الفصل 20
“اللعنة، ما هذا؟ أصواتكم تؤلم أذني.”
عاد جايد بعد غيابٍ قصير، مقاطعًا أفكار ليريوفي.
“أنا مشغولٌ لأجلكم حتّى الموت، وأنتم هنا تتسلّون؟”
ضغط على الأطفال بنبرةٍ شرسة، و وجهه يعكس انزعاجًا واضحًا.
“آه، ليس الأمر كذلك… كنا ننظّف الوافدين الجدد كما أمرت.”
أتجهت نظرة جايد إلى ليريوفي وكاليونا.
في تلك اللحظة، لمعت عيناه بنظرتٍ خبيثة.
“همم؟ ما هذا؟ هذا يفوق التوقّعات!”
اقترب جايد بخطواتٍ واسعة، وقرّب وجهه من الأختين بشكلٍ مزعج.
” لا أصدق عيناي! لِمَ خبّأتما هذين الوجهين طوال هذا الوقت؟ ظننتُ أنّ برج السحر الشمالي يجلب القبيحين فقط.”
تغيّرت تعابير الأطفال قليلاً للإهانة الفجّة، لكن لم يجرؤ أحد على الاعتراض.
تفحّصت عيناه الرماديّتان اللامعتان وجهي الأختين، خاصة كاليونا الفاقدة للوعي، من الأعلى إلى الأسفل.
“جيّد، جيّد جدًا. سأعتني بكما بعنايةٍ خاصة.”
نظرتُه القذرة كانت مقزّزة، و مزعجةً مثل زحف الحشرات على الجسم.
‘سأقومُ بقتله…’
لم تستغرق ليريوفي ثانية لاتّخاذ القرار.
‘يجب عليّ قتله الآن.’
نظرت عيناها البنفسجيّتان الباردتان إلى ثمرةٍ حمراء مهروسة على الأرض، ثم أغلقت جفنيها لتخفي بريقها.
في تلك الليلة، خطّطت ليريوفي بهدوء في الظلام بمفردها.
***
“ماذا؟ لِمَ توقّفتِ فجأة؟”
“سمعتُ صوتًا من هناك.”
في اليوم التالي، جُنّدت ليريوفي للبحث مجدّدًا، لكن هذه المرّة مع فينيس.
اختيرت ليريوفي لأنّها آخر من رأى الأطفال المفقودين، بينما أُجبر فينيس لضعفه بين الأطفال العبيد.
قادتهم مجموعة جايد كما لو يسوقون كلبًا، مقيّدين أيدي ليريوفي وفينيس بالحبال.
على عكس الأمس، عندما أعطوها بعض الحريّة، أُعيد تقييدها لقطع أيّ احتمال للهروب، أو ربما لترويضها بسياسة الجزرة والعصا.
لم تُبدِ ليريوفي أيّ تغيير في تعابيرها رغم الإذلال، وسارت بهدوء حتّى توقّفت فجأة.
عبس جايد وأدار رأسه عند سماع كلامها.
“سمعتِ صوتًا؟”
“لستُ متأكّدة.”
نظر إليها بحدّة كأنّه يتحقّق من نواياها، لكن تردّدها جعله يقلّل شكوكه.
“همم، لن يضرّ التحقّق. ربما هناك مجموعة أخرى قريبة. تحرّكوا بهدوء.”
كان جايد في مزاجٍ جيّد بشكلٍ غريب، فلم يمانع تغيير اتّجاه البحث.
كان هذا التساهل مفيدًا لليريوفي، لكن التفكير في سبب مزاجه الجيّد أثار غثيانها.
بعد قليل، ظهر حقل كروم مرّوا به بالأمس، مزيّن بالثمار الحمراء المألوفة.
تقلّصت وجوه مجموعة جايد كأنّهم يكبحون الغثيان، متذكّرين حادثة أمس المروّعة.
“اللعنة! يا للسوء. جايد، دعنا نذهب من طريقٍ آخر.”
“ماذا، هل خفتَ؟”
“لا، ليس الأمر كذلك…”
“أيّها الجبان، نجوتَ من زهرة آكلة للحوم وفراشات مصاصة دماء، فما الذي يخيفك؟ طالما لا نأكلها، لا مشكلة، أليس كذلك؟”
نظر جايد إلى ليريوفي وتظاهر بالشجاعة أكثر من المعتاد.
“اتبعوني. لم نتحقّق من الجانب الآخر بالأمس، فبما أنّنا هنا، لنرى ماذا يوجد.”
لقد قرّروا عبور حقل الكروم.
“هيا تحرّكوا بحذر. إذا تشتّتوا، ستتعثّرون بالكروم…”
“آه!”
قبل أن يكمل كلامه، تعثّر فينيس وليريوفي وسقطا.
يبدو أنّ قدم فينيس تعلقت بالكرمة أوّلاً، ففقد توازنه وسحب ليريوفي معه.
“ما هذا الأحمق؟ لِمَ تسقط فورًا بعد كلامي؟”
“آسف! لم أقصد، لقد علقت قدمي…”
“أيّها الأحمق، لا تفتح فمك، عصير الثمرة قد يدخل!”
الثمار الحمراء، التي كانت تبدو شهيّة بالأمس، أصبحت مرعبة الآن.
الثمار المهروسة تحت ليريوفي وفينيس أطلقت رائحةً حلوة ناضجة.
و تلطّخت أجسادهما بالعصير الأحمر، كأنّه دمٌ من بعيد.
تجنّب أفراد جايد الاقتراب منهما، كأنّ الثنائي مصابان بالطاعون، خوفًا من لمس قطرةٍ من السائل السامّ.
“إذا كنتم لا تريدون الموت، تحرّكوا بحذر! خاصة أنتَ يا فينيس، إذا سقطتَ مجدّدًا، سأحشو كلّ الثمار في فمك!”
“هيي!”
هدّد جايد بعنف، وسحب حبل ليريوفي وفينيس بقسوة.
و كانت الثمرة قد أثبتت سميّتها عند ابتلاعها فقط.
لذا، ظلّت المجموعة حذرة من احتمال اختراق العصير للجلد.
لكن، بما أنّ السم يتفاعل مع عصارة المعدة، لم تظهر أعراض التسمّم على الاثنين.
بدَوا مطمئنّين، لكن…
جاءت كارثةٌ أكبر.
“ماذا؟ لحظة، ما هذا؟”
“غيوم أم ضباب؟ لا، يبدو غريبًا.”
“إنّه يقترب!”
في البداية، ظنّوا أنّها سحابةٌ سوداء تقترب.
لكن، بما أنّ المكان مغلق تحت الأرض، لا يمكن أن تكون غيومًا.
ف-وووم!
كُشف عن هويّة الشيء سريعًا.
“آه! حشرات!”
“اللعنة!”
اقتربت سربٌ من النحل العملاق بحجم رأس إنسان بسرعة.
حينها أنشأ جايد جدارًا ناريًّا بعجلة.
-تشيجيك
احترق النحل مع صوتٍ مزعج، مما عطّل تحليقهم.
غاضبًا، أطلق جايد المزيد من الكرات الناريّة على النحل المهاجم، صارخًا بالشتائم.
مرتين، ثلاث مرّات. عدّت ليريوفي بهدوء وسط الفوضى.
“اللعنة، اركضوا هنا!”
هرع الجميع خلف جايد، يضربون النحل بالأسلحة في حالة ذعر.
احترقت الكروم والنحل، فتصاعدت رائحةٌ كريهة من الخلف.
لكن، بشكلٍ مثير للسخرية، تعثّر جايد، الذي كان يقودهم، بالكروم وسقط.
“جايد!”
“آه!”
لحسن الحظ أو سوءه، كان فينيس، الأبطأ بين المتابعين، الوحيد الذي تعثّر مع جايد.
-فوووم!
هاجم النحل المتخلّفين عن المجموعة.
بما أنّ المسافة كانت قريبة لاستخدام السحر، استخدم جايد فينيس كدرع.
“آآآخ!”
صرخ فينيس بألم عندما لسعه النحل.
لم يبالِ جايد بفينيس، وأحرق النحل الذي لسعه و فينيس أيضًا.
“انهض بسرعة، أيّها الأحمق! هل تريد الموت هنا؟!”
نهض جايد بسرعة، وسحب فينيس وركض.
بعد الخروج من حقل الكروم، تأكّدت المجموعة من هروبها من النحل، وانهارت على الأرض الرماديّة، تلهث.
‘لقد أشعل النار خمس مرّات…’
فجأة، نظر جايد إلى ليريوفي وفينيس بنظرةٍ شرسة.
“اللعنة! ألم تجذبهم الرائحة الحلوة العالقة بكما؟”
[يبدو أنّه أدرك الآن.]
-ضربة!
“أيّها الأحمق! ألم أقل لكما أن تكونا حذرين؟”
“آه!”
بدأ جايد بضرب فينيس.
كان ظهر فينيس، الملسوع والمحروق، متورّمًا بشكلٍ بشع بعد أن تقشّر جلده.
لكن جايد لم يُظهر أيّ تعاطف مع فينيس الباكي.
“إذا لم تكونوا تريدون الموت بيدي، اخلعوا ملابسكم الآن!”
صاح جايد بعنف، لكنه توقّف لحظة عند رؤية ليريوفي، ثم أشار برأسه بنبرةٍ أقلّ حدّة.
“تسك، لا يمكنني جرّ فتاةٍ عارية. يا هذا، أخلع ملابسكَ وأعطيها لها.”
“ماذا؟ أنا…؟ إذا أعطيتها ملابسي، ماذا أرتدي؟ هل تريدني أن أذهب عاريًا إلى المخبأ؟”
“لن تكون الوحيد، فلا تقلق. و أنت أعطني ملابسكَ أنتَ أيضًا، ملابسي اتّسخت وسأغيّرها.”
في النهاية، كلّ شيء يتمّ حسب رغبة جايد.
تظاهرت ليريوفي بفكّ أزرارها ببطء.
نظرا الاثنان اللذان سُلبت ملابسهما إليها وإلى فينيس بنظراتٍ غاضبة، لعجزهما عن مواجهة جايد.
لكن، سيكون عليهما قريبًا شكر الاثنين.
كووور!
‘ها قد جاء…’
ومض بريقٌ حاد في عيني ليريوفي مع الشعور بالاهتزاز.
الفصول المتقدمة موجودة بقناة الملفات رابطها بالتعليق المثبت
التعليقات