[أعضاء البعثة التحفظ عندهم شديد، وما جرى في المملكة أُدرِج تحت بند السرية، لذا لا أعلم على وجه الدقة ما الذي حدث هناك.
وعليه، فإن ما يلي ليس إلا فرضية ممزوجة بخيالي.
كثيرون ممّن علموا بأن تلك المرأة عادت برفقة الإمبراطور من زيارته للمملكة افترضوا أنّه أخذها لأنه انبهر بها.
إلا أنني أرى الأمر بخلاف ذلك.
أنا لا أعرف ذوق الإمبراطور، ألكسندر صامويل فون دويتشلان، ولا أعرف حتى ملامح تلك المرأة بدقة.
لذلك أودّ أن أطرح فرضية مختلفة قليلًا.
وهي أنّ تلك المرأة كانت في الأصل جارية تعمل في قصر هيلّيبور الملكي]
ارتجفت أطراف أصابع إيزابيلا.
‘جارية هاربة…؟ لا، ما دام الإمبراطور نفسه اصطحبها، فلا يصح القول إنها هاربة.’
أخذت تهدئ من خفقات قلبها المذعورة وتابعت القراءة:
[مملكة هيلّيبور تعدّ الأرواح مخلوقات شيطانية، ولهذا يرسخ عندهم عرف بغيض يجعل من كل من تبدو عليه سمات استحضار الأرواح عبدًا لا يُسمح له بالنمو أو الترقّي]
وكان ذلك أمرًا تجهله تمامًا.
إذًا، أهذا سبب خلوّ مملكة هيلّيبور من مستحضري الأرواح؟
قطّبت إيزابيلا جبينها وهي تفكر في عدد أولئك المستضعفين الذين يقاسون في المملكة.
[تلك المرأة كانت تملك موهبة تؤهلها لتصبح مستحضِرة أرواح عليا. فإن علم القصر بذلك، فليس من المستبعد أن يكونوا حوّلوها إلى جارية.
وأنا أرجّح أنّ الإمبراطور حين زار المملكة، أدرك موهبتها فأخذها معه.
ولا يُعلم كيف عقد صفقة مع المملكة ما دامت الإمبراطورية لا تعرف نظام العبيد.
لكنني أرى أن هذه الفرضية أكثر منطقية من القول، أخذها لأن قلبه هوى بها.
فقد رافقت الإمبراطورة زوجها في تلك الزيارة، ولو أنّ الأمر كان مجرّد نزوة عابرة، فهل كانت لتغضّ الطرف عن أن يصطحب زوجها امرأة أخرى، وهو حديث عهد بالزواج بها؟
لستُ خبيرًا في الحبّ ولا في قسم الزواج، لكنني أرى أنّ الإمبراطورة حرصًا على صون كرامة العرش، لم تكن لتسكت على ذلك.]
ظلّ الكاتب يكرر في مواضع شتى أنّ ما أورده ليس إلا فرضياته الخاصة، وكأنه يخشى أن ينسى القارئ ذلك.
لكن إيزابيلا وجدت في كلامه قدرًا كبيرًا من الوجاهة.
[إن كانت تلك المرأة فعلًا عبدة، فالإمبراطور حتمًا تعمّد إخفاء ماضيها عن القصر.
وإن كانت مستحضِرة أرواح نبيلة، فليس غريبًا أن يبرم الإمبراطور أي صفقة مع المملكة ليضمّها إليه.
ولا يُعلم إن كانت المملكة قد أدركت أمر موهبتها أم لا، غير أنّ الفرضية تبقى ممكنة إلى حدّ بعيد.]
[أمّا السبب الأهم الذي يدفعني للظن بأن تلك المرأة من مملكة هيلّيبور، فهو ما وقع بعد عامين من ظهورها.]
ثم جاء في السطور التالية ما يدعم هذه الفرضية دعمًا كاملًا:
[مضى عامان على انكشاف هويتها باسم أوفيليا وعلى عيشها في القصر الإمبراطوري بصفة مستحضِرة أرواح.
ففي السنة السبعمئة من التقويم الإمبراطوري، إبّان احتفال ضخم بمرور سبعمئة عام على تأسيس الإمبراطورية، وقع حادث جلل، محاولة اغتيال الإمبراطور داخل القصر.
ومن استغلّ انشغال البلاط بالاحتفالات ليحاول اغتيال الإمبراطور لم يكن سوى أوفيليا نفسها.
وضعت السمّ في شراب الإمبراطور، فصدرت بحقها أوامر القبض، لكنها اختفت بلا أثر.
تلاشت كما ظهرت، لا يُدرى أاختطفتها السماء أم ابتلعها الثرى.]
كان ظهورها المفاجئ واختفاؤها المباغت أشبه بالوهم، حتى ليخيل للناظر أنّ العامين اللذين قضتهما في القصر لم يكونا سوى سراب.
[والسبب في ظنّي أنّ أوفيليا من مملكة هيلّيبور يعود إلى هذه الحادثة بالذات، إذ حمّلت الإمبراطورية المملكة مسؤولية محاولة اغتيال الإمبراطور.
فالسمّ كان يُستخرج من فطر يكثر في تلك المملكة، والصيدلية التي تولت أمر السمّ مملوكة لها. لكنني أرى ذلك كله مجرّد ذريعة دبلوماسية مختلقة.]
دوّن الكاتب هذه المعلومات بجرأة، حتى كاد القارئ يتساءل أيجوز أن يكتب إلى هذا الحد؟
تحققت إيزابيلا من اسم المؤلف مرة أخرى، لكن لم يُذكر في أي موضع.
‘أترى كل هذه الجراءة لأنه كتب نسخة واحدة بلا اسم؟’
مجرد دفتر رثّ أشبه بكرّاسة مهملة، وموضوع في ركن قصيّ من مكتبة جمعية الأرواح؛ فكيف للإمبراطور أن يعثر عليه أصلًا؟
ابتلعت إيزابيلا إحساسها بالقشعريرة وأكملت القراءة، لكنّها شهقت حين رأت أول سطر في الصفحة التالية:
[كانت هذه الحادثة السبب الذي أوقع بيت لويد في تهمة الخيانة.]
وإلى جانب السطر حاشية صغيرة تقول:
[تفاصيل القصة تجدونها في فصل جيرميان كرونوس فان لويد من هذا الكتاب…]
لم تُكمل السطر حتى قلّبت الصفحة، فما عاد يهمها أمر أوفيليا وقد انتهت القصة بقول الكاتب إن أحدًا لم يعرف مصيرها بعد اختفائها.
وأخيرًا بلغت إيزابيلا الفصل الذي جاءت من أجله، فصل الدوق لويد.
ابتلعت ريقها جفافًا، إذ شعرت أنها قرأت ما يزيد عن الحد.
بدأت القصة تمنحها شعورًا متصاعدًا بالتوتر حتى غدت قلقة مما سيُروى عن الدوق لويد بالذات.
[القارئ الذي طالع الكتاب من أوله يذكر أنّ الكاتب قال إن أصل المآسي جميعًا كان حبّ الإمبراطور ألكسندر لأوفيليا.
ويذكر أيضًا أنّني في فصل أوفيليا قلت إنني لا أظنّ الإمبراطور اصطحبها بدافع الهوى.
ولمن يرى في القولين تناقضًا سأضيف هذا التوضيح، أعتقد أنّ الإمبراطور حين ضمّها إلى القصر لم يكن يكنّ لها حبًّا، لكنني أرى أنّه أحبّها فيما بعد.]
بفضل الشرح الإضافي الذي لا لزوم له، استطاعت إيزابيلا أن تخفف قليلًا من التوتر الذي كان يبلغ ذروته عند ذقنها.
لكنها ما لبثت أن حبسَت أنفاسها مجددًا عند السطر التالي:
[بدأت الكارثة حين توهّم الإمبراطور أنّ أوفيليا خانته ووقعت في حبّ جيرميان كرونوس فان لويد.]
توهّم.
توقّف بصر إيزابيلا عند هذه الكلمة.
إذًا لم يكن ذلك حقيقيًا؟
[في السنة السبعمئة من التقويم الإمبراطوري بعد محاولة اغتيال الإمبراطور، أفاق ألكسندر ليُعلن أن أوفيليا شربت الشاي معه في تلك الليلة.
وقد زاد هذا التصريح من انتشار الشائعة القائلة بأن أوفيليا كانت عشيقة الإمبراطور، إذ كان الوقت متأخرًا للغاية، والمكان غرفة الإمبراطور نفسها.
فلماذا أفصح الإمبراطور عن ذلك؟
لأنه أراد أن يوضح أنّ أوفيليا أيضًا تناولت الشاي المسموم.
فإن كانت قد شربت السم، فأين اختفت إذًا؟
هذا كان بداية شكوك الإمبراطور تجاه الدوق لويد جيرميان.
فقد صادف أن الدوق كان أعظم مستحضِر لأرواح الماء في عصره، وكان حاضرًا في القصر لحضور الاحتفالات، كما أنّه غادر القصر في تلك الليلة بالذات، في الوقت الذي سقط فيه الإمبراطور فاقدًا للوعي، واستقلّ عربته إلى وجهته.
كان جيرميان مستحضِرًا مختصًا في العلاج، ولهذا زعم الإمبراطور أنّه ربما أنقذها من السمّ وأخفاها، ثم هرب بها إلى إقطاعيته.
بالطبع، أجرت لجنة التحقيق تفتيشًا شاملًا بعد ذلك.
فتحققت من عربات بيت لويد والمنازل التي نزلوا بها، وعدّوا الأشخاص المقيمين هناك واحدًا واحدًا.
لكن أوفيليا لم تكن بينهم.
ومع ذلك، ظلّت شكوك الإمبراطور تتفاقم.
وربما كانت الصداقة الوثيقة التي جمعت الإمبراطور ألكسندر بدوق لويد جيرميان هي ما فاقم الأمر.
أليست خيانة الصديق أشدّ وقعًا في النفس من خيانة عابرة؟
فضلًا عن أنّ مثلث الحبّ الممزوج بالغدر يثير العواصف العاطفية أكثر من أي خيانة عابرة.
لكن هذا مجرد رأي شخصي لكاتب لا يعرف الحبّ.]
وما زاد الطين بلّة أنّ مملكة هيلّيبور كانت متورطة أصلًا في قضية اغتيال الإمبراطور، فلمّا دخلت أسرة لويد على الخط بسبب أوفيليا، انتشرت شائعة تقول إنّ بيت لويد تآمروا مع هيلّيبور.
وكانت هذه الفرضية تزداد ترجيحًا بحكم أنّ إقطاعية لويد تقع على الحدود المتاخمة لمملكة هيلّيبور.
غير أنّ كل ذلك لم يكن سوى أقاويل بلا برهان ولا شاهد واحد.
أما الحقيقة، فكانت أنّ سوء الفهم بين الإمبراطور والدوق آخذ في التعمّق، مثل هوّة لا قرار لها.
[هذه الشائعات أذكت التوتر بين الإمبراطورية والمملكة، وتراكمت الضغائن وسوء الفهم بصمت…
حتى انفجر كل شيء في السنة 706 من التقويم الإمبراطوري.]
ثم مضى الكاتب في لهجة باردة إلى الحديث عن تلك الحادثة:
[ما يعرفه الجميع باسم: إبادة أسرة دوق لويد.]
حبست إيزابيلا أنفاسها وهي تقلّب الصفحة.
لكن عبثًا حاولت أن تكون حذرة؛ إذ لم يكن في الصفحة التالية ما يكمل النص.
[ماذا؟ لماذا قفز فجأة إلى الفصل التالي؟]
أخذت إيزابيلا تقلب الصفحات إلى الأمام وإلى الخلف في ارتباك.
بل هزّت الكتاب وأفرغته، عسى أن تسقط منه أوراق مخبأة.
لكن لم يتغير شيء… سوى أنّها اكتشفت أمرًا آخر:
‘آثار تمزيق…؟’
نعم، كانت هناك آثار تدلّ على أنّ أحدهم اقتلع الصفحات عمدًا.
فشعرت بالدهشة قبل أن تشعر بالأسف.
‘أيمكن أن يكون أحدهم تفقد هذا الكتاب المهمل في هذا الركن القصي؟
أم أنّ الكاتب نفسه جاء وانتزعها؟
أم أنّ أحد أعضاء الجمعية مزّقها بعد أن خشي أن تثير صراعًا مع العرش؟
لا بد أن للإمبراطورة أعوانًا حتى داخل الجمعية؛ لعلّهم هم من محوا الأثر.’
زفرت إيزابيلا تنهيدة امتزجت فيها الحسرة بالخيبة.
كان انقطاع السرد مفاجئًا ومثيرًا للغيظ، لكن لا يد لها في إصلاح الأمر.
“ما بكِ؟”
سألها ثيو وقد لمحها تقلّب الكتاب وتتنهد.
“لا شيء… فقط بعض الصفحات ناقصة.”
أجابت بخفة وهي تقلّب الكتاب حتى بلغت الصفحة الأخيرة، صفحة الخاتمة، فتوقفت عندها:
[لم أتعمد وصف ملامح هؤلاء الأربعة، فلا صلة شخصية لي بهم، ولم أرهم إلا من بعيد،
فلا أعلم كيف يبدون.
من أراد أن يعرف أشكالهم فليراجع كتاب قائمة مستحضري الأرواح في تاريخ الإمبراطورية – الجزء السادس المحفوظ في أرشيف الجمعية.
وأزيد تنبيهًا:
من يتوق إلى معرفة حقيقة ما إذا كانت أوفيليا فعلًا المرأة التي أُحضرت من المملكة أو تفاصيل محاولة اغتيال الإمبراطور في السنة 700، أو صراع الإمبراطور والدوق في السنة 706، فليحذر…
فأنا أكتب هذه السطور في وقتٍ تُبذل فيه جهود هائلة في القصر لطمس كل ما يتعلق بهم، وأي فضول في هذا الباب قد يعرّضك أنت وأعزّ الناس عليك للخطر.]
وبعد ذلك التحذير الطويل والمفصل، أضاف الكاتب جملة قصيرة تناسب طبعه الصريح:
[الحقيقة لا يعلمها سوى سجلّات دويتشلان.]
****
قدرو تعبي عنجد كتير مؤلم وتفاصيل كتير دخلت براسي وذا كله جايه اترجم 10 فصول
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 83"