عندما لا يكون هناك أحد، كانت ساي لا تزال تتحدث معهم بلُطف وتخاطبهم بصيغة الاحترام، كأنّما تثبت أنها ما زالت تطيعهم في بيت الدوق أيضًا.
كانت بيتي تظنّ أنّها ليست طمّاعة بطبعها، لكنّها لم تستطع إخفاء شغفها الشديد بالخاتم.
وبالأخص، شغفها الشديد بخاتم الزّواج.
كان ذلك هوسًا نشأ من استحالة زواجها رسميًّا من ويليام، كونت آلانترا.
الخاتم الذي أهدته لها ساي كان تمامًا على ذوقها. ماسة كبيرة وشفافة يحيط بها حجر كريم ملوّن من كلّ الجهات.
ورغم أنّها لم تُفصح عن ذلك، إلّا أنّها كثيرًا ما كانت تحلم بتلك اللّحظة المستحيلة التي يُلبسها فيها الكونت ذلك الخاتم.
كانت تحلم به حتى في منامها.
وفي النهاية، لم تجد بُدًّا من أن تتجاهل الواقع.
فقد كانت ساي تُناديها بلقب “الخادمة الكريمة”، وحتى رئيسة الخادمات لم تعد تجرؤ على قول شيء لها.
صارت تستمتع بوقت الشاي وكأنّها نبيلة، وتلبس ملابس ساي ومجوهراتها التي خصّتها بها، وتحيا في راحة.
وكانت ساي أمام الجميع تُعاملها كأنّها شخصٌ عزيزٌ عليها. ولم يُعلّق الدوق بكلمةٍ على تصرّفات ساي تلك.
كلّ ذلك بدا معاملةً طبيعيّة بالنسبة لها.
لكن…
منذ وقوع ذلك الحادث، تغيّر كلّ شيء.
فقد فقدَّ دوق ريفرستا أعصابه، وطردهم إلى المبنى الجانبي لأنّهم لم يحسنوا حماية السيّدة.
وصودرت منهم كلّ الثياب الفاخرة ومجوهرات ساي، وأُجبروا على ارتداء زيّ الخادمات الخشن والمُزعج.
كانت معاملة طبيعيّة لأيّ خادمة، لكنّ بيتي التي لم تؤدِّ عملاً شاقًّا منذ أن أُوكلت لها رعاية ساي لم تستطع تحمّل تلك المعاملة.
حتى رئيسة الخادمات التي كانت تناديها بـ”السّيّدة” بدأت تُكلّفها بالأعمال الشاقّة في المبنى الجانبي.
وحين صاحت بيتي متذمّرة: “ماذا ستفعلون إن أفاقت السيّدة؟!”، جاءهم الردّ بأنّ كلّ ذلك كان بأمرٍ من السيّدة نفسها.
كان من المستحيل أن تُصدّق.
هل سيّدتي؟ ساي؟ تجرؤ؟!
مرّرت بيتي إصبعها على بروز الخاتم الذي أخفته تحت ملابسها وعلّقته في قلادتها.
لولا وجود ذلك، لما استطاعت تحمّل كلّ هذا العناء.
“بدلًا من أن تُفرغي غضبك هنا، لماذا لا تحاولين أن تذهبي إلى القصر الرئيسي وتقابلي السيّدة؟”
استدارت بيتي فجأة نحو مصدر الصوت وحدّقت في المتكلّمة.
كانت جاكلين.
شعرها البني الغامق المضفور على جانبَين، ووجهها المرصّع بالنمش جعلها تبدو أصغر من عمرها، لكنها لم تكن مميّزة على الإطلاق. كان جسدها نحيفًا بلا انحناءات، وزيّ الخادمة يتدلّى عليها فضفاضًا.
“هل جئتِ لتسخري؟ إذًا اغسلي الغسيل بدلًا عنّي!”
“لا لا، هذا ليس عملي. أنا مسؤولة عن المطبخ. اتّفقنا من قبل أن نتبادل الأدوار من حين لآخر، أليس كذلك؟ وها هي ذي ديرا جالسةٌ هناك.”
أشارت جاكلين إلى إحدى الخادمات الجالسات، وكانت تُدعى ديرا.
كانت ديرا عاديّة المظهر جدًا، وجهها شائع إلى درجة أنّه حتى لو مرّ به عشرة أشخاص فلن يتذكّرها أحد.
واصلت جاكلين استفزاز بيتي.
“أنا وديرا يمكننا أخذ فترات استراحة أحيانًا، لكنّك أنتِ لا يبدو أنّك محبوبةٌ وسط الزملاء، بما أنّ أحدًا لم يساعدك في الغسيل. كم كنتِ مزعجةً حتى لم يبق أحدٌ معك؟”
صرخت بيتي فيها وهي تحدّق بها.
“وانتِ؟ ماذا عنكِ؟”
“على الأقل، يثقون بي لدرجة أن يرسلوني وحدي لإحضار الموادّ من الخارج.”
نظرت جاكلين إلى بيتي بنظرة شفقة.
أطبقت بيتي شفتيها. لم تُجب لأنّ جزءًا منها كان هشًّا بطبعه، ولأنّها أدركت أيضًا أنّ افتعال شجار مع القلّة التي تُعدّ في صفّها الآن قد يعود عليها بالضّرر.
لكن هذا لا يعني أنّها لم تشعر بالإهانة.
‘حين تنتهي هذه الأزمة وأعود إلى جوار السيّدة، سأتصرّف معها كما ينبغي. من تظنّ نفسها؟ ويليام يحبّني، وسأريها مكانتها!’
بينما كانت بيتي تغرق في أفكارها، كانت جاكلين تنظر إليها باحتقار.
جاكلين لم تستطع يومًا أن تفهم بيتي الساذجة التي تعيش في عالم من الأحلام.
فمهما لبست من ثياب ساي، أو تحلّت بمجوهراتها، فساي هي المالكة الحقيقيّة. ولن تُصبح بيتي المالكة أبدًا.
بل وكانت جاكلين تعرف أيضًا عن علاقة بيتي بالكونت آلانترا. لكنّها لم ترَ أبدًا أيّ احتمال لصعود بيتي في السُّلَّم الاجتماعي لتُصبح كونتيسة.
في نظر جاكلين، كان الكونت رجلًا حَسّابًا يعرف مصالحه. ربّما يستمتع بعلاقةٍ سرّيّة، لكنّه لن يُقْدِم أبدًا على الزّواج من خادمة مثل بيتي.
والوحيدة التي لا تعرف هذا… هي بيتي.
تُهدر شبابها وكرامتها من دون أيّ مقابل حقيقيّ.
بل وتتمسّك بساي متوهّمة أنّها أصبحت من النّبلاء.
‘غبيّة.’
سخرت جاكلين منها في سرّها.
أهمّ شيء في هذا العالم هو المال.
وبالنّسبة لجاكلين التي بيعت حرفيًّا إلى عائلة آلانترا لسداد ديون والديها، كان المال هو أثمن ما في الحياة.
فقد كانت الأقلّ جمالًا والأقلّ شعبيّة بين سبعة إخوة، ولم تُمنَح أيّ فرصةٍ للاختيار عندما تمّ تسليمها مقابل إسقاط الدّيون.
ولهذا كانت مراقبتها لساي مقابل المال فقط.
كانت تتقاضى شهريًّا مبلغًا كبيرًا مقابل تلك المراقبة، يكفيها الآن لشراء منزل وفتح متجر صغير في العاصمة.
بل وحتى حين تسرق بعض الحُلي من ساي لم يكن أحدٌ يُحاسبها.
كانت تسرق ما هو غير ثمين، وتتجنّب المجوهرات ذات القصص أو ذات القيمة العالية، كي لا تُثير الشّبهات. ولذلك كان الكونت يتغاضى عن ذلك.
لكن ما أحزنها هو أنّه بعد الزّواج، لم تَعُد قادرةً على لمس المجوهرات التي اشترتها ساي كدوقة. فقد كان من الواضح أنَّ الدوق لن يتسامح إن اكتشف شيئًا كهذا.
وبالنسبة لجاكلين التي تعتبر المال أهمّ من كلّ شيء، لم تستطع أبدًا تفهّم بيتي الغبيّة التي تهدر شبابها دون مقابل.
أمّا ديرا، فكانت تراقب الاثنتين وهما تتجادلان من على صخرة قريبة.
بالنسبة لها، كانت جاكلين وبيتي كليهما حمقاوين.
لو كان لديهما القليل من الذكاء، لاهتمّتا بمراقبة من يراقبهما بدلًا من هذا الشجار السّخيف.
بعد سقوط ساي، وضع دوق ريفرستا من يراقبهنّ. لم يكن ذلك مراقبةً دقيقة دقيقة، لكنّ العاملات في مكان العمل كنّ يراقبن تصرّفاتهِنّ بلا شكّ. وهاتان البلهاءان لا تُدركان ذلك.
لذلك كانت ديرا هي من تُحدّد موعد لقاءاتهنّ السرية خلف العمل. كما أنّها أوقفت التّقارير الدوريّة إلى الكونت، حتى لا تُثير الشبهات.
فكرٌ بسيط يكفي لذلك، لكن هاتين الاثنتين مشغولتان بالسّخافات.
لم تكن ديرا تحبّ التّعب بلا فائدة. كانت تميل إلى الكسل، لكنها تتحرّك بسرعة عندما ترغب في شيء.
رغم أنّها تتقاضى مالًا أكثر من باقي الخادمات، إلّا أنّها لا تصل لمستوى جاكلين. فهي لم تكن تفعل ذلك لأجل المال.
كانت ديرا تستمتع بمراقبة ساي، وإرسال تقارير للكونت.
مجرد رؤيتها لفتاة نبيلة راقية مثل ساي تُطيعهَا وتُحني رأسها أمامها كان يُشعرها بلذّةٍ لا توصف.
أن ترى فتاةً جميلة وذكيّة تنحني لخادمة مثلها وتستمع لأوامرها، كان أمرًا يجعلها تشعر بالانتشاء.
كانت تعرف أنّ ساي رغم طاعتها، تملك إرادة حياة قويّة.
حتى لو تُركت في وسط صحراء، ستجد طريقةً لتعيش.
ولهذا، كانت متعة إخضاعها أكبر.
‘السيّدة سقطت!’
عندما دوّى ذلك الصّوت، أسرعت بيتي وجاكلين نحو الأسفل، لكن ديرا لم تتحرّك.
بل فتحت باب الشّرفة التي دخلت منها ساي.
لم تتوقّع أن تسقط من الشّرفة، إذ كانت مزوّدة بحواجز أمان قويّة.
كما أنّ ساي لم تكن من النّوع الذي يُقدِم على إيذاء نفسه.
كان الطابق الثاني، ليس علُوًا قاتلًا.
لابدّ أنّ هناك ظرفًا غامضًا جعلها تسقط.
هل كان هناك طرفٌ ثالث غير متوقّع في الشّرفة؟
هوووف!
هبّت رياحٌ باردة كما قالت ساي، واتّجهت نحو ديرا ثم تلاشت.
لم يكن هناك أثرٌ لأيِّ شخص في الشّرفة الفارغة.
اقتربت ديرا من حافّة الشّرفة.
لم يكن هناك شيءٌ مميّز.
سوى فتاةٍ جميلةٍ مضرّجة بالدّماء، مُلقاة تحتها، بلا حراك.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"