─────────────────────
🪻الفصل الرابع🪻
─────────────────────
“ما دمتَ قد ملأت المسدس بالرصاص، فأطلق النار بسرعة. لقد سئمتُ من سماع ترهاتك.”
استلّ الرائد كابون مسدسًا آخر من خصره وهوى به على رأس روزيتا. تدلى رأسها بضعف، مما جعل فوهة المسدس الأخرى تنغرس أعمق في حلقها. رغم سعالها وتلويها من الألم، ظلّ بريقُ التحدي في عينيها متقدًا لا ينطفئ.
“أعيدوا اللجام إلى فمها.”
استجاب أحد الجنود للأمر بسرعة، فانحنى والتقط اللجام المهمل على الأرض. وفي أثناء ذلك، سحب كابون المسدس من فمها وأطبق على وجنتها بقوة، ليمنعها من الحراك. قبل أن تتحرك شفتاها، كان اللجام قد عاد إلى مكانه، يقيدُ صوتها من جديد.
حاولت روزيتا تحريك فكها بكل ما أوتيت من قوة. عضّت اللجام بإصرار، محدثة صوتًا خافتًا، لكنها كانت أضعف من أن تترك أثرًا عليه. ورغم معرفتها بأنها لن تستطيع كسره حتى وهي في أتم صحتها، إلا أنها استمرت في المحاولة للحظة قبل أن تستسلم.
من الأفضل أن توفر طاقتها الثمينة لما هو قادم. فكرت روزيتا وهي تخرج زفيرًا هادئًا في محاولة لضبط أنفاسها.
قاد الرائد كابون جنوده خارج غرفة التعذيب. حاولت روزيتا، رغم وهنها، أن تصغي لما يدور خلف القضبان، لكن سمعها الخافت خذلها. كانت واعية بما يكفي لتدرك محيطها، لكنها عاجزة عن التقاط الحديث بوضوح.
في ضباب وعيها المتذبذب، ظهر وجه مألوف مثيرٌ للاشمئزاز، وجه ذاك الرجل الذي التصق بها كالشبح. وعلى الرغم من وضعها المريع، وجدت نفسها تبتسم بسخرية.
كم هو مثير للشفقة. حتى بعدما أصبح كلبًا وفيًا للعدو، لا يزال موضع شكٍّ وريبة. هل ينبغي أن أضحك على غبائه أم أناديه بـ المثير للشفقة؟ يا ترى، هل يدرك أن الثمن الذي دفعه لخيانته وطنه هو أن يُنظر إليه بعين الريبة؟ أم أنه يتظاهر بالجهل؟
على الرغم من كبريائه المعروف والذي يجعل ذلك غير ممكنًا، لم تستطع روزيتا استبعاد احتمال أن يكون قد رضي بهذا الوضع. فمن المستحيل أن يحمل الخائن ذرة كرامة أو فخر حتّى.
بالنسبة لها ووفقًا لمعاييرها، لم يكن هناك منطق يمكن أن يبرّر خيانة الرفاق الذين قاتلت بجانبهم وخاطرت بحياتها معهم. لم تفهم ذلك، ولم ترغب يومًا في فهمه.
لطالما أرادت أن تسأل تيفلون هارتر عن سبب خيانته. لذا فكرت في الأمر كثيرًا. هل أصابه الملل؟ هل سئم من القيادة الطائشة لرئيس الوزراء الجديد وإقالته القادة بتهور؟ أم أنه تمرد على الأوامر العبثية التي كان يتلقاها من الرؤساءأحيانًا؟
ومهما دارت أفكارها في أيّ اتجاه، لم تصل إلى إجابة. كانت تظنّ أنها تعرفه أكثر من أي شخص آخر، لكن الآن أصبح غريبًا تمامًا عنها. حتى روزيتا نفسها، في لحظات اليأس، فكرت في مغادرة الجيش.
كثيرًا ما تساءلت إن كان كل هذا يستحق العناء، حين تضطر لقتل الآخرين كي تبقى على قيد الحياة، أو حين تأخذ رصاصة طائشة حياة مدنيٍّ بريء. ومع ذلك، لم يخطر ببالها يومًا أن تخون وطنها أو تتخلى عن رفاقها.
الحرب تجعل حتى الأخيار وحوشًا. لكن بالنسبة لروزيتا، التي لم تعرف العالم قبل اندلاع الحروب، لم يكن هذا التفسير مقنعًا.
هل سيكون العالم حقًا مختلفًا لو لم يكن هناك حرب؟ لم تجد يومًا من يمنحها إجابة قاطعة على هذا السؤال.
في زمن أصبحت فيه الحدود بين الخير والشر باهتة، كانت هناك أشياء لا تزال تؤمن بها بلا شك، الحب، الصداقة، الوفاء، القيم التي تجعل البشر يظلون بشرًا رغم كل شيء.
وفي نظرها، لم يكن هناك ما هو أفظع من الخيانة. كانت الخيانة أعظم خطيئة، والخائنُ مجرمٌ لا يمكن التكفير عن جرمه أبدًا.
يا ترى، ماذا يفعل ذلك الخائن الآن؟
ورغم أن عقلها كان على حافة الانهيار، إلا أنها تشبثت بذكرى ذلك الاسم الذي أصبح رمزًا للخيانة. تيفلون هاتر. في كل مرة توشك على فقدان وعيها، كانت تتمسك باسم ذلك الرجل الخائن الآثم وكأنهُ آخر خيط يربطها بالحياة.
آه، إذا تمكنتُ من قتله، فلن أجد أي تردد في مواجهة الموت. عندها فقط، لن يهمني إن متّ. لأنني سأموت دون ندم.
* * *
تجعدت ملامح الرائد كابون وهو يراقب الأسيرة من خلف القضبان. بدأت المرأة، التي كانت تبتسمُ بسخرية، تثير في نفسه قلقًا لم يكن يعهده. رغم رغبته الثابتة في ضمها إلى صفوفه، إلا أن التعامل مع مجنونة تبدو وكأنها تجاوزت حدود البشرية كان أمرًا مرهقًا ومزعجًا.
بعد نقاشٍ قصير، أخرج الرائد كابون، الذي كان على وشك الدخول إلى غرفة التعذيب مرةً أخرى، سيجارةً من علبة مطليةٍ بالذهب. أشعل الجنديّ النّار. عندما أخذ منها نفسًا عميقًا، احمرّ طرف السيجارة المتوهج باللون الأحمر.
من خلف الدخان الرمادي المتصاعد، واصل مراقبة الأسيرة. تُرى، ما الذي يجعلها مسرورة إلى هذا الحد؟ هل لديها ولعٌ مرضيّ بالألم؟ وإلا، كيف يمكنُ تفسير هذا المشهد؟ لم تكن مجرد امرأة عادية؛ بجمالها اللافت كان من الممكن أن تأسر قلبَ أي رجل، لكنها الآن تبدو وكأنها فقدت عقلها تحت وطأة العذاب.
“إذا خمدت شرارة عينيها، تعالوا وأبلغوني فورًا.”
“حاضر، سيدي الراࢪد.”
وبينما كان يهمّ الرائد كابون بمغادرة غرفة التعذيب، التفت إليهم محذرًا.
“راقبوها جيدًا. لا تدعوها تنتحر. إذا فقدت حياتها، فلتستعدوا لملاقاة مصيركم.”
“أمركَ سيدي.”
“أيها الرائد، ألا ترغبُ في تحديد طريقة معينة للتعذيب؟”
“افعلوا ما شئتم طالما أنها لن تموت. لكن، لا تعاملوا هذه المرأة كما تعاملون بقية الأسرى. أنوي ضمّها إلى جيشنا، لذا تصرفوا بحذر.”
“روزيتا فيرهين، ستنضمّ لجيشنا؟”
“حسنًا، وما المشكلة؟”
تحدّث الرائدُ كابون بنبرةٍ قاسيةٍ مع مرؤوسيه الذي ردّوا بأن ذلك هراء.
“لقد انضمّ تيفلون هارتر أيضًا إلى جيشنا، مهما بلغت قوتها، فهي في النهاية بشرٌ مثلنا. وقد تسقط أسرع مما تتصورون.”
“… لكن، الوضع هنا مختلفٌ قليلًا عن الرائد هارتر يا سيدي. لقد استسلم الرائدُ هارتر بإرادته عندما ضاقت به السبل، أما هذه المرأة فقد أُسرت رغماً عنها.”
“المال، الشرف، السلطة… إذا قمنا بضمان هذه الأشياء الثلاثة بالإضافة إلى منحها الجنسية، فإن القصة ستكون مختلفة. على الرغم من أن نياميت كانت إمبراطورية في يومٍ من الأيام، إلا أنها الآن مجرد دولةٍ منهارة بالكاد تستطيع دفع تعويضات الحرب. كم من الولاء يمكنها أن تشتري بمثل هذا البؤس؟”
ومن دون تردّد أسقط الرائد كابون السيجارة نصف المشتعلة وسحقها تحت حذائه ليطفئ الجمر. تلاشى اللهبُ الأحمر الساطع الذي كان يحترق بشدة.
في أعقاب رحيله، سرعان ما ارتفعت ضحكات الجنود في غرفة التعذيب. ومن بين الجنود تقدّم أحدهم، وهو يحمل أعمق الضغائن تجاه روزيتا، نحوها. تراجع الآخرون بصمت، مفسحين له المجال.
“كلكم تعرفون، أليس كذلك؟ هذه المرأة قتلت أخي. لذا من فضلكم قدّموا بعض التنازلات لأردّ لها الجميل.”
“لا تنسَ أمر السيد الرائد. يجب أن تظل على قيد الحياة، حسنًا؟”
وسط تصفيق وتهليل رفاقه، دخل الجندي إلى حيث كانت مقيدة.
رغم كونها عاجزة تمامًا، إلا أن مجرد لقائه لعينيها أيقظ في نفسه خوفًا غريزيًا. لكنه سرعان ما شعر بالعار من ارتباكه؛ كيف يمكن لأسيرة مشدودة بالحبال أن تثير فيه كل هذا الرعب؟
وفي محاولة لقمع هذا الخوف، اتجه إلى الحائط حيث تتدلى أدوات التعذيب. اتجه نحو قسم السياط واختا سوطًا خفيفًا ليبدأ به.
“تتذكرين أخي، أليس كذلك؟”
وقبل أن يضربها، رفعه ليمسح طرفه على خدها الأيسر. الابتسامةُ على وجه الفتاة الصفيقة جعلت رغبتهُ في الانتقام تشتعلُ أكثر.
سطععع—
ثم هوت ضربةٌ حادة، تلتها أخرى. ومع كل صفعة للجلد، ظلّت نظرات روزيتا ثابتة بلا أدنى انكسار. لم تطرف عينها، ولم يصدر عنها أي أنين. بقيت صامدة كأن الألم لا يطالها.
مستحيل… هذا غير معقول.
لم تتحرك المرأة حتى قيدَ أنملة. تسلّل الشك إلى نفسه؛ هل يعقل أنها لا تشعر بالألم؟ لكنه كان هو من بدأ التعذيب، ومع ذلك شعر وكأنه هو من يتعرض للإهانة. وخيّم الصمت تدريجيًا على الغرفة، وتلاشت أصوات الصفير والهتافات من حوله وكأنهم شعروا بذلك.
بغضب مكتوم، ألقى بالسوط أرضًا وتوجّه إلى أحد الزوايا حيث يوجد دلو ماء ثمّ قام بإحضار المزيد من أدوات التعذيب المتواجدة في أنحاء الغرفة. لم يكن بإمكانه تجاوز أوامر كابون، لكن غروره الجريح دفعه إلى المزيد. ربما لأنه كان لديه بعض الثقة أن الرائد كابون لن يمانع ذلك، كان مغرورًا للغاية.
اقترب من الكرسيّ حيثُ روزيتا، ورفع الدلو فوق رأسها، ثم سكبه دفعة واحدة. انهمرت المياه عليها، غير أن تلك الابتسامة المستفزة لم تفارق وجهها.
هذه المرأة مجنونة.
تراجع خطوة، وقد بدأ الخوف من الانتقام أو أيّ شيء آخر يزحفُ إلى قلبه مجددًا. كان مظهرها الملطخُ بالدماء والمبلل بالماء مخيفًا. للحظة، فكر في التوقف والعودة إلى رفاقه، لكنه أدرك أن ذلك سيجعله يبدو جبانًا وتساء معاملته، خاصةً بعد حديثه عن الانتقام لأخيه.
لكن ما أثار قشعريرته هو أنها رغم كل شيء، ظلت تنظر إليه مباشرة، بعينين كأنهما تخترقان روحه. لقد شعر برعب حقيقي جعله عاجزًا عن مواصلة ما بدأه.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 4"