كلما صعدوا الجبل الجليدي أكثر، شعرت مييل أن قوة الحكيم العظيم أصبحت أشد.
لكنها لم تفهم السبب تمامًا.
‘قوة أبي …’
لقد شعرت بهذه القوة، ولكنها بدت لها الآن أكثر حدةً وبرودةً مما عهدته. وربما كان السبب في ذلك هو العاصفة الثلجية التي كانت تشتد شيئًا فشيئًا.
لكن مييل كانت تدرك، في أعماقها أن الأمر لا يتعلق بالعاصفة وحدها.
قال جايد الذي كان يتقدمهم، محذرًا.
“ كونوا حذرين جميعًا.”
رغم أنه قد ألقى عليهم سحر التدفئة والحماية الجسدية، إلا أن العاصفة كانت تزداد شدة كلما واصلوا الصعود، وكأن الجبل يختبر من يتجرأ على اقتحامه.
‘ لو لم يلقِ علينا المعلم تلك التعويذات، لكنا جميعًا قد هلكنا منذ زمن.’
ولم تكن مييل الوحيدة التي أدركت ذلك.
فحتى توروي ومنذ أن رأى سحر جايد بعينيه، أدرك الفارق الكبير بينه وبين سيد البرج.
ورغم أن توروي قد تجاوز حدود البشر في مهارته، فإن سيد البرج كان في مستوى آخر تمامًا.
فهو لا يكتفي بإلقاء تعاويذ متعددة في آن واحد، بل يحتفظ بها فعالة لفترات طويلة، بل ويعدّل من شدتها وفقًا للبيئة المحيطة.
ومع اشتداد العاصفة، بدأت الكلمات بين الأربعة تقل واقتصر التواصل على تنبيهات متقطعة من جايد وتوروي عند اقتراب الخطر.
كان كلا الرجلين يسيران في حالة تأهب دائم، يتقدمان الصفوف عند ظهور وحوش أو تضاريس خطيرة، ويتوليان القتال في أغلب الأحيان.
‘ لولا وجود سمو ولي العهد معنا، لكان الوضع أكثر خطورة.’
فعبء حماية الجميع، حينها، كان سيثقل كاهل جايد وحده.
وفي أثناء مواصلة التسلق، وعند بلوغهم منتصف الجبل تقريبًا—
‘… هذا ليس جيدًا.’
توقف جايد فجأة عن السير ثم أشار بلغة الإشارة إلى من خلفه بالتوقف.
“ اللعنة، لقد تأخرنا.”
تمتم بكلمات خافتة، يلوم نفسه.
فرغم اعتداده بقوته، إلا أن استهلاكه الكبير للسحر أثناء الطريق أخر إدراكه للخطر.
“ لقد مررنا قبل قليل عبر حاجز سحري.”
“ ماذا تقصد؟”
سأل توروي بسرعة، فأجابه جايد على الفور:
“ حاجز لحماية الجبل من الداخل.”
وما إن أنهى جملته، حتى تلونت السماء بلون أحمر قانٍ.
لم يكن هذا الحاجز من النوع الذي يكتفي بالتحذير، بل كان مصممًا لحماية شيء محدد داخل الجبل، ومواجهة من يسعون لبلوغه تحديدًا.
التفت الأربعة جميعًا نحو السماء، لكن لم تسنح لهم الفرصة لفعل شيء؛ فقد غشيتهم قوة غامضة أودت بوعيهم.
“ تبًّا!”
سقطت مييل، ثم راين، وبعدهما توروي، الواحد تلو الآخر.
أما جايد، فقد حاول التماسك رغم نفاد معظم طاقته السحرية، لكنه هو الآخر فقد وعيه.
“مييل …”
حتى في لحظة سقوطه، كان بصره لا يزال مصوبًا نحوها.
***
بعد برهة…
فتحت مييل عينيها فجأة، فسمعت صوت تقاطر الماء، وظهر أمامها سقف غريب لا تعرفه.
‘ ما هذا؟ هل أنا في موقف كليشيه من تلك الروايات التي تبدأ بإعادة إحياء في عالم آخر؟‘
راودها هذا التفكير الساخر، قبل أن تتذكر فجأة آخر ما حدث لهم.
“!”
انتفضت جالسة.
نعم، لقد سقطوا جميعًا بسبب الحاجز.
لكنها، لحسن الحظ، لم تتعرض لأي أذى.
“ راين!”
التفتت فوجدت راين مغمى عليه بجانبها، فأسرعت في إيقاظه.
كان يتنفس، ولا يبدو مصابًا.
“ أه… أين نحن؟“
“ الحمد لله، لقد استيقظت يا راين لا أعلم أين نحن أيضًا.”
نظرت حولها، لكنها لم تجد أثرًا لجايد أو توروي.
“ أين الرجلان الآخران؟ الساحر والمقاتل؟“
“ لا أعلم. يبدو أننا انفصلنا أثناء سقوطنا.”
تبدلت ملامح راين إلى القلق فجأة.
“ هذا سيء… هناك شخص هنا.”
“ شخص؟“
“ نعم. الشخص الذي تحدثت لك عنه… الوحش.”
أجاب بصوت خافت.
يبدو أنه كان يقصد ذلك الكائن الذي قُتل على يده معظم سكان قرية ساينت سنو.
“ تقصد أن ذلك الشخص… هو الوحش؟“
“ نعم. الجميع في أرض الثلج يطلقون عليها لقب ‘ المرأة الثلجية‘. ويقولون إنها قتلت الناس بوحشية.”
بدأ القلق يظهر على ملامح مييل.
***
وفي نفس الوقت…
“ لا شك أن هذا المكان نتيجة مرورنا عبر الحاجز.”
قال توروي وهو يسير داخل كهف مظلم برفقة جايد.
“ لا تحتاج لأن تخبرني بشيء بديهي كهذا.”
لم يكف الاثنان عن الجدال حتى في هذه الظروف.
“ لكن… أين ذهبت مييل والصغير؟“
“ وفي مثل هذا المكان المجهول أيضًا! ويا لسوء الحظ أننا انفصلنا عنهما بسبب هذا التافه سيد البرج.”
“ أنا أيضًا لا أشعر بالسرور لوجودي معك.”
سارا على مسافة بينهما.
كان الكهف واسعًا بما يكفي لترك مسافة جيدة حتى أثناء السير جنبًا إلى جنب.
“ هذا الكهف يبدو قديمًا جدًّا.”
أومأ جايد موافقًا وقال:
“ يبدو أن عمره يتجاوز المئات من السنين. بل وأكثر…”
توقف فجأة.
شعر بشيء ينبعث من الأعماق، كان شعور قاتم وعنيف.
لاحظ توروي الأمر في اللحظة نفسها.
استل توروي سيفه، ورفع جايد يده نحو الأمام مستعدًا لإلقاء الشحر.
تبّ، تبّ…
بدأت خطوات بطيئة تتردد من داخل الكهف ثم ظهرت أمامهم امرأة.
“ امرأة؟“
همس توروي بدهشة.
كانت ترتدي فستانًا أبيض ممزقًا ومتسخًا، أشبه بشبح.
شعرها الطويل متشابك وذابِل، وأظافرها طويلة وحادة، وجسدها هزيل كهيكل عظمي.
“ الطفلة…”
خرج صوت خافت ممزوج بالبكاء من شفتيها.
“ أين هي؟“
ثم، بثوانٍ، نظرت إليهما نظرة مباشرة مليئة بالشر.
“ كيييييييه!!”
صرخت صرخة وحشية وانقضّت عليهما، وقوة سحرية ضخمة تحيط بها.
“ تلك القوة…!”
جايد الذي أدرك ماهية الطاقة التي أطلقتها أولًا، أطلق درعًا سحريًا أمام توروي.
طنااان!!
اصطدمت أظافرها الحادة بالدرع ثم التفتت نحو جايد بنظرة وحشية.
“ يا سمو الأمير… إنها تستخدم طاقة الحكيم العظيم!”
قالها جايد بنبرة خافتة موجّهة إلى توروي.
***
في الجهة الأخرى من الكهف…
“ راين، هل تعرف الكثير عن المرأة الثلجية؟“
سارت مييل نحو أعماق الكهف ممسكةً براين متجهة إلى حيث تشعر بطاقة والدها.
“ المرأة الثلجية…”
قال راين بصوت خافت، مشدودًا إلى ثياب مييل.
“ كانت في الأصل إنسانة عادية. لكنها تحولت إلى وحش بعد أن فقدت طفلها.”
“ طفل؟“
“ نعم، قبل أربعين عامًا، سُلب منها طفلها حديث الولادة.”
صُدمت مييل.
“ ومن الذي اختطف الطفل؟“
“ الإمبراطورية المقدسة في الغرب.”
وحالما سمعت مييل بذلك الاسم، تذكرت شيئًا.
“ لا تقل… الطفل هو…”
“ بلى. كانت ولادة الطفلة المعجزة والقديسة المنتظرة.”
تابع راين:
“ كانت الإمبراطورية تنتظر ولادة قديسة بعد أن تلقت وحيًا بذلك، وحين شعرت بقوة روحية قادمة من ساينت سنو، علموا أنها قد وُلدت هناك.”
“… وماذا بعد؟“
“ اختطفوا الطفلة من المرأة، فجنّت وتحولت إلى الوحش الذي يُعرف اليوم بالمرأة الثلجية.”
اتسعت عينا مييل بدهشة.
“ لكن القديسة ماتت منذ زمن. والمرأة الثلجية… بقيت بلا عقل.”
بدت علامات الحزن على راين.
“ والآن، لم يعد فيها شيء من الإنسان، لقد أصبحت وحشًا.”
“ راين، هل من الممكن أنك… ؟“
همّت مييل بسؤاله، لكن—
زئززززز!
اهتزت جدران الكهف فجأة تحت تأثير موجة طاقة هائلة قادمة من الأعماق…
___
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 37"