─────────────────────
🪻الفصل السادس🪻
─────────────────────
“ما الذي كنتم تفعلونه؟”
ظلّ تيفلون هارتر مثبتًا نظراته على روزيتا وهو يوجه سؤاله إلى الجنود. وقف الجنود، الذين لم يفهموا مراده، مترددين في حركاتهم، وكان مظهرهم مثيرًا للسخرية من أوله إلى آخره.
نظر إليهم تيفلون بعينين متجهمتين. للحظة، حين أشاح بنظره، سمع صوت تنفس روزيتا المتقطع. تبع الصوت وأعاد رأسه نحوها.
أغمضت روزيتا عينيها، فلم يعد بإمكانه مواجهة نظراته. تفحص تيفلون وجهها وهي مستلقية تحت ظله، ثم انتقل بنظره إلى كتفيها، فخذيها، وعينيها المغلقتين بإحكام. كانت الضمادات التي لفها حولها ملطخة بالدماء.
“إلى متى تنوون البقاء عراة؟”
انتفض الجميع، عدا تيفلون، لهذا السؤال. أما الذين استهدفهم بكلامه فقد ظلوا يرمشون بعيونهم ببلاهة، بينما أمسكت روزيتا، متلعثمة، بأطراف قميصها الممزق. أبعد تيفلون عينيه عنها، موجهًا نظرة صريحة إلى ما بين أرجل الجنود.
“هل تنوون البقاء عراة أمامي؟”
حينها فقط أدرك الجنود معنى كلامه، فهرعوا مذعورين لالتقاط زيهم العسكري. في عجلتهم، تعثر أحدهم وداس على شعر روزيتا المنتشر على الأرض، فسقط. تأوهت المرأة من الألم وانطوت على نفسها أكثر.
تأكد تيفلون من أن الجنود استداروا لارتداء زيهم، ثم جثا على ركبة واحدة.
لم يكن يصدق بعدُ أن تكون هذه المرأة، بمظهرها المتهالك هذا، محتجزة في غرفة تعذيب العدو. امرأة تتفوق في نصب الكمائن من مواقع خفية لقطع أنفاس الأعداء، أصبحت أسيرة.
كانت تصوب مسدسها نحوي في قلب معسكر العدو. سبب قدومها إلى فالين؟ لتقتلني. لقد جاءت لتجدني أخيرًا. لقد عثرتِ عليّ يا روزيتا.
نظر تيفلون إلى المرأة التي كانت زميلته يومًا، ولم يتمالك نفسه فمد يده. لحظة وضع يده على كتفها الملفوف بالضمادات، فتحت روزيتا عينيها ونظرت إليه. كأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة، مدت ذراعها كمن يحاول خنقه. لكن قوة أسيرة على وشك الموت لم تكن كافية لمواجهته.
أمسك تيفلون معصمها الضئيل بيد واحدة، مقيدًا إياها. صعد فوق جسدها المتمرد وضغط بيده على رأسها. توقفت روزيتا، التي كانت ترتجف كفراشة مثبتة بدبوس، عن الحركة تدريجيًا، وأغمضت عينيها مجددًا.
هرع الجنود، الذين فاجأتهم هذه الجلبة، ممسكين بحواف سراويلهم نحو الاثنين. رفع تيفلون يده إشارة لهم بالتوقف عن الاقتراب. حتى وسط هذا الصخب، ظلّت روزيتا مغلقة العينين بثبات.
“هذه اللعينةُ المجنونة حاولت قتل الرائد!”
عند صيحة أحد الجنود، ابتسم تيفلون بسخرية. لم يكن أي من هؤلاء الجنود ليتورط في مثل هذا الفعل من أجله. أليسوا هم من لا يزالون يطلقون عليه “كلبُ نياميت”؟ لكنهم، في مثل هذه المواقف، يتصرفون كأنهم أوفى الأتباع.
أمسك تيفلون بمعصم روزيتا بيد، وبذقنها باليد الأخرى. لم تبدُ لها نية لعض لسانها، إذ لم تبذل جهدًا في فكها، لكنه كان يعلم أن هذه المرأة ستنتهز أي لحظة غفلة، فلم يخفف من حذره.
“إذن، هل هكذا عصيتم أوامري؟”
عند سؤاله المنخفض، تبادل الجنود السعال المصطنع ونظرات الحذر. تقدم أحدهم خطوة، كأنه وجد عذرًا مناسبًا. تعرف عليه تيفلون فورًا: كان الجندي الذي كان يضغط على جسد روزيتا فرهين من الأعلى.
“كانت هناك أوامر من الرائد كابون. بما أن الرائد هارتر كان مشغولًا بتقديم تقرير إلى القيادة، اضطررنا لاتباع أوامر الرائد كابون أولًا. في خضم الوضع العاجل، رأينا أن فتح فم الأسيرة أولوية.”
“كرّر.”
“ماذا؟”
“قلها من البداية.”
“الرائد كابون…”
“كرّر.”
لم يجرؤ الجنود على الكلام في الأجواء المتوترة، مكتفين بتبادل النظرات. ابتلع الجندي، الذي تقدم متسرعًا، ريقه بصعوبة حتى كاد يختنق. رفع رأسه بعد توقف السعال، ليجد عيني قائده لا تزالان تحدقان به.
“كرّر.”
كان صوت الرائد هارتر، الذي يكرر الأمر ذاته، خاليًا من أي عاطفة. لم يبدُ كرجل يحتجز امرأة تحت سيطرته. لا في عينيه، ولا في صوته، ولا حتى في تنفسه.
“أنا من أسرَ الأسيرة.”
بدأ الرائد هارتر يعدد خطاياهم بنفسه.
“حسب قانون فالين العسكري، يُمنح من يأسر الأسيرة كامل الصلاحيات بشأنها. الاستجواب، التعذيب، كل شيء يقعُ ضمن اختصاصي وسلطتي. أنتم تعرفون ذلك جيدًا، أليس كذلك؟ هل يجب أن أشرح كلّ هذا بالتفصيل؟”
كلما استرسل صوته ببطء، احمرت وجوه الجنود من الإهانة. أن يتحملوا هذا الذل من “كلب نياميت”! كان الأمر مهينًا ومؤلمًا، لكنهم لم يجدوا ردًا أو عذرًا مقنعًا.
“أنت.”
أشار تيفلون بعينيه إلى الجندي الذي تقدم بجرأة.
“كرّر.”
تفاجأ الجندي للحظة بالأمر نفسه، لكنه أطلق سيلًا من الكلمات بسرعة. الآن، كان يعرف جيدًا ما يريده الرائد هارتر، وما كان يجب أن يقوله لقائده منذ البداية.
“أعتذر، لن يتكرّر هذا مجددًا.”
انحنى بعمق. تبعه الجنود الآخرون، الذين وقفوا كأطفال يُعاقبون، بأيديهم ملتصقة بجوانب أفخاذهم، وانحنو بعمق أيضًا.
“أعتذر.”
لم يحمل اعتذارهم الرسمي ذرة من الصدق. أومأ تيفلون هارتر برأسه باختصار، مرددًا برد شكلي، ثم أدار رأسه. الأسيرة، المقيدة بيديه وجسده، أغمضت عينيها، متخذة موقفًا متعاليًا من هذه الجلبة.
لا يزال كبرياؤها العالي، الذي لا تستطيع التخلي عنه حتى في مواجهة الموت، كما هو.
اقترب تيفلون بشفتيه من أذن الأسيرة التي تظهر كبرياءً يعانق السماء.
“إن حاولتِ عضّ لسانك لتنتحري، سأقتل هوينتس.”
أصاب التهديد هدفه، ففتحت الأسيرة عينيها فجأة.
“أيها… الوغد اللعين!”
أمسك تيفلون هارتر معصم روزيتا، التي كانت تتلوى محاولة المقاومة، بقوة كأنه سيحطمه، ثم أضاف بنبرة لطيفة:
“لذا، أرجو أن تتعاوني مع قواتنا. قراراتٌ حكيمة، حركاتٌ سريعة، تقييمٌ دقيق للأوضاع، دفاعٌ وهجوم في الوقت المناسب. هذا ما تسعى إليه قوات نياميت، وعليكِ أن تتبعيه.”
“كيف يمكن لمثلكَ، كيف يمكنكَ أن تذكر ذلك الطفل…”
“كفى.”
أسكت تيفلون شفتيها المتحركتين بيده التي كانت تمسك ذقنها. انحنى مجددًا، يهمس لها بصوت لا يسمعه سواها:
“لم أذكر هوينتس لقوات فالين بعد. سيكون من المؤسف لو تعرضت سلامتها للخطر، أليس كذلك؟ إن استمررتِ في هذا التهور، فلن يفيدكِ ذلك.”
كانت عينا الأسيرة، المعروفة بقسوتها وكفاءتها، لا تزالان تلتمعان بنور الحياة. لكن بدلاً من مقاومة عقيمة، استسلمت وأرخت جسدها، متقبلة نصيحته. نهض تيفلون عن جسدها بوجه يعكس الرضا.
حين حاول مساعدتها على النهوض، نفضت يده بعنف. ترنحت وهي تحاول رفع جسدها، تعاني من الدوار، لكنها وقفت بقوتها الخاصة. أمسك تيفلون كتفها بيد واحدة ليدعمها، إذ بدت على وشك السقوط. تلوّت المرأة بنفور، لكنها، كأنها تذكرت نصيحته، هدأت بسرعة.
“هكذا، فتاة مطيعة.”
تصلب جسد روزيتا عندما نطق بهذه الكلمات، كأنه يمدح طفلة. أمسك تيفلون كتفيها بلطف وساعدها على السير. بدأ يتحرك، فتبعه الجنود. أشار بعينيه إلى كرسي مقلوب، فهرع جندي سريع البديهة لإعادته إلى مكانه.
دفع تيفلون ظهر روزيتا برفق ليجلسها. جلست على الكرسي دون مقاومة. اقترب الجنود مترددين، حاملين حبالاً وكمامة. انتزع تيفلون الحبال من أيديهم قبل أن تمس روزيتا.
“أيها الوغد.”
“شكرًا على الإطراء.”
لم يفقد تيفلون ابتسامته رغم نبرة روزيتا الحادة، وواصلت يديه العمل. ربط الحبال بعناية، محكمة لكن دون إيذاء، تاركًا إياها مرتخية قليلاً. راقبت روزيتا يدي الرجل وهما تربطان معصميها وقدميها تباعًا. لاحظت تغيرًا في طريقة عقد الحبال. ربما كانت طريقة قوات فالين. هذا الخائن اللعين.
حاول تيفلون إغلاق أزرار قميصها، لكنه توقف. ثلاثة أزرار كانت مفقودة، ربما تتدحرج في مكان ما على الأرض.
“ابقي هكذا. بهدوء، انتظريني حتى أعود.”
غادر الرجل، الذي جلب روزيتا إلى هذه الغرفة التحتية وعالج جروحها، مع الجنود. راقبت روزيتا القفل وهو يغلق الباب الحديدي، ثم أغمضت عينيها بقوة. شعرت بالراحة لعدم تعرضها للاعتداء، لكن الإحساس بالعار الذي لا يُمحى جعل جفونها تحترق. مع ذلك، لم تذرف دمعة. وكان هذا ضمن ما تستطيع روزيتا التحكم به.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"