“نعم، جلالتك. وجدنا آثارًا تدلّ على تواطؤ مع سحرة سود في منزل البارون ميلرون.”
عبس كازان بسبب تأكيد جيفكين المهذّب.
وضع قلم الريشة جانبًا واتّكأ على ظهر كرسي مكتبه كأنّه يريد سماع التفاصيل، فتابع جيفكين بشرح هادئ: “تمّ العثور على مجموعة من الرسائل مع أدوات سحريّة مشحونة بالسحر الأسود في قبو الفيلا السريّة لتيرانا ميلرون. من غير المحتمل أن تكون ابنة بارون بسيطة قد خطّطت للبحث عن ساحر أسود بنفسها، لذا نعتقد أنّهم هم من اقتربوا منها أوّلًا لاستهداف جلالتك.”
“بالفعل، هذا أكثر منطقيّة. من غير المعقول أن تكون عائلة بارون بلا مهارات قد جنّت فجأة وتصرّفت بمفردها.”
غرق كازان في التفكير للحظات. إذا كان فقدان ذاكرته ناتجًا عن تأثير السحر الأسود، فسيكون ذلك منطقيًا. وبالنظر إلى الحالة الغريبة للجاني، قد تكون هي أيضًا ضحيّة.
لكن السحر الأسود؟
“هل ما زالت هناك قوى لسحرة سود قادرة على فعل هذا؟”
على الرغم من أنّ كلمة “سحر” مشتركة، إلّا أنّ السحر العادي والسحر الأسود يختلفان اختلافًا جوهريًّا منذ أساسهما.
ليس فقط في الاستخدام أو النوع، بل في مصدر الطاقة.
فالسحر الشائع يعتمد على المانا، بينما يستمدّ السحر الأسود قوّته من قوة الحياة، سواء للساحر نفسه أو حتى من سرقة حياة الآخرين، ولهذا حُظّر في القارة منذ زمن بعيد.
عدوّ العالم. منفيّو القارة.
اختفى آخر ساحر أسود قبل قرون، فمن الصعب حتى التفكير في السحر الأسود دون رؤية دليل مباشر.
“كنتُ أظنّ أنّهم اختفوا، لكن بوجود الدليل، لا خيار سوى الاقتناع.”
“من كانوا مختبئين في الظلال حتى الآن، تركوا أثرًا بطريقة ما.”
“يبدو أنّهم أصبحوا متغطرسين. لو لم تفشل خطتهم، لكانوا هربوا مع تيرانا ميلرون على الفور.”
“وهي تحمل نسلي.”
بردِّ الإمبراطور البارد، اكتفى جيفكين بإحناء رأسه بدلاً من الردّ، في إقرار ضمنيّ.
“ها.”
كبح كازان غضبه المتصاعد وسحب يده على شعره. كاد أمر مزعج أن يحدث، لكن لحسن الحظ تمّ منعه مسبقًا.
وفقًا لما سمعه من جيفكين، فقد صدّ تيرانا ميلرون وأفقدها الوعي ثمّ هرب. أمرٌ مستحيل لشخص عاديّ، لكنّه تمكّن منه بطريقة ما.
لو لم يفعل ذلك، لكان قد وقع في علاقة لا يتذكّرها، وهذا ما جعله يشعر بالغثيان. ماذا لو أنجب طفلًا دون علمه؟ كيف سيواجه يساريس بعدها؟
يجب الحرص على عدم تكرار مثل هذا الأمر، لكن هناك نقطة واحدة أقلقته.
أن أتعرّض للسحر الأسود داخل القصر الإمبراطوري …
القصر محمي بحاجز مناعة سحريّ يشتّت أيّ ترتيب غير مسجّل للمانا. لذا لا يستطيع السحرة استخدام السحر داخل القصر، ولا تعمل الأدوات السحريّة إلّا إذا سُجّلت مسبقًا لدى إدارة الحاجز.
بمعنى آخر، لا يمكن لأحد استخدام السحر داخل القصر إلّا إذا كان في مستوى سيد برج السحر. لم تكن الحماية مشدّدة على الخارج فقط دون سبب.
لكن أن يُفعّل السحر الأسود هنا …
“يبدو أنّ الحاجز لا يمكنه تصفية السحر الأسود. أو ربّما هناك مشكلة في إدارة الحاجز.”
“الاحتمال الأوّل هو الأرجح. الحاجز أُنشئ بعد اختفاء آخر ساحر أسود.”
لم تكن هناك حاجة للحماية من قوّة اختفت من القارة. لذا كان من الطبيعي أن يستهدف الحاجز المحيط بالقصر السحر العادي فقط.
“السحرة الإمبراطوريّون لن يتمكّنوا من ذلك، ولا أعلم إن كان برج السحر قادرًا على إصلاح الحاجز.”
“من المحتمل أن يكون ذلك صعبًا. لتعطيل قوّة ما، يجب امتلاك معرفة واسعة بها، والسحر الأسود محظور حتى في برج السحر، أليس كذلك؟”
“إذن، الحكيم ربّما؟”
توقّف جيفكين لحظة ولم يجب على الفور، فتابع كازان: “بما أنّنا أقمنا علاقة مع الحكيم، سأسأله. هل يمكن إصلاح حاجز القصر ليكون منيعًا ضدّ السحر الأسود؟”
“…نعم، جلالتك.”
“واصلوا تعقّب آثار مجموعة السحرة السود المتواطئة مع ميلرون. إذا كانوا يستهدفونني، فقد يكونون نفس المجموعة التي هاجمت على حدود مملكة هيرتي من قبل.”
“أمرك، جلالتك.”
أدّى جيفكين التحيّة وغادر المكتب بإذن من كازان.
عندما وصل إلى مكتبه عبر الممرّ الذي يتردّد إليه كثيرًا مؤخرًا، أخرج ورقة فارغة من الدرج.
“إلى الحكيم إيهيس الموقّر.”
بدأ جيفكين الكتابة بحروف أنيقة، ثم توقّف لتنظيم أفكاره.
لا يمكنه عصيان أوامر الإمبراطور، على الأقل علنًا، لتجنّب الشبهات.
لكن المشكلة تكمن في مدى التحريف الذي يمكنه إدخاله على الأمور.
“منع السحر الأسود … همم.”
السبب الأكبر وراء ذكر جيفكين للسحر الأسود أمام كازان هو أنّه هو نفسه ليس محميًا بالكامل من تأثيراتهم.
بما أنّه ينوي استخدام السحرة السود ثم التخلّص منهم، يجب أن يأخذ في الاعتبار احتمال انقلابهم ضده ويخطّط وفقًا لذلك.
إذا أُضيف حاجز مناعة ضدّ السحر الأسود في القصر، سيكون مفيدًا لاحقًا، لكنّه الآن سيكون إزعاجًا.
بدا من الأفضل استطلاع إمكانيّة ذلك من الحكيم الآن والاحتفاظ بها للاستخدام لاحقًا، فتحرّكت يده مجدّدًا.
راقصًا بقلم الريشة، ترك الحبر الأسود علاماته على الورق، لكنّه توقّف بعد قليل، ليس لأنّه أنهى الرسالة، بل لسماعه خطوات غاضبة تقترب.
بانغ-!
“دوق باريليو!”
“صاحبة السمو ، كنتُ أتمنّى لو احترمتِ آداب اللياقة الأساسيّة.”
لم يُخفِ جيفكين انزعاجه من دخول رونيليا المفاجئ بعد فتح الباب بعنف. تحمّل تصرّفاتها يومًا أو يومين، لكن صبره بدأ ينفد الآن.
‘هل تعتقد هذه المرأة أنّني أمسك بحبل نجاتها؟ إنّني أبقيها حيّة فقط لأستخدمها يومًا ما.’
شعر جيفكين بالضيق من أخطائه النادرة. اختارها كمرشّحة للإمبراطوريّة لأنّ نسبها جيّد وطموحها واضح، لكن عندما كُشفت، تبيّن أنّها مهرة جامحة لا تعرف حدودها.
لو علم أنّ المرأة التي كانت تُلقّب بوردة المجتمع الراقي ستنحدر إلى هذا المستوى من انعدام الرقيّ ، لكان بحث عن ابنة نبيلة أخرى، هادئة وخجولة، دون هذا الإزعاج.
‘ربّما كانت الإيحاءات التي زُرعت فيها قويّة جدًا.’
“ماذا سنفعل الآن؟ كلّ شيء انهار!”
“ما الذي تقصدينه؟”
تجاهل جيفكين الماضي بلا مبالاة وأشار برأسه إلى الأريكة لتجلس وتتحدّث.
عندما أغلق الباب تلقائيًّا بعد أن تركته، جلست رونيليا وهي تلهث غاضبة، ثمّ خفّضت صوتها لتعبّر عن غضبها: “سمعتُ أنّ الإمبراطور ينام مع الإمبراطورة كلّ يوم مؤخرًا. ماذا عنّي الآن؟”
“صاحبة السمو هي من فتحت هذه الفرصة بنفسها، فمن تلومين؟”
“دوق!”
“صاحبة السمو.”
ناداها جيفكين بنبرة باردة، ووضع قلم الريشة الذي كان يمسكه على المكتب بصوت واضح.
نظر إليها بعينين مليئتين بالضجر والاستخفاف.
“ألم أنصحكِ بالبقاء هادئة كالميّت لفترة؟ ألا تفهمين كلامي؟”
“نحن في نفس القارب! كيف يمكنك حتى أنتَ أن تقول لي هذا؟!”
“منذ البداية، أعطيتكِ فرصة واحدة، وأضعتِها، فمن الطبيعي ألّا تكون هناك فرصة أخرى. أنا وصاحبة السمو الآن في علاقة يجب أن تسدّدي فيها ديونكِ لي، لا أكثر ولا أقل.”
تراجعت رونيليا أمام كلماته القاطعة الباردة، ثمّ صرّت على أسنانها.
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. لا يمكن حتى لدوق باريليو، حبل نجاتها الوحيد، أن يعاملها هكذا!
عندما نهضت من مكانها لتقول شيئًا، سبقها جيفكين بهدوء: “لن يصدّق أحد كلام صاحبة السمو، لكن إذا أخطأتِ بلسانكِ في مكان ما … تعلمين ، أليس كذلك؟ ما الذي أستطيع فعله في أوزيفيا، وإلى أيّ مدى يمكنني الذهاب.”
“…!”
أغلقت رونيليا فمها بإحكام أمام التهديد الصريح.
راقبها جيفكين دون اهتمام وهي ترتجف من الإهانة والغضب، ثمّ أصدر أمر الطرد: “اذهبي الآن. ولا تعودي حتى أطلب منكِ ذلك بنفسي.”
“…دوق.”
“هذا التحذير الأخير، صاحبة السمو. غادري برجليكِ قبل أن أضطرّ لإخراجكِ بالقوة.”
نظرت رونيليا إلى جيفكين بنظرة مليئة بالغضب المشوّش.
كانت عيناها الزرقاوين المليئتين بالحقد تكاد تدمع، ثم استدارت فجأة وغادرت الغرفة بخطوات واسعة، وأغلقت الباب بقوّة.
“هه.”
‘متعب. يجب أن أستغلّها بأسرع ما يمكن وأتخلّص منها.’
هزّ جيفكين رأسه وأكمل الرسالة إلى الحكيم.
كان لديه الكثير ليفعله، ولم يكن لديه وقت ليضيّعه هنا.
* * *
“أبي، هناك! هنااك!”
“حسنًا، رأسك قليلًا، أخ!”
ركض كازان متتبّعًا طائرًا بينما كان مايكل، الذي يركب على كتفيه، يشدّ شعره بقوّة. لو كان بمفرده، لأمسك به بسهولة، لكن مع طفل على كتفيه، كان هذا جهدًا مضنيًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 71"