في الجهة المقابلة من السرير ، كانت سكرتيرتهُ ، التي بدت متعبة ، قد غفت فور أن استلقت ، تصدر أنفاسًا منتظمة تدلّ على نومٍ عميق.
يبدو أنّ آثارَ التعبِ بعد عبور البوّابة لم تزل بعد.
‘يبدو أنّ قنوات المانا لديها ضعفت بسبب أنّ فيليكس ذاك اللعين كان يستنزف قوّتها السحريّة طَوال الوقت’
استحضر كايين في ذهنه الأعشابَ الأكثر فعاليّة في استعادة الطاقة السحريّة. مسحوق قرن اليونيكورن ، بيضة الفينيق ، و ماذا أيضًا كان هناك؟
كانت موادّ نادرة ، لكنّها لحسن الحظ تُشترى بالمال.
أن تكون سكرتيرة سيدِ برج السحر ضعيفة قنوات المانا؟أليس هذا أمرًا سخيفًا؟
لكن كايين لم يُطِل التفكير أكثر من ذلك. فقد كان مشغولًا في ذهنه بتخطيطٍ دقيق: من أيّ بائعٍ يحصل على أفضل الموادّ ، و كيفية تناولها.
و لمّا خطرَت فريجيا بباله ، تذكّر تلقائيًّا صورتها بعد الظهر.
تلك العيون المتلألئة حين كانت تُشاهد أطعمة الشارع ، و تلك الابتسامة الخفيفة حين نظرت إلى الأمّ و ابنتها أمام عربة الحلوى.
‘كانت تُشاهد المهرجان مذهولة’
فكّر أنّه بعد أن يُنهي الاستجواب بسرعة ، قد يسمح لها بقضاء اليوم الأخير في مشاهدة المهرجان.
فجسدها الذي أنهكه عبور البوّابة يحتاج إلى قسطٍ من الراحة أيضًا.
و مهما كانت المتدرّبة تُبدي إعجابها به ، فإنّه إن أرهقها بالعمل المفرط فربّما تهرب كغيرها من السّابقين.
كان من المفترض أن يستغرق الاستجواب يومين كاملين ، لكن إن شدّد الضغط أكثر ، فقد ينتزع الاعتراف في نصف يوم.
و بينما كان كايين يُفكّر في طرقٍ أكثر فاعليّة لتقصير وقت الاستجواب ، بدأت فريجيا التي كانت نائمة في الجهة المقابلة تتقلّب ، ثم تدحرجت نحوه و التصقت به تمامًا.
“أممم …”
تصلّب جسد كايين في مكانه.
شعرَ بخصلات شعرها الطويل تلامس جلده فتُثير فيه قشعريرةً خفيفة.
“همم”
تك-!
“……!”
ارتفع ذراعٌ أبيضٌ فوق صدره.
أطرق كايين نحوها بذهول.
‘ظننتُها نائمة’
هاه. ابتسم بخفّةٍ بين شفتيه.
‘تتظاهر بالنوم لتُرضي رغباتها؟’
قبل قليل فقط قالت كلامًا جريئًا عن أنّها لن تستطيع التحمّل ، و ها هي تُظهر نواياها المريبة بهذا الشكل.
‘ذاك لأنّي في الحقيقة ، أظنّ أنّه سيكون من الصعب عليّ أن أتحمّل في الليل …’
كانت تتكلّم بوجهٍ بريءٍ و بصوتٍ مضطربٍ كمن هو في ورطةٍ حقيقيّة. يا لها من متدرّبةٍ لا يمكن التنبّؤ بتصرّفاتها.
‘… حسنًا. لعلّي أتنازل قليلًا’
لن ينقص منّي شيئًا.
لكن في اللحظة التي فكّر فيها ذلك ، حبس أنفاسه فجأة.
كانت يدٌ بيضاء تتسلّل بين فتحة ردائه.
‘هاه؟’
مهلًا.
أليس هذا تصرّفًا جريئًا أكثر من اللازم؟
كانت أصابعها الناعمة تتلمّس جلده العاري ببطء.
تجمّد جسده بأكمله.
و تمتم بين أسنانه بصوتٍ منخفض ،
“أيّتها المتدرّبة. توقّفي عن التمثيل الآن”
أخشى أن أفقد توازني أكثر من هذا.
لكنّ فريجيا لم تتراجع ، بل ازدادت جرأةً فاحتضنته أكثر.
بل و دفنت أنفها في كتفه أيضًا.
أنفاسها الدقيقة كانت تدغدغ جلده بإيقاعٍ منتظم ، و أصابعها ما زالت تتوغّل شيئًا فشيئًا في صدره.
“… فريجيا. يا متدرّبة. توقفي”
ناداها بقلقٍ متزايد ، لكنها لم تُجب.
ضغط كايين على أسنانه.
كان رجلًا كاملَ الصحّة.
و فوق ذلك ، لم يلمس امرأةً من قبل ، بما يتناسب مع لقبه كـ “مريضٍ بكراهية النساء”. باستثناء تلك الرقصة القصيرة مع فريجيا.
… و كان جسده الآن يواجه وضعًا بالغ الحرج.
“كفى. المتدرّبة. لم أعد أحتمل”
قالها بأسنانه المشدودة ، لكن لم يأتِه ردّ.
“همم …”
نظر إليها، فوجد وجهها مسالمًا تمامًا ، و ملامحها غارقة في راحةٍ تامّة كما لو كانت تحلم حلمًا جميلًا.
مستحيل.
راودته شكوك.
‘… هل هي حقًّا نائمة؟’
***
“آآهـم …”
يا إلهي ، لقد نمتُ بعمقٍ شديد.
لم أنم هكذا منذ زمن.
تمدّدتُ و أنا أُطلِق تنهيدةَ راحة ، لكن سرعان ما شعرتُ بأن ملمس الأغطية غريب.
‘آه ، صحيح. أنا في رحلة عمل!’
تذكّرتُ أحداث البارحة فالتفتُّ نحو الجانب لا شعوريًّا ، ثم شهقتُ فزعًا.
“هاه! د- دوق؟!”
كانت الهالات السوداء تحت عيني كايين واضحة ، و حتى بياض عينيه قد تخلّلته شعيرات دمٍ من الإرهاق.
“هل لم تنم جيّدًا الليلة الماضية؟”
‘هل لم يُعجبه السرير؟’
أنا وجدته مريحًا جدًّا …
ربّما لم يكن مناسبًا لذوق رجلٍ معتادٍ على الفخامة المطلقة مثل كايين.
“…….”
لم يُجبني ، بل ظلّ يحدّق في السقف بصمت.
“هل عادتكِ في النوم دائمًا هكذا؟”
سأل أخيرًا بنبرةٍ قاتمةٍ بين أسنانه.
“هاه؟ هل كنتُ صاخبةً في نومي؟”
وضعتُ يدي على فمي بدهشة.
ربّما شخرتُ؟ أو صرَرتُ بأسناني؟
‘لكن لم يقل لي أحد من قبل إنّ عندي عادات نوم سيئة …!’
هل لأنّي نمتُ في مكانٍ غريب؟ يا للحظّ السيء إن ظهرت لي عادة جديدة الليلة فقط!
“أنا آسفة جدًّا. هل أزعجتُك؟ كم ساعةً نمتَ؟”
“… لم أنم”
قال و هو يغطي وجهه بيده.
“ولا لحظة واحدة”
يا إلهي.
انحنيتُ فورًا أعتذر.
“أعتذر بشدّة!”
“… حقًّا لا تذكرين شيئًا؟”
“نعم ، إطلاقًا… هل فعلتُ شيئًا؟”
إن كنتُ قد شخرتُ بصوتٍ مزعج فسيكون الأمر مُخزيًا جدًا أمامه.
تحدث كايين بصوتٍ منخفضٍ مكبوت.
“… فعلتِ”
“عذرًا؟”
“……قلتُ فعلتِ.”
“آسفة ، لم أسمع جيدًا!”
“المتدرّبةُ عانقتني ، و لفّت ساقيها حول جسدي ، و …إلتصقت بي”
“ماذاااااا؟!”
شهقتُ و كدتُ أقع من الصدمة.
“أ ، أنا فعلتُ ذلك؟!”
تذكّرتُ أنّي حلمتُ بأنّي أعانق وسادةً ضخمةً دافئةٍ و صلبة الملمس. لكن أن تكون تلك الوسادة جسدَ كايين نفسه؟!
‘فريجيا ، هل جننتِ؟!’
اشتعل وجهي حرارةً من الخجل.
“يا إلهي ، لماذا لم تدفعني بعيدًا؟!”
“دفعتُكِ”
قال و هو يغمض عينيه ببطء.
“… لكنّك كنتِ تعودين في كلّ مرة”
“هاه …!”
وضعتُ يدي على فمي مصدومة.
“يا للكارثة! أنا آسفة جدًا ، لم أكن أعلم أنّ لدي عادة نوم كهذه!”
‘لكن حسب ما أعرفه عن شخصية الدوق ، كان سيقذفني من السرير إلى الأرض’
كونه لم يفعل سوى دفعها مرارًا بدا مفاجئًا ، بل و مُمتنّة له على ذلك.
نظرتُ إليه بحذرٍ و قلتُ بخجلٍ ممزوجٍ بالامتنان: “سأحضّر لك ماء الغسل”
“لا داعي. تجهّزي و اخرجي أولًا”
تحدث و هو يدفن وجهه في كفّه.
“هاه؟ لكن يجدر بي خدمتك …”
“اخرجي … أرجوكِ”
كانت تلك نبرةً أقرب إلى التوسّل منها إلى الأوامر.
‘الدوق يطلب منّي الرجاء؟’
ارتبكتُ بشدّة ، و امتثلتُ بسرعة. بدّلتُ ثيابي على عجل و غادرتُ الغرفة قبل أن يغيّر رأيه.
***
خرجنا من النزل متّجهين نحو مقرّ الحرس في فونيريا.
أوقفنا أحد الحرّاس بصرامة.
“من أنتما؟ لا يُسمح بالدخول لغير المعنيين بالقضيّة”
أجاب كايين بدلًا من الردّ اللفظي بأن عطّل الأداة التي تُخفي مظهره.
“آه …؟”
تغيّر وجه الحارس حين رأى وجه كايين الحقيقي. أجل ، من يراه يدرك أنّه ليس وجهًا عاديًّا.
أخذ الحارس الوثيقة التي قدّمها كايين و قرأها بسرعة مرتبكة.
“سـ، سلطةُ التعاون في التحقيق الخاص …؟”
“ألم تُبلّغوا بعدُ بالأمر الرسمي؟”
“بلى ، لكن … هاه! د ، دوق كرويتز بنفسه؟! تفضّل من هذه الجهة ، سيدي! هل تودّ أن أقدّم لك أوّلًا تقريرًا شاملًا عن سير التحقيق؟”
“أين المهرّبون الذين قبضتم عليهم؟”
“آه ، وضعناهم في السجن السفلي. من المقرّر أن يبدأ الاستجواب اليوم”
“سأتولّى الاستجواب بنفسي”
“هاه؟ سـ ، سموّ الدوق بنفسه؟!”
“أهناك مشكلة؟”
“لا ، لا أبدًا! فقط تفاجأتُ فحسب. لم أتوقّع أن يتدخّل شخصٌ رفيع المقام بنفسه… هاها”
ضحك الحارس بخجل ثم اصطحبنا في الممرّ الطويل الكئيب.
قال و هو يقودنا: “إنّهم أوغادٌ عنيدون. يرفضون ذكر أيّ اسمٍ خلفهم. أظنّ أنّ استجوابهم سيستغرق أسبوعًا على الأقل لنستخلص منهم شيئًا”
رمق كايين ساعته بطرف عينه.
“نصف يوم”
“عذرًا؟”
“سأنهيه في نصف يوم”
“أه …؟”
رمش الحارس بحيرة ثم حوّل نظره متظاهرًا بعدم الفهم.
“آه … نعم ، مفهوم”
كان من الواضح أنّه ظنّ الأمر مجرّد كلامٍ من نبيلٍ لا يدرك صعوبة الاستجواب.
“المتدرّبة ، ابقي هنا”
توقّف كايين عند مدخل السلالم المؤدّية إلى القبو.
صحيح ، لن أكون مفيدة في استجوابٍ كهذا و أنا لم أصفع حتى فيليكس بعد. أومأتُ مطيعة.
التعليقات لهذا الفصل " 66"