عند التفكير في الأمر، كان البداية مجرّد رغيف خبز صغير.
“تعالي إلى هنا، دعينا نتعانق أكثر.”
في يومٍ شتويّ، حيث تراكمت الثلوج البيضاء التي حملها الريح البارد كبطانيّةٍ من القطن تغطّي العالم بأسره، كانت ليريوفي وكاليونا تختبئان خلف متجرٍ في إحدى المدن لتفادي عاصفة الثلج.
الأختان، اللتان أصبحتا يتيمتين بين عشيّةٍ وضحاها، انتقلتا من دفء البيوت إلى قسوة الشارع، فلم تستطعا التأقلم بسهولة مع التغيّر المفاجئ، كما لو كانتا زهرتين رقيقتين تواجهان البرد القارس لأوّل مرّة.
وفي زمنٍ صعبٍ يعاني فيه الجميع من أجل البقاء، كانت القلوب قاسيةً لا تعرف الرحمة.
في مثل هذا العالم، كان الأيتام يتجمّعون في عصاباتٍ لسرقة البضائع من المتاجر أو نهب المسافرين القادمين من البلدات الأخرى.
لو أنّ كاليونا وليريوفي انضمّتا إلى إحدى تلك العصابات مبكرًا، لربّما كانتا قد تأقلمتا مع هذا الواقع الجديد بسهولةٍ أكبر.
لكن في تلك الأيّام، كانتا لا تزالان، بعبارةٍ عاميّة، “نظيفتين”، غير قادرتين حتّى على تخيّل إيذاء الآخرين لملء بطونهما.
كلّ ما كانتا تأملانه هو أن يمنحهما أحدهم، بدافع الشفقة، بقايا طعامٍ أو مأوىً مؤقّتًا في مستودعٍ قديم لبضعة أيّام.
“أختي، أشمّ رائحةً لذيذة.”
“سنذهب لاحقًا إلى بيت السيّدة ساشا. ربّما نجد بعض بقايا الغداء.”
“لكنّها قبل ثلاثة أيّام قالت لنا ألّا نعود أبدًا.”
سكتت كاليونا للحظةٍ ردًا على كلام ليريوفي الخافت اليائس.
“…لو وجدنا مكانًا للعمل، سيكون ذلك رائعًا. حتّى لو كان عملًا بسيطًا، أستطيع القيام به، ولا أمانع أجرًا زهيدًا.”
“غريب… لِمَ لا يوظّفون الفتيات؟ بالمناسبة، ألم يقل أحدهم إنّه في الحيّ المجاور، هناك متجرٌ كبيرٌ مزيّن بالورود عند بابه؟ قالوا إنّهم يعطون الطعام اللذيذ والملابس الجميلة، وإن كان هناك عملٌ يمكننا القيام به، ربّما يمكننا الذهاب إلى هناك…”
“أنتِ! لا تقتربي من ذلك المكان أبدًا! انسي ما سمعناه. إذا حاول أحدهم إغراءكِ للذهاب إلى هناك وأنا غير موجودة، لا تذهبي مهما حدث. وإذا حاولوا أخذكِ بالقوة، اهربي فورًا. هل فهمتِ؟”
(غالبًا ذا دار دعارة)
ردّت كاليونا بوجهٍ مخيف على كلام ليريوفي الذي قالته دون تفكير.
أمام ردّة فعل أختها الحادّة، لم تستطع ليريوفي سوى أن تهزّ رأسها موافقةً بخوف.
ثمّ، بوجهٍ غاضب، حفرت كاليونا الطين الرطب تحت الثلج ومسحته على وجه ليريوفي بعنف.
كانت ليريوفي، في كلّ مرّة تتعمّد فيها أختها إفساد وجهها، تتوق إلى غسل نفسها فورًا، لكنّ ذلك كان مستحيلاً، فاكتفت بالتخيّل بحزنٍ داخليّ.
(ذا عشان ما تخلي وجه ليري يجذب الرجال أو يصير لها شي منهم)
-دَلق!
“أبي، سأعطي هذا لروبي كوجبةٍ خفيفة!”
في تلك اللحظة، فتحت فتاةٌ صغيرة، بدت ابنة صاحب المتجر، الباب الخلفيّ وخرجت.
كانت ترتدي معطفًا دافئًا سميكًا، وفي يدها وعاءٌ صغير يحتوي على طعام.
خبز. إنّه خبز.
كان رغيفًا قديمًا، جافًا ومتفتّتًا، لكن بالنسبة لمن يتضوّر جوعًا، كان ذلك رفاهية.
تبعت عينا ليريوفي يد الفتاة دون وعي.
شعرت الفتاة بنظرتها، فبطّأت خطواتها ونظرت إلى ليريوفي.
كانت أوّل نظرةٍ في عيني الفتاة تحمل احتقارًا واضحًا.
لكنّها، بعد لحظةٍ من التفكير، اقتربت من الأختين ومدّت الوعاء نحوهما فجأة.
“يبدو لذيذًا، أليس كذلك؟”
أومأت ليريوفي برأسها وهي شاردة ردًا على سؤال الفتاة.
أخرجت لسانها ساخرةً من ليريوفي، ثمّ مشت إلى الجانب ووضعت الوعاء على الأرض.
“روبي، اخرجي! هيا نأكل وجبةً خفيفة.”
فجأة، قفزت كلبةٌ بيضاء مربوطةٌ بحبلٍ من صندوقٍ خشبيّ صغير ظنّتاه فارغًا.
عند النظر عن قرب، كان هناك بطانيّةٌ سميكة داخل الصندوق، أكثر دفئًا بكثير من ملابس الأختين.
في تلك اللحظة، شعرت ليريوفي بغيرةٍ حادّة تجاه الكلب، ثمّ انتفضت مفاجأةً بنفسها.
ضحكت الفتاة بصوتٍ عالٍ، ممسكةً بطنها، وهي ترى ليريوفي تحدّق بذهول في الكلب وهو يدفن أنفه في الوعاء ويأكل الخبز.
“ما هذا؟ تبدين مثل المتسوّلة! هل تريدينه حقًا؟ حسنًا، سأكون كريمة. إذا لم تمانعي أكل بقايا روبي، سأعطيكِ إيّاه.”
مُدّ وعاء الكلب مجدّدًا أمام ليريوفي كصدقة.
كان الخبز ممزّقًا ومتّسخًا أكثر ممّا كان، لكنّه لا يزال خبزًا.
ابتلعت ليريوفي ريقها.
لم ترَ حتّى الخبث في عيني الفتاة، فقد كانت منشغلةً تمامًا بالخبز أمامها.
حينها نبح الكلب بضيقٍ لأنّ طعامه سُرق بينما مدّت ليريوفي يدها إلى الأمام كأنّ النباح يدفعها.
“لا!”
لكن قبل أن تلمس الوعاء، أمسكت كاليونا ذراعها بقوّة مؤلمة.
“لا، لا تأكليه.”
عندما التفتت، رأت وجه أختها مشوّهًا بالحزن.
“ما هذا الضجيج؟”
“أبي!”
في تلك اللحظة، خرج صاحب المتجر بعد سماع نباح الكلب.
ويا للغرابة، أشارت الفتاة الصغيرة إلى ليريوفي وصرخت بنبرةٍ حادّة:
“حاولت هذه الفتاة سرقة الخبز بالقوّة!”
“ماذا؟ أيتها المتسوّلة القذرة، كيف تجرئين على مدّ يدكِ القذرة؟”
ركض الرجل نحوها بوجهٍ غاضب وصفع ليريوفي بقوّة.
“ليري!”
“تجاهلنا وجودكما خلف المتجر، و الآن تجرؤان على سرقة خبزنا؟ أيتها اللعينة!”
ذُهلت ليريوفي من عنف الرجل الذي لم تجربه من قبل.
صرخت كاليونا بدلاً عنها، مدافعةً عن أختها:
“لا، لم تسرق! قالت ابنتك إنّها ستعطينا الخبز، لكنّنا لم نأخذه!”
“لا تكذبي! لا عجب أنّ أغراض المتجر بدأت تختفي! كلّ ذلك بسببكما! اليوم سأقطع يديكما!”
أمسك الرجل بمكنسةٍ كانت عند الجدار وبدأ يضربهما بلا رحمة.
“قلنا إنّنا لم نسرق! لم نأكل! الكاذبة هي ابنتك هناك!”
عانقت كاليونا ليريوفي وصرخت بنبرةٍ مليئةٍ بالغضب.
“على أيّ حال، كان هذا الطعام سيعطى للكلب!”
تجمّد وجه كاليونا فجأة بعد أن قالت ذلك دون تفكير.
“لهذا لا يجب أن نكون طيّبين مع المتسوّلين! تعطينهم واحدة فيطالبون باثنتين ويسرقون! اليوم سأعلّمكما درسًا!”
تكوّرت الأختان معًا، متحمّلتان الضرب القاسي.
لكن لا فائدة. أمطرت عليهما الضربات، والطفلة تبتسم بخبث، والكلب يلتهم ما تبقى من الخبز.
آه، كم كان كلّ شيءٍ في تلك اللحظة قاسيًا.
وبعد أن فرغ غضب الرجل، بصق على الأرض وقال:
“تبًا! جلبتما النحس لمتجري! لا أريد أن أرى هاتين المتسولتين ثانية!”
ودخل ومعه ابنته.
بعد انتهاء العاصفة، غادرت الأختان المكان بخطواتٍ متعثّرة.
كانتا لا تزالان تشعران بالبرد والجوع، وتزايدت معاناتهما بظلم الضرب وألم الجروح، فلم تتوقّف دموعهما.
“ليري، ارفعي وجهكِ قليلاً.”
بعد فترة، عندما وجدتا مكانًا للاحتماء من الريح وجلستا متكوّرتين، نادت كاليونا أختها بهدوء.
توقّعت ليريوفي أن تُوبّخ لتفكيرها بأكل طعام الكلب، لكنّ كاليونا لم تقل شيئًا عن ذلك.
بدلاً من ذلك، أخرجت من صدرها رغيف خبزٍ من مصدرٍ مجهول.
“أنتِ جائعة، أليس كذلك؟ كُلي هذا.”
كان رغيفًا شهيًا، أكثر إغراءً بكثير من ذلك الذي في وعاء الكلب. بدا كالخبز الذي يُباع في المتاجر مقابل المال، كبيرًا، ناعمًا، وحتّى لمّاعًا بلمعانٍ حلو.
رفعت ليريوفي رأسها دون وعي لتنظر إلى وجه كاليونا.
لم تنسَ تلك العينين أبدًا.
كان النور اللامع الذي كان يضيء عينيها البنفسجيّتين قد خفت، ممزوجًا بالاستسلام والعزيمة كبقعةٍ متداخلة.
لقد علّمهما والداهما أنّ السرقة خطأ، وكانتا تعلمان جيّدًا أنّه عملٌ سيّء.
لكن الخبز المسروق كان لذيذًا لدرجة أنها ذرفت الدموع أثناء أكله.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات