معلمي قد جُنّ [ الفصل 58 ]
واصلت العربة التي يستقلّونها اندفاعها بسرعة لافتة.
وبما أنها تابعة لبرج السحر، فقد كانت تسير بسرعة مذهلة، حتى أنها بلغت العاصمة الإمبراطورية في وقتٍ وجيز.
“ وصلنا بالفعل؟!”
صرخ كوسيليكو أولًا عندما توقّفت العربة قرب أحد الأزقّة في حي هاميرون وهو يرفرف داخل العربة بحماسة شديدة.
“ نعم، نعم. لقد وصلنا، فاهدأ قليلًا.”
ابتسمت مييل والتقطته، ثم رفعت قبعة عباءتها وخبأته بداخلها.
احتضن كوسيليكو كتفها بلطف وهو يرفرف بقلبٍ يكاد يقفز من شدة الإثارة.
“ يا إلهي، لا أستطيع كبح حماسي! أنا متحمس للغاية!”
ضحكت مييل بخفة من قدمي الطائر المتململتين، وفي تلك الأثناء ارتدى جايد عباءته وسحب غطاء رأسه.
فرغم ازدحام السوق الليلي، إلا أن هناك دومًا احتمال أن يتعرّف أحدهم على الساحر العظيم.
وإن حدث ذلك، فقد يُفسد الأمر عليه خروجه مع مييل.
وبالطبع، كل ما يفعله هو لأجلها.
“ لنذهب يا مييل.”
فُتح باب العربة، ونزل جايد أولًا مادًّا يده نحوها.
لم تكن تلك اليد التي مدّها إليها مجرد تصرّف اعتيادي لمساعدتها على النزول، بل كانت لفتة نابعة من شعورٍ حقيقي.
حدّقت مييل في يده باستغراب، وأدرك جايد متأخرًا ما فعله.
احمرّت أطراف أذنيه على الفور وسارع بالتمتمة بتبريرٍ متلعثم:
“ السوق… مزدحم. من الأفضل أن نمسك بأيدي بعضنا كي لا تتوهين.”
“ آه، حسنًا. فهمت.”
وبدون تردّد، تناولت يده.
كانت يده كبيرة كفاية لتغمر يدها بالكامل.
كفّه خشن، وأصابعه طويلة وسميكة.
‘ يده ضخمة…’
وإنها دافئة على نحوٍ مفاجئ.
ولسببٍ ما، احمرّت وجنتاها قليلًا.
“ ه– هيا بنا.”
أدار جايد وجهه وهو يقودها نحو السوق، عاجزًا عن النظر إليها.
‘ ما خطبي… ؟‘
لم يكن ينوي أن يمسك بيدها، لكن الآن بعد أن فعل، لم يعد قلبه يهدأ.
كان يشعر أن جسده تصرّف من تلقاء نفسه، وعقله امتلأ كليًا بأفكارٍ عنها.
‘ كم يدها صغيرة…’
كانت يدها الصغيرة بين يديه كافية لجعل قلبه يخفق بجنون.
‘ إنها لطيفة جدًا… سأُجن.’
ودون وعي، أخذ يربّت بإبهامه على ظهر يدها.
وما إن انتبه، حتى توقف بسرعة.
كل شيء صغير… يداها، جسدها، وجهها… كل شيء فيها.
ألقى عليها نظرة جانبية، فرأى جسدها الصغير بوضوح.
‘ لو ضممتها الآن، ستنكمش بين ذراعي تمامًا…’
وابتسم بلا شعور.
لم يستطع منع نفسه، فمجرد الفكرة جعلته يشعر بسعادة غامرة.
“ أوه! يبيعون أسياخ الدجاج هناك!”
لم تكد تدخل السوق حتى لمحت مييل عربة تشوي أسياخ الدجاج بصلصة الصويا اللامعة.
“ هل ترغبين بواحدة؟ سأشتريها لك.”
وسار بها دون تردد نحو العربة.
“ اثنتان، من فضلك.”
أخرج المال ودفع للبائع بسرعة.
بدا على مييل شيء من الارتباك.
“ كنت سأدفع عن نفسي…”
لكنه قاطعها بنبرة حاسمة:
“ لا داعي. لديّ مال أكثر منك.”
كان تصريحه واقعيًا لدرجة أنها لم تجد ما تردّ به، فاكتفت بهزّ رأسها.
‘ صحيح، من الطبيعي أن يكون لدى سيد البرج مالٌ أكثر مني. بل أكثر بكثير.’
وبعد قليل، سلّمهم البائع السيخين. تناول جايد كليهما وأعطاها أحدهما.
“كلي .”
لم يتذوّق شيئًا حتى رآها تأكل أولًا.
وما إن أخذت قضمة—
“ أممم… لذيذ!”
تألقت عيناها، ولمّا رأى ابتسامتها، ارتسمت على وجهه ابتسامة راضية.
“ سأعطي كوكو قليلًا. دعنا نذهب هناك.”
شدّت يده وسارَت به نحو زقاق جانبي هادئ.
ورغم علمه أن الأمر لأجل كوسيليكو، لم يُمانع.
بل كان سعيدًا بمجرد مرافقتها.
“ بالمناسبة يا مييل…”
قالها بنبرة ساخرة وهو يتبعها.
“ نعم، يا معلمي؟“
“ ألا ترين أنه من الخطأ إطعام طائر أسياخ دجاج؟“
اتسعت عيناها فجأة.
“آه … صحيح …”
كان الأمر أشبه بإطعام طائر لحم طائر آخر. فأنهَت السيخ وحدها دون أن تترك له لقمة.
“ مييل بحقك! كوني أكثر رحمة! أعلم أنني لست طائرًا حقيقيًا، لكن…!”
تأوه كوسيليكو من كتفها بخيبة، فضحكت مييل بخفة واعتذرت.
“ آسفة يا كوكو.”
أما جايد، فظلّ ممسكًا بيدها وهو يتأمل المشهد بحنان.
وتراقصت ابتسامة واسعة على شفتيه، بالكاد قدر أن يخفيها.
“ هيا، ما الذي ترغبين بتجربته بعد الآن؟ ألم تخططي لتجربة أشياء كثيرة في السوق؟“
أنهى سيخه بسرعة، وأخذ منها عودها الفارغ، وأخفاهما بسحر سريع دون أن يلحظ أحد.
“ إذًا… تلك الفواكه المغلّفة بالسكر هناك!”
تألقت عينا مييل.
كانت العربة تبيع فواكه مغطّاة بطبقة صلبة من السكر، تمامًا كالحلويات التي كانت تراها في حياتها السابقة.
‘ عندما أرى طعامًا كهذا، لا أستطيع المقاومة.’
ابتسمت مع ذكراها، وسحبها جايد بلطف نحو العربة.
“ ماذا تريدين؟ فقط قولي، وسأشتري كل شيء.”
كانت نبرته عادية، لكن عينيه تابعتا ردّات فعلها عن كثب.
وقد بدا أنها تقدر اهتمامه.
‘ على أية حال، لدي الكثير من المال.’
فبصفته سيد البرج، كانت ثروته تضاهي ثروة العائلة المالكة.
فبرج السحر يتلقى طلبات من شتى أنحاء العالم، وأسعاره تتفاوت حسب صعوبة المهمة.
وبشكل طبيعي، جمع سيد البرج ثروة هائلة.
“ إذًا، سأختار تفاحة واحدة و…”
اختارت مييل قطعتين من الفاكهة المسكّرة، فاختار جايد نفس النوع الذي اختارته.
“ أممم، لذيذة!”
عادا إلى زقاق هادئ وتناولا وجبتهما الخفيفة.
شاركت مييل فاكهتها مع كوسيليكو، وجايد كان يراقب المشهد بصمت ودفء.
‘ إذن، هذا هو الشعور بالسعادة…’
خطر في باله فجأة.
رغم أنهما لا يفعلان شيئًا مميزًا فقط يتجولان في السوق معًا—
إلا أنه كان يشعر برضا تام.
“ واو! هذا لذيذ جدًا!”
اتسعت عينا كوسيليكو وهو يلتهم التفاحة بنهم.
لقد كان في قمة سعادته.
“ طعمه مذهل فعلًا.”
“ كوكو، لا تفرط بالأكل. ما زال أمامنا الكثير. ماذا تريد بعدها؟“
سألته مييل مبتسمة.
“ لنجرّب شيئًا مالحًا هذه المرة! طعام مقلي!”
“ نعم، حلو أولًا، ثم مالح. هذا هو الترتيب المثالي.”
“ بالضبط! ذوقك ممتاز.”
جعلت مجاملته الطريفة جايد يضحك بصوتٍ خافت.
وهكذا، اشترى لهما كل ما أرادا تذوّقه.
***
ومع مرور الوقت، وحلول الظلام تمامًا، عادوا إلى عربة برج السحر.
وما إن جلست، حتى استرخت مييل تمامًا على المقعد.
أما كوسيليكو، فقد تمدّد على حجرها وقد انتفخ بطنه الصغير قليلًا.
“ آه… أكلنا كثيرًا اليوم. أشعر بالانتعاش.”
ربّتت مييل على بطنه برفق.
“ كوكو، بطنك أصبح بارزًا.”
“ وأنتِ أيضًا يا مييل.”
كان جايد من قالها، مبتسمًا وهو يرمق بطنها المستدير قليلاً.
“ م– معلمي! لا تنظر إلى هناك!”
احمرّت خجلًا وسارعت لتغطية بطنها بردائها.
“ ولِم لا؟ هذا يليق بكِ. لم يكن فيكِ وزن أصلًا. بعض الامتلاء يناسبك.”
أسند جايد ذقنه إلى كفّه وهو يتأملها، ثم اقترب منها دون وعي.
امتدت يده تلقائيًا وربّتت على رأسها بلطف، ثم سحبها بسرعة.
‘ أحب رؤيتك تأكلين بشهية.’
كان تصرفًا صغيرًا… لكن قلب مييل بدأ يخفق بقوة.
___
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 58"