لم يكن هناك مجال للشك، فهي لم تكن لتخطئ في تمييز هذه الطاقة.
لقد كانت طاقة والدها.
قالت على عجل:
“راين، آسفة، لكن علينا الإسراع.”
“ن… نعم!”
فالزلزال الذي هز المكان لم يكن مجرد اندفاع سحري من طاقة الحكيم العظيم، بل زلزل أرجاء الكهف برمّتها بعنفٍ بالغ.
حتى راين، رغم صغر سنه أدرك خطورة الموقف فلحق بمييل مسرعًا دون تردد.
***
تشانغ! تشااانغ!
اصطدمت شفرة سيف توروي بمخالب المرأة الثلجية ذات الأظافر الطويلة.
وكان جايد يسانده إلى جانبه، حيث كانت حواجزه الدفاعية تحمي توروي من هجماتها.
ومع ذلك، كانت المعركة تسير في غير صالحهم.
وذلك لأن الاثنين لم يبادروا إلى الهجوم، بل اكتفوا بالدفاع اليائس.
قال توروي وهو يصر على أسنانه:
“اللعنة، يا سيد البرج! إلى متى سنبقى في موقف الدفاع فقط؟“
ولكن هذا القرار لم يكن برغبة من توروي، بل لرغبة جايد الذي أجاب بصرامة:
“لا يمكننا قتلها قبل أن نعرف كيف استطاعت استخدام طاقة الحكيم العظيم.”
وافقه توروي مجبرًا، لكنه كان يعلم أن الصمود في وجه هذه القوة المهولة دون الرد عليها كان أقرب إلى المستحيل.
“سيدي… سموك…!”
وفي تلك اللحظة، هرولت مييل وراين من خلفهم.
تفاجأت مييل حين رأت الكائن الذي يقاتله الرجلان.
“راين… أهي تلك المرأة التي تحدثت عنها…؟“
لكنها لم تكمل جملتها، إذ كان راين قد اندفع دون أن ينتظر إيقافها له، واتجه مباشرة إلى قلب ساحة المعركة الدائرة، وصرخ وهو يوشك على البكاء:
“جدتي…!”
توقف الجميع فجأة عند سماع صوته.
حتى المرأة الثلجية، توقفت والتفتت ببطء تنظر إلى راين بعينين غائرتين.
“أنتِ جدتي، أليس كذلك؟“
قال راين باكياً، متوسلاً إجابتها.
نظرت المرأة إليه طويلاً، ثم بدأت الدموع تترقرق في عينيها هي الأخرى.
وحدث ما لم يكن في الحسبان…
مع انهمار الدموع، بدأت ملامح المرأة الثلجية تتغير تدريجيًا.
عاد اللحم إلى وجهها الذي كان شبيهًا بالجمجمة، واستعادت خصلات شعرها الباهتة لمعانها، وتلاشت المخالب الطويلة لتعود يديها رقيقتين كأنهما منحوتتان من العاج.
‘هل هذه… ملامحها قبل أن تصبح امرأة ثلجية؟‘
فكرت مييل وقد اتسعت عيناها دهشة.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك…
تقدّمت بخطوة نحو راين… واحتضنته.
قالت بصوت حزين خافت:
“أنا آسفة… لم أستطع حمايتك… صغيري…”
احتضنته وهي ترتجف، كأنها تذوب من الألم والندم.
ومع احتضانها له، بدأت قدماها تتحولان إلى سائل شفاف يشبه الدموع، ثم راحت تتلاشى تدريجياً، حتى تحوّلت كلها إلى ذرات من الريح، لامست وجوه الواقفين حولها.
وفي اللحظة ذاتها، تدفقت في رؤوسهم ذكريات تلك المرأة… ليس كامرأة خارقة أو وحش، بل كأم لطفلة.
‘هذه الذكريات…’
تابعت مييل المشهد الذي كشّف أمامها: امرأة أنجبت طفلة وربتها بمفردها دون زوج، حتى جاء يوم اقتحم فيه غرباء منزلها.
“الطفلة قدرها أن تكون قديسة للإمبراطورية المُقدسة. سلمينا إياها فورًا!”
“لا! إنها ابنتي! لا يمكنني!”
“أتجرؤين على معارضة إرادة الإله؟!”
“أي إلهٍ هذا الذي ينتزع طفلاً من حضن أمه؟!”
لكن صراخها لم يجدِ نفعًا أمام قوة السلاح.
أُخذت منها رضيعتها، وذُبحت روحها.
ومن يومها، عاشت المرأة وحدها في كهف بين الجبال، تعيش على ذكريات الطفلة، وتموت قليلاً كل يوم.
بينما كانت تتجول تائهة في أرجاء الكهف، وصلت إلى عمق مظلم، حيث وجدت زجاجة صغيرة شفافة تحوي سائلًا يلمع كالبلور وينبعث منها طيفٌ قوي من طاقة طاغية.
اقتربت، كأن شيئًا ما يجذبها.
وما إن لمست الزجاجة، حتى تسللت الطاقة إليها دفعة واحدة.
كانت هذه طاقة كاريلادين.
ولولاها، لكانت ماتت من البرد.
هذه الطاقة أنقذتها من الموت، لكنها لم تكن بلا ثمن.
الطاقة أمدّتها بالبقاء، لكنها سلبتها كل شيء آخر.
بقيت بداخلها رغبة واحدة فقط: أن ترى ابنتها مجددًا.
ومع مرور الوقت، وبينما شوقها لابنتها يزداد، بدأ عقلها يخذلها.
وفي أحد الأيام، هجمت على أهل قرية مجاورة، ظنًّا منها أنهم من اختطفوا ابنتها.
لم تكن ترى الواقع، بل خيالات صنعها الحزن والفقد.
وبعد ذلك، انزوت في الكهف لسنين طويلة.
كانت غريزتها تخبرها ألا تبتعد، لحماية تلك الزجاجة.
‘عليّ أن أحمي هذه الزجاجة…’
ومرت الأيام، حتى التقت بصبي صغير… لم تكن تعرفه، لكنه ناداها “جدتي“.
وفي تلك اللحظة، استعادت وعيها.
وحين احتضنته، تمكّنت من قراءة ذكرياته.
عرفت أن ابنتها ماتت منذ زمن، وأن هذا الصبي هو حفيدها.
فعندها، اعتذرت.
اعتذرت لابنتها… ولحفيدها… وغسلت روحها بالدموع.
اختفى الندم، وزال الألم، وغادرت العالم بسلام.
قالت مييل وهي تحتضن راين، بعد أن شاهدت كل شيء:
“راين…”
اقتربت منه وضمّته برفق.
ظل جايد وتوروي واقفين بصمت يراقبان.
وبين ذراعي مييل، أجهش راين بالبكاء، بلل كتفها، لكنها لم تبالِ، بل شددت احتضانها له.
بعد قليل، هدأ راين، ثم قال بصوت مكسور:
“أمي… كانت دومًا تتمنى أن ترى جدتي. أرادت المجيء إلى ساينت سنو، لكنها لم تستطع…”
إذ كانت أوضاع سنولاند في تلك الأيام سيئة للغاية.
“لو لم يحدث ما حدث قديمًا، لربما استطاعت المجيء، لكن حتى ذلك كان صعبًا، فقد كانت ضعيفة البنية، لم تكن لتتحمل هذه الرحلة الشاقة…”
روى راين بهدوء.
علم لاحقًا أن أمه، بعدما أنهت مهامها كقديسة، كانت تنوي زيارة سنولاند، لكنها توفيت قبل ذلك بسنوات.
“كانت أمي تتمنى أن ترى أمها ولو لمرة… ولهذا أنا هنا… لتحقيق تلك الأمنية بدلاً عنها.”
مسحت مييل دموعه برفق.
“أمي كانت تردد دومًا… أنها تريد أن تقول لجدتي شيئًا واحدًا: ‘إنه ليس ذنبكِ‘… تُرى، هل وصلت هذه الكلمة إلى جدتي؟“
قالت مييل مبتسمة:
“أجل… وصلت. أنا واثقة من ذلك.”
ثم احتضنته مجددًا.
فقد كانت دموع الجدة ونظرتها الأخيرة كافية لتقول كل شيء.
ربّتت مييل على ظهر راين بحنان.
باتت تفهم الآن كل شيء…
لماذا أراد راين القدوم إلى هنا، وكيف كان يعرف الطريق، ولماذا لم يكن يعاني من البرد.
كل ذلك لأن دم القديسة يسري في عروقه.
ففي الماضي، كانت القديسات لا يشعرن بالبرد بعد أن تتجلى فيهن القوة الروحية.
ويُقال إن مقاومتهن للبرد كانت تستمر حتى بعد زوال تلك القوة.
استمرت مييل بتهدئة الطفل حتى غفا من التعب.
فحمله توروي على ظهره.
قال جايد:
“هل سندخل إلى الداخل الآن، يا مييل؟“
أجابته بنظرة حازمة:
“نعم… ففي الداخل… هناك سولو ينتظرنا.”
___________
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 38"