─────────────────────
🪻الفصل الأول🪻
─────────────────────
1. الأسيرة.
– أعتقدُ أن كلّ شيء جاهز.
ارتعشت يد روزيتا، التي كانت تمسك بجهاز الاستقبال، قليلاً قبل أن تستقر مرة أخرى.
“مُمتـاز.”
– لقد أُرسلتِ إلى هناك لأنكِ رفضتِ التراجع. أكملي المهمة دون أي أخطاء.
“دَع الأمر لي.”
خفّت نبرة الرجل الحادة قليلًا وبدا راضيًا عن الإجابة الموجزة.
– يجب عليكِ قتلُ الهدف.
حتى لو كان لدى القيادات العليا أوامر مختلفة، فقد كان راشيل مصممًا على قتل الهدف من هذه المهمة.
– أتمنى لكِ عودة آمنة.
“نعم.”
– يا له من ردٍ بارد على ما يمكنُ أن يكون محادثتنا الأخيرة. أفترضُ أن هذا هو ردكِ المعتاد. إذن، أتطلع إلى اليوم الذي نلتقي فيه مرة أخرى.
ابتسمت روزيتا بهدوء وأغلقت السماعة. كان شعرها البني المحمر، الذي صبغته بشق الأنفس لهذه المهمة، يتمايل تحت كتفيها. فركت مؤخرة رقبتها وهي تدفعُ قبعتها ذات اللون الكحلي إلى الأسفل قليلًا. كانت تلك عادة، شيء كانت تفعله دائماً كلما شعرت بالتوتر.
خرجت روزيتا من كشك الهاتف، واختبأت في ظلال الزقاق. كانت هناك حانة كبيرة ليست بعيدة عن هذا الزقاق. كانت قد تلقت معلومات تفيد بأن الهدف سيزور الحانة الليلة، وتأكدت بعينيها أنه دخلها قبل ساعتين فقط.
لم يتبق سوى الانتظار. مدت روزيتا يدها إلى جيبها وهي تراقب الحانة من الجهة المقابلة للشارع، وفتحت قطعة من الشوكولاتة. انتشر مذاقها الحلو والمر على لسانها، ومع ازدياد حلاوتها، أصبحت أكثر وعياً بالبرد بشكل غريب.
قضت روزيتا الوقت بتناول الحلوى والشوكولاتة. كانت الوجبات الخفيفة الحلوة، التي تدفئ جسدها قليلاً، قد نفدت. مر وقت طويل، لكن الهدف لم يخرج بعد من الحانة.
انتقلت روزيتا إلى الزقاق على يسارها وسحبت زوجًا من القفازات الجلدية السوداء من جيب معطفها. كانت تفضل أن تتعامل مع مسدسها وهي عارية اليدين، ولكن بهذا المعدل سيخدر البرد أصابعها.
أخفى ظل جدار أطول قليلًا من الجدار الذي كانت تختبئ خلفه في وقت سابق شكل راشيل. هبطت ندفة ثلج منفوشة على خدها، وذابت على الفور وتدفقت إلى أسفل.
“لا بدّ أنكَ تشربُ وتعيش وتستمتع”.
ذلك الوغدُ الخائن.
سكبت غضبها على الهدف مع نفخة من الأنفاس البيضاء. صرَّتْ روزيتا على أسنانها، وسيطرت على أنفاسها وهدأت من انفعالاتها المضطربة. أضاءت السماء السوداء تدريجياً مع بزوغ الفجر. حلت روزيتا حزام معطفها الذي كان يصل إلى ركبتيها، وتحسست روزيتا على طول فخذها وأمسكت بمسدسها. وخبأته تحت كم معطفها، وشدّت الحزام بإحكام.
وبحلول ذلك الوقت، كان الثلج قد بدأ يتساقط. وفي هذا الوقت تقريبًا خرج رجل من الحانة التي كانت تراقبها روزيتا.
كان شعره الأسود النفاث وعيناه الزرقاوان الثاقبتان ظاهرتين من خلال الثلج المتساقط. كان رفيقًا في يوم من الأيام، والآن خائنًا – تيفلون هارتر. الرجل الذي لم تنساه أبدًا، حتى في أحلامها، كان الآن يودع من حوله بأدب، بل ويساعد في دعمِ بعض الذين كانوا يتعثرون في حالة سكرهم.
كانت مهمة روزيتا بسيطة: العثور على الخائن والقضاءُ عليه.
لم يكن الأمر صعبًا على الإطلاق. لم يكن لديها أدنى شك في قدرتها على قتله. فقد قتلت ذلك الوجه، ذلك الرجل، عشرات المرات في أحلامها. لكن هذا اليقين تزعزع في اللحظة التي رأته فيها في الواقع. تلاشت الأصوات من حولها، كما لو أن أحدهم سد أذنيها. انغلقت رؤيتها على الرجل الذي كان عليها أن تقتله – تيفلون هارتر.
ثبّتت روزيتا أنظارها عليه، موجهةً فوهة مسدسها نحو الهدف، وإصبعها مستقرٌ على الزناد. هجومٌ مباغت ينتهي بالإعدام رميًا بالرصاص. يا لها من نهايةٍ مناسبة لخائن. كان يجب أن ينجح الهجوم المباغت من المحاولة الأولى لضمان عدم حدوث مضاعفات. كان عليها أن تصوب بدقة نحو قلب الرجل وتنهي الأمر بضربة واحدة حاسمة.
كان الرجل يقترب. خطوة بعد أخرى، أخذت المسافة بينهما تضيق شيئًا فشيئًا. لقد حانت اللحظة التي طال انتظارها. وحين دخل الهدف في مدى الرماية المثالي وكادت روزيتا أن تضغط على الزناد، شقَّ لمعانٌ خاطفٌ سماء المدينة. ظهرت طائرة مقاتلةٌ فوق قلب المدينة، معلنةً بصوتها المدوّي ببدء غارة جوية في الصباحِ الباكر.
“ما-ما الذي يجري!”
“أرجوكم، أنقذوني! أتوسل إليكم!”
“أماه! أماه، أين أنتِ؟!”
“يجب أن نغادر هذا المكان فوراً. تحرّكوا!”
“أبي—!”
انهار المبنى تحت وطأة قنبلة سقطت قبل أن يتمكن الناس، المذعورون من هجوم العدو المفاجئ، من مغادرة المكان. ثم تلتهُ المنارة العظيمة، رمز هذه العاصمة، والمباني المجاورة، إذ لم تقاوم الضربات القاسية للقصف فتهاوت مدمرة. هزّت الصرخات وأصوات الانفجارات أرجاء الأرض.
كانت روزيتا ملقاةً على الأرض، متكورة على نفسها، فأخفت بسرعة السلاح الذي سقط قربها وبدأت تبحث عن مكان للاختباء. ضغطت قبعتها عميقًا على رأسها، وأجالت عينيها في المكان بسرعة، لكن الهدف لم يكن في الأفق.
اغه، تبًّا. كنت على وشك بلوغ الهدف، لكن الأمور انحرفت عن مسارها.
هجوم مباغت. لم يكن ضمن الخطة التي أُبلغت بها مسبقًا. تطلعت إلى الطائرة المقاتلة ظنًا أنها تابعة لدولة أجنبية، لكن تلك الطائرة العسكرية التي تحلّق الآن فوق سماء هذه المدينة كانت من نِياميت، موطن روزيتا. لم تتلقَ أي أوامر من رؤسائها في آخر مكالمة، فما هذه الصاعقة التي ضربتها؟
لم تُمنح الوقت الكافي لاستيعاب الموقف. عندما خفتت أصوات الانفجارات، خرجت روزيتا من المبنى الذي كانت تختبئ فيه. كانت يدها، التي تمسك بحافة القبعة، ترتجف قليلًا.
في شتاء قارس لا يهدأ فيه تساقط الثلوج، غطت رقائق الثلج الأرض بلا رحمة، لكنها عجزت عن محو آثار الدماء المنتشرة في كل مكان. تراكمت الثلوج بهدوء فوق جثث أناسٍ كانوا يتنفسون قبل دقائق معدودة.
فاحت رائحة الدم من الأرض المشبعة بالرطوبة. لم يعد الموتى قادرين على إطلاق أنفاسهم. مزّقت صرخات المحتضرين وآهاتهم المفعمة بالألم الفضاء.
بالنسبة لروزيتا، العميلة النخبة، فإن عدم وصول أوامر إليها يعني أن هذا الهجوم لم يكن مخططًا له مسبقًا. كانت قد توقعت، بعد إعلان الرئيس الجديد لنِياميت عن تجهيز الجيش للقتال في أي لحظة، أن الحرب قد تندلع قريبًا، لكنها لم تتخيّل أن يكون في هذا اليوم والآن.
في هذه الحالة، كان الخيار الأمثل هو الفرار إلى الحدود. لكن، رغم إدراكها لذلك، لم تستطع روزيتا مغادرة المدينة.
كانت قد رفضت توسلات زملائها العملاء، متطوعة للمجيء إلى هنا. أرادت أن ترى بعينيها وجه الرجل الذي ستقتلهُ بيدها. لم تكن لتعود دون تحقيق هذا الهدف.
لا، في المقام الأول لم تفكر في العودة حية. سأموت هنا، معك.
وكأن الوقت قد حان لتحقيق تلك الأمنية الملحة، ظهرت صورة رجل في مجال رؤيتها. كان يقف ساكنًا، يحدق في الطائرة العسكرية المبتعدة، كأنه يقيّم شيئًا، بينما يصدر أوامر لمن يبدو أنهم مرؤوسيه.
ها هو الخائن، تيفلون هاتر.
اختبأت روزيتا خلف مبنى مدمر، وتفقدت سلاحها. خلعت قفازها إذ شعرت بتعرق يديها. ارتجفت يدها وهي تعانق فوهة البندقية الباردة التي تقشعرّ لها الأبدان. من هذه المسافة، يمكنها إرداءه قتيلاً بسهولة.
رفعت روزيتا يدها وهي تنظر إلى وجه الرجل الذي بدا بحجم كفها. يمكنني أخيرًا قتل هذا الرجل. كانت يدها، التي تُمسك السلاح، ترتجف من البرد. تشوشت رؤيتها، فلم تعد ترى الهدف، الذي يجب عليها القضاء عليه، بوضوح.
ما هذا السيل الحار الذي يجري على خديها؟ هل هو فرحة الانتصار المرتقب؟
“الرائد هاتر، انخفض!”
في اللحظة التي همّت فيها روزيتا بضغط الزناد، دوّت صرخةٌ حادة وأعقبها رصاص. انتشر ألم حارق في كتفها الأيمن كأن النار اشتعلت فيه. حاولت كظم الألم بعضّ أسنانها، لكن ركبتيها خانتاها وسقطت.
بـــانغ– بـــــانغ—
توالت الرصاصات، فأصابت كتفها الأيسر ثم فخذها، حاملةً معها ألمًا مروّعًا وحرارة لا تُطاق. ضغطت الزناد متأخرة، لكن الرصاصة التي أطلقتها انطلقت نحو السماء. ارتفعت ثلاث رصاصات بلا جدوى إلى الأعلى. هوى جسد روزيتا إلى الخلف كأنه ينهار. بدأ وعيها، الملطخ بالدماء، يتلاشى.
مدّت يدها لتلتقط السلاح الذي سقط على الأرض، لكن ذراعها، التي فقدت الحس، لم تعد تتحرك. ومع ذلك، لم تستسلم روزيتا وحاولت رفع جسدها.
تـــانغ—
شعرت بألمٍ حاد كأنّ رصاصة تخترق خصرها. انهارت ركبتاها مجددًا. كانت يداها، اللتان حاولتا الارتكاز على الأرض للنهوض، وما حولها، تتساقطُ منهما قطرات الدم. حاولت روزيتا، بجهد يائس، رفع رأسها المتهالك الذي كاد يسقط بلا حول، فارتفع قليلاً بزاوية مائلة. في وعيها الذي بدأ يخبو، رأته.
“…… تيفلون هاتر.”
هدفُ مهمتها هذه. الرجل الذي يجبُ عليها قتله، الخائن لوطنها، بدأت ملامحه تتلاشى تدريجيًا في رؤيتها الضبابية.
تقدم نحوها مسرعًا. احترق العالم أمام عينيها باللونِ الأسود.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"