0
Ch- 000
“أنتَ تعرف يا أبي أن الصفّ الثاني عشر هو أهمّ مرحلة في حياتي على الإطلاق.”
ارتدّ صوت رايلي يون الحادّ في أرجاء غرفة الطعام.
قال والدها بعد أن اعتدل في جلسته، وبدت في نبرته مسحة إرهاقل الأذن:
“آسف، يا ابنتي… لكن لا حيلة لي في الأمر. حصلت مشاكل في الفرع الكوري للشركة، وجدّك أيضًا ليس بخير، لذلك عليَّ أن أعود إلى كوريا على عجل.”
اشتعل الغضب في عيني رايلي وهي تقول:
“أنا لا أعترض على سفرك، لكنك ستبقى سنةً كاملة هناك! ماذا عني أنا؟ تريدني أن أتابع الدراسة لوحدي؟”
كان مو تاك يون، الأب الذي يربّي ابنته الوحيدة رايلي بمفرده، يعمل في تصدير النيكل وغيره من المعادن في مدينة سادبيري بمقاطعة أونتاريو في كندا. ورغم أنّ الظروف الطارئة أجبرته على العودة إلى كوريا، فإن فكرة ترك ابنته وحدها في تلك المرحلة الحرجة كانت تثقل صدره.
【وأخيرًا، تنطلق الأدوار الإقصائية لدوري الـ¹CHL، دوري الهوكي الكندي للناشئين! مباراة تورونتو رِد وينغز ضد كالغاري بلاكهون!】
في تلك اللحظة، شقّ صوت المعلِّق التلفزيوني الأجواء الباردة في الغرفة دون أيّ اعتبار للتوتّر الذي يخيّم عليها.
【نعم، بعض اللاعبين سيبلغون الثامنة عشرة من العمر العام المقبل، وهم على أعتاب دخول درافت الـ²NHL! لذا فهذه البطولة للناشئين ستكون في غاية الأهمية بالنسبة لهم.】
【ها هم اللاعبون يتجمّعون الآن… ويبدأ الشوط الأول!】
ما إن لمحت رايلي أباها يختلس النظر إلى شاشة التلفاز، بعينين مُتعلِّقتين بالمباراة كأنهما سُحِرتا، حتى شعرت بأنّ الدم يغلي في عروقها أكثر مما كان يغلي أصلًا.
“آه، هذا الهوكي اللعين! أبي، هل وُلِدتَ وتربّيتَ في كندا أصلًا؟ هل أنتَ كنديٌّ فخري؟ كيف لرجلٍ عاش في كوريا حتى سنّ الثلاثين أن يكون مهووسًا بالهوكي إلى هذه الدرجة؟!”
تمتم مو تاك، وعلى وجهه ملامح الذنب:
“يا إلهي… آسف، آسف.”
أسرع مرتبكًا إلى خفض صوت التلفاز، لكن فكرة إطفائه لم تخطر بباله على ما يبدو. زفرت رايلي زفرةً طويلة، متقبلة الواقع.
“حسنًا، ما الذي تنوي فعلَه إذًا؟ لا تقل إنك تريدني أن أذهب معك إلى كوريا.”
أجابها بسرعة:
“طبعًا لا. فكّرت في الأمر قليلًا، ووجدت أنّ…”
بعد نحو شهر، في سبتمبر من هذا العام، كانت رايلي على أعتاب بدء الصف الثاني عشر. تمامًا كما هو الحال مع الصف الثالث الثانوي في كوريا، تلك السنة المصيريّة التي تُحدِّد المستقبل، لم يكن من المنطقي أن تواجه وحدها الاستعداد لامتحانات القبول الجامعي في هذه المرحلة المفصلية من حياتها.
“رايلي، ما رأيك أن تذهبي إلى تورونتو؟”
“…تورونتو؟”
“نعم. أنتِ منذ زمن طويل وأنتِ تقولين إنك تريدين الذهاب إلى تورونتو. وكنتِ تشتكين بأن سادبيري، هذا الريف المعزول، يجعل دخول جامعة مرموقة أمرًا صعبًا.”
كانت تورونتو، أكبر مدينة في كندا ومركزها الحيوي، المكان الذي حلمت به رايلي التي قضت طفولتها في سادبيري، حلمًا ضبابيًا بعيدًا. اتّسعت عيناها من الدهشة أمام هذا الاقتراح المفاجئ، فأكمل مو تاك حديثه:
“تتذكرين السيدة ماكديفيد، المحامية الداخلية في شركة أبيك؟”
“آه… منذ متى هذا الكلام؟ لا أذكر.”
ما إن سمعت رايلي اسم العائلة ماكديفيد حتى انطفأ بريق الحماس في عينيها، وتجهم وجهها فجأة؛ كمن كُشف أمر ماضيه الأسود الذي يفضّل نسيانه.
“حقًا لا تذكرين؟ كنتِ تجعلين ابن تلك العائلة يبكي طوال الوقت.”
في ذلك الوقت، كانت في السابعة من عمرها، عندما كانت تتزلج على الجليد وتلعب الهوكي فوق بحيرة رامزي المتجمدة.
لاحت في ذهنها كبرقٍ خاطف صورةُ الصبي الصغير وهو يسقط أرضًا باكيًا بعد أن ارتطم رأسه بعصا الهوكي التي لوّحت بها.
“مـ-متى فعلتُ ذلك؟!”
ضحك مو تاك مكتومًا وهو يرى رايلي تصرخ إحراجًا، ثم بدأ يشرح الوضع.
“تواصلتُ معها بعد طول انقطاع، وبعد أن شرحتُ لها ظروفنا، اقترحت أن تقيمي في بيتهم وتتابعي الدراسة هناك. اسم المدرسة مارشال جاكسون الثانوية، وهي مدرسة حكومية مرموقة، ويقال إن أجواء الدراسة فيها ممتازة ونسبة القبول الجامعي عالية.”
لم يطل ارتباك رايلي؛ فكلام أبيها راق لها في العمق. فهذه فرصة ذهبية للخروج من سادبيري، هذه البقعة الريفية المعزولة، والذهاب إلى تورونتو.
“لو وافقتِ، يمكنك بدء الدراسة هناك من الفصل الدراسي القادم، وأنتِ مقيمة في بيتهم.”
“لكن…”
“درجاتك ممتازة يا رايلي، وأما خطابات التوصية وما شابهها فاتركيها على أبيك؛ لن يكون هناك أيّ مشكلة في قبولك.”
كل شيء كان مثاليًا، ما عدا نقطة واحدة أزعجتها: هي أن تعيش مجددًا مع عائلة أخرى تحت سقف واحد! شعرت أن السكن الداخلي في مدرسة داخلية مع طلاب في مثل سنها سيكون أفضل لها.
“لقد سئمتِ من البقاء عالقة في سادبيري بسبب عمل أبيك، أليس كذلك؟ فتاة لطالما تحدثت عن رغبتها في الذهاب إلى تورونتو، ما بالك الآن مترددة؟”
“فكرة الذهاب نفسها رائعة… لكن أفضّل مدرسة داخلية في الحقيقة.”
“مستحيل. ما زلتِ صغيرة. أنت بحاجة إلى رعاية الكبار.”
كان مو تاك، بطبعه المحافظ وقلقه الشديد، غير مرتاح تمامًا لفكرة ترك ابنته الوحيدة تعيش وحدها في سكن داخلي. ولو كان يفكر بذلك حقًا، لأرسلها منذ البداية إلى مدرسة داخلية في إحدى المدن الكبرى.
أدركت رايلي أنها لن تستطيع كسر عناده، فاكتفت بهز كتفيها.
“حسنًا… فلنفعل ذلك إذًا.”
“رائع! سأتصل بالسيدة ماكديفيد فورًا.”
“آه، أبي! لحظة فقط.”
أمسكت رايلي بطرف سترته وهي تراه يخرج هاتفه بسرعة، وتمتمت بتردّد:
“ذاك… ما اسم ابنهم مرة أخرى؟”
“إيدن؟”
“إيدن ماكديفيد.” تظاهرت رايلي بالجهل رغم معرفتها التامة بالاسم. فقد كانت تشعر بأنها ارتكبت في حق ذلك الصبي ذنوبًا لا تُحصى منذ طفولتها.
ضربه بعصا الهوكي دون رحمة. إطعامه فطرًا بريًا مجهول الهوية. نهره بحدة بحجة أنه يزعجها. تجاهل جميع رسائله التي أرسلها لاحقًا… وهلم جرًّا.
ما إن تذكرت خطيئتها الأصلية تلك، حتى اقشعرّ جلد ظهرها.
“نعم، هو. وعلى الأرجح… سيكون يدرس في نفس مدرستك.”
“على ما أظن. سمعت أنه لاعب هوكي.”
“إيدن ماكديفيد؟! ذلك النحيل كثير البكاء؟!”
لاعب هوكي؟! فكرة أن ذلك الطفل النحيل الصغير أصبح رياضيًا في لعبة تحتاج إلى قوة بدنية هائلة كانت أقرب إلى الخيال.
【يا لها من مفاجأة! ها هو مركز تورونتو رِد وينغز، إيدن ماكديفيد، ونائب قائد كالغاري بلاكهون، تومي موريس، يخلعان القفازات! إنها مشاجرة هوكي حقيقية!】
انطلق من التلفاز اسم مألوف بمجرد أن توقفت ثرثرته الخلفية عن أن تكون مجرد ضوضاء. فرفع مو تاك الصوت بحماسة كمن كان ينتظر اللحظة منذ البداية.
“يا سلام، ظهر في الوقت المناسب. أن يصل لاعب إلى مستوى الـCHL فهذا إنجاز ضخم.”
انفتح فم رايلي من هول المنظر.
ذلك الرجل ضخم البنية الذي خلع خوذته وقفازيه، وراح يوجه لكماته بلا رحمة إلى لاعب الفريق الخصم…
【يبدو أن كلا الطرفين في غاية الغضب.】
【يا إلهي! إيدن يوجه حركة سلو-فو (إسقاط خطير) لتوماس! هذا خطأ واضح!】
【هل لأنهما ما زالا من فئة الناشئين؟ اللعب عنيف بعض الشيء! اللاعب إيدن يُطرَد لخمس دقائق!】
إيدن ماكديفيد… حقًا؟
الرجل في الشاشة بدا مختلفًا تمامًا عن الصورة الراسخة في ذاكرة رايلي. ما عدا شعره الأشقر الغامق المبتل بالعرق وعينيه الزرقاوين بلون بحيرة صافية.
“هذا… غير معقول…”
ظلت رايلي تحدّق شاردة في إيدن الذي كان يغادر الملعب وهو يشتعل غضبًا مثل ثور هائج، بينما يواصل صوت المعلّق الحماسي يطنّ في أذنيها.
【وبعد عشر دقائق فقط من بدء المباراة، يُعلَن عن باور بلاي³!】
•°•○•°•●•°•○•°•
1. الأدوار الإقصائية في دوري أبطال الهوكي الأوروبي:
1. أول مرحلة: 16 فريق
كل فريق يلعب ضد فريق واحد.
الخاسر يخرج.
يبقَى عندنا 8 فرق.
هذه يسمّونها أحيانًا “دور الـ16” لأن فيه 16 فريق في البداية.
2. ثاني مرحلة: 8 فرق
كل فريق يلعب ضد فريق.
الخاسر يخرج.
يبقَى عندنا 4 فرق.
هذه يسمّونها ربع النهائي.
3. ثالث مرحلة: 4 فرق
كل فريق يلعب ضد فريق.
الخاسر يخرج.
يبقَى عندنا فريقان فقط.
هذه يسمّونها نصف النهائي.
4. رابع مرحلة: 2 فريق
مباراة بين آخر فريقين.
الفائز يصبح البطل.
هذه يسمّونها النهائي.
•°•○•°•●•°•○•°•
2. الدرافت في الـNHL هو نظام لاختيار اللاعبين الجدد الصغار (شباب) للانضمام لفرق دوري الهوكي الأمريكي الشمالي NHL بطريقة منظّمة وعادلة بين الأندية.
في أمريكا وكندا، يوجد لاعبين شباب يلعبون في:
فرق جامعية، فرق ناشئين، دوريات صغار
هذه المواهب ما تكون مرتبطة رسميًا بأي نادٍ من أندية الـNHL.
يأتي درافت الـNHL مرة كل سنة، وتقوم فيه فرق الـNHL بـ”اختيار” هؤلاء اللاعبين واحدًا تلو الآخر، حسب ترتيب معيّن.
لماذا يوجد درافت أصلًا؟
عشان:
1. يكون فيه عدالة بين الفرق:
الفرق الضعيفة في الموسم السابق غالبًا تأخذ أولوية الاختيارات الأولى،
عشان تتحسّن مع الوقت ولا يظل القوي قوي للأبد والضعيف ضعيف.
2. تنظيم دخول اللاعبين الجدد:
بدل أن يتهاوشوا الأندية على لاعب واحد،
فيه نظام رسمي: كل فريق له “دور” في الاختيار.
كيف يحدث تقريبًا؟
تُرتَّب فرق الـNHL في قائمة حسب نتائجها في الموسم السابق.
يبدأون بالاختيار على عدّة “جولات” (Rounds):
الجولة الأولى: كل فريق يختار لاعبًا واحدًا (بترتيبه).
بعدها جولة ثانية، وثالثة… وهكذا.
اللاعب الذي يُختار، يصبح حقوقه ملكًا للفريق الذي اختاره (بشروط معينة).
•°•○•°•●•°•○•°•
³.باور بلاي أو Power Play في الهوكي يعني:
وضعية يكون فيها فريق عنده عدد لاعبين أكثر من الفريق الثاني داخل الملعب لفترة مؤقتة.
Chapters
Comments
- 1 - Ch.001 منذ 5 ساعات
- 0 - Ch.000 منذ 5 ساعات
التعليقات لهذا الفصل " 0"