حتى اسماءٌ أُطلِق عليهم. كان الأمر أشبه بلعب الفتيات بالدمى.
ومن ناحيةٍ أخرى، كان إطلاق اسمٍ على صندوق المجوهرات دليلاً على مدى وحدتها، مِما بثّ شعورًا طفيفًا بالحزن.
قالت ساي دون أن تُظهِر اضطرابًا في مشاعرها.
“من المريح أن تُخبِريني بتفاصيل حياتي السابقة. أيمكنكِ، في الوقت الراهن، أن تُخبِريني بكلّ ما تتذكّرينه حين أطرح عليكِ الأسئلة؟”
“ن-نعم!”
أجابت روزا بنبرةٍ حماسية توحي بالتوتر من جديد. ومع ذلك، وبما أنّها لم تنبطح متوسّلةً النجاة، فيبدو أنّ ردّ ساي الهادئ قد خفّف من حذرها قليلًا.
وبما أنّ ساي لم تضِف شيئًا بعد ذلك، وضعت روزا أمامها خمسة صناديق مجوهرات بحذر.
“لديكِ حوالي ثلاثين صندوقًا، ولم تُشيري إلى أيٍّ منها تحديدًا، لذا أحضرتُ أكثر خمسةٍ كنتِ تستخدمينها.”
“شكرًا لكِ.”
كانت فتاةً بسيطة الطبع ومجتهدة. نظرت ساي إلى الصناديق وسألت:
“أتعرفين أسماء هذه الصناديق جميعًا؟”
“الأوّل كان إليزابيث، الثاني لوتا، الثالث بيتر، الرابع إيلسا، والخامس كان صوفيا.”
بدت روزا جادّةً وهي تُعدِّد الأسماء، مما يدلّ على أنّها ربما طُلِب منها إحضارها بالأسماء من قبل. فتحت ساي الصندوق الخامس المُسمّى صوفيا وسألت:
“هل كانت الخادمات اللواتي أحضرتُهنّ من منزل والدي يقمن أيضًا بإدارة الصناديق؟”
“كلا.”
أجابت روزا فورًا.
“حتى لو لم تهتمّي بأشياء أخرى، فقد كنتِ حريصةً على أن لا يتولّى الصناديق أيُّ خادمةٍ أخرى. ورغم أن بعض الصناديق كانت من منزل عائلتك، إلّا أنّ معظمها كانت هدايا من سموّ الدوق، لذلك كنتِ تُصرّين على أن تتولّاها خادمات قصر الدوق فقط.”
‘لابدّ أنّ بيتي، وجاكلين، وديرا قد انزعجن كثيرًا من ذلك.’
فإدارة صناديق المجوهرات كانت تُعَدّ رمزًا للثقة، ودلالةً على القرب من المالكة. فكم كنّ غير راضياتٍ عن استبعادهنّ.
جميعهنّ كنّ طامعات بدرجةٍ لا يُستهان بها، لا سيّما بيتي التي كانت مهووسةً بالخواتم. وبينما تذكرت ساي هذه الذكرى، أخرجت أربعة خواتم من الصندوق ووضعتها في أصابعها.
تابعت روزا كلامها:
“لكن بدلًا من ذلك، كنتِ تُعطينهنّ بسخاء الفساتين التي جلبتِها من منزل والدكِ. بل وكنّ يرتدينها أحيانًا دون إذن، ولم تقولي شيئًا.”
“أفهم.”
ربما كان هذا تعويضًا عن منعهنّ من لمس الصناديق.
فكّرت ساي بهذه الطريقة، ثم أمرت روزا:
“أيمكنكِ أن تستدعي لي رئيسة الخادمات؟”
“نعم! حالًا!”
أجابت روزا بحماسةٍ زائدة، ثم أسرعت في تنفيذ الأمر وغادرت الغرفة.
يبدو أنَّ انطباعها بأنّ ساي سيّدة قاسية لم يزل بعد، أو ربما كانت لا تزال في حالةٍ من الارتباك.
‘سأُعامِلهم بلُطفٍ لتحسين صورتي، لكن دون أن أفقد هيبتي.’
كانت تعرف جيدًا مصير سيد العمل الذي يُهمل سلطته أمام الخدم.
رغم أنّها لم تكن ترغب في معرفة ذلك، إلّا أنّها كانت تعرفه.
‘بيتي، جاكلين، ديرا… تُرى هل تصرّفن في هذا المكان كما فعلن في منزل والدي؟’
والآن بعد أن فقدت ذاكرتها، لم يكن بإمكانها أن تعرف شيئًا.
دخلت رئيسة الخادمات بعد قليل.
“استدعيتِني، سيدتي؟”
“أجل. لديّ أمرٌ أسألكِ عنه.”
“تفضّلي.”
نظرت ساي إلى رئيسة الخادمات بتروٍّ. كانت امرأةً في منتصف العمر، هادئة الملامح، يكسوها الوقار. وقفت باستقامة، وكان سلوكها محترمًا.
غالبًا ما يعكس طابع المنزل شخصية سيده. وبالنظر إلى طبيعة دوق ريفرستا، كانت هذه السيّدة مناسبةً تمامًا لمنصبها.
‘لا بدّ أنّني كنتُ أعامل رئيسة الخادمات هذه بقسوةٍ أيضًا.’
لكن ساي لم تكن ترغب في الندم على ما لا تتذكّره، بل في المضيّ قدمًا.
“كم عدد الأشخاص في هذا المنزل الذين يعلمون أنّني فقدتُ جزءًا من ذاكرتي؟”
“أمرتُ كلّ من شهد أو قدّم لكِ الرعاية بعدم إفشاء الأمر. حاليًّا، لا يعلم بالأمر سوى أنا، والخادمات اللواتي يرافقنكِ، والطبيب، وعدد لا يتجاوز العشرة من الخدم.”
كما توقّعت، كان دوق ريفرستا حريصًا على ألّا تنكشف نقاط ضعفه. ولحسن الحظ، لم تكن ساي ترغب هي الأخرى في أن يُذاع الخبر.
“وهل تعرف الخادمات اللواتي أُرسلن إلى الجناح المنفصل بسبب تقصيرهنّ في خدمتي بالأمر؟”
“تعنين بيتي، وجاكلين، وديرا؟”
“صحيح.”
“لا أعتقد أنّهنّ يعرفن. حتى الخدم في المبنى الرئيسي لا يعرفون، وقد أمرتُ الجميع بالتكتّم.”
“حسنًا. إذن، أرجو أن لا تَعلم هؤلاء الثلاثة بمكاني أو حالتي في المستقبل كذلك.”
إن علم والدها بهذا الأمر، فلا يمكنها توقّع ردّة فعله.
لو علم بفقدانها للذاكرة، فقد يسعى لاستغلالها بأسوأ طريقةٍ ممكنة. وربما يُخفي عنها أمورًا دُبِّرت سابقًا.
إذا لم تظهر أمامه أيُّ ثغرة، فسيفصح عن نواياه كما كان يفعل سابقًا.
تحدّثت رئيسة الخادمات بحذر:
“أتذكّر أنّكِ كنتِ تُحبّينهنّ كثيرًا، وقد جلبتِهنّ من منزل والدكِ بنفسكِ. أليس من الممكن أن تُضايقكِ رؤيتهنّ إن استعادت ذاكرتكِ؟”
أكنتُ أحبّهنّ؟ أنا؟
إن كان ذلك صحيحًا، فلا بدّ أنّه لم يكن نابعًا من قلبي.
هل كنّ يراقبنني حتى بعد مجيئي إلى قصر ريفرستا ويُبلغن والدي بكلّ شيء؟
لقد تركتُ منزل الكونت، فكيف بقيتُ خاضعة لهنّ؟ أيُّ ضعفٍ جعلني أُجاريهنّ إلى هذا الحدّ؟
من الغريب أنّني رغم ما كنتُ أفعله من شغب وسوء، أبقيتهنّ بجانبي.
“كيف كنتُ أُظهر لهنّ هذا الحُبّ؟ هل كنتُ أرفض خدمة باقي الخادمات وأجعل هؤلاء الثلاثة يلازمنني؟”
“نعم.”
“وأحيانًا كنتُ أرفض حتى خدمتكِ أنتِ، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
الآن لا يبقى سوى معرفة الأمور رويدًا رويدًا. فالتسرّع قد يُفسد كلّ شيء.
“كيف هو حالهنّ الآن؟”
“أعطيناهنّ أعمالًا خفيفة في الجناح المنفصل، ومع ذلك قِيل إنّهنّ يجدن الأمر صعبًا.”
“لا بدّ أنّهنّ لم يَقمن بشيء سوى خدمتي من قبل، أليس كذلك؟”
“أجل.”
سرعة إجابة رئيسة الخادمات جعلت ساي تتساءل كم كنّ فعليًا يُجِدن خدمتها.
حتى حين كنّ في منزل الكونت، كنّ يتكبّرن عليها مستنداتٍ إلى سلطة الكونت ألانترا.
لكنّهنّ كُنّ حريصاتٍ على عدم إظهار ذلك أمام الآخرين.
فقط عندما تكنّ معها وحدها، يكشفن عن وجوههنّ الحقيقية.
وهذه الوجوه، التي تُشبه وجه أبيها كثيرًا، كانت تجعل ساي تزداد كراهيةً لهنّ.
ورغم أنهنّ تظاهرن بالسلوك الحسن أمام الآخرين، إلّا أنّ الخادمات الأخريات كنّ يشعرن بما لهنّ من نفوذ.
ولم تَعُد ساي ترغب بشيءٍ من هذا بعد الآن.
ابتسمت ابتسامةً خفيفة.
“من الطبيعي أن تجد الخادمة صعوبةً في العمل إن لم تكن معتادةً عليه. لكن هذه فرصةٌ ليتعلّمن الأعمال الحقيقيّة في قصر الدوق.”
ثمّ التفتت إلى رئيسة الخادمات.
لم تتذكّر اسمها. وهذا طبيعي.
“ما اسمكِ؟”
“……ميلانيا.”
مدّت ساي يدها وأمسكت بيد ميلانيا.
“شكرًا على كلّ ما فعلتِه. من الطبيعي أن تَشعُر الخادمات اللواتي أتيْنَ من منزل والدي بالقوّة، لكن لا ينبغي أن يصل الأمر إلى أن تفقد رئيسة خادمات القصر سلطتها. وإن لم أكن قد أدركتُ ذلك سابقًا، فقد أدركتُه الآن، وآمل أن تتفهّمي.”
ثمّ أزالت ساي خاتمًا ذهبيًّا مُزخرفًا من إصبعها الأوسط، وألبسته في إصبع ميلانيا الوسطى.
تجمّدت ميلانيا في مكانها، ولم يتغيّر تعبير وجهها، لكنّ عينيها لمعتا بلحظة تأثّرٍ خفيّة.
أن تُلبِس المالكة خادمتها خاتمًا كانت ترتديه، فهذا يعني أنّها تُقرّبها منها وتمنحها ثقتها.
ولأجل بناء علاقةٍ طيّبة، كان لا بدّ من هذه المبادرة.
“لا أتذكّر الكثير، لكن يبدو أنّني لم أكن سيّدةً جيدة. لذا، إن استطعتِ تنظيم أمور الخدم بما ترينه مناسبًا ضمن صلاحياتكِ، فسأكون ممتنّة.”
“سأبذل قصارى جهدي، بقدر ما أوليتِني من ثقة.”
ابتسمت ساي بلُطفٍ وهي تسمع ردّها.
‘لا يمكن بناء الثقة من اللحظة الأولى، لكن أظنّ أنَّ هذا كافٍ لهذا اليوم. المستقبل سيوضّح الباقي.’
“أتمنّى ألا أكون قد عطّلتكِ طويلًا. عودي الآن إلى عملكِ، وسأعتمد عليكِ.”
“نعم، حاضر.”
أجابت ميلانيا بانضباط، ثم انحنت.
“سأنصرف الآن، سيدتي.”
بعد أن غادرت، أطلقت ساي زفرةً طويلة.
‘لا بأس إن جعلتهنّ يُعانين لبعض الوقت… ثمّ سأقابلهنّ لاحقًا.’
بيتي. جاكلين. ديرا.
ترى، كيف ستتصرّفن؟ لن أُسامحكنّ بعد الآن…
***
نظرت ميلانيا إلى الخاتم الذي في يدها.
لم تُصدّق.
هل يمكن لإنسان أن يُصبح شخصًا مختلفًا تمامًا لمجرّد فقدانه لذاكرة عامٍ واحد فقط؟
تذكّرت ميلانيا اللحظة التي دخلت فيها ساي القصر لأوّل مرّة.
عادةً، يستغرق النبلاء أكثر من عامٍ كامل في التحضير من لحظة الخطوبة إلى الزواج. فهناك طقوسٌ مُعقّدة، وتبادُل هدايا، وقد يصل الأمر إلى عامين في بعض الأحيان.
ولهذا، كان من المعتاد أن يرتكب الشبّان المندفعون الحماقات خلال هذه الفترة.
كأن يُنجبوا وريثًا قبل الزواج، أو يهربوا مع طرفٍ آخر.
لكنّ دوق ريفرستا لم يكن من هذا النوع…
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"