الشيء الذي ناولني إيّاه كايين كان كتيّبًا صغيرًا يحوي تفاصيل دقيقة عن المهرجان.
“… ها؟ المهرجان ، تقصد؟”
رفعتُ رأسي نحوه بعينين متّسعتين ، فتهرّب من نظري بخفّة.
‘ما الأمر؟’
منذ الصباح أشعر بأنّه يتجنّب نظري بطريقةٍ غريبة ، أو ربّما هو مجرّد خيالي؟
تلقّيتُ الكتيّب بتوتّرٍ طفيف ثمّ أومأت بسرعة.
“حاضر! مفهوم!”
يا للعجب.
‘يبدو أنّ الدوق نفسه مهتمّ بالمهرجان’
رغم أنّ ذلك كان مفاجئًا للغاية ، إلّا أنّه كان أمرًا سارًّا بالنسبة لي.
‘هذا يعني أنّي سأتمكّن من رؤية المهرجان معه!’
ابتسمتُ لنفسي سرًّا و أنا أتذكّر حلم البارحة حين تمنّيتُ هذا بالضبط.
بعد أن نزل كايين إلى القبو ، اقترب منّي أحد أفراد الحرس و سأل عن هويّتي.
“أأنتِ سكرتيرةُ دوق كرويتز؟”
“آه ، نعم”
“سأرافقكِ إلى غرفة الاستراحة ، يمكنكِ الانتظار هناك”
“شكرًا لك”
جلستُ في غرفة الاستراحة التي أرشدني إليها ، ثمّ فتحتُ الكتيّب أتأمّله.
‘حسنًا ، إذًا …’
سأضع الآن خطّةَ المسار المثاليّ لزيارة المهرجان.
الأماكن التي لا بدّ من رؤيتها ، و الأطعمة التي يجب تذوّقها.
سأحسب أقصر طريقٍ يمرّ بكلّ تلك النقاط.
تناولتُ القلم بعزيمةٍ مشتعلة و بدأتُ أرسم الخطوط فوق الخريطة.
و بعد قليلٍ من التركيز ، قلتُ بابتسامةٍ راضية: “تمّ!”
تأمّلتُ المسار الأخير المرسوم فوق الخريطة بسرور.
لقد صمّمتُ خطّةً تمكّننا من زيارة جميع المواقع الحاصلة على أكثر من أربع نجمات.
بل و يمكننا مشاهدة العرض الاستعراضي أثناء المشي أيضًا ، يا له من مسارٍ ذكيّ!
‘آمل أن يُعجب الدوق أيضًا’
تذكّرتهُ فرفعتُ نظري إلى الساعة.
لقد مرّ ساعتان منذ أن افترقنا.
‘الدوق … سيحتاج وقتًا أطول على الأرجح ، أليس كذلك؟’
صحيح أنّه قال إنّه سينهي الأمر في نصف يوم ، لكنّ الحارس أكّد أنّ الاستجواب عادةً ما يستغرق وقتًا أطول.
و لأنّ الدوق لا يستطيع ترك برج السحر طويلًا ، فإن لم يُنهِ الأمر اليوم فسنُضطرّ للتخلّي عن زيارة المهرجان ، إذ علينا العودة إلى العاصمة صباح الغد عبر البوّابة.
كان الأمر محبطًا قليلًا ، لكن ما باليد حيلة ، فنحن لسنا هنا للتسلية.
‘أتُرى ما الذي يحدث في الأسفل الآن …؟’
كنتُ شاردةً أجمع الكتيّب حين سمعتُ صوتًا غريبًا خارج الغرفة.
“أووووع …!”
قفزتُ واقفة و خرجتُ بسرعة ، فرأيتُ في نهاية الممرّ نفس الحارس الذي كلّمني قبل قليل ، متكئًا على الحائط يتقيّأ بشدّة.
“آآاه …”
‘ماذا … ما الذي حدث؟’
كان وجهه ، الذي بدا طبيعيًا قبل ساعتين فقط ، شاحبًا كالرماد و كأنّه رأى شبحًا.
أما كايين ، الذي مرّ بجانبه ، فكان متّزنًا كعادته ، دون أدنى أثرٍ للدم أو الفوضى على وجهه الوسيم.
“سيّدي الدوق …!”
كان من المستحيل تخمين ما حدث في القبو بمجرد النظر إليه ، لكنّ ردة فعل الحراس أوحت بالكثير.
“ما الذي حصل؟”
اقترب بخطواتٍ واثقة وقال بهدوء: “لقد نطقوا باسم الماركيز كينيون. و اتّضح أنّ التهريب كان يتمّ بشكلٍ منظّم منذ أكثر من عشر سنوات”
“واو …! لقد نجحتَ فعلًا!”
اتّسعت عيناي بدهشة. لقد استخرج كلّ تلك المعلومات في نصف يومٍ فقط!
“سيجتاح العاصمة في الأيام القادمة إعصارٌ من الدماء. سيتمّ تطهير جميع المتورّطين ، و منهم عمّكِ بالطبع”
“آه …”
“ما رأيكِ؟”
ارتسمت ابتسامةٌ شيطانيةٌ خفيفة على شفتيه.
“جيد ، أليس كذلك؟”
أجبتُ بحماسٍ و لمعانٍ في عينيّ: “أتمنّى أن تتحقّق العدالة بالكامل!”
ابتسم بخفّةٍ ثمّ قال: “و بالمناسبة ، هل اخترتِ الأماكن التي ترغبين في زيارتها؟”
**”
‘واااه …’
كان النهار لا يزال مشرقًا.
الازدحام أشدّ من البارحة ، و الزينة الملونة تتدلّى في كلّ مكانٍ فتبهر الأبصار.
‘تماسكي يا فريجيا. لا تدعي عينيكِ تتيه بين كلّ هذا’
لديّ هدفٌ واضح اليوم: أن أُري الدوق أفضل ما في المهرجان.
‘حسنًا ، الوجهة الأولى هي …’
كنتُ أراجع الكتيّب و أحدّد الاتجاه عندما قال كايين فجأة: “أيّتها المتدرّبة”
ناولني شيئًا.
“خذي ، كُلي هذا”
“هاه؟”
تجمّدتُ لحظة.
لم يكن في يده شيءٌ يليق بشخصٍ بوقار كايين.
بل كان يحمل حلوى ورديّة اللون.
“……؟”
حدّقتُ به مرتبكة ، فقال بوجهٍ جامد: “أسقطتُ عملةً بالخطأ ، فالتقطها بائع الحلوى فورًا و أعطاني هذه بدلًا منها”
“… عذرًا؟”
رمشتُ بدهشةٍ و قلت: “تقصد أنّه … باعك إيّاها بالإكراه؟”
“صحيح”
أومأ بجدّيةٍ عجيبة.
لكن … لا يمكن أن يُخدع شخصٌ مثله بهذا الشكل!
كان الأمر غريبًا جدًّا ، و مع ذلك لم أجرؤ على الاستفسار أكثر.
“إذًا … تُعطيني إيّاها أنا؟”
“هل تظنّين أنّي سأأكل شيئًا بهذا القدر من الحلاوة؟”
“آه ، لا ، لا. شكرًا! سأكلها أنا!”
‘لماذا بدا غاضبًا فجأة؟’
تناولتُ الحلوى على عجل و تأمّلتها بفضول.
‘تشبه تلك التي رأيتها أمس بالضبط’
لم أتذوّق الحلوى منذ كنتُ صغيرة.
وضعتها في فمي و شعرتُ على الفور بأنّها …
‘يا إلهي.’
طعـمٌ حلوٌ لدرجةٍ مؤذيةٍ كأنّه صدمةٌ تصفع الدماغ.
كم هي لاذعة الحلاوة!
تساءلتُ في نفسي: ما الذي كنتُ أراه لذيذًا في مثل هذه الأشياء و أنا طفلة حتى كنتُ أرجو أمّي أن تشتريها لي يوميًا؟
لكن شيئًا فشيئًا بدأتْ ذكرياتٌ قديمةٌ تطفو ، غائمةٌ مثل ظلٍّ بعيد. لم يبقَ منها سوى شعورٍ بالحنين يغمر صدري بخفّة.
و بينما أنا سارحة ، سمعتُ ضحكةً فوق رأسي.
“فمكِ … هه”
ابتسم كايين ابتسامةً خفيفة.
“لقد أصبح فمكِ أزرق ، يا متدرّبة”
“هاه؟”
مسحتُ فمي بذراعي ، فرأيتُ بقعَ صبغةٍ زرقاء.
‘مستحيل! هل كانت الحلوى ملوّنة؟!’
لو كان الفم يزرقّ ، فالمفروض أن تكون الحلوى زرقاء أيضًا!
بدأتُ أفرك فمي بذراعي في هلعٍ.
“يا للأسف. كلّما فركتِ أكثر ، ازداد اللون انتشارًا”
ضحك كايين و هو يراقبني.
“تبدين كالمهرّج في قصص الرعب”
‘حقًا؟ إلى هذا الحد؟!’
أصلاً هو السبب في كلّ هذا ، و مع ذلك يكتفي بالسخرية!
نظرتُ إليه بعينين ممتعضتين.
و في تلك اللحظة ، كان طفلٌ صغيرٌ محمولٌ على كتف أبيه يمرّ بجانبي ، فصرخ باكيًا وهو يراني.
“واااه! هذه الأخت مخيفة!”
‘ذلك الصغير!’
زدتُ فركًا لفمي بينما سمعتُ صوت كايين مجددًا.
“توقّفي لحظة”
انحنى نحوي و أخرج من جيبه منديلًا ، ثمّ بدأ يمسح فمي بنفسه.
‘يا إلهي … ما هذا المشهد؟’
بدونا و كأنّنا طفلٌ أخرق و وليّ أمره.
لقد جئتُ لأُساعده ، لا لأتلقّى العناية منه!
رفعتُ نظري بخجلٍ ، فالتقتْ عيناي بعينيه مباشرة.
‘… واو’
توقّف نفسي للحظة.
كنتُ أظنّ أنّي اعتدتُ وسامته المفرطة ، لكنّ رؤيته عن قربٍ هكذا جعلتني أرتبك من جديد.
خلال لحظة شرودي ، توقّف كايين هو الآخر عن الحركة ، و راح ينظر إليّ صامتًا.
“…….”
ثمّ فجأة ،
“آه”
ناولني المنديل و كأنّه يقذفه نحوي.
“الباقي ، امسحيه بنفسك”
“آه ، حـ ، حاضر!”
أخذتُ المنديل بسرعة و أكملتُ المسح ، محاولًة إخفاء احمراري.
***
كان المهرجان مليئًا بكلّ أنواع المتع.
ألعابٌ تدور بقوّةٍ تجعل الأطفال يصرخون ، و حيواناتٌ غريبةٌ من بلدانٍ بعيدة ، و أغاني البحّارة الضخام التي تهزّ المكان.
كنتُ أستمتع بكلّ ذلك حين راودني فجأة شعورٌ غريب.
‘هل أنا … أستمتع أكثر مما يجب في هذه الرحلة؟’
فكلّ ما يخصّ التحقيق تولّاه كايين وحده ، و لم يكن عليّ أن أخدمه بشيءٍ يُذكر.
‘العمل الوحيد الذي أوكله إليّ هو تخطيط مسار المهرجان فحسب’
هل يصحّ أن أمضي كامل الرحلة و أنا ألهو هكذا؟
‘لكن هذا رائع جدًّا!’
شعرتُ بأنّ ذهني الذي أُرهق من التفكير في الانتقام من عمي و فيليكس بدأ يرتاح أخيرًا.
تررارام—!
دوّى صوت الأبواق من مكانٍ قريب.
“واو ، بدأ العرض!”
“أبي! لنذهب هناك ، هيا!”
لقد بدأ موكب المهرجان العظيم ، ذروة الاحتفالات المنتظرة.
التعليقات لهذا الفصل " 67"