في الوقت الحاضر، كان العصر مسالمًا للغاية لدرجة أنّ بنجامين لم يسبق له أن خرج إلى ساحة المعركة. لكنّه واجه بدلًا من ذلك وحوشًا تُظهر قوّة تفوق البشر بعدّة أضعاف.
كان من النادر أن يُظهر تعابير وجه، لذا حتى عندما واجه ويليام، لم يُظهر بنجامين أيّ انزعاج.
“أُقَدِّمُ احترامي إلى دوق ريفرستا.”
قال ويليام وهو يبتسم ابتسامةً ودّيّة تجاه بنجامين. رغم أنّه كان صهره على الصعيد الشخصي، إلّا أنّه رسميًّا لا يُقارن لقب الكونت ألانترا بلقب دوق ريفرستا، لذا كان من الطبيعي استخدام أسلوب الاحترام.
عائلة ألانترا أيضًا كانت عائلةً نبيلة عريقة، لكنّ عائلة دوق ريفرستا كانت من سلالةٍ عظيمة موجودةٌ منذ تأسيس الإمبراطوريّة. وكان لقبها أعلى بكثير.
“أُقَدِّمُ احترامي إلى الكونت ألانترا.”
أجاب بنجامين بنبرةٍ جافّة. لم يكن من النوع الذي يتحدّث بلطافة، لذا لم يُشعر ويليام بأنّه يتصرّف معه ببرود خاص.
“بما أنّك جئت من مكان بعيد، أفترض أنّك أتيتَ لرؤية جلالة الإمبراطور؟”
كان صوت ويليام العفويّ مليئًا بالودّ. على الأقل من الظاهر.
لكن بنجامين لم يكن ممّن يحكم على الآخرين بناءً على مظهرهم أو كلماتهم فقط.
فالحوش أيضًا كانت أحيانًا تقترب بأشكال غير مؤذية أو تبدو ودودة. بل إنّها كانت أحيانًا تُظهر حُسن النيّة بوضع ثمار أو زهور جميلة أمامها.
ولكن إن خُدِع المرء بمظهرها وترك حذره، فقد يتمزّق كبده أو أحشاؤه بأنيابها أو مخالبها المُخفاة.
وكان بنجامين يعتقد أنّ البشر لا يختلفون عن ذلك. بل قد يكون البشر أكثر خبثًا، لذا لا ضرر في توخّي المزيد من الحذر.
“نعم، هذا صحيح.”
أجاب بنجامين. ولم يُضِف شيئًا بعد ذلك.
رغم أنّ ويليام كان أكبر سنًّا، إلّا أنّه من بادر بالحديث بلطف.
“كيف حال ابنتي هذه الأيّام؟ كنتُ أعيش على أمل تلقّي الرسائل منها بعد أن ابتعدتْ عن العاصمة، لكن يبدو أنّ وقت الرسالة التالي قد تأخّر.”
كان وجه ويليام مليئًا بالشوق. أمّا بنجامين فأجاب بهدوء وبملامح يصعب قراءتها.
“إنّها بخير. سأخبرها أن تكتب لك رسالةً عند عودتي إلى القصر، فوالدها يشتاق إليها.”
“أُقدِّر لك هذه اللّفتة.”
لكنّه لم يتعدّ هذا الحدّ. لم يكن لدى بنجامين رغبةٌ في مواصلة الحديث.
“لا يُمكنني أن أُبقي جلالة الإمبراطور منتظرًا أكثر. كان من دواعي سروري لقاؤك.”
وبالفعل، كانت لديه أولويّة مُسبقة. وكان الطرف الآخر هو إمبراطور الإمبراطوريّة.
قال بنجامين ذلك ثمّ انحنى بأدب، وتابع طريقه.
فجأة، بدأ ويليام يسير إلى جانبه بملاصقة. نظر إليه بنجامين بنظرةً متسائلة.
“أليس لديك عملٌّ تُنجزه؟”
“صادفتُ صهري في العاصمة، ألا يَسَعُني اقتطاع بعض الوقت له؟”
ضحك ويليام ضحكةً جهوريّة. لكنّه سرعان ما غيّر ملامحه إلى وجه مملوء بالقلق.
“ظهرتْ لي ابنتي في الحلم مؤخرًا. بدت نحيلةً ومُرهقة على غير عادتها، مما أقلقني. لعلّه لم يَحدُث لها شيء، أليس كذلك؟”
نظر بنجامين إلى ويليام. كان وجهه وجهَ أبٍ يُحبّ ابنته ويقلق عليها.
‘هل يتكلّم وهو يعلم شيئًا؟’
لقد أُحيطت حادثة سقوط ساي بسرّيّةٍ تامّة. وعلى الأقل بين رجاله، لم يكن هناك من يُبلّغه بشيء.
الخادمات الثلاث اللواتي كانت ساي تُدلّلُهنّ يعشن في جناح منفصل للعقاب، ولو كانت هناك أيُّ محاولةٍ للتواصل مع الخارج، لبلّغوه بذلك.
‘هل يحاول استدراجي؟’
وبناءً على هذا الاستنتاج، أجاب بنجامين بلا مبالاة.
“يقولون إنِّ الأحلام عادةً تأتي بعكس الواقع. ربّما قلقك عليها بسبب شدّة حُبّك لها. لا داعي للقلق.”
لكن ويليام لم يستسلم وسأل بإلحاح.
“مرّ وقتٌ طويل منذ أن رأيت ابنتي. أفتقدها كثيرًا. إن سمحتَ لي، هل يُمكنني زيارتها؟ لا أشكّ بأنّك تُعاملها جيّدًا، لكن كأب، أُريد فقط أن أراها وأطمئن.”
“لا مانع لديّ.”
أومأ بنجامين برأسه. فازداد وجه ويليام إشراقًا، وكان واضحًا أنّه سعيد بلقاء ابنته.
لكن بنجامين لم يُصدر حُكمًا بشأنه بعد.
ذلك الرّجل الذي يُظهر أنّه لا يُفكّر سوى بابنته، هو نفس الرّجل الذي حصد كلّ المنافع الممكنة أثناء زواجها. لقد حوّل تفاصيل المهر المُتّفق عليه إلى وثائق، ورتّبها لتكون لصالحه تمامًا.
رغم أنَّ الزواج جاء مفاجئًا، إلا أنّه تصرّف وكأنّه كان مستعدًّا منذ البداية لبيع ابنته إلى رجل ذي سُلطة. لم يكن ذلك تصرّفًا يُناسب أبًا يُحبّ ابنته.
كان ويليام يعلم مسبقًا.
إن استطاع بنجامين الحصول على ساي، فهو مستعدٌّ لتحمّل أيّ خسارة في المقابل.
هذا التناقض بين كلمات الأب المُحبّ، وبين طمعه في ما يُمكنه أخذه من زوج ابنته، كان كافيًا لطرح تساؤلات كثيرة.
“لكن، يجب أن تحصل أولًا على إذن من جلالة الإمبراطور. وكما تعلم، إن دخلتَ أراضي دوقيّة ريفرستا، فعليك الالتزام بقوانينها.”
على عكس بقيّة المناطق، كانت أراضي دوق ريفرستا بمثابة دولةٍ مُستقلّة. وكان لها سلطةٌ تُقارب المملكة.
بسبب هذه السّلطة، كانت بعض الأطراف في الإمبراطوريّة تتحسّس منها، لكنّ دوقيّة ريفرستا ظلّت سيف الإمبراطور ودرعه على مدى الأزمان.
ولمنع تأثير عائلة الزوجة على ولاء العائلة الدوقيّة للعرش، فُرِض نظامٌ يقضي بضرورة حصول أفراد عائلة الزوجة على إذن إمبراطوري قبل زيارة القصر.
وبالرغم من أنّه أصبح يُعتبر تقليدًا قديمًا، وكان من الممكن أن يُستبدل بإذنٍ شكليّ إن أراد الدوق، إلّا أنّ بنجامين لم يسمح بذلك.
أصرّ بنجامين على الالتزام بالأصول، وأبلغ ويليام أنّ عليه اتّباع كافّة الإجراءات للدخول إلى الدوقيّة.
ما كان يطلبه ويليام، هو إذن غير رسميّ من الدوق نفسه.
لكنّ بنجامين رفض ذلك رفضًا قاطعًا.
ظهر على وجه ويليام الإحباط للحظة، لكنّه سرعان ما ابتسم وقال:
“سيُسعد جلالة الإمبراطور بولائك العميق يا صاحب السّمو.”
“دائمًا ما أتذكّر أنّه واجبي وحقّي. حقًا، أظنّ أنَّ الوقت تأخّر، سأغادر الآن.”
ولم يتمكّن ويليام من اللحاق بخطاه المدربة كمُقاتل، بل كان عليه أن يركض للحاق به.
وفي النهاية، قال من خلفه بصوت مرتفع.
“سأنتظر اليوم الذي يُنادي فيه صاحب السّمو بنفسه للزيارة.”
كانت تلك دعوةً لبنجامين لتُغنيه عن مشقّة الإجراءات الإمبراطوريّة المعقّدة.
لكنّ بنجامين لم يُجبه على ذلك.
وحينما اختفى ويليام عن الأنظار، ظهرت فجأة أمام بنجامين فتاة كأنّها لا تحمل وزنًا.
تطاير شعرها الأسود الطويل مع حركتها مثل الريح.
وكانت تُغطي عينها اليسرى بعصابة مرصّعة بماسة ضخمة.
لم تكن ترتدي فستانًا بل بنطالًا فضفاضًا وقميصًا، وفوقهما شال ناعم مُرصّع بالأحجار.
نقرت الفتاة لسانها وقالت:
“الدوق العظيم الذي أَخضع ديفيران العنيدة إلى الإمبراطوريّة، والمُحترم بين الجميع، يعامل صهره بكلّ هذه البرودة؟”
كان صوتها أجشًّا رغم خفّة حركتها.
لكنّ بنجامين أجاب دون أن ينظر إليها.
“جلالة الإمبراطور بانتظاري، لا وقت للحديث.”
“لقد استدعاني أيضًا، أليس من الجيّد أن نذهب سويًّا؟”
ابتسمت ابتسامةً صغيرة، وفي عينها البنفسجيّة ظهر ومضة على شكل مثلّث. ثمّ تحوّل لون شفتيها من الأحمر إلى الأزرق فجأة.
لوريلّاي كلوي.
الابنة الصغرى لعائلة فيكونت كلوي، رسميًّا كانت وصيفة الأميرة، لكنّها لم تؤدّ تلك الوظيفة فعليًّا.
كانت رتبتها كوصيفة مجرّد غطاء.
مع ازدياد البرودة من حوله، التفت بنجامين أخيرًا إليها وقطّب حاجبيه قليلًا.
“لا تُهدري قوّتك على أمورٍ تافهة، يا لوريلّاي.”
“على كلّ حال، لن أعيش طويلًا. سأفعل ما يحلو لي.”
لكنّ البرودة اختفت، وعادت ملامحها لطبيعتها.
قال بنجامين بصرامة:
“ألستِ متسرّعة لدرجة استخدام قوّتك في أيّ مكان؟”
“بلى، أنا متسرّعة وأستخدمها في أيّ مكان.”
ثمّ ضحكت بخفّة وسارت بجانبه.
“لا بأس، نحن وحدنا الآن. لا تكن صارمًا.”
القدرات الخاصّة.
داخل الإمبراطوريّة، وكما هي واسعة، وُجدت العديد من العائلات النبيلة. وبعض تلك العائلات كانت تُنجب، باحتمالات مختلفة، أفرادًا يمتلكون قُدراتٍ خاصّة.
لم يكن كثيرون يعرفون ذلك، لأنَّ ظهور القدرة كان يُبلّغ به القصر فورًا، ويُعامل بسريّةٍ تامّة.
لم تكن احتماليّات الظهور مُحدّدة، فقد تمرّ أجيال دون أن يظهر أحد.
وكانت الجهات التي تعرف تفاصيلها هم الإمبراطور، ومن امتلكوا تلك القدرات، أو قادة العائلات التي سُجِّل فيها ظهور قدرات في الماضي.
زمان الظهور، ونوع القوّة، وشدّتها، كلّها تختلف. وكان الشيء الوحيد المؤكّد هو وجود عاملٍ وراثي.
“حسنًا، الدوق كان كذلك حتى قبل أن يستيقظ. صارم، بارد، مُنضبط. أرجو فقط ألا تُعامل زوجتك الجميلة بنفس الطريقة. هذا لا يصحّ. على الرجل دائمًا أن يقول لها إنّه يُحبّها…”
فجأة، أصبحتْ أجواء بنجامين المُتجمّدة أصلًا أكثر برودة.
اختارت لوريلّاي الاعتذار فورًا.
“آسفة، كانت زلّة لسان.”
ثمّ نظرت إليه بخجل. لم يكن وجهه يُظهر مشاعر، لذلك لم تُدرِك إن كان لا يزال غاضبًا.
ولمّا بدا أنّه لن يُكمل الغضب، سارت خلفه بهدوء. ولم يُضف بنجامين كلمةً أخرى.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 17"