اتّخذت إفريلين وضعيةً فوق السرير و هي تشعر بالأورا ، ثمّ جعلت طاقتها تدور حول النواة في مركز جسدها.
كبرت النواة في وقتٍ قصير حتى صارت بحجم قبضة طفل ، و كانت الأورا المخزّنة فيه تمنع سموم جسدها من الانتشار أكثر.
و ذلك لأنّ ذلك السّمّ الوحشيّ كان سيُتلف أعضاءها أكثر لو تُرك دون ضبط.
‘في النهاية ، لكي أستعيد جسدي ، عليّ أن أعود إلى مرتبة سيد السيف’
أغمضت إفريلين عينيها و استعادت ما حقّقته سابقًا بصفتها دافني.
فلا بدّ من جسدٍ أقوى لاحتواء أورا أقوى.
و منذ استقرار النواة ، كان عليها أن تبذل جهدًا لتقوية جسدها أيضًا.
و كان ينبغي تخصيص عدّة ساعات من التدريب يوميًا.
و كان لزامًا أن يمرّ ما لا يقلّ عن عامين إلى ثلاثة أعوام لتكوين جسد قادر على تحمّل أورا سيد السيف.
و هذا تقديرٌ مُخفَّف إذا ما احتُسبت حالة الجسد المدمَّرة هذه.
و مهما يكن ، فعندما تعود إلى مرتبة سيد السيف ستتخلّص من سموم جسدها بالكامل ، و تستعيد قوّتها التي كانت تُدعى بها حاكمة الحرب سابقًا.
و السبب الذي جعل دافني تقع بين أيديهم آنذاك هو أنّها كانت محاربةً مخلصة للإمبراطورية.
فقد آمنت أنّ ولاء آل أغريف و براءتهم سيُكشفان حتى اللحظة التي أُغلقت فيها نواتها.
لكنّها الآن ، و هي التي تريد فناء عائلة بيلنوا الإمبراطورية ، كانت واثقة من أنّها لن تُؤخَذ ثانيةً و هي عاجزة.
فقد كانت ، من حيث مهارة القتال وحدها ، ضمن أقوى خمسة أشخاص في الإمبراطورية.
‘لكنّ إدوين كرويل بلايز أيضًا خصمٌ بالغ القوّة’
ارتجف بريق العينَيْن البنفسجيتَيْن الفاتحتَيْن و هي تفتحهما.
إنّه ، بلا شكّ ، العدوّ الذي عليها أن تنتزع حياته.
لكن ، بالعودة إلى البداية ، كانت دافني تحتاج أوّلًا إلى وقتٍ لتقوية جسدها حتى تستعيد قوّتها.
لسببٍ ما ، كان الإمبراطور و وليّ عهده يتمنّيان التخلص من دوق بلايز من خلالها ، و لو قتلت الدوق في ليلة زفافها كما يريدان فلن يبقى لها الوقت لتزداد قوّة.
و بعدها ستموت حتمًا.
فإفريلين لم تُربَّ إلّا كحيوانٍ يُضحّى به لأجل هدفهم.
و بالطبع ، فكّرت في إخبار إدوين بمؤامرة الإمبراطور و وليّ العهد و إشعال الحرب بينهما ، لكن هل ستسير الأمور كما تريد مع وحشٍ كـ’النايت’؟
و إن قتلها بصفتها بيلاتوكزين ، ثمّ تقدّم نحو القصر الإمبراطوري فقطع رأس الإمبراطور ثمّ وليّ العهد ، فسينجو هو بالنهاية ، بينما يبقى العدوّ الحقيقيّ حيًّا.
و هل سيتمكّن أحد حتى من التخلّص من الفيل؟
لم تكن إفريلين تريد نهاية فاترة كتلك.
أرادت ، هذه المرّة ، أن تصبح هي الصيّادة بدل الفريسة ، و أن تقتل كلّ من حاصرها في ساحة الصيد تلك.
و لذا ، فالحلّ الأمثل في الوقت الحالي هو: ‘أن أتحمّل بصفتي زوجته’
أن تصبح زوجته ، و تنتظر سنوات حتى تستعيد قوّتها.
لم يكن هناك سبيل آخر لوضع الخطة المثلى.
و بعد أن تصبح سيّد سيف من جديد و تنتظر بصبرٍ و بطريقةٍ محكمة ، ستقتل الصيّادين الأربعة جميعًا و تصبح سيدة آل بلايز.
“…….”
احتضنت الطاقة التي كانت تدور في جسدها السمّ ، و تسرّبت إلى لوحي كتفيها.
نقي لون بشرتها ، و ظهرت فوقه علامة على شكل فراشة.
لقد جمعت السمّ في موضعٍ واحد باستخدام قوّة الكور.
حتى لا تقتل إدوين في لحظةٍ لا ترغب هي بها.
**
و مرّ الوقت ، و حلّ يوم الزواج—
و كان نبلاء بيلنوا مجتمعين في قاعة تأسيس القصر الإمبراطوري و هم يظهرون الترقّب.
إفريلين لو إسترا دو مارشيليس ، الابنة الإمبراطورية الوحيدة ، و ابنة غير شرعية للإمبراطور.
و كانت الشائعات تدور حولها باستمرار.
فالآن أيضًا ، كانت ألسنة النسوة لا تكفّ عن التحدّث.
لون وجهٍ شاحب لا يليق بالأميرات ، و وضعية منحنية ، و نظرة حزينة و ملامح خجولة.
بل عندما كانت الإمبراطورة تجمع سيدات النبلاء و تغتاب والدتها ، كانت تكتفي بخفض رأسها كخادمةٍ لا يُعرَف هل هي أميرة أم لا.
و مع ذلك ، فمظهرها جميل إلى حدٍّ مقبول ، مما يعني أنّها ليست خيارًا سيئًا كامرأةٍ سيهبها الإمبراطور لواحدٍ من خلّصائه.
و فوق كلّ ذلك ، فهي—و حتى لو كانت ابنة غير شرعية—تحمل دمًا إمبراطوريًا نفيسًا.
“انظرن ، إنّه دوق بلايز”
اتّسعت عينا إحدى السيدات اللواتي يرتدين قبّعة مليئة بالفريل ، و لحِق الجميع بنظرتها.
و كان رجلٌ يرتدي زيًّا أسود خالصًا يقف عند مدخل القاعة ، و صوت خطاه يرنّ.
إدوين كرويل بليز.
رجلٌ فارع الطول حتى بين الرجال ، و ذو كتفين عريضين لا يقلّان عن كتفَيْ الفرسان ، و شَعرٍ أسود هو رمز آل بلايز.
كان وجهه كأنه انبثق من إحدى التحف الفنية ، و خصوصًا أنفُه العالي و خطّ فكّه المتناسق بدا كأنّ فنانًا صقله بكلّ قوّة.
و عيناه الزرقاوان الباردتان اللتان تشبهان عينيْ ذئبٍ كانتا تزيدان من هالته المُهابة.
و مع خفَقان عباءة مزدانة بفراء بيضاء مصدرها حيوانات الشمال ، تقدم بخطواتٍ واسعة.
كان مشيه مشيًا كاملًا لمحارب ، و قامته الشامخة تشبه قامة مَلِك.
ارتجفت عينَا الإمبراطور عند صدر القاعة.
و جلست بجانبه الإمبراطورة التي كانت تبتسم ابتسامةً فاترة بلا اكتراث ، و أسفل منهما كان سيدريك يرمقه بعينيه الحمراوين الباردتين.
و كانت خطوات إدوين نحو مقدّمة القاعة أشبه بجيشٍ يجتاح بسُلطة.
و لون السجادة الحمراء تحت قدميه ذكّر الجميع بجثث الأعداء الذين قتلهم.
فقد كان إدوين سيف الإمبراطورية و مخلص الإمبراطور ، و الركيزة الأكبر التي تحمل بيلنوا.
و توقّفت قدماه ، و وجّه نظره الأزرق نحو الإمبراطور.
ثمّ بعد ثوانٍ طويلة و هو يحدّق فيه ، أدّى له التحية العسكرية.
و في اللحظة التي أدّاها فيها ، نهض كلّ الجنود في القاعة لتحيّته بدورهم.
و سكنت الضوضاء تمامًا كأنّ ماءً باردًا سُكِب فوقها.
ثمّ استدار إدوين ببطء نحو مدخل القاعة الذي دخل منه.
و هناك ، وسط هالةٍ من الضوء ، كانت تقف امرأة.
فسرعان ما اتّجهت كلّ الأنظار إلى العروس: إفريلين.
كانت تمسك باقةً بيضاء كثيفة ، تمشي خطوةً بعد خطوة بينما تحمل اثنتان من الوصيفات طرفيْ فستانها.
و أولئك الذين كانوا يعرفونها شهقوا و غطّوا أفواههم.
فقد بدت أميرة اليوم شخصًا آخر تمامًا.
صحيحٌ أنّ جميع النساء يبدون مختلفات في يوم زفافهنّ ، لكن تلك الهالة الملكية التي قيل إنها لم تولد معها … بدت و كأنّها تلفّ جسدها الآن.
كان ظهرها المفرود كجذع زهرةٍ ملكية.
و تراءت رقبتها الرشيقة مع شعرها الأشقر المرفوع ، و الفستان الأبيض الذي صمّمه الخيّاط بأقصى عناية كان يلتفّ حول جسدها النحيل ذي الانحناءات الرقيقة في جمالٍ بارز.
و كان وجهها الذي زيّنته كبيرة الخادمات جميلًا على نحوٍ مذهل.
فملامحها الصغيرة الدقيقة و أنفها الشامخ كانت تتلألأ ، و عيناها الياقوتيتان الهادئتان تحت رموشها الكثيفة كانت تلمع بوقار.
و عندما نظر سيدريك إلى شفتيها الوردية ، اشتدّت أصابعه.
“…….”
تذكّر اللحظة التي أمسَك فيها رقبتها في غرفتها.
فقد أراد أن يمزّق تلك الشفاه التي تفوّهت بكلامٍ كهذا …
و كانت … هل كانت شفاهها بهذا اللون؟
نزل إبهامه و راح يمرّر طرف كرسيّه بقسوة كأنه يسحق شفتيها بخياله.
و كان نفسه يضطرب.
رفع ببطء نظره نحو إدوين.
لم يكن هو الذي قابل عينيه تمامًا ، لكن ملامحه الهادئة تداخلت مع ملامح امرأة ماتت منذ زمن ، فارتجف حاجبا سيدريك دون وعي.
و لماذا ، الآن تحديدًا ، ظهر له وجه دافني؟
“…….”
أمّا إفريلين ، فحين التقت عيناها بعينيْ إدوين ، انبثّ في عقلها بردٌ حاد.
فوق وجه الرجل المتغطرس البارد كان ينسدل قناع النايت بمثالية.
نعم ، الآن و قد رأته عن قرب ، تأكّدت تمامًا.
إن العينين الزرقاوين اللتين صوبتا فوهة البندقية نحوها ذات يوم … كانتا أمامها الآن مباشرة.
إنّ عينيْ ذلك اللعين الذي سلب حياة والدها كانتا تحدّقان بها بهدوء.
“……!”
ارتجف كتفا إفريلين حين مدّ يده ببطء ممسكًا يدها.
و مع حرارة جسده المنخفضة على يديها و ظهر يدها ، اندفعت من صدرها موجة من الاشمئزاز تشبه الجليد.
و قبل الزواج ، لم يزرها حتى مرّة. فماذا يدور في باله الآن؟
و بالنظر إلى أنه النايت ، فليس غريبًا أن يراها شيئًا مُسلَّمًا إليه من الإمبراطور.
لكن فجأة—
“……?”
ارتعشت حاجباها قليلًا.
فقد لمحت أثرًا ضئيلًا لابتسامة على شفتيه الباردتين.
‘يـ … يبتسم؟’
حَوّل إدوين ببطء نظره عن عينيها البنفسجيتين ، ثمّ تابع المسير ماسكًا يدها نحو منصة إعلان الزواج.
وقفت إفريلين بجانبه بعدما تبعته.
و كان سيلبير ديو فلورنس—دوق الجنوب الذي حلّ محلّ الأسقف—يرتدي رداءً أبيض واقفًا ينتظر.
و قد أصبح كاهنًا معتمدًا لدى الدين الرسمي بعد أن أثبت إيمانه ، رغم أنه لم يمضِ سوى قليل على بلوغه.
ابتسم ابتسامة خفيفة لإدوين و إفريلين ، ثم فتح خطابًا طويلًا و بدأ بإلقاء خطاب الزواج.
“هاه …”
و بينما كانت تستمع إلى الخطاب الطويل الممل ، كانت إفريلين تُحاول جاهدًة تهدئة نبضها.
لقد كانت واثقة من نفسها ، بل وعدت نفسها أن تصبر أعوامًا بصفتها زوجته … لكن كيف لها أن تقضي ليلةً معه و هي تشعر بهذا النفور لمجرّد لمس يده؟
كانت تشعر و كأنّ الظلام يسدل على عينيها.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"