مهرجان القرية الريفية (1)
حين أوقف الأمير عربةَ سيلفي بحجّة التفتيش، جعل الجنود من ذلك مادةً للسخرية:
‘حتى الأمير لا يستطيع مقاومة الجميلات.’
ولأن الكلّ يطلق اللسان في غياب أصحاب الشأن، لم تكن تلك الكلمات مشكلة تُذكَر…
لو كانت قيلت في غياب الشخص المعنيّ.
وقد لمح أحد أتباع روكو نظرات قائده وهو يستمع إلى مزاح الجنود، فسأل بصوتٍ متردد:
“أتريدون أن أسكتهم؟”
“دعهم وشأنهم. لا بأس ببعض الترفيه.”
أجاب روكو وهو يدفع شعره الأزرق إلى الخلف بلهجة باردة. رغم ذلك بقي التابع متوترًا؛ فالأمير روكو ليس شخصًا متساهلًا—لا مع الآخرين ولا مع نفسه.
قد يقول الآن “دعهم”… ثم في لحظة مزاج يطلب قطع رؤوسهم جميعًا.
لكن لحسن الحظ، سيعيش هؤلاء الجنود طويلًا؛ لأن اهتمام روكو كان موجّهًا إلى شيء آخر تمامًا.
كان يقف على السور الحجري، يراقب بعينين ضيقتين عربةَ قافلة غولدوردي وهي تختفي داخل الغابة.
لم يكن السبب جمال سيلفي—كما ظن الجنود.
“تلك المرأة… حملت معها كمية ضخمة من ذلك الأرز عديم الفائدة.”
الأرز. محصول ينبت فقط في جنوب المملكة الشمالية، حيث تتساقط الأمطار بغزارة.
المطر لا يهطل على مدار العام، بل يهطل صيفًا فقط كالسيل، ولذلك يستحيل زراعة القمح هناك.
وبما أن الخبز هو الغذاء الرئيسي لمملكة الشمال، فالأرز لا يُؤكَل إلا عند انعدام الطعام تمامًا في الجنوب.
‘إذًا لِمَ حملت كل ذلك الأرز؟’
قطّب روكو حاجبيه، فأجابه تابعه بحذر:
“ربما تنوي طهو شيء به؟ فالأرز لزجّ وذو رائحة شهية… نكهته تختلف عن القمح.”
“ولكن القمح أرخص بكثير. فما الداعي للقدوم من مكانٍ بعيد لشراء أرز باهظ؟ وفوق ذلك… حتى الإمبراطورية غذاؤها الرئيسي الخبز.”
هذا غير أن كمية الأرز التي اشترتها صغيرة جدًّا—قليلة جدًا بحيث لا تشبه كمية لمطوّر وصفة جديدة.
قال التابع:
“قد يكون طعامًا خاصًا لأحد أصحاب النفوذ في عائلة جولدوردي؟”
“جولدوردي…؟”
اتّسعت عينا روكو باهتمام. ثم التفت إلى تابعه وسأله:
“متى موعد خطوبة وليّ العهد أدولف؟ هل إن انطلقنا الآن نصل في الوقت المناسب؟”
وجود الأمير روكو على حدود الإمبراطورية كان لأداء مهمّة رسمية—حضور خطوبة ولي العهد أدولف إلى الآنسة جورجيانا جولدوردي.
لكن روكو يكره الإمبراطورية، وكان يماطل متعمدًا على الحدود ليعود لاحقًا قائلًا إنه مرض بينما كانت مراسم الخطوبة تُقام.
وقد سار مخطّطه على خير ما يرام—فالخطوبة ستكون غدًا.
انحنى التابع وقال:
“مؤكد أننا سنصل متأخرين.”
“إذًا يجب أن أحضر… ولو متأخرًا.”
“… عذراً؟”
رفع التابع رأسه بذهول، متناسياً أنه يقف أمام روكو.
ابتسم روكو ابتسامةً باهتة كأنها زحف ثعبان، موجّهًا بصره نحو أراضي الإمبراطورية.
“يبدو أن أمرًا ممتعًا يحدث هناك.”
***
عندما جاء كال دراين إلى القرية للمرة الأولى، ظننت أن الوقت قد حان لجمع أمتعتي والهرب ليلًا من جديد.
لكن الآن… اعتدت وجوده إلى حدّ أنني أتجاوز حتى حادثة قطعه لوح التقطيع كلّما فقد السيطرة على قوّته.
‘وفوق ذلك، كان يصنع لي لوحًا جديدًا في كل مرة، فلا أستطيع حتى أن أوبّخه.’
والإنسان كائن يتكيف مع كل شيء؛ كنت أرتعب في البداية من قوّته العجيبة، أما الآن فأشعر وكأني أشاهد عرضًا للقوة.
‘ولأنه طيب القلب… لا يشعر المرء بخطر منه.’
لا يكفي أن يكون الشخص قويًا ليخيفك؛ ما يخيف حقًا هو أن يكون الشخص قويًا وعدوانيًا.
أما كال درايان فكان يستمع لثرثرتي بصمت ويعمل بجدّ، حتى تلاشى حذري منه تمامًا—وهو أمر خطير.
أنظر إليه وهو يتحرك بهدوء كصخرة ضخمة ساكنة، فأعجب.
لو كنتُ مكانه، لاستغللتُ تلك القوة في تحطيم رؤوس كل من أكرههم.
‘آه… إذًا لطُردتُ من البلاد باكرًا. لبدأتُ بأول رأس… رأس ولي العهد أدولف.’
ما إن خطر ذلك المتكبر الغبي في بالي، حتى اصطكّت أسناني غضبًا.
‘الحمد لله أن جورجيانا تزوجته وحملت عنه ذلك العار.’
في الرواية، كان بطلًا رائعًا…
لكن لا حيلة في الأمر، فهو بطل بالنسبة للبطلة، لا لي.
نحن قطعتان من أحجية لا تنسجمان معًا.
‘حسنًا، فلأنسَ كل ذلك… ولأفكّر بما سنتناوله على الغداء.’
عاد الأرز إلى البيت بفضل سيلفي، فعاد الدفء إلى قلبي.
لا شيء ينعش نفسية الكوري مثل الأرز.
احتضنت سيلفي فجأة وقلت:
“سيلفي، أحبكِ!”
تنهدت سيلفي تنهيدةً عميقة تكاد تُشقّ الأرض.
“هل كنتِ تفكرين في الأمير أدولف ثانيةً؟”
“هاه! كيف عرفتِ؟”
“أفكاركِ واضحة كأنها كتاب مفتوح. غالبًا كنتِ تقارنين بين ذلك الأحمق وبيني، ثم تدركين مجددًا مدى أهميتي في حياتكِ.”
“لا… هذا كثير! سيلفي… أنت تعرفين عني الكثير! سأضطر للتخلص منكِ!”
“ملل… هل ستواصلين هذا التمثيل؟ إن أردتِ، فسأسايركِ.”
“… لا، يكفي.”
التمثيل لا يكون ممتعًا إلا عندما يردّ الطرف الآخر بحماس.
حككت رأسي بخجل، لكن سيلفي دفعتني نحو الطاولة.
“اجلسي وانظري تلك الأوراق. يجب إرسالها اليوم.”
“إييه… لا أريد العمل.”
“أنتِ أكثر شخص مدمن على العمل في هذه البلاد. استخرجي عشر معشار روحكِ المحبة للعمل.”
“إييه…”
اضطررت للجلوس أمام الطاولة، حيث تراكمت الملفات كأنها تلٌ صغير.
كنت قد خرجت من بيت دوق غولدوردي تمامًا، وتخلّيت عن كل ما كنت أديره هناك. رسميًا لا شأن لي بشيء.
لكن بعض الأعمال لا يمكن تركها، مثل بعض وحدات تجارة قافلة جولدوردي.
ورغم أن مكان إقامتي سرّي ولا يعرفه إلا قلة من رجالي، كانت سيلفي تجلب لي الأوراق وتعيدها.
لكن المشكلة أن الموافقات أصبحت بطيئة، مما قلل قدرتنا على التوسع.
قلّبت الأوراق وقلت في نفسي:
‘كان يجب أن نتوسع بقوة أكبر في العاصمة… المنافسون سبقونا.’
‘وهم يقلدون حتى قوائم الطعام. كان يجب أن نوجّه حملة إعلامية تتهمهم بسرقة الوصفات… والآن فات الأوان.’
كان بنجامين يقود قسم المعلومات نيابة عني، لكنه يفتقر إلى حسّ الأعمال، فينتهي الأمر بأن أتخذ القرارات وحدي.
ومع كل تأخير، أشعر بأن أعصابي تتمزق.
‘اغتظت… لا، يجب أن لا أغتاظ… لكنني مغتاظة!’
في وسط أزمتي النفسية، وُضع أمامي كوب كبير.
رفعت رأسي فإذا هو كال.
“آه… شكرًا.”
اعتاد مساعداي تقديم شاي مُرّ للغاية أو قهوة سوداء حارقة حين يرونني على وشك الانهيار.
رفعت الكوب من باب العادة… لكنني فتحت عينيّ دهشة.
“إنه… حلو!”
كان كال قد أعدّ لي كوبًا من الكاكاو الدافئ.
نعم… حين يعمل المرء بعقله يحتاج إلى شيء حلو.
وبينما كنت أحتسيه، شعرت بالدفء يتسلل إلى قلبي.
هرعت سيلفي فورًا وبدأت تصرخ على كال:
“لا تعطِ آنستي شيئًا حلوًا بلا إذن! لديها تاريخ عائلي في الأمراض!”
ثم بدأت تسرد له أنواع المشروبات المناسبة لي حسب حالتي.
نظرت إليها بعيون يائسة.
“سيلفي…”
‘أظن أنها تظن كال دراين… كبيرَ خَدَمي.’
التعليقات لهذا الفصل " 16"