لم يكن منقوشاً. بالتحديد، كان شيئاً منقوشاً بالفعل ظهر للعيان.
“هذا……”
كان ما نُقش على طرف القلم بشكل غائر هو رمز السحر الأسود كما توقعت.
فتحت إيفينا عينيها بعد أن أغمضتهما بإحكام وتحدثت.
“جدتي، لا، أختي. هل يمكنك معرفة من هو الساحر الأسود الذي صنع هذا؟”
حكت العجوز أنفها رداً على سؤالها.
“لا أعرفُ ذلك.”
“… عفواً؟”
“قلت لا أعرف. الشخص الذي ‘صنع’ هذا مختلف عن الشخص الذي ‘نشّطه’.”
تابعت العجوز كلامها وهي تمسح أنفها بالمنديل المحترق.
“الساحر الأسود الذي نشّطه ليس مهماً، لكن الذي صنعه شرير. إنه ليس بالشخص العادي.”
“إذن، هل لا تعرفين من نشّطه أيضاً؟”
“لا أعرف. لو كنتُ أعرفُ ذلكَ، لكنت التهمت المعبد الكبير أيضاً!”
هل هذا يستحق 300,000 بير؟ بدأت ثقة إيفينا بالأخت تتضاءل قليلاً.
ضغطت العجوز على أسنانها وضربت بعصاها.
“لكنني أعرف وقت تنشيطه.”
عند سماع ذلك، أظهر نورث، الذي كان واقفاً بشكل مسترخٍ طوال الوقت، أول رد فعل له.
“متى كان ذلك؟”
“في الصباح. قبل أن يبكي بينداِفلت مباشرةٍ.”
بينداِفلت،
‘إنه طائر يصرخ مثل ساعة المنبه قبل الساعة العاشرة مباشرة.’
هل تم تنشيطه في ذلك الوقت…؟
نهضت إيفينا بذهول.
“القلم……”
لسانها الصغير يلعق شفتيها الجافة مرةً واحدة.
تركزت أنظار العجوز ونورث على إيفينا .
“إنه وقت توزيع الأقلام.”
نظرت إيفينا إلى نورث مباشرة. اهتزت عيناها الخضراوان بشدة.
“إنه الوقت الذي وزعت فيه الأقلام على الأطفال، جلالة الملك.”
“اهدئي وخذي نفساً عميقاً.”
احتضن نورث يدها برفق وربت على ظهرها ببطء.
عندما هدأت إيفينا قليلاً، تدفق صوت هادئ من فمهِ.
“نعم، هل تتذكرين من وزع تلك الأقلام؟”
“يقوم المعلم المساعد الذي يشرف على الاختبار بتوزيع الأقلام في وقت الاختبار الأول. المعلم المساعد الذي أشرف على صف أشعة الشمس في ذلك الوقت كان……”
تذكرت المعلمة الشابة التي اعتقدت أنها مجرد معلمة غير متمرسة.
“أندريا.”
“……”
“كانت المعلمة أندريا.”
أندريا. لقد نشّطت السحر الأسود.
في الروضة التي يجب أن تكون أكثر الأماكن أماناً، المعلمة التي اختارتها هي ومديرة الروضة…
آذت طفلاً.
ارتجف جسدها بسبب الصدمة والشعور بالذنب الذي اجتاحها مثل المد.
قالت العجوز التي كانت تحك رأسها بقوة، كما لو كانت تلقي بشيء:
“هي أنت، أيها الشاب الوسيم.”
ناداه بالشاب الوسيم رغم معرفتها أنه الإمبراطور.
“لماذا لا تذهب وتحضر كوباً من الماء الدافئ؟ لإطعام الآنسة. ستفقد وعيها هكذا.”
عند سماع كلام العجوز، ربت نورث على ظهر إيفينا وخرج من المكتب.
تحركت قدماه دون أن يفكر حتى في إرسالِ خادم.
بمجرد خروجه، نهضت العجوز واقتربت من إيفينا بخطوات واسعة دون استخدام عصاها.
“آنستي. كيف يمكنك أن تكوني رقيقةَ القلب هكذا؟ توقفي عن الارتجاف وانظري إلى هذا جيداً.”
“……”
رفعت إيفينا رأسها الذي كان مدفوناً في كفيها.
كان القلم أمام عينيها مباشرة.
“لماذا هذا……”
“انظري جيداً. ألا ترين هذا؟”
دفعت العجوز القلم أكثر. عندها فقط رأت. رمزاً آخر منقوشاً على طرف القلم إلى جانب رمز السحر الأسود.
شحب وجه إيفينا .
“هذا…!”
كان رمز المعبد. بالتحديد، كان رمز ليرين.
الرمز الذي قالت ليرين إنها صنعتهُ للتأكد من وجود السحرة السود، الرمز الذي يجمع بين المعبد والسحر الأسود.
أبعدت العجوز القلم عن وجهها وجلست على الكرسي مرة أخرى.
“هذا هو الشخص الذي صنعه.”
“لماذا هذا……”
“هل تعرفينهُ؟”
سألت العجوز وهي ترتب حافة ثوبها بإهمال. هزت إيفينا رأسها بذهول.
“نعم. أعرفهُ.”
“لماذا تعرفين شخصاً مثل هذا؟”
نهضت العجوز متكئة على عصاها بوجه غاضب وهي تطقطق بلسانها. نقرت على رمز المعبد.
“احذري. لقد استخرجت هذا بصعوبة بالغة رغم مقاومته الشديدة. سيختفي مرة ً خرى قريباً.”
“هل هذا يعني أننا سنرى رمز السحر الأسود فقط بعد ذلك؟”
“نعم. لقد أظهرته لفترة وجيزة. شعرت أنني يجب أن أظهره.”
ألقت العجوز القلم إليها واستدارت. لوحت بيدها المجعدة.
“يجب أن أذهب الآن. سأطلب من ذلك الشاب اللطيف أن يودعني.”
الشاب اللطيف، يجب أن يكون المساعد ديفراندو.
حدقت إيفينا بالعجوز وهي تخرج من المكتب ثم أمسكت رأسها. بدأ الصداع.
“هاه……”
ليرين هي من صنعت هذا السحر الأسود… إذن، هل ليريين ساحرة سوداء؟
“لا أعرف. حقاً……”
أكاد أفقد عقلي بسبب ظهور ليرين المفاجئ. الأمور أصبحت أكثر تعقيداً.
بالكاد تمكنت من تنظيم تعبيرات وجهها عندما رأت نورث يدخل.
قررت أن تفكر في هذا لاحقاً وأن تحل المشكلة الأقرب أولاً.
“لقد ذهبت الأخت، جلالة الملك.”
“الأخت؟”
“آه… الجدة.”
رفع نورث حاجبيه ووضع كأس الماء على شفتي إيفينا .
توقفت إيفينا التي كانت على وشك أخذ الكأس.
“يمكنني الإمساك به والشرب بنفسي……”
“كيف ستشربين ويداك ترتجفان هكذا؟”
“أنا بخير حقاً.”
“هذه الورقة الواحدة تساوي ثمن منزل. هل يمكنك تحمل المسؤولية إذا سكبت عليها؟”
عند سماع ذلك، شربت إيفينا الماء الذي قدمه نورث بسرعة. سمعت ضحكتهُ الخافتةَ.
بعد أن أفرغت الكأس، كان لطيفاً بما يكفي ليمسح فمها أيضاً.
ظهرت علامة خفيفة من أحمر الشفاه على كم ملابس نورث.
“ما الذي تنوين فعله الآن؟ أود سماعَ أفكارك.”
“آه، حسناً……”
لا يمكنني الإجابة إذا استمررت في فرك شفتي هكذا…
عندما ابتعدت يده أخيراً، فتحت فمها. بشكل غريب، توقف جسدها عن الارتجاف.
كان نورث قد وضع كأس الماء جانباً وأمسك بكأس الويسكي الخاص به.
“هل يمكنك أولاً التحقق من المعلمة أندريا؟”
عند سماع كلامها، مشى نورث بخطوات ثقيلة نحو مكتبه وهو يحمل كأس الويسكي.
فتح الدرج بسلاسة بيده التي تمسك الكأس. وضع بعض الأوراق بين إصبعيه السبابة والوسطى ولوح بها.
“هل تقصدين هذه؟”
“… هل كانت معك بالفعل؟”
“ديفراندو كفؤ جداً. أحضرها رغم محاولاتي المستميتة لمنعه.”
نظرت إليه بعدم تصديق. من المؤكد أن جلالة الإمبراطور هو الكاذب.
هز كتفيه وهو يشرب الويسكي من كأسه.
“أقول لك إنه ديفراندو.”
“بالطبع.”
لم تصدقه على الإطلاق وقلبت الأوراق.
تصلب وجهها أكثر مع كل صفحة تقلبها.
أمال رأسه وهو يصب المزيد من الويسكي في كأسه الزجاجي.
“هل وجدت شيئاً غريباً؟”
“نعم. بالتأكيد.”
أشارت إلى الأجزاء المشبوهة واحدة تلو الأخرى.
“في سيرتها الذاتية للروضة، ذكرت أن لديها أختاً، لكنها غير موجودة هنا. تعليمها وعمرها، كلها أكاذيب.”
“لقد وظفت محتالةً كمعلمة.”
نعم. كما قال، كل ما يتعلق بأندريا كان كذباً.
“وهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها أن لديها وصياً.”
“ذلك الوصي هو الماركيز كلوك.”
“الماركيز كلوك……”
عندما رأى تعبير وجهها المتشكك، ابتلع الويسكي وابتسم.
“نعم. العجوز من حزب النبلاء.”
كنتُ محقة إذن. كان حزب النبلاء وراء أندريا.
هذا يعني أن حزب النبلاء هو من افترى على ماكسيون.
‘لماذا؟’
ما الذي سيكسبونه من إيذاء ماكسيون؟
في القصة الأصلية، كان لدى حزب النبلاء سبب لإفساد الدبلوماسية.
إذا نجحت العلاقات الدبلوماسية مع مملكة كويمان، فإن أعمال السكك الحديدية لحزب النبلاء ستتعطل.
تنهدت إيفينا بعمق وهي تضع أوراق التحقيق عن أندريا على المكتب.
“ومع ذلك يطالبون بتتويج إمبراطورة بحجة ماكسيون. ويطالبون بإلغاء حقهِ في وراثةِ العرش……”
“إنها مسرحية هزلية. أنهم ممثلون رائعون حقاً.”
وضع الكأس على شفتيه مرة أخرى. أدارت إيفينا رأسها لتنظر إليه وأمسكت معصمه برفق.
توقفت يده التي تمسك الكأس.
“توقف عن الشرب. أنت تسكر.”
التقت نظراتهما في الهواء. فحصتها عيناه البرتقاليتان بحدة.
“هل هذا قلقٌ عليّ؟”
“بالطبع.”
لماذا أطلب منك التوقف عن الشرب إذا لم أكن قلقة؟
إنها نظرة من لا يفهم حقاً.
أغمض نورث جفنيه ببطء ثم انفجر ضاحكاً فجأة.
“هاها، أنتِ حقاً محيرةٌ.”
غطى عينيه بيد واحدة. تحركت تفاحة آدم بشكل كبير. لم تهتم إيفينا وأخذت الكأس من يده.
“عندما تشرب كحولاً قوياً، تناول الطعام أولاً.”
“حسناً، حسناً. شكراً على النصيحةِ. سأضعها في اعتباري.”
خطوة، خطوة. اقترب منها. غريزياً، تراجعت إيفينا بنفس المقدار.
“لحظة، جلالة الملك. أنت قريب جداً.”
“قريب؟ كنت أقرب بكثير بالأمس عندما تعلقت بكِ بيأس.”
ابتسم الرجل بشكل مائل.
طق. لم يكن لديها مكان للتراجع أكثر، فجلست على حافة المكتب.
حاصرها بذراعيه. تماماً كما حاصرته هي في غرفة الاستشارة.
“المعلمة إيفينا .”
للمرة الأولى، ناداها باسمها بدلاً من “أنتِ” أو “حضرتكِ” كالمعتاد.
“نعم… نعم؟”
“هذا باهظ الثمن جداً. يجب ألا تسكبيه، أليس كذلك؟”
أشار نورث إلى كأس الكحول. كانت ابتسامتهُ مغرية.
في اللحظة التي أمسكت فيها الكأس بإحكام، غير قادرة على فعل أي شيء آخر، اقترب نورث منها أكثر.
(ميري : بعدوه عن بنتي!!!!! )
التعليقات لهذا الفصل " 53"