لن أخدع مرتين [ 91 ]
“هذا يربكني أكثر.”
هل يجب أن أتعرف الآن على كل الثمار التي تبدو بهذا الشكل؟
كان يسرّها أن شبكة التحقيق ضاقت، لكنها شعرت بخيبة حين رأت هذا الشيء وقد ذبل وتجعد.
إيزابيلا بدافع الاحتمال، قرّبته من نووم الصغير الجالس على كتفها.
“ما زال غير جيد؟”
[تشيك!]
“صحيح، ما زال غير جيد.”
كانت الأرواح لا تزال تكرهه.
أعادت إيزابيلا الثمرة إلى جيبها وأقفلت الآلية القفل المزدوجة.
وفي اللحظة التي كانت تدفع فيها الدرج برفق، سُمِع طرقٌ خفيف.
“تفضل بالدخول.”
ظنت أنه آنا حين أجابت، لكن الداخل كان ليكاردو.
“آه! سيدي الشاب! حسبتك آنا.”
“لا، لا بأس.”
لوّح ليكاردو بيده لينفي أهمية اعتذارها.
كان في الحقيقة يتمنى لو تعاملته بارتياح أكبر، لذا فمثل هذا التجاوز لا يُعدّ شيئًا.
“هل هناك ما يقلقك؟ ملامحك لا تبدو بخير.”
“لا، ليس بالأمر المهم.”
هزّ ليكاردو رأسه وجلس عند الطاولة وناداها.
“سأجلس قليلًا، لا بأس؟”
“طبعًا.”
سكبت له إيزابيلا الماء بنفسها وهي تتفحّص قسماته.
كان وجهه أشبه بوجه مَن تعرّض للضرب المبرح.
بالطبع، ضربٌ بالكلام.
وهي تعرف أن ليكاردو ليس ممن يُهزم بسهولة، لكن ملامحه قالت إن ما حدث لم يكن شجارًا بسيطًا.
“أردتُ أن أستشيرك في أمر ما.”
“تفضل، قل ما تشاء.”
“مملكة هيليبور… أمرها مريب.”
دخل في صلب الموضوع مباشرة.
“ماذا……؟”
“لستُ وحدي من شعر بهذا، هارسيز أيضًا بدا أنه لاحظ الأمر.”
قال إنه بالأمس تحدث مع ولي العهد عن شأنٍ يخص مملكة هيليبور.
“لستُ مهتمًا بسياستهم، لكن مجريات الأمور تبدو وكأنها…….”
وضع يده على جبينه باحثًا عن التعبير المناسب.
“تسير نحو كارثة؟”
“بالضبط! هذا هو…… مهلاً، أنتِ تعلمين؟”
حين لخّصت له الحال التي لم يستطع أن يعبّر عنها، التقط عبارتها فورًا، ثم رفع رأسه بدهشة لأنها قالت ذلك.
جلست إيزابيلا أمامه وهزّت رأسها.
“لا، لكن المملكة كانت فوضوية أصلًا…….”
حاولت أن تتهرّب، لكن عقلها كان يغلي.
هل الأمور حقًا تتسارع إلى هذا الحد؟
وهي التي تحمل ميزة الحياة الثانية تعرف شيئًا واحدًا:
الحرب ستندلع مجددًا.
بسبب دسائس فايتشي.
‘لا، بل إن وجود فايتشي نفسه هو سبب الحرب.’
مهما يكن، الحرب ستقوم ثانية.
وكانت أيضًا وسيلة للتخلص من ولي العهد في النهاية……
‘ما كان ينبغي أن يقع إلا بعد خمس سنوات، بدأ يحدث الآن.’
كانت إيزابيلا قد توقعت ذلك قليلًا عندما انهارت مناجم بيت الماركيز ماكا قبل ثلاث سنوات من موعدها المفترض، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من انتهاء الحرب.
وقد أعدّت نفسها لهذا.
‘بهذا الحال، عليّ أن أحمي ولي العهد في وقت أبكر، وأن أسرع في كشف أمر الإمبراطورة.’
لكن المشكلة أنها لم تواكب التغييرات بالسرعة الكافية.
فحتى بعد الحرب، لن تنهار قوة ولي العهد.
لكن الإمبراطور سيموت.
وولي العهد لن يصبح إمبراطورًا.
لأنه سيُقتل على يد فايتشي.
أدقّ من ذلك، سيُغتال أثناء جدال مع إيزابيلا كانت تحاول فيه كبح جماحه حين يخرج عن السيطرة.
تذكرت ذلك المشهد، فغمرها شعور غريب.
صورة أوفيليا التي قيل إنها صورة أمها.
إن كانت حقًا أمها، ولم يكن الأمر مجرد شبهٍ غريب أو شبيهٍ كالدوبلغانغر…
(قد شرحت ايش معناه وهي وجود شبيه بدون صله قرابه بعد مرور سنين)
فهي غالبًا ابنة الإمبراطور.
وإن صحّ هذا، يكون ولي العهد أخاها غير الشقيق.
ولأنها عاشت حياتها وهي تظن أن لا عائلة لها، بدا لها الأمر أشد غرابة.
‘لا. لا يجب أن أفكر بهذا.’
فليس الوقت مناسبًا لتكشف أنها ابنة أوفيليا.
ثم إن أوفيليا ما تزال المشتبه بها في محاولة اغتيال الإمبراطور.
ما دام ماضيها لا يمكن أن يُكشف، فالأفضل ألا تتعلق به.
الآن، همّها الحقيقي هو ما يواجهها.
“فكرتُ فجأة أن أسألك عن رأيك. فأنت دومًا تقولين كلامًا صائبًا يثير الدهشة.”
كان ليكاردو يستشيرها بشأن الأجواء الغريبة في مملكة هيليبور.
أما هي، فقد رأت أبعد من ذلك.
الحرب لا يمكن إيقافها.
ليست شيئًا تُغيّره مجهوداتها وحدها، فهي شبكة مصالح معقدة.
لكن هناك ما تستطيع فعله.
“إن اندلعت الحرب، فثيودور سيخرج إلى الجبهة، أليس كذلك؟”
“بلى، لا شك في ذلك.”
“وبما أنني موجودة الآن في بيت الماركيز ماكا، فسأذهب ممثلة عنهم.”
“هذا يحتاج إلى نقاش.”
أراد أن يقول إنها ليست بالضرورة من تذهب، بل ربما يذهب هو، لكن إيزابيلا هزّت رأسها.
“من الطبيعي أن يبقى سيدي الشاب، لا أنا.”
وذلك ما سيوافق عليه الماركيز، وكل الخدم أيضًا.
فهي، بصفتها مستحضرة أرواح عليا، ستكون أكثر فائدة في ساحة الحرب.
أما ليكاردو القادر على حمل السياسة، فسيكون أنفع في الداخل.
“لكن في غيابي، سيكثر الكلام مجددًا بأن بيت الماركيز بلا مستحضرأرواح.”
بما أن الروحانية ستخرج إلى الحرب، فلن تشارك في اجتماعات جمعية الأرواح، وسيكثر القيل والقال.
ابتسم ليكاردو ابتسامة مُرة وقال:
“لا حيلة في ذلك. لكن على كل حال، الوضع أفضل بكثير مما كان حين لم يكن لدينا أحد.”
“لكن لا يمكننا الاستسلام. لا أستطيع أن أرى بيت الماركيز ماكا يُعامل بازدراء مرة أخرى.”
قالها ليكاردو بنبرة المستسلم، لكن إيزابيلا هزّت رأسها نفيًا.
“بهذا المعنى، قد أكون أنا من يخرج إلى الحرب…”
“كلا!”
اعترضت إيزابيلا بسرعة على استنتاجه الغريب، وقد بدا عليها الضيق.
“ليس هذا ما أعنيه.”
“……؟”
“المسألة ببساطة أن وجد مستحضر ارواح آخر في بيت الماركيز. حتى لو لم أكن هنا، فلن يجرؤ أحد على الاعتراض.”
ضحك ليكاردو بسخرية خفيفة.
“لقد قضينا عشر سنوات نبحث عن ذلك المستحضر ولم نجده. ظهورك كان أشبه بالمعجزة، وأنتِ لا تدركين ذلك.”
“ولِمَ تبحثون؟ أليس هو موجودًا أمامنا؟”
“ماذا تقصدين…….”
توقّف كلام ليكاردو حين تبع بإبصاره اتجاه إصبعها.
“ماذا……؟”
“ها هو أمامنا. مستحضر أرواح من المستوى المتوسط. وإذا كان قد ورث دماءً قوية، فربما يمكنه أن يصل إلى استحضار المستوى الأعلى.”
كانت تشير نحوه مباشرة.
“م-ما هذا الكلام الفارغ……!”
نهض ليكاردو بغتة، فاصطدم الكرسي بالأرض خلفه.
لكنه لم يلتفت إلى ذلك، بل صرخ بغضب مضطرب:
“لم آتِ لأسمع هذيانًا!”
كان صوته متوترًا وفيه غضب وجرح.
“أنتِ أكثر من يعرف كيف فقدتُ أرواحي……! كيف تجرؤين على نبش جرحي هكذا؟!”
كان وجهه مليئًا بالمرارة والخيانة.
“لا تكرري هذا الكلام أبدًا!”
كان من الواضح أنه تأذّى بشدة.
وحين همّ بمغادرة المكان، مدت إيزابيلا يدها.
“سيدي الشاب، انتظر لحظة……!”
لكنه تجنّب يدها.
“سيدي الشاب!”
قامت إيزابيلا مسرعة خلفه، فاهتزّت الطاولة وسقط المزهرية فوقها، لكنها لم تكترث ولحقت به.
“ليكاردو!”
وحين أمسك بمقبض الباب، أمسكت هي بمعصمه.
ولحسن الحظ، لم يُبعد يدها.
“لم أقصد السخرية، ولم يكن كلامي عبثًا.”
قالتها على عجل.
ارتجفت يد ليكاردو القابضة على المقبض المفتوح.
“أظن أنه يمكنك استدعاء أرواحك مجددًا.”
أدار رأسه ببطء بتصلب شديد حتى بدت حركته متخشبة.
وتلاقت نظراتهما.
“ماذا قلتِ……؟”
“لست متأكدة حتى أجرب…… لكن فلنجرب معًا إعادة الاستحضار.”
انسلت يده من على المقبض.
وعيناه ارتجفتا كشمعة مضطربة.
“أتدركين أن هذا الكلام قد يدفعني إلى الجنون؟”
“أعلم… وأعتذر. لكن…….”
أنزلت إيزابيلا يدها من معصمه وأمسكت كفّه بكلتي يديها.
“لكني أنا أيضًا على وشك الجنون.”
كان هذا اعترافًا بأنها غير واثقة، لكنها تشعر بما يشعر به.
ليكاردو لم يصدقها كليًا.
فهو يعلم أنها لن تفهم حقًا عمق شوقه وألمه.
لكن دفء يدها التي قبضت على يده أيقظ فيه رغبة في التصديق.
“كم شخصًا تعتقدين منحني الأمل طوال هذه السنين؟ العشرات. جربت كل وسيلة ممكنة.”
“……”
“وأخيرًا…… أخيرًا تقبّلت الواقع. اعترفت بصعوبة أنني لن أكون مستحضر أرواح مجددًا.”
عشر سنوات كاملة استغرقها ذلك.
عشر سنوات ليقبل أنه لن يعود أبدًا لما كان.
“لا تمزقي قلبي الذي بالكاد التئم.”
كان صوته أشبه بالرجاء.
وبالفعل، لم يكن سوى رجاء.
كلام الآخرين اعتاد أن يرفضه ويسخر منه.
لكنها إيزابيلا.
هي وحدها التي لم تخذله يومًا.
هي التي نفخت الروح في بيت الماركيز البالي.
هي التي منحت حياته معنىً جديدًا بعدما تخلى عن كل شيء.
ولهذا، دخل الأمل من جديد، غادرًا كل دفاعاته.
أمل لعين.
يعرف أن التعلق به لن يقوده إلا إلى خيبة أقسى.
لكنه تسلل.
“ليكاردو.”
لماذا إذن لم ترتجف نظراتكِ؟
لماذا عيناكِ ثابتتان كأنهما تشدّان قلبي؟
“أرجوك… صدقني هذه المرة فقط.”
وانهار قلب ليكاردو.
تحطّم كالجدار المهدم.
إنها إيزابيلا.
ليست أي شخص آخر.
هي التي أحيَت بيت الماركيز.
هي التي صنعت له مستقبلًا بعدما لم يكن له.
“آه…….”
أطرق برأسه غير قادر على احتمال فيض مشاعره.
وزفر أنينًا أقرب إلى تنهيدة يائسة.
“ليكاردو.”
نادت مجددًا برجاء.
وانقبض صدره بشدة.
“فلنجرب مرة واحدة فقط.”
******
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 91"