومي بتصرفاتً قد تُساء فهمها، وعودي مبكرًا إلى جانب أدريان أوبرون.”
‘آه، حسنًا إذاً.’
عقدت إليسا عزمها بقوةٍ على أن تفعل اليوم كل ما من شأنه أن يُساء فهمه.
***
كلما تحركت إليسا خطوةً ابتعد عنها الضجيج الصاخب. وفي الممر الملاصق لغرفة القيادة كان يقف أفرادٌ من البحرية.
و تقدّم حارسٌ لم يتعرّف على إليسا القادمة من بعيد وهي ترتدي فستان سهرةٍ كحلي اللون، ووقف في طريقها.
“هذا المكان ممنوعٌ الدخول على الجميع باستثناء البحرية، يا، يا سيادة الأدميرال!”
وبعد فوات الأوان، تعرّف الحارس على إليسا فأدّى التحية.
“أعتذر لعدم تعرّفي عليكِ من البداية. العقيد فيتزجيرالد بانتظاركِ في الداخل.”
أدخل الحارس المفتاح في القفل المجلجل وفتح الباب المحكم الإغلاق. فقد كان مكانًا لا يُسمح لأحد بدخوله سوى البحرية، حتى لو كانت الملكة نفسها.
أغلق الحارس الباب مجددًا، وعلى جدران الممر المغمور بالظلام كانت تصطف الأسلحة التي تستخدمها البحرية عادةً.
كان مخزنًا عسكريًا مُعدًا للطوارئ. وفي نهاية ذلك الممر كانت هناك غرفةٌ صغيرة.
أضاءت الشموع داخل الغرفة بضوءً قرمزي. وفي وسط المقصورة الصغيرة كان هناك رجلٌ ممددًا، معصوب العينين بقطعة قماشٍ سوداء، ومقيّد الأطراف.
“لقد وصلتِ.”
رفع إينوك رأسه وأدّى التحية بعدما كان ينظر إلى الرجل بنظرة احتقار. وإلى جانبه كان نيكسون في وضعيةً عسكرية صارمة هو الآخر.
كان نيكسون، المجند الجديد هذا العام، متوترًا بشدة لأن هذه أول مرةٍ يرى فيها أدميرال الجنوب عن قرب.
“لقد فعلتم أمرًا لا داعي له.”
“لا أحد في البحرية يمكنه أن يقف متفرجًا على من يهين سيادة الأدميرال.”
أنهى إينوك كلامه ثم ابتسم ابتسامةً جانبية وأضاف.
“ثم إنكِ أنتِ أيضًا لم تكوني تنوين ترك ذلك الوغد يذهب هكذا، أليس كذلك؟ لقد قلتِ بوضوحٍ أنكِ ستتعاملين معه لاحقًا.”
“يا هذا، مع ذلك لم أكن أنوي ارتكاب هذا الجنون على سفينةٍ يستقلها ملك شلريد.”
حوّلت إليسا نظرها إلى الرجل المقيّد، ثم وقعت عيناها على زجاجة ويسكي تبدو جيدةً موضوعةً على الرف.
أمسكت بالعنق الرفيع ورفعت الزجاجة الثقيلة، ثم رفعت طرف فستانها. فأدار إينوك رأسه، بينما خرج من تحت فستان إليسا خنجرٌ قصير.
ما إن فتحت إليسا غطاء الويسكي حتى انبعث صوتٌ حاد منعش، وضرب أنفها عبير الكحول القوي.
“إينوك، هل سيشتعل هذا جيدًا لو رششتُه على جسد ذلك الوغد؟”
_______________________
يالحنيه يبون يدفونه بالنار وسط البحر🤏🏻🥹
شولتز واو ماتوقعت ملاحظه كذا بس اهجد يالبطل الثاني 😘
اما ادريان كنت قاعده استناه يلحقها او على الأقل احسبه بيجي ويرد على ابوها بس معليه انتظره يجي يعذب معها الي ماسكينه ذاه🤏🏻
الا على طاري اينوك هو مره يحب اليسا يعني يعتبر بطل ثالث؟ و ليه أحسه مب معترف؟
التعليقات لهذا الفصل " 22"