6
فـــــــــصـ006ــل:
في صَباح اليوم التالي…
الذي لا يزال يحمِل في طيْاتِه صدى أحداث الأمس غير المتوقعة.
كانت “لينا“ مشغولة بترتيب أغراضِها المُتناثرة في غُرفتِها الجديدة داخِل أجنِحة الإقامة الأكاديمية.
كانت الغُرفة بسيطة، ذات جدران بيضاء تميل للون البرتقالي قليلاً وسريرٌ خشبي أنيق، ونافذة تطُلُّ على حديقة واسعة خضراء..،
لكن بالنسبة لـ “لينا “… لم تكُن مجرد غرفة.
كانت نُقطة انطِلاق لحياة لم تتخيلها قط.
تمتمت لنفسها، وهي تضع كِتابًا قديمًا على الرف: لم اتوقع ان أُُأدي بهذا الأداء في تقديم نفسي، بين همسات الجميع.
كانت كلماتها تحمل مزيجًا من الدهشة الممزوج بمسحة خفيفة من التحدي
ثم أكملت: والأمر الأكثر دهشة هو هذا إيدن! من يظن نفسهُ؟ يبدو أنه لم يعتدّ على من لا يخشاه، أو بالأحرى، لم يعتد على فتاة تتحدى سُلطتِه الواضِحة.
تنهدت “لينا“ تنهيدة خفيفة.
لم تكن تنهيدة ملل أو إحباط، بل كانت أشبه بتنهيدة المنتصر الخفي.
ابتسمت بخفية.
زاوية فمها ارتفعت قليلًا وهي تسترجع في ذهنُها نظرة الصدمة والذهول التي ارتسمت على وجهه عندما اطلقت عليه لقب “إيدي”
قالت بنفسها: غريبٌ… لكنهُ مثيرٌ للاهتمام في الوقت نفسه.
ثم شعرت بشيءٍ من الفضول ينمو بداخلها تِجاه هذا الشاب الغامض المُتغطرس.
ثم ابتسمت ابتسامة لطيفة للحظة، لم تستمر هذه الإبتسامة لثوانٍ
أبداً…
كانت تعتقد أن الحياة في الأكاديمية ستكون رتيبة، مليئة بالدراسة والتحديات العِلمية فقط.
لكن يبدو أن القدر خبأ لها مغامرة أخرى تتجاوز جدران القاعات الدراسية.
كانت تعلم أنها دخلت عالمًا يتسمُ بقواعِد صارِمة وتسلسُل هرمي، لكِنها لم تكُن لترضخ بسهولة لأي سلطة غير مُبررة.
***
على الجانِب الآخر من الأكاديمية
وفي مكتبهِ الفخم الذي تفوحُ مِنه رائِحة الأوراق النباتية الطبيعية والقهوة.
كان “النائِب بلاو“ يتحدث بحماسٍ غير معهود لمدير قسم النباتات.
النائب بلاو: لم أتوقع هذه الثِقة و المكر والذكاء مِنها أبدًا! لقد كانت مُذهلة بحق، يا سيدي المدير. مذهلة!
كررها وكأن الكلِمة وحدها لا تصِف حجم دهشتِه.
ثم اردف مكملاً حديثه بنفس النبرة: ثِقتها و كِبريائها بأنها ستُصبح الأُُولى… و قُدرتِها على فِهم الكتاب العريق في ذلك الوقت القصير، وتحليل رموز النباتات الأُسطورية بهذِه السرعة… إنها حقًا مُعجِزة! هذه الفتاة ستغير الكثير، أنا متأكد من ذلك. ستفتح أبوابًا لم نجرُّؤ حتى على التفكير فيها.
هز المُدير رأسهُ موافقًا، وبدت علامات الاقتِناع تتسرب إلى تعابير وجهه المُتحفِظة عادةً.
كان المدير رجُلاً عمليًا، لا يؤمن بالمُعجِزات بسهولة،
لكن ما سمِعه ورآه مِن تقارير “النائِب بلاو“ كان كافيًا ليزرع بذرة الشك، أو بالأحرى بِذرة الأمل، في داخله.
اجاب المُدير على حديث النائب بلاو الحماسي: بالفعل، النائب بلاو. ما ترويه مذهل. يجب أن نُراقِب تقدُّمها عن كثب. هذه فُرصة لا تتكرر كثيرًا.
قال المُدير بصوتٍ هادِئ، لكن بريقٌ في عينيه كشف عن اهتمامِه الشديد.
كان كِلاهُما يُدرِك أن ظُهور شخص بمِثل هذه الموهِبة النادِرة و الثِقة و الكِبرياء المُفرط يمكن أن يقلب موازين القُوى
ويفتح آفاقًا جديدة في عالم الأكاديمية، وربما يتجاوز ذلك بكثير.
في هذه الأثناء…، كان إيدن غارِقًا في نومٍ عميق، ولكن عقلهُ كان مشغولاً بالتفكِير بِما حدث امس
كِبريائها و ثِقتها، غُرورِها
و…
“إيدي“
و أكثر ما كان يستفزهُ هو تحدِّي “لينا“ غير المُتوقع.
يُسيطِر على عقله حتى في اللاوعي.
كان شارِد الذِهن في أحداث الأمس، وكيف تجرأت تِلك الفتاة على قلب الطاوِلة عليه، هو الذي اعتاد أن يكون سيد الموقِف دائمًا.
ليقطع نومه العميق، شلالات من الماء على وجهِه
إيدن صارخاً: توقف أيُّها الحشرة
ضحِك “فهد” بمرح، وهو ينظُر لوجه إيدن المُبلل بالماء
ثم قال: هيا انهض!
إيدن: ما هذا؟ لِما انهض؟ لا أُُريد.
فهد: ليس برغبتِك، يجب عليك أن تنهض، انهض!
إيدن: عادةً لا نأبه بوقت الإفطار بهذه الدِقة، لما هذا اليوم بالذات؟
كانت كلِماتِه مُشبعة بالانزِعاج مِن الانقِطاع عن عالمهِ الخاص.
ثم ابتسم “فهد”، وهو يفتح ستائر الغُرفة لتغمُر أشِعة الشمس الذهبية المكان،
فهد مُتجاهِلاً سُؤاله: لا، لكنني مُتأكِد أنك لا تريد تفويت هذا الصباح بِالذات.
ثم غمز له.
ابتسم “فهد“ ابتسامة دافِئة و هو يستنشِق الهواء النقي
وقال بصوت غير مسموع: هُناك شيء ما يُخبرني أنهُ سيكون صباحًا لا يُنسى.
وضع “إيدن“ يديه على عينيه لتحجب أشعة الشمس ليستطيع أن ينام مرة أُخرى.
نظر “فهد“ لهُ نظرة جانِبية.
ثم استدارَ لهُ: هيّا، إلى غُرفة الطعام. لا تكُن كسولًا كعادتِك.
كان “فهد“ يعرف “إيدن” جيدًا، ويفهم تذمُره هذا.
كان يعلم أن وراء هذا التذمُر فُضُولًا خفيًا.
نهض “إيدن“ بكسل، تمطى قليلًا.
ثم اتجه نحو غُرفة الطعام، و “فهد“ يتبعه بخطوات سريعة، يُحاول مُواكبة تمايُله البَطيء.
كانت القاعة المُخصصة للطعام صاخِبة ومليئة بالطُلاب والطالِبات الذين يتناولون وجبتهم الصباحية.
أصوات الأحاديث والضحِكات تملأُ المكان.
عينا “إيدن“، على الرغم من كسلهُ الظاهِر، وقعتا فورًا على طاوِلة مُحددة في زاوية الغُرفة.
كانت تِلك الطاوِلة هي التي يجلس عليها كِبار طُلاب الأقسام المُمَيزة.
والتي كان هو دائمًا يترأسها.
كان على وشك الجُلوس في مكانه المُعتاد…،
ثم توقف فجأة، فتح عيناهُ بصدمة،
صمتٌ تام.
لا أحاديث. لا ضَحِكات.
لا أي شيء مِما كان يملأُ المكان.
صمت….
تضع يدها على شعرِها الطويل الذي تُداعِبه نسمات الجو، عيناها العسلية تنظُر حولها بِنظرات غير مفهومة.
حماس؟
تعجُب؟
غُموض؟
أم… لا حياة؟
كانت “لينا“ التي تنزِل الدرج بتألُّق.
كانت ترتدي زي الأكاديمية الجديد الذي اظهر قوامِها الناعِم و الأُُنثَوي، خطواتِها واثِقة وكأنها تسيرُ على سِجادة حمراء، لا تُبالي بِنظرات الفُضول التي تتبعها.
نظرت للقاعة بِهدوءٍ تام.
نظراتُ الإعجاب زادت مِن ثِقتها و كِبريائها.
نظرت الى الطاوِلات، وجدت طاوِلة تليقُ بِها.
كانت الطاوِلة التي يقترِب مِنها “إيدن“.
توجهت بِثِقة وهُدوء نحو الطاوِلة، وكأنها تُدرِك تمامًا أن هذا مكانُها الجديد.
كان “إيدن“ واقِفاً مكانه بِقُرب الطاوِلة، وكان قلبهُ يكاد يخرُج مِن مكانِه، وهو ينظُر لِجمالِها الأخاذ.
جلست “لينا“ بِهدوء بِجانِب “فهد“، الذي رحب بِها بابتِسامة خفيفة، وكأنه كان ينتظِرُها،
أو.. شعر بِأنها ستُقدِم على هذا التصرُّف.
لحظة جُلوسِها، تغيرت ملامِح “إيدن” على الفور.
شعر بِبعض الغيظ الشديد يتسلل إليه، كالنار التي تشتعل بِبُطء في عِروقِه.
كيف تجرُّؤ على الجُلوس هُناك؟!
تساءل في صمتِه، قبض على كفِه بخِفة.
كانت الطاوِلة رمزًا لِمكانتِه، لمنزِله في هذه الأكاديمية.
كيف تجرأت هي، الوافِدة الجديدة، على اختِراق هذا الحيز الخاص بِه؟
تجنَب النظر إليها بشكلِ مُباشر،
لكن كانت عيناه ترصُدانِها مِن طرف خفي، يُتابعان كل حركة لها،
كالصقر الذي يُراقِب فريسته.
لكن من ناحية أُُخرى، كان ينظُر لها بِنعومة،
كان يتأملها كأنهُ ينظُر لِتُحفة فنية.
بالجانب الآخر من قاعة الطعام، كانت هُناك فتاة تنظُر لها نظرات غامضة.
أتنوي الخيّر؟ أم الشر؟
لدى “إيدن” و “لينا”
كان الصِراع قد بدأ للتو، ليس في قاعات الدِراسة، بل على طاوِلة الإفطار.
***
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - بين قاعات الطعام 2025-08-21
- 5 - الوقوع مرة أخرى 2025-08-21
- 4 - إيدن سڪايلر و عبقري القرن 2025-08-21
- 3 2025-06-12
- 2 2025-06-12
- 1 2025-06-12
التعليقات لهذا الفصل " 6"