تقدّم أدريان نحو إليسا خطوةً بطيئة. و كانت إليسا واقفةً بلا حراك، وقد تخلّت عن كل أمل.
حين استسلمت، سرت حالةٌ من الوهن في جسدها كله.
“أجيبي يا إليسا، همم؟ لو قلت لكِ أنني لم أكن أعلم أصلًا بوجود مثل ذلك الرهان، هل ستصدقين كلامي؟”
لم يخطر ببال إليسا في تلك اللحظة سوى فكرةٍ واحدة فقط.
‘طبعًا، هذا ما يُنتظر منكَ.’
مجرد أنها، ولو لوهلةٍ قصيرة، ظنّت أن كلام أدريان أوبرون قد يكون صادقًا، جعلها تحتقر نفسها إلى حد الجنون.
“هل تنوي أن تقول أن كل ما مررتُ به آنذاك كان مجرد وهم؟ رغم أنني رأيتُ بأم عيني المشهد الذي جعل الأكاديمية بأكملها تسخر مني؟”
“….…”
“لماذا تصمت؟ حتى ضميركَ لا يسمح لكَ بالكلام مرتين في هذا الأمر، أليس كذلك؟”
حتى لو كان له عشرة أفواه، لما وجد ما يقوله.
لو كان لديه ذرة ضمير، لما جاز لأدريان أن يفتح فمه. فلا يمكن لإنسانٍ أن يفعل ذلك.
لوّحت إليسا بيدها وكأن ما تسمعه لا يستحق مزيدًا من الإصغاء، فسارع أدريان مضيفًا كلامه.
“….أنا لم أشارك في ذلك الرهان.”
“ها….هاهاهاها”
أدريان أوبرون لم يكن إنسانًا.
انفجرت إليسا ضاحكةً وهي تمسك بطنها. و تردّد صدى ضحكها في الغرفة، ثم انقطع فجأة.
وقد بدا وكأن الغضب صبغ بصرها باللون الأحمر القاني.
‘كيف كان تعبير أدريان بينما كنتُ أضحك؟’
كان وقحًا بقدر ما كان بارعًا في التمثيل.
“غارون من هايسن، إيزيك من لينغستر، ديكسلي من بيروين، لودفيكا من بوتيين.”
“….…”
“هل تتذكر من هم؟”
اختار أدريان أوبرون أن يظل صامتًا بوقاحةٍ كعادته.
“إن ادّعيتَ أنكَ لا تعرف، فسأشرح لكَ بنفسي. إنهم أتباع دوقية أوبرون، وقد طُردوا لأنهم راهنوا بالمال عليّ. أتظن أن في الأكاديمية العسكرية شخصًا واحدًا لا يعلم أنكَ كنتَ تلازمهم آنذاك؟ ومع ذلك، تقول أنه لا علاقة لكَ؟”
“كنتُ أعلم أنكِ لن تصدقي.”
“ولماذا لا تقول إذاً أن كل هذا مجرد أوهامٍ في رأسي؟ أنني مريضةٌ نفسيًا، اخترعتُ تلك الأحاديث كلها، وأصدقاؤكَ طُردوا ظلمًا؟ لما لا تدّعي ذلك صراحةً؟”
لم تعد إليسا قادرةً على الوقوف في مكانها ومواصلة الحديث بهدوء. و اجتاحها دافعٌ عنيف لتحطيم كل ما تقع عليه يداها.
ثم وضع أدريان يده بثبات على كتف إليسا المرتجف.
“انظري إليّ، إليسا شوتر، انظري إليّ جيدًا.”
‘حسنًا، فلنسمع ما الذي سيقوله.’
بهذا الشعور، لم تحِد إليسا بنظرها عن عيني أدريان الحمراوين، بل حدّقت فيه مباشرة.
“لم أقل ذلك. أنا مختلف. أردتُ فقط أن تصدقي أنني لستُ مثل أولئك الأوغاد الذين راهنوا عليكِ بتلك الطريقة الوضيعة.”
“تفضل، واصل ثرثرتكَ.”
“أنا لم أتعرض لأي عقوبة.”
“لكن تم التحقيق معكَ من قِبل لجنة الانضباط.”
“حين طُرد جميع المتورطين في تلك الحادثة، كنتُ قد تخرجتُ من الأكاديمية.”
“طبعًا، فأنتَ وريث دوقية أوبرون.”
“وماذا عن ديكسلي؟ ولودفيكا؟ ألم يكونا هما أيضًا ورثةً لألقابهما؟”
كان لديها الكثير لتقوله. فبيروين عائلةٌ من أصولٍ إدارية، وبوتيين راكمت ثروتها من ازدهار تجارتها، لكن تاريخها القصير جعلها موضع ازدراءٍ خفي بين كبار النبلاء.
لم يكونوا شيئًا يُقارن بأوبرون، حماة الحدود الشمالية لسيفيا، الفرق بينهم كالسماء والأرض. فلم يكن أيٌّ منهم يملك فرسانًا كدوقية أوبرون، ولا نفوذًا يؤثر في الأكاديمية العسكرية.
لكن إليسا اختارت ألا تخوض في تلك التفاصيل التافهة، وقررت بدلًا من ذلك أن تسأله عن حقيقةٍ واحدة لا يمكنه إنكارها.
“حقًا؟ إذاً، في سن السادسة عشرة. في آخر يومٍ من ذلك الفصل، في الحديقة، حين قلتَ لي أنني ابنة عاهرة، ألم يكن أنتَ أيضًا؟”
“…….”
“أكان ذلك أيضًا مجرد وهمٍ من أوهامي؟”
فتح أدريان فمه مرارًا وكأنه يريد قول شيء، ثم أطبقه بإحكام، وفي النهاية لم يستطع النطق بكلمةٍ واحدة، واكتفى بخفض رأسه.
“لا داعي لأن تتكلف بالتبرير. فأنا أصلًا لم أصدق يومًا أنكَ كنتَ تجهل كل شيء. لستُ غبيةً إلى هذا الحد. ولن أسمح بعد الآن لكلماتكَ السخيفة أن تزعزعني.”
“….…”
“لذا، اكتفِ بالتمثيل بهدوء. افعل ما تتقنه، تلك الأفعال المقززة. ولا تتظاهر فجأةً بأنكَ خطيبٌ واقعٌ في الحب، فتخرج خاسرًا بلا مقابل.”
تركت إليسا أدريان، الذي تجمد في مكانه كالصخرة، وخرجت من الغرفة.
و ما إن خرجت، حتى أخذت نفسًا عميقًا. كان الهواء البارد يخفف قليلًا من الحرارة المشتعلة التي صعدت حتى رأسها.
مجرد حقيقة أنها لم تعد مضطرةً للبقاء في المكان نفسه مع أدريان جعلت التنفس أسهل ولو قليلًا.
حين لم تكن تعلم أن قدمها مصابة، كانت تمشي على السطح وترقص دون أن تشعر بشيء، أما الآن فحتى الوقوف ساكنةً كان يجعل الجرح يخفق بالألم.
أرادت أن تجلس في أي مكانٍ فورًا. لكن العودة إلى الغرفة والبقاء على انفراد مع أدريان أمرٌ تكرهه أكثر من الموت، لذا كان عليها أن تجد صالة استراحةٍ فارغة أو أي مكانٍ مناسب.
وبينما كانت تمشي في الممر الطويل وهي تفكر في ذلك، ناداها أحدٌ من الخلف.
“الأدميرال شوتر.”
استدارت عند سماع الصوت الغريب، فرأت ظلًا ضخم الجثة يملأ الممر.
وحين اقترب قليلًا، وقد كان واقفًا تحت ضوء الثريا، تبيّنت بشرته البرونزية وشعره الأزرق. فانحنت إليسا قليلًا عند الركبة وأدت التحية لشولتز توغراهان.
“انهضي. لكن قبل ذلك، هل لي أن أسأل لماذا تتجولين في الممر؟”
“يجب أن أترك لخطيبي حريةً لتدخين السجائر ولعبة البوكر.”
استقامت إليسا ونظرت إلى شولتز توغراهان قائلة بلا خجل، وهي تمثل دور الخطيبة الطيبة بكذبةٍ سلسة.
ولحسن الحظ، بدا من تعابير شولتز توغراهان أنه لا يشك في الأمر.
“سمعت أنكِ أصبتِ في قدمكِ. هل أنتِ بخير؟”
“آه….نعم، أنا بخير. خطيبي حساسٌ جدًا حين يتعلق الأمر بإصابتي. رغم أن الجرح لم يكن خطيرًا، إلا أنه بالغَ في القلق.”
شعرت وكأن معدتها تنقلب. فقد كانت قبل لحظاتٍ فقط تفكك أفعال أدريان أوبرون قطعةً قطعة، وها هي مضطرة، ما إن استدارت، إلى شرح مدى كماله وروعة كونه خطيبًا أمام شولتز توغراهان.
كادت تتقيأ. لم يكن هذا شيئًا يمكن فعله بوعيٍ كامل. كان ينبغي لها أن تشرب كثيرًا على الأقل.
“لدي سؤالٌ واحد.”
“نعم، تفضل بالسؤال. سأجيب.”
“إن تزوجتِ من الدوق أوبرون المستقبلي، خطيبكِ، فهل يعني ذلك أنكِ لن تستطيعي البقاء في البحرية الجنوبية، وأن عليكِ الذهاب إلى الشمال الذي لا بحر فيه؟”
كان سؤالًا لم يطرحه أحدٌ من قبل. لا الملكة، ولا والدها، أبديا أي اهتمامٍ بمكانة إليسا التي ستتغير مستقبلًا.
ما كان يهم الملكة أكثر شيءٍ هو منع تسرب الكفاءات، وما كان يهم والدها أكثر شيءٍ هو أن تتزوج ابنته غير الشرعية، التي اعتبرها عديمة الفائدة، بسلامٍ من دوق المستقبل.
وحتى إليسا نفسها، لم تسأل هذا السؤال يومًا. فهي لم تؤمن، ولا للحظةٍ واحدة، بأن زواجها من أدريان سيستمر أصلًا.
“ربما سيحدث ذلك في المستقبل البعيد؟ فأنا لا أملك لقبًا.”
أما الشرط غير المعلن، وهو: إذا لم نكن قد تطلقنا أنا وأدريان حتى ذلك الحين، فلم تنطق به بطبيعة الحال.
“أفهم.”
“لكن خطيبي لا يزال في أوج صحته. من المبكر جدًا الحديث عن الألقاب لأجل الوريث.”
“أي إن لم يكن الآن، فقد يأتي يومٌ كهذا في نهاية المطاف.”
إشارةً إلى مستقبلٍ لم تتخيله يومًا جعلت إليسا عاجزةً عن إيجاد ردٍ مناسب، فاكتفت بابتسامةٍ خفيفة.
ولا يُدرى كيف فسّر شولتز توغراهان تلك الابتسامة، لكنه مد يده إليها.
“إن أتيتِ إلى شولريد، فلن تضطري إلى ذلك. متى ما كان، ستبقين في البحر طالما أردتِ. هذا ما أضمنه لكِ.”
رفعت إليسا رأسها دون وعي. وقد كانت عيناه الواثقتان تشبهان بحرًا عميقًا داكنًا.
“فعاصمة شولريد قريبةٌ من البحر.”
لان تعبير شولتز توغراهان قليلًا وهو يستحضر وطنه. ولعل ذلك الصفاء انتقل إلى قلبها أيضًا، فشعرت إليسا، لأول مرة، بالفضول نحوه.
“سمعتُ أن عاصمة شولريد كانت في الداخل في الأصل. حين أسستَ شولريد، لماذا نقلتم العاصمة؟”
كان سؤالًا اندفاعيًا. خرج الكلام من فمها قبل أن تفكر في أن مثل هذا السؤال قد يُفهم على أنه اهتمامٌ بشؤون شولريد.
“هذا في وقتٍ لاحق. إن منحتِني فرصةً مناسبة، فسأكمل لكِ القصة حينها.”
“….…”
“أتطلع إلى أن تمنحيني قليلًا من وقتكِ مرةً أخرى.”
قال شولتز توغراهان ذلك، ثم غادر الممر أولًا.
وبينما كانت إليسا تحدق طويلًا في ظهره العريض وهو يبتعد، تمتمت،
“يقولون أنه سيد الدم….لكنه يعرف كيف يبتسم أيضًا.”
________________________
هلووووووو معكم دانا بكمل عن آنا😘 وذي حساباتي عشان الي يبي وكذا
انستا: dan_48i توتر: Dana_48i تلقرام: dan_xor
المهممم الأكيد و الواضح ادريان هو البطل بس تخيلوا المؤلفه تقلب علينا؟ والله بضحك مع اني احب ادريان الصدق مسيكين واضح مظلوم😔
بس ليته ماسكت ليه قمط كأنه مايدري وش يقول😭 ما الوم اليسا وسوء فهمها اجل
وياااارب مايطول سوء الفهم ذاه عشان نبدا في الرخص وكذا
التعليقات لهذا الفصل " 21"