لن أخدع مرتين [ 98 ]

 

ثيو كان يراقب قوة خصومه.

 

ومن ملامح ايكاردو الذي كان يقطب حاجبيه وهو يسحب سهمًا آخر، تبيّن له أن طاقته الروحية أوشكت على النفاد.

 

أما دايفيد الذي اعتاد منذ زمن الحرب على استخدام الأرواح في الهجوم، فبدا أنه لا يزال قادرًا على الصمود.

 

فوووش! دوووم!

 

سهمٌ استغل ثغرة ثيو، محمَّلًا بقوة الريح.

 

‘لم يستنفد كل طاقته بعد…’

 

هكذا أدرك ثيو أن ليكاردو ما زال يملك قوةً باقية.

 

غغغغغ…

 

“آه…”

 

ومع ذلك، كان ثيو يعلم أنه حتى لو تغلّب على هذين الاثنين فلن تكون له الغلبة؛ إذ إن إيزابيلا ما زالت صامدة، وهي تقود ثلاثة من أرواح الأرض.

 

‘أكان ذلك الحلم مجرد حلم بالفعل؟’

 

عضَّ ثيو شفتَيه، وقد أخذ يشكّ، أكان يظنّ خطأً أن ما جرى متصل بالواقع؟

 

ثم إنه لم يتحقق من الأمر مع إيزابيلا في الواقع قط. 

 

لقد أقنع نفسه بأنها استدعته إلى هنا لأنها تعرف وسيلة لفكّ التعويذة، لكن ربما اعتقدت هي أنه خضع لسلطة فايتشي فجاءت لتقضي عليه.

 

هبط قلبه.

 

كان قد قال إنه لن يتركها أبدًا مهما حدث…

 

‘لا، هذا غير ممكن… إيزابيلا لا يمكن أن تفعل ذلك…’

 

‘ربما… ليس هي من أرادت الابتعاد، بل مَن حولها هم من حاولوا منعها بعد أن عرفوا الحقيقة؟’

 

وقعت عيناه على ليكاردو.

 

إن كان هو ليكاردو الذي يعرفه، فسيسعى لمنع أي اتصال بينه وبين إيزابيلا لحمايتها.

 

غمره شعور غريب.

 

لطالما كان يعلم أن ايكاردو يُكنّ مشاعر لإيزابيلا، وهذا أزعجه وأقلقه كثيرًا.

 

لكن في الوقت نفسه، راوده اطمئنان غريب، إن حدث له مكروه، فسيكون ليكاردو هناك ليحميها.

 

“ذلك الوغد، يبدو أن طاقته نفدت!”

 

بدأت هجماتهم تخفّ عندما أخذ ثيو يتفادى بلا درعٍ متماسك، مكتفيًا بالتدحرج لتجنب الضربات.

 

وبينما كان يلتقط أنفاسه، لمح من خلفه حافة هاوية.

 

‘أأهرب من هنا؟ ربما يكون من الأفضل أن أؤجّل هذا وأزيل سوء الفهم في وقت آخر…’

 

لكن في تلك اللحظة الحرجة، لم يُتح له وقت للتفكير أكثر.

 

فووش~

 

“آه!”

 

اندفعت سهام ليكاردو ورياح دايفيد معًا.

 

دوووم!

 

رفع ثيو حاجزًا مائيًّا ببقايا طاقته، ثم انقلب على جانبه.

 

لكن قوة الحاجز مستعارة من ناياس، ولم يكن باستطاعتها مجابهة قوة شورييل.

 

وكأنهم استشعروا ضعفه، انطلقت سهام ليكاردو تلحقه، وقد اختلطت بريح شورييل التي حرّكها دايفيد، فأصبح من المستحيل التنبؤ بمسارها.

 

وفي خضم العاصفة…

 

“ماذا؟! لماذا تقف هناك…؟!” 

 

صاح ليكاردو بفزع.

 

حاول دايفيد على عجل أن يستردّ رياحه، لكن الأسهم التي حملها التيار كانت قد انطلقت في كل اتجاه.

 

ورآها ثيو أيضًا، الشخص الذي يفترض أن يكون بجوار ليكاردو، كان يقف خلفه هو، يراقب الهاوية التي كان يوشك على السقوط منها، وكأنها أرادت أن تحرس ذلك الموضع.

 

وحين التقت عيناهما—

 

فوووش—

 

سهمٌ من الريح انطلق نحوها.

 

تجمّد عقل ثيو.

 

كأن كل الضباب الذي كان يثقل تفكيره انقشع فجأة، ولم يبقَ أمامه إلا صورتها الواضحة.

 

السهم لامسها مرورًا، لكنها تعثّرت إلى الوراء وفقدت الأرض تحت قدميها.

 

“لا…!”

 

وقبل أن يفعل شيئًا، انغرز سهم آخر تحت عظمة ترقوتها اليسرى.

 

لم يكن هناك وقت حتى لتصرخ.

 

“إيزابيلا!”

 

صرخة ذعر من ليكاردو، فيما اختنق صدر ثيو.

 

رآها تسقط ببطء، كل شيء بدا واضحًا، وبطيئًا.

 

جسدها يميل إلى الوراء، متجاوزًا حافة الجرف.

 

“بيلا!!”

 

بلا تفكير، قذف ثيو بنفسه في إثرها.

 

رآها تهوي، مدّت يدها نحوه ووجهها متألم، فأمسك بمعصمها وجذبها إلى صدره.

 

لكن السقوط لم يتوقف.

 

لم يسقطا في هوة عميقة كما ظن، بل على جرفٍ قصير نسبيًا، ارتفاعه أكثر من عشرة أمتار، وفي أسفله نهرٌ يجري بقوة.

 

شدّها إلى حضنه بقوة، وهي انكمشت مطيعة بين ذراعيه.

 

تشاااب!

 

الماء البارد ابتلع جسديهما دفعة واحدة.

 

جرفهما التيار العنيف بلا رحمة، فسقطا في دوامةٍ أسقطت كل إحساس بالاتجاه؛ لم يعودا يميّزان الأعلى من الأسفل.

 

اندفع الماء إلى أنفيهما وفميهما.

 

لكن عقل ثيو كان منشغلًا بشيء واحد فقط، وهي إيزابيلا بين ذراعيه.

 

تذكّر السهم الذي اخترق جسدها قبل لحظات، فاشتد قلقه واضطرب قلبه.

 

[إيلايم!]

 

لكن لم يأتِ أي جواب.

 

‘اللعنة، لقد نفدت القدرة على التواصل…’

 

كان قد استهلك كل ما يملك من قوة وهو يتصدى لهجمات دايفيد وليكاردو بل وحتى إيزابيلا.

 

‘تبا…’

 

إذا نضبت طاقته الروحية فلن يستطيع استدعاء الأرواح.

 

[ناياس!]

 

تشبّث بآخر خيط من الأمل، مستنزفًا ما تبقّى من طاقته. ولحسن الحظ، ظهر ناياس.

 

سيطر على جريان الماء العنيف. 

 

لم يكن تحكّمه كاملًا مثل إيلايم، لكنه كان كافيًا ليجرّ إيزابيلا معه إلى الشاطئ.

 

“كُح…!”

 

ما إن أخرجها إلى السطح حتى بدأت إيزابيلا تسعل وتلفظ الماء.

 

“بيلا!”

 

بلهفة، كسر ثيو قصبة السهم التي اخترقت جسدها. 

 

سرعان ما تلوّنت ثيابها من حول السهم باللون الأحمر.

 

“أونديني!”

 

عند رؤية الدم، استدعى ثيو روح الماء خاصته. 

 

لكن لم يكن هناك أي رد.

 

“أونديني! ناياس! أي أحد منكم!”

 

مهما نادى بمرارة، لم يجبه أحد من الأرواح.

 

كان أمرًا محتومًا، فقد استنزف آخر ما تبقى من طاقته حين انتزعها من التيار قبل قليل.

 

“أرجوكم… أي أحد…!”

 

لكن الرد لم يكن من الأرواح، بل من رجل آخر.

 

“هاه، ما هذا المشهد الدرامي؟ حتى قلبي كاد يتوقف.”

 

التفت ثيو بغتة نحو مصدر الصوت، إنه ليكاردو.

 

لقد نزل ليكاردو ومعه دايفيد مستخدمَين أرواح الريح.

 

“ثيو، أنت…”

 

“لا تقتربوا.”

 

أشهر ثيو سيفه ممسكًا بإيزابيلا بذراع وباليد الأخرى مستعدًّا للقتال.

 

إن لم تكن لديه أرواح، فليكن السيف سلاحه. 

 

ولم تكن لديه نية للتراجع.

 

“إشهارك السيف يعني أن طاقتك الروحية نفدت.” 

 

قالها دايفيد، فتصلّبت قبضة ثيو أكثر حول قبضته.

 

أما ليكاردو فأطلق تنهيدة ارتياح، ثم مسح وجهه بتعب.

 

“هاه… يا لها من معاناة. حقًا كمية طاقة الأرواح عند المستدعين الأرواح العُليا مذهلة.”

 

لقد كان الأمر أشد مشقة من خوض معركة يقود فيها جيشًا.

 

“والواد كله تحطم.” 

 

أضاف وهو يتذكر الجرف المنهار.

 

“إذن انتهى الأمر الآن.”

 

فهم ثيو كلامه على غير وجهه، فشدّ قبضته على السيف وقال بصرامة:

 

“لم ينتهِ بعد. خطوة أخرى فحسب وسوف…”

 

كان ينوي التهديد، لكن ليكاردو رفع يديه.

 

“أستسلم.”

 

ولحقه دايفيد رافعًا يديه كذلك.

 

“ما الذي…”

 

“قلنا استسلمنا، فهل تسمح لنا بمعالجة إيزابيلا الآن؟”

 

هل كانت هي غايتهم منذ البداية؟

 

ضمّها ثيو بقوة أكبر، مرتبكًا بعض الشيء.

 

فأطلقت أنينًا خافتًا.

 

“آه…”

 

“بيلا.”

 

“أفاقتِ يا إيزابيلا؟ يا لكِ من مستحضرة أرواح بائسة!”

 

تفاعل ثيو وليكاردو في آن واحد حين أفاقت، لكن ليكاردو لم يكتفِ بالنداء باسمها، بل صرخ بعصبية:

 

“قلتَ إنك لن تؤذيها! فكيف تفسر هذا؟!”

 

“آه…”

 

حاولت إيزابيلا النهوض، فاندفع السهم المغروز في جسدها أعمق.

 

“من فعل هذا؟ من يحمّل سهامه برياح الأرواح؟! آه…”

 

وبدلًا من أن تهاجم ليكاردو، هي من شكت من فعلته. 

 

لكن بمجرد أن ارتفع صوتها، ازداد ألمها من تصلب جسدها.

 

“كنت أخشى أن تخطئ السهام. هكذا ضمنت إصابتها.” 

 

أجاب ليكاردو.

 

“لكن قلتَ إنك حتى على ظهر حصان تصيب الهدف دائمًا! إذًا كنتَ تكذب؟”

 

“أوه! وهل الرماية على صهوة جواد مثل التصويب وسط كارثة طبيعية؟!” 

 

صرخ باستياء.

 

إلا أن إيزابيلا رمقته بنظرة غير مصدّقة.

 

“كفى، أعطني الدواء.”

 

عندها تقدم الاثنان نحوها.

 

أما ثيو، فظل يحدّق إليهم مشوشًا، عاجزًا عن فهم الموقف.

 

“عذرًا، سأمزق هذا الجزء.”

 

استأذنها دايفيد قبل أن يمزق القماش حول موضع الإصابة.

 

وحين تفقّد الجرح، وجد أن رأس السهم قد انغرس قليلًا فقط، ولم يكن عميقًا.

 

“الحمد لله، لقد تجنبت الإصابة المميتة والشرايين الكبرى.”

 

الدماء التي انتشرت في الماء جعلت الجرح يبدو أخطر مما هو عليه.

 

أخرج دايفيد الأدوية والضمادات، وبدأ يعالجها بخبرة، كأنما اعتاد منذ زمن طويل تضميد جراح أخته المشاكسة التي كثيرًا ما تعود من معاركها وهي مضرجة بالجروح.

 

*****

 

ترجمة : سنو

 

انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك 

 

بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee

او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee