“من الأفضل أن نعود اليوم بحجة أنكِ لستِ على ما يرام.”
همس بصوت منخفض في أذني، فأومأت برأسي بضعف وأجبت:
“… نعم.”
ثم استدار وهو يمسك ذراعي كما لو كان يساندني.
“أوه، هل هناك شيء يزعجكِ؟”
رنّ صوت منعش في الفضاء.
كان صوتًا جميلًا للغاية، حتى أنني نسيتُ للحظة المكان الذي أقف فيه.
التفتُ تلقائيًا نحو مصدر الصوت، فرأيتُ امرأة رائعة الجمال تدخل قاعة الحفل للتو.
كان شعرها الفضي الغامض وعيناها الزرقاوان أول ما لفت انتباهي تحت ضوء الثريات الفاخرة.
كانت جميلة لدرجة أن وصفها بـ”الجمال” يبدو إهانة.
كانت أجمل امرأة رأيتها على الإطلاق.
للحظة، سُحرتُ بجمالها الذي بدا وكأنه تجسيد للحاكمة.
عرفتُ على الفور أنها القديسة آريا.
حتى لو لم أسمع النبلاء يتحدثون بلا توقف عن جمالها، كان هناك شيء في هالتها يميزها تمامًا عن الأشخاص العاديين.
مجرد وقوفها هناك مبتسمة كان كافيًا ليشعر المرء برغبة في الانحناء أمامها والخضوع لها.
كانت تملك هيبة وسلطة طبيعية تجعلها تبدو كمن يهيمن على الجميع.
كان هذا الشعور مشابهًا لما كنتُ أحسّه أحيانًا من الإمبراطورة كارولينا أو الأمير ريموند ، تلك الهالة التي تميز من وُلدوا ليكونوا في قمة السلسلة الغذائية.
في اللحظة التي رأيتُ فيها هذه المرأة الجميلة التي لا أقارن بها، أدركتُ على الفور.
إنها هي.
المرأة التي أحبها، تلك التي جعلته غير قادر على إبقائي إلى جانبه.
الشخص الذي اشتقتُ إليه بشدة، الذي تمنيته، والذي كرهته بشدة، كان هناك أمامي.
كان كما هو، كما أحببته.
لكن صوته الذي نادى “آريا” بلطف، وعيناه المعبّرتان بالقلق وهو ينظر إليها، كل ذلك كان غريبًا بالنسبة لي.
كل شيء.
سمعتُ صوت شيء ينهار بداخلي.
كان الألم الآن أشد بكثير مما شعرتُ به عندما أخبرني أنه لم يعد بحاجة إليّ ورفضني، أو عندما راقبتُ ظهره وهو يغادر دون أي تردد.
كانت تعابير لم يُظهرها لي أبدًا، نظرات لم يوجهها إليّ، وصوت لم يُسمعه لي.
كانت تلك الأشياء التي يُظهرها فقط للمرأة التي أحبها حقًا.
أشياء لم أرَها منه ولو مرة واحدة.
في تلك اللحظة، أدركتُ بوضوح مرة أخرى:
هذا الرجل لم يحبني أبدًا، ولو للحظة واحدة.
كنتُ أعرف ذلك.
لم أكن جاهلة.
كنتُ أعلم ذلك عندما بدأتُ علاقتنا.
ومع ذلك، في تلك اللحظة، أردتُ حقًا أن أختفي دون أثر.
كان الألم لا يوصف.
شعرتُ وكأن الأرض تنهار تحت قدميّ، وكأنني قلعة رملية تُجرفها الأمواج، أنهار بلا مقاومة.
ريتشارد أديل لم يكن ينظر إليّ على الإطلاق.
كان ذلك، على الأقل، أمرًا محتملاً.
لم يُلقِ إليّ حتى نظرة، كان يركز فقط عليها، فلن يعرف أبدًا التعبير الذي كان على وجهي، أو المشاعر التي كنتُ أنظر إليه بها.
شعرتُ بحرارة في عينيّ ووجهي يتقلّص.
كانت محاولة يائسة لكبح دموعي.
لا، الأميرة يوري تراقب.
التفتي الآن، أيتها الحمقاء.
“هل أنتِ بخير؟ هل يمكنني إلقاء نظرة؟”
بينما كنتُ أوبخ نفسي وأحاول بصعوبة تحويل نظري عنه، اقتربت القديسة مني خطوة أخرى، دافعة يد ريتشارد أديل.
في لحظة الذهول، نظرتُ إليها دون وعي، ومع حركتي المفاجئة، سقطت دمعة كانت متجمعة في عيني على خدي.
شعرتُ بنظرات الثلاثة تتجه إليّ في الوقت نفسه.
لمحتُ تعبير القديسة المذهول للحظة، ثم أدرتُ رأسي بسرعة.
كنتُ أتكئ تقريبًا على الأمير ريموند ، وعندما وجهتُ وجهي نحوه، بدوتُ وكأنني في أحضانه تمامًا.
هل رأى؟ بالتأكيد رأى.
كانت لحظة قصيرة، لكن عينينا التقيا بالتأكيد.
ماذا سيفكر وهو يرى دموعي تسقط فجأة؟
سيظن بالتأكيد أنني لا زلتُ غير قادرة على نسيانه، مجرد امرأة حمقاء مليئة بالتعلّق.
كم سأبدو مثيرة للشفقة؟
كم سأبدو مضحكة؟
شعرتُ بالخجل الشديد من نفسي.
لو لم يكن الأمير ريموند هنا، لكنتُ ركضتُ إليه بنفسي.
أنا التي أذرف الدموع بحماقة فقط لأنني واجهته.
حتى أنا لم أستطع فهم نفسي، ولم أرد أن أفهم.
فكيف سيراني هؤلاء الغرباء تمامًا؟
“إذا كنتِ تشعرين بتوعك…”
“القديسة آريا.”
سمعتُ صوتيهما تقريبًا في الوقت نفسه.
في اللحظة التي شعرتُ فيها أن القديسة تمد يدها نحوي مجددًا، تحرك الأمير ريموند .
فتحتُ عينيّ المغمضتين قليلًا، فرأيتُ بطرف عيني يدها البيضاء النقية تُمنع بيد الأمير ريموند .
كان مجرد تصدٍ خفيف بظهر يده، لكنني شعرتُ برسالة ضمنية تقول “لا تلمسيها”.
ثم ظهرت يد أخرى.
مثل الأمير ريموند ، أمسك ريتشارد أديل معصم القديسة بحذر.
اتسعت عينا القديسة، التي مُنعت يدها من قِبل الرجلين، كعيني أرنب مذعور.
كأنها تتعمد إظهار ذلك، شعرتُ بذراع الأمير ريموند تشدّني إليه بقوة أكبر.
“أقدر لطفكِ، لكن كلير لديها أنا، فلا داعي للقلق.”
كان صوته لطيفًا بشكل مبالغ فيه، لكنه بدا أكثر برودة.
نظرتُ إليه بطرف عيني، فرأيتُ أن عينيه، على عكس ابتسامته، كانتا باردتين تمامًا ولا تضحكان.
لم يكن من الممكن أن تفوت القديسة، التي ليست حمقاء، قراءة هذا التعبير.
بدت مرتبكة بشكل واضح، وسحبت يدها التي كانت معلقة في الهواء بإحراج.
للحظة، بدت وكأنها فقدت قدرتها على الكلام، تحدّق في وجه الأمير ريموند ببلاهة.
تجاهلها الأمير ريموند ونقل نظرته إلى ريتشارد أديل، الذي كان يقف إلى جانبها كحارس.
كأنه لاحظ تلك النظرة، رفع ريتشارد أديل، الذي كان ينظر إلى القديسة، رأسه وانحنى تحية.
“أحيي سمو الأمير .”
“لم اراك منذ زمن، دوق أديل.”
على السطح، بدا صوته وكأنه يرحب بصديق قديم.
لكن تعبيره لم يتغير قيد أنملة عن الذي كان عليه عندما نظر إلى القديسة.
كانت عيناه خاليتين من أي عاطفة، لا ود ولا عداء، مجرد تحية شكلية خالية من أي اهتمام بالطرف الآخر.
على عكس القديسة، بدا ريتشارد أديل معتادًا على رد فعل الأمير ريموند ، فردّ بابتسامة شكلية مماثلة.
لم يكن الأمر مقتصرًا على اليوم، بل بدا وكأنهما دائمًا يتعاملان بهذه الطريقة، بهدوء ولامبالاة.
كنتُ دائمًا أرى الأمير ريموند لطيفًا مع الأميرة يوري، ومهتمًا بي بعناية، لذا شعرتُ أن هذا الجانب منه غريب وبعيد جدًا.
لو أظهر لي الأمير ريموند هذا الوجه، لكنتُ هربتُ بعيدًا دون أن أنبس بكلمة، مرتعدة من الخوف.
هل شعر بنظرتي المحدّقة؟
خفض الأمير ريموند عينيه نحوي.
عندما التقى نظرنا، ابتسم بلطف وهو يغمض عينيه ببطء، ففوجئتُ قليلًا لكنني شعرتُ بالراحة في الوقت نفسه.
كان الشخص إلى جانبي هو الأمير ريموند الذي أعرفه بالفعل.
“سمو الأمير ريموند أليك كاجيس ، أليس كذلك؟”
غيّر صوت مفاجئ يتحدث إلينا الجو فجأة.
بابتسامة مشرقة تكشف عن أسنانها، تحولت القديسة من قديسة رحيمة وغامضة إلى فتاة بريئة ومحببة في لحظة.
“يبدو أنك تعرف من أنا بالفعل، فهل يمكنني تخطي تقديم نفسي؟”
بدا أنها توقفت للحظة بسبب موقف الأمير ريموند البارد، لكنها سرعان ما تحدثت إليه مبتسمة كأنها لا تكترث.
مرّت نظرة تهيّج عابرة في عيني الأمير ريموند .
لكنه، ربما لأنه اعتقد أنه لا يمكنه تجاهل القديسة تمامًا أمام الجميع، ردّ بابتسامة جافة:
“بالطبع. أعتقد أنه لا يوجد تقريبًا من لا يعرف وجودكِ في هذه القارة، القديسة آريا.”
“سمعتُ عنك حتى في الأراضي المقدسة. إنه لشرف كبير أن ألتقي بشخص يُعامل كأسطورة حية، مثل الأبطال المسجلين في كتب التاريخ.”
“يشعرني بالحرج قليلًا أن أسمع مثل هذا الكلام من القديسة التي تُلقب بممثلة حاكم.”
نجحت القديسة في مواصلة الحديث مع الأمير ريموند ، فابتسمت بإشراق.
كانت ابتسامتها ساحرة لدرجة أنها قد تجعل امرأة مثلي تقع في حبها.
كانت عيناها مثبتتين على الأمير ريموند فقط، مما سمح لي بمراقبة وجهها الجميل دون حرج.
كان شعرها الفضي الطويل، الذي يشبه خيوط الحرير، لونًا لم أره من قبل.
من حاجبيها المرسومين بدقة، إلى عينيها الزرقاوتين الشفافتين كالزجاج، وأنفها المنحوت كالدمية، وخديها الورديتين، وشفتيها الحمراوين اللتين تتناقضان مع بشرتها البيضاء، كل شيء كان متناغمًا بشكل مثالي.
لم أستطع إبعاد عينيّ عنها.
على الرغم من أنني رأيتُ العديد من الأشخاص الجميلين، إلا أنها كانت الأولى التي ألهمتني برغبة قوية في رسمها.
نسيتُ حتى وجود الأمير ريموند وريتشارد أديل إلى جانبي.
أريد أن أرسمها.
هذا الشخص.
مع هذه الفكرة، تحركت أطراف أصابعي دون وعي.
“ومن هذه؟”
فجأة، وجهت القديسة انتباهها نحوي.
كنتُ أحدّق بها ببلاهة، فما إن التقى نظرنا حتى أشحتُ بنظري عنها تلقائيًا.
شعرتُ وكأنني لا أجرؤ على النظر إلى كائن مثلها بحرية.
“بدت وكأنها ليست على ما يرام، هل هي بخير؟”
“في الواقع، يبدو أن خطيبتي تعاني من ارتفاع طفيف في الحرارة، وكنا على وشك المغادرة.”
عندما أبدت القديسة اهتمامًا بي، تدخل الأمير ريموند على الفور ليقطع ذلك الاهتمام.
ثم حاول إنهاء المحادثة والمغادرة دون إعطائها فرصة لقول المزيد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 27"