“سنتزوّج بعد ثلاثة أشهر، فابدئي بالتحضيرات، يا ميلانيا.”
عندما سَمِعَت ذلك، سألت ميلانيا دون أن تشعر لأوّل مرّة عن أمرٍ تلقّته من سيّدها.
“نعم؟”
منذ لحظة تقرير الزواج السياسي، قرّر أن يتخطّى مرحلة الخطوبة ويُعجِّل موعد الزواج. ومَن يملك سلطةً بحجم دوق ريفرستا يمكنه بالفعل تجاوز الشكليات والإجراءات.
وفوق كلّ ذلك، فهو دوق ريفرستا.
كانت ميلانيا تعرف أنّ الدوق يملك قوّةً جسديّة هائلة، ولا يقلّ ذكاءً عنها، وفوق هذا، فقد وُلِد بسلالةٍ نبيلة ويملك نفوذًا واسعًا.
حتى الإمبراطور نفسه كان أحيانًا يضطرّ إلى التراجع أمامه.
كان الدوق السابق أقرب إلى عالمٍ من فارس، بطبعٍ هادئٍ ومسالِم، وقد تزوّج من سيّدةٍ كانت ضمن فرسان البلاط الإمبراطوري.
ومن هذا الزواج وُلِد الدوق الحالي، وارثًا قوّة أمّه وذكاء أبيه.
لم يكن يُصدر أوامر بلا سبب. كان رجلًا عقلانيًّا.
“لا تهتمّي بالتكاليف، حضّري كلّ شيءٍ بأعلى جودة، وحقّقي لها كلّ ما تريده.”
أقنعت نفسها في البداية أنّ هذا الاهتمام يعود إلى سمعة منزل الدوق. لكن مع مرور الوقت، أدركت ميلانيا أنّ الأمر ليس كذلك.
كان السيّد يحبّ السيّدة بصدق.
مهما تصرّفت ساي بأنانيّة، أو طلبت أشياء صعبة، كان يتقبّل كلّ ذلك بصدرٍ رحب، ويسعى لإرضائها.
كانت علاقةً تُشبه الحبّ من طرفٍ واحد.
ومع أنّه لم يُظهر مشاعره بسهولة بسبب طبيعته الجافّة، إلّا أنّ الدوق كان يحمل مشاعر واضحةً تجاه زوجته.
بل إنّه، رغم كونه شخصًا متسامحًا ما لم يُتجاوز الحدّ، لم يكن يتصرّف بحزمٍ مع الدوقة كما يفعل مع غيرها.
فحتى عندما كانت تُصدر طلباتٍ صعبة ومتعبة، كان يطلب من الخدم تلبية رغباتها.
ما زالت تتذكّر أوّل مرّةٍ رأت فيها الدوقة، كما لو كان ذلك بالأمس.
وجهٌ مرفوعٌ بغرور، هيئةٌ عشوائيّة.
لم يكن فيها أثرٌ للرقيّ أو التهذيب، فقط تصرّفاتٌ تُلبّي رغباتها الشخصيّة.
“هل أنتِ رئيسة الخادمات؟”
“نعم.”
“الخادمات اللواتي جلبتُهنّ من منزلي أفضل بكثير، سأجعل منهنّ خادماتي الخاصّات.”
“لقد جهّزتُ لسيدتي خادماتٍ من عائلاتٍ مخلصة للدوق لتختاري منهنّ من يناسبكِ.”
“لا داعي. الشابّات قد يحاولن إغواء زوجي، والكبيرات في السنّ سيلقين عليّ محاضراتٍ مملّة.”
كانت تُهمل تمامًا كلّ إجراءات قصر الدوق.
منذ قدومها إلى هذا المكان، لم تسأل ولا مرّة عن اسم ميلانيا، ولا نادتْها به.
كانت دائمًا تناديها: “رئيسة الخادمات.”
بوضوحٍ كانت تنظر إليها بازدراء.
لكن بعد تلك الحادثة، كيف تغيّرت هكذا فجأةً…
مرّرت ميلانيا إصبعها على الخاتم الذي تضعه في يدها. لم يكن شعور الخاتم على إصبعها كاذبًا.
الدوقة التي عرفتها ميلانيا لأكثر من عام لم تكن أبدًا بهذا الشكل.
فالإنسان لا يتغيّر بهذه السهولة.
لم يكن اختفاء عامٍ من الذكريات كافيًا لتبرير هذا التغيّر الكامل.
‘ماذا لو لم تتغيّر، بل عادت إلى حالتها الأصليّة؟’
تذكّرت ميلانيا ذلك اليوم، حين طلبت الدوقة من الجميع الخروج وبقيت وحدها عند النافذة.
لم يكن وجهها متوتّرًا أو متكبّرًا، بل كان هادئًا، رزينًا. وقفت بثباتٍ ووقار، غارقة في التفكير.
كان مظهرها ذلك مؤثّرًا لدرجة أنّه ظلّ عالقًا في الذاكرة، رغم أنّها لم ترَه عن قرب.
‘إن كان ذلك الوجه الحقيقي، وكلّ ما ظهر في قصر الدوق كان زيفًا…’
لكن لماذا قد تتصرّف بهذا الشكل، وتدمّر سمعتها بيدها؟
لم تتمكّن ميلانيا من معرفة أيُّ صورةٍ هي الحقيقيّة للدوقة. وبصفتها خادمةً حذرة، قرّرت تأجيل الحكم.
لكن شيئًا واحدًا كان مؤكّدًا. هذا التغيّر الجديد سيكون نافعًا جدًّا لقصر الدوق.
***
بعد لقاء ميلانيا، استيقظت ساي من قيلولتها.
كانت تشعر بأنّها بخير، لكن يبدو أنّ جسدها لم يَتعافَ تمامًا بعد من صدمة السقوط.
جلست ونهضت، ثمّ اقتربت من النافذة الكبيرة.
‘لقد اقترب المساء.’
كانت الشمس تغيب ببطء في الأفق.
‘سمعتي هنا، وعلاقاتي مع الناس، لن تُشفى بين ليلةٍ وضحاها.’
الناس لا يثقون بكلماتٍ معدودة. لكن إذا أظهرت تغييرًا حقيقيًّا، واحدًا تلو الآخر، فقد تكسب ثقتهم مع الوقت.
ولأنّ ما أظهرته هنا من قبل كان مزيّفًا، فالعودة إلى طبيعتي لن تكون صعبة.
لكنّها تعرف جيدًا أنّ كسب قلوب الناس ليس بالأمر السهل.
‘أبي يبدو أنّه كان يخطّط لأمرٍ ما، وأنا لم أرد ذلك، والخادمات الثلاث جئن لمراقبتي. هل كانت تصرّفاتي الحادّة والغريبة متعلّقة بخطّة أبي؟ أم كنت أتصرف بتهوّر من باب اليأس لأنّي شعرت أنّي مجرّد دميةٍ في يده؟’
“أيُّ طرفٍ هو الحقيقيّ، يا ساي؟”
سؤالٌ تسأله لنفسها التي لا تتذكّرها. والجواب؟ لا يأتي.
‘ماذا كنت أظنّ بشأن بنجامين؟ صحيح أنّه جافّ الطباع، لكنّه لم يكن يومًا قاسيًا معي. فلماذا كنت أتعامل معه بذلك السوء؟’
راحت ترسم دوائر بأصبعها على زجاج النافذة وهي تفكّر، لكن دون نتيجة.
فتحت ساي النافذة، وأراحت يديها على الإطار.
هَبّت نسمة ريحٍ ناعمة، جعلت شعرها الذهبيّ يتطاير كأمواجٍ لامعة.
لطالما كانت ترى الحياة كالرّيح.
حتى لو غاصت في قلبها، لا يُمكنها أن تمسك بها.
لكنّها الآن، ربّما، ستتمكّن من الإمساك بشيءٍ منها.
‘لا يزال هناك الكثير ممّا أجهله، لكن مقارنةً بما كنت عليه، لديّ الآن أمل.’
وهي ترى أنّ هذا وحده كافٍ.
كانت نسمة الهواء المنعشة التي داعبت وجهها منعشة، ومن صوت العصافير فوق الشجرة، بدا أنّ عصفورًا قد حطّ عليها.
شعرت بالفضول لرؤية الطائر، فمالت بجسدها قليلًا خارج النافذة.
رأت عصفورين صغيرين بلونٍ أصفر، يقفان متقاربين ويغنّيان. وكانت الزرقة قرب ريشهما جميلة.
فجأة، وجدت نفسها تُسحب بقوّةٍ إلى الوراء.
ارتبكت من الحركة المفاجئة، فاستدارت بسرعة.
“أليس هذا خطيرًا؟”
صوتٌ رجوليّ، جافّ، بدا عليه الغضب. وجهه العابس، رغم ذلك، كان وسيمًا، ما جعلها تضحك في سرّها.
“النافذة مرتفعة الحافّة، ولا يمكن السقوط منها إلا إذا وقفتُ عليها عمدًا.”
ردّت ساي بنبرةٍ هادئة، لكن عبوس بنجامين ازداد.
“الشرفة أيضًا حافّتُها مرتفعة. توخّي الحذر.”
لم تجد ما تردّ به.
‘صحيح. لم يمرّ وقتٌ طويل على سقوطي من الشرفة. ربّما بدوتُ مهمِلةً. لكن أنظر من النافذة فقط لا يعني أني سأسقط عمدًا…’
توقّفت هناك، وشهقت.
سقوطٌ متعمّد.
الشرفة في الطابق الثاني. السقوط منها قد يُسبّب إصابة، لا موتًا. بل قد لا يصيبها أذى.
‘لكن لماذا أفعل ذلك؟’
شعرت بقشعريرة، وكأنّها اكتشفت شيئًا غريبًا في نفسها. شحب وجه ساي فجأة.
رؤية ردّ فعلها، جعلت بنجامين يدعم ظهرها بيده، وهو لا يزال ممسكًا بها.
“هل أنتِ بخير؟”
“نعم، لا بأس. لقد أخذتُ قيلولة، جسدي بخير. أظنّني فقط تفاجأت من شدّة غضبك، دوق… أقصد، بنجامين.”
الكذبة التي نسجتها على عجل كانت ضعيفة، لكنّها شعرت بضرورة قول أيّ شيء.
فهي تعرف كم يبدو الأمر سخيفًا أن تفترض أنّها رمت نفسها عن قصد.
ساي، أكثر الناس توقًا للحياة.
حتى وسط ازدراء أبيها، ظلّت متمسّكة بذاتها، تصارع لتبقى حيّةً بكرامة.
لم يكن لديها سببٌ للتخلّي عن الحياة بهذه البساطة. وإن كانت تنوي الموت، فهل تختار الطابق الثاني؟ على الأقل يجب أن تسقط من الطابق الثالث.
ولو كانت بالفعل قد فعلت ذلك عمدًا، فلا بد أنّ لها سببًا قاهرًا.
رغم ارتباك أفكارها، تكلّم بنجامين، وكأنّه يُبرّر.
“لم أكن غاضبًا.”
“لكنّك غضبت.”
“لم يكن ذلك قصدي.”
“ما هو قصدك إذن؟”
صمت بنجامين عند هذا السؤال. بدا على وجهه شيءٌ من الضيق، وكان تعبيره الطفوليّ يبعث على الظّرافة، ما جعل ساي تبتسم بحنان وتخفي أفكارها المتشابكة.
“كنتُ فقط أتأمّل الطيور الجميلة خارج النافذة. لم أكن أنوي السقوط. سأكون أكثر حذرًا.”
عندها فقط، التقت عينا بنجامين بعينيها.
“هل تحبّين الأشياء الظريفة؟”
‘وجهه ارتاح قليلًا، يبدو أنّ مزاجه تحسّن.’
“نعم. الأشياء الظريفة تُشعرني أنّها بلا ضرر.”
نظر بنجامين إليها لحظةً بصمت، ثمّ تردّد، وقال:
“وأنا… لو أصبحتُ ظريفًا، هل سأبدو لكِ بلا ضرر؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"