معلمي قد جُنّ [ الفصل 62 ]
“ مييل، استيقظي~!”
بدأ كوسيليكو يرفرف بحماسة حول الخيمة.
ورؤية هذا الطائر الصغير وهو مفعم بالنشاط جعلت مييل تبتسم وهي تنهض من سريرها.
خلعت بيجامتها أولًا واغتسلت.
وبفضل الأدوات السحرية التي تسهّل الحفاظ على النظافة، باتت المهام اليومية الأساسية سهلة حتى أثناء التخييم.
ارتدت ملابس مريحة ولفّت رداءها حول كتفيها، وبذلك أصبحت جاهزة ليوم جديد.
“ هيّا بنا يا كوكو.”
غرّد كوسيليكو بسرور وهو يستقر على كتفها بينما خرجت من الخيمة.
كان الحطب الذي أُشعل في الليلة السابقة قد خمد منذ وقت طويل، لكن بما أنها نظّفت المكان قبل النوم، بدا كل شيء مرتبًا وجاهزًا لبدء النشاط الصباحي.
“ يبدو أن سموّه والمعلم لم يستيقظا بعد.”
سارت مييل نحو الصندوق الذي يحوي مكونات الطبخ، بينما كان كوسيليكو يحلق مرحًا في السماء الصباحية.
‘ الحساء هو الأفضل في صباح كهذا.’
اختارت من بين المكونات التي جهّزها فووك مسبقًا مجموعة الحساء المعدة بعناية.
ثم فتحت صندوق أدوات الطهي وأخرجت قدَرًا كبيرًا، لم يكن قدرًا عاديًا، بل معزَّزًا بالسحر ليحتفظ بالحرارة لفترات طويلة ويختصر وقت الطهي بشكل كبير.
غسلَت القدر ثم أشعلت النار مجددًا، وأضافت المكونات مع الماء.
‘ عشرون دقيقة من الغليان، وسيكون جاهزًا.’
ابتسمت مييل برضا وهي تتأمل القدر الذي بدأ يغلي.
أن يكون الطهي بهذه السهولة… حقًا، السحر أمر مدهش.
“ استيقظتِ باكرًا يا آنسة مييل.”
فُتحت إحدى الخيام وخرج منها توروي.
كان أنيقًا كعادته رغم الصباح الباكر، وشَعره الذهبي يلمع تحت ضوء الشمس.
“ أوه! صباح الخير يا سموّ الأمير. هل نِمتَ جيدًا؟“
“ نمتُ بفضل وجودك. وأنتِ؟“
اقترب منها، في اللحظة التي بدأ فيها عبق الحساء يتسلل إلى الأجواء النقية.
“ نِمتُ جيدًا أيضًا.”
ابتسم توروي بحرارة واقترب من النار يتأمل محتوى القدر.
“ أأنتِ من أعدّه؟ رائحته شهية للغاية.”
“ أوه، لا. لم أفعل شيئًا يُذكر. فووك حضّر كل شيء، أنا فقط أغليه.”
ابتسم توروي ابتسامة ناعمة.
“ ومع ذلك، شكرًا لتجهيزه.”
جلس بجانب النار بابتسامة أميرية، أقرب من البارحة.
“ آه… لا داعي، هذا أقل ما يمكن.”
احمرّت وجنتا مييل خجلًا، وهو أمر نادر الحدوث.
ولتوروي، كان هذا الخجل ساحرًا بحد ذاته.
“ ما هذا؟! مييل، استيقظتِ بالفعل؟“
ظهر جايد من خيمة أخرى، مرتديًا سروالًا خفيفًا وقميصًا، وقد لفّ فوقهما رداءه المعتاد.
اقترب بخطى واثقة، وظلّه الطويل يسبق خطواته.
“ صباح الخير يا معلمي. هل نِمتَ جيدًا؟“
“ إلى حد ما.”
في الحقيقة، لم ينم جايد جيدًا.
لم يكن معتادًا على النوم في خيام.
لكنه لم يشتكِ.
“ صباح الخير يا سيد البرج.”
حيّاه توروي بنبرة عفوية.
عندها فقط بدا أن جايد لاحظ وجوده.
“ آه، أتمنى أنك نِمت جيدًا أيضًا يا سموّ الأمير.”
رغم أن تحيته كانت مقتضبة، إلا أن توروي قابلها بابتسامة هادئة.
وفي تلك الأثناء، كان الحساء يغلي في القدر بهدوء.
قطع اللحم والخضار تدور في مرق أحمر غني، وتبدو شهية للغاية.
“ اجلس يا معلمي. الحساء شارف على النضج.”
“ حسنًا، حسنًا.”
جلس الثلاثة حول النار سويًا.
كانت الأجواء أخف من الليلة الماضية، وصباح الغابة الهادئ يمنح شعورًا بالانتعاش.
“ مييل! احتفظتِ بحصتي، صحيح؟!”
عاد كوسيليكو بعد جولة طيران، واستقر على كتفها وهو يصيح مبتهجًا.
“ طبعًا يا كوكو. هناك ما يكفي للجميع.”
وبعد قليل، كان الحساء قد نضج تمامًا.
بلحم طري، وخضار طازجة، ومرق الطماطم المميز من وصفة فووك… كان الطبق مثاليًا.
“ رائحته مذهلة!”
طاف كوسيليكو في الهواء فرحًا.
ضحكت مييل وبدأت تغرف الحساء في أوعية خشبية.
ناولت الأولى لجايد، ثم الثانية لتوروي.
‘ أعطتني حصتي أولًا.’
ابتسم جايد بخبث وهو يتلقى الطبق، وكأنه يفاخر أمام توروي.
لكن توروي لم يُعره اهتمامًا.
فهو يدرك جيدًا أن نظرة مييل إليه تختلف كليًّا عن نظرتها إلى جايد.
جلست مييل بدورها، وهي تحمل وعاءها الخاص وآخر لكوسيليكو.
تذوّقت أول ملعقة، وارتسمت الابتسامة على وجهها.
“ ممم، لذيذ جدًا. ما رأيك يا كوكو؟“
“ إنه لذيذ بحق!”
صاح كوسيليكو بحماسة.
وابتسمت مييل من قلبها، وسعدت بذلك.
وبينما كان المشهد ينضح بالسكينة، اكتفى الرجلان بتناول فطورهما في صمت.
لكن… ما إن التقت نظراتهما، حتى عادت أجواء التوتر بينهما.
وبعد أن أنهوا وجبتهم، نظّفوا المخيم.
وبفضل السحر، تم ذلك بسرعة وسهولة.
ثم انطلقوا مجددًا في رحلتهم.
العربة السحرية التي تتحرك بطاقة جايد السحرية سارت بانسيابية فوق الطرق.
“ أنا نعسان…”
تمدّد كوسيليكو فوق ساقَي مييل وبدأ ينعس.
بدأت تلاطف ريشه الناعم بابتسامة.
“ نم قليلًا. لا يزال أمامنا وقت طويل.”
“ مم… حسنًا، قليلًا فقط…”
وفيما غفا الطائر الصغير، جاء صوت جايد العميق من الجهة الأخرى في العربة:
“ مييل، يجب أن ترتاحي أنتِ أيضًا. لا نعلم ما قد نواجهه لاحقًا، استريحي ما دمتِ قادرة.”
“ حسنًا يا معلمي.”
اتخذت وضعًا مريحًا ونظرت إلى الرجلين أمامها.
لا يزال بينهما متسع يسع شخصًا آخر دون أن يضيق به المكان.
“ يا سموّ الأمير ومعلمي… يجب أن ترتاحا أنتما أيضًا.”
عندها، أومأ جايد بصمت وأغمض عينيه.
“ كما تشائين يا آنسة مييل.”
أغلق توروي عينيه أيضًا، ولم يفعل ذلك إلا بعد أن رأى مييل تغفو أولًا.
وهكذا… خيّم الصمت، وغرق الأربعة في نوم هادئ.
***
‘ كم مضى من الوقت؟‘
كان توروي أول من استيقظ.
لم يكن يسمع سوى صوت عجلات العربة، وأنفاسٍ ناعمة تملأ الأجواء.
نظر من النافذة، فإذا بالشمس قد بلغت كبد السماء.
ثم التفت إلى مييل.
كانت نائمة بعمق، وكوسيليكو متكوّر إلى جانبها.
وشفتيها المنفرجتين قليلًا أضفتا على وجهها سحرًا إضافيًا.
راح توروي يحدّق فيها دون أن يشعر.
لكن صوتًا منخفضًا قطع الصمت فجأة:
“ إن واصلت التحديق، قد تذوب.”
كان جايد، يجلس وذراعاه متشابكتان، وعيناه مغمضتان.
“ كنت مستيقظًا؟“
“ نعم. سنصل قريبًا.”
فتح جايد عينيه ببطء.
ومثل توروي، كانت نظراته الأولى تتوجه نحو مييل وكوسيليكو.
كان تنفّسهما الهادئ يوحي بالطمأنينة.
‘ مشهد كهذا… يمنحني سكينة حقيقية.’
وتمنّى في نفسه لو يدوم هذا الهدوء قليلًا بعد.
لكن المشهد من النافذة كان قد تغيّر بالفعل.
ظهر الأفق البحري الواسع…
وفي حضنه، مدينة مرفئية تُدعى بيرن.
وما إن بدت صورتها تدريجيًا في أعين الاثنين، حتى أدركا أنهما على وشك الخطوة الأولى نحو القارة الشرقية.
“ مييل، حان وقت الاستيقاظ.”
قالها جايد بنبرة هادئة.
انفرجت جفون مييل ببطء.
وما إن ارتفعت رموشها الطويلة، حتى ظهرت عيناها الجميلتان.
وخفق قلب كلا الرجلين دون إرادة.
“ هل وصلنا؟“
“ نعم يا آنسة مييل. انظري من النافذة، إنها المدينة الساحلية بيرن.”
نظرت مييل إلى الخارج.
كانت المباني البيضاء تصطف على طول الساحل… مشهدٌ آسر.
“ إنها جميلة…”
همست، ثم بدأت توقظ كوسيليكو برفق.
راحت تدلّك بطنه بلين حتى انفتحت عيناه تدريجيًا.
“ استيقظ يا كوكو. لقد وصلنا.”
“ أحقًا؟!”
نهض الطائر الصغير، ورفرف بجناحيه وهو يتطلّع من النافذة.
“ أوووه! لقد حان الوقت أخيرًا. نحو القارة الشرقية!”
وعند كلمات كوسيليكو، أومأ الثلاثة معًا برؤوسهم في انسجام.
____
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 62"