لن أخدع مرتين [ 70 ]
وصل وفد مملكة هيليبور
لم يكن عددهم كبيرًا، لكن تركيبتهم كانت ثقيلة ومهمة.
كان قائد الوفد هو أمير هيليبور نفسه، ومن بين المرافقين كان ثمانية من كل عشرة منهم سحرة.
ومن خلال التشكيلة وحدها كان واضحًا ما الذي يريدون إظهاره والتأكيد عليه.
أما ردّ الإمبراطورية فجاء في اليوم التالي، في مسابقة الصيد.
***
“من يراهم يظن أنها جلسة لجمعية الأرواح.”
قالتها إيزابيلا وهي تتأمل الحشود المتجمّعة استعدادًا للصيد، ثم هزّت رأسها.
“إنها اللحظة الوحيدة التي يتوحّد فيها جميع النبلاء، خاصة تلك العائلات التي تخرّج منها أقوى المستضرين.”
علّق ليكاردو وكأنه مندهش من هذا المشهد.
“اليوم فقط لن تكون السياسة ولا الانقسامات عائقًا.”
“عدوّ مشترك يجعلهم يتكاتفون.”
“ولأن الحرب انتهت منذ وقت قريب، فالكل متوتر وحذر.”
حتى من دون أن يفعل أحد شيئًا، كان التوتر والحدة يملآن الأجواء. فصفّر ليكاردو صفيرًا طويلاً وكأنه يفرغ انزعاجه.
في تلك الأثناء، التفتت إيزابيلا نحو ثيو وسألته بهدوء:
“ثيو، هل أنت بخير؟”
كان بيت ماكا قد نصبوا خيمة كبيرة جعلوا منها مكانًا خاصًا للانتظار.
لكن ذلك لم يساعد ثيو كثيرًا.
فخيمة بيت ماكا كانت بجانب خيمة ولي العهد مباشرة، وكان الناس يتوافدون حولها باستمرار، من يأتي ليرى ولي العهد، ومن يقصد بيت ماكا أنفسهم.
“لا داعي للقلق.”
“ربما بقاؤك تحت خيمة بيت ماكا أفضل قليلًا من العكس…”
لو كان حاضرًا وحده باسم الكونت لامارتي لكان عدد من يقصدونه أكبر بكثير.
لكن بما أنه تحت سقف بيت ماكا، فكل من جاء وجد ليكاردو واستودعه السلام وغادر.
فالمقصود لم يكن ثيو نفسه، بل وسيلة للوصول إلى بيت ماكا من خلاله.
“ما إن يبدأ الأمر، فلندخل أرض الصيد مباشرةً.”
قالتها إيزابيلا وهي تفكر في أقل الطرق لفتًا للأنظار.
“إيزابيلا، هل انتهيتِ من استعدادك؟”
جوشوا الذي كان يتولى كالعادة الأعمال الورقية، جاء يبحث عنها.
“نعم. لم يبقَ سوى أن أسقي الخيول.”
كانت الخيول المخصصة للصيد مربوطة بجوار الخيمة.
“إذن تعالي وخذي هذا. يجب على كل المشاركين ارتداء هذه الشارة. وأنت أيضًا يا ثيو.”
رفع جوشوا شارةً تحمل شعار بيت ماكا.
“لا معنى لها، لكن إن كانوا يقولون علينا ارتداءها فلا بأس.”
قالها ليكاردو بامتعاض، وقد رأته إيزابيلا أنه يرتدي شارة بالفعل.
“سيدي، شارتك بيضاء. أما أنتما الاثنان فسوداء.”
كانت إشارة إلى أن ليكاردو قائد الفريق، والبقية أعضاء.
“آخ، إنها ضيقة جدًا. ألا يمكن جعلها أوسع قليلًا؟”
“لكن قبل قليل كنتَ تقول إنها واسعة أكثر من اللازم.”
ناول جوشوا الشارة لإيزابيلا، ثم ساعد ليكاردو في تعديل شارة ذراعه.
“ألا يمكن وضعها على الرأس بدل الذراع؟ مثل رباط الشعر.”
سأل ليكاردو وهو يختار رباطًا ليمسك شعره الطويل.
“الغرض أن تكون واضحة من بعيد، لذا يجب أن تكون موحدة الشكل.”
أجابه جوشوا، فتمتم ليكاردو بضجر وهو يرفع شعره للخلف.
شَده بالكامل، فاجتمع شعره الفضي الطويل في خصلة واحدة.
في تلك اللحظة جاءه مبعوث من ولي العهد.
بعد أن تبادل معه بضع كلمات، التفت ليكاردو إلى إيزابيلا.
“إيزابيلا، هارسيز… أعني ولي العهد، يطلب رؤيتك.”
“أنا؟”
“نعم، معًا أنا وأنتِ.”
كانت إيزابيلا في تلك اللحظة ترتدي شارتها بمساعدة ثيو، فنظرت باستغراب.
ثم عاد ليكاردو بعد أن تحدّث مع المبعوث مرة أخرى وأضاف:
“ويبدو أن وجود أمير هيليبور معه يدل على أن الهدف هو أنتِ بصفتك مستحضرة الأرواح.”
“آه، فهمت.”
لم يكن منطقيًا أن يستدعوا مستحضر أرواح من دون سابق تنسيق.
ولأن ليكاردو كان الأقرب، فقد طلبوا منه أن يأتي ومعه إيزابيلا.
“هيا بنا.”
أخذت إيزابيلا رباطًا للشعر وسارت بجانبه متجهةً إلى خيمة ولي العهد، تربط شعرها في الطريق.
“أظنها أول مرة أراك تربطين شعرك هكذا.”
“حقًا؟”
“رأيتك نصف تربطينه، لكن لم أجرب أن أراك ترفعينه كله.”
قال ذلك وهو يتأملها.
كانت إيزابيلا تربط شعرها أحيانًا عند صنع الأدوات السحرية، لكن ليكاردو لم يشهد ذلك.
“شعري مجعد بشدة، لذا يتطاير في كل اتجاه. خصوصًا فوق ظهر الحصان، يبعثره الهواء أكثر.”
كلما أدارت رأسها، انتشر شعرها في مجال الرؤية.
“إنه مزعج فعلًا.”
“هاها، هارسيز نفسه كان يتذمر نفس الكلام ذاته. قال إن الشعر الطويل أسوأ شيء في الصيد.”
“صاحب السمو؟”
“عندما كان صغيرًا، كان يربي شعره حتى هنا.”
وأشار ليكاردو إلى كتفه.
حاولت إيزابيلا أن تتخيل ولي العهد حينها بشعر قصير إلى الكتفين، لكن لم تستطع.
فشعره الآن قصير لدرجة لا تسمح حتى بالتفكير أنه كان مجعدًا يومًا.
“كان شعره مجعدًا مثلك تمامًا. كنت أستمتع أحيانًا بمضايقته بسببه، لكن بعد أن نُصّب وليًا للعهد، قصه بالكامل وأبقاه قصيرًا كما ترينه الآن.”
لا يسمح أن يزيد عن خمسة سنتيمترات أبدًا.
“لا تكثر المزاح هكذا. نحن أصحاب الشعر المجعّد نعتبره عقدة خفية، خصوصًا في الأيام الممطرة…”
“أعرف، يتحول حينها إلى قنبلة منفوشة هكذا.”
“آه، يا سيدي الوغد الصغير!”
فتح ليكاردو ذراعيه على شكل دائرة وهو يقلّدها مازحًا، فحدّقت به إيزابيلا بنظرة غاضبة.
وبتلك النظرة المليئة باللوم، انفجر ليكاردو ضاحكًا أكثر.
“أنت الآن تتفاخر بشعرك الأملس الخالي من التجعيد، أليس كذلك؟”
“هاها، إنه مجرد مزاح. ذكّرني فقط بشكل شعر هارسيز في الماضي.”
رغم اعتذاره، ظلّت إيزابيلا تنظر إليه بامتعاض.
فشعرها الكثيف الملتف أصلًا كان من أكثر ما تعتبره نقطة ضعف لديها.
لكن ربما بسبب صفاء الجو اليوم، لم يكن مزاح ليكاردو مزعجًا كما في العادة.
“ألَيس ثيو يحب شعرك المجعّد؟”
“بلى، يقول إنه ناعم ومنفوش كوسادة.”
“إذن فهذا يكفي، أليس كذلك؟”
“مم… ربما، معك حق.”
وربما السبب أنها كانت تدرك أن ثيو سيجدها جميلة على أي حال، سواء كان شعرها مجعّدًا أو محلوقًا.
وبينما كان الحديث كله يدور حول الشعر بلا قيمة، وصلا أخيرًا إلى وجهتهما.
المبعوث الذي قاد ليكاردو أعلن لولي العهد عن وصولهما، ثم سُمح لهما بالدخول إلى الخيمة.
“أمرتني يا سمو ولي العهد.”
“أرفع التحية إلى الشمس الصغيرة للإمبراطورية.”
وبما أن ولي العهد لم يكن وحده، فقد التزم ليكاردو آداب التحية الكاملة.
“أحسنتما المجيء. تفضلا بالدخول.”
استقبلهما هارسيز بوقار، حافظًا على هيبته.
“اسمحوا لي أن أقدّم، هذا هو أمير مملكة هيليبور الذي زار الإمبراطورية اليوم من أجل اتفاقية جديدة.”
“اسمي غراديوس وايت فون هيليبور.”
“تشرفت بلقائك. أنا ليكاردو ماكا من بيت الماركيز ماكا.”
“أقدّم احترامي لسمو الأمير. أنا إيزابيلا، مستحضرة الأرواح التابعة لبيت ماكا.”
“هاه، إذن أنتِ هي المستحضرة التي حدثني عنها سمو ولي العهد.”
أبدى أمير هيليبور اهتمامًا مباشرًا بإيزابيلا.
ثم رفع بصره نحو وجهها، يتفحّص ملامحها بتمعّن.
“قيل لي إنك من العامة، صحيح؟”
“نعم، وقد علمت نفسي بنفسي.”
وهذا تحديدًا ما جعل ولي العهد يحمل تجاهها تقديرًا خاصًا.
فهي لم تكن مجرد مستحضرة لبيت ماكا، بل رمزًا لأمله بأن تصبح الأرواح أقرب للعامة لا حكرًا على النبلاء.
“أأنتِ متأكدة أن والديك لم يكونا مستحضري أرواح؟”
سأل أمير هيليبور وكأنه لا يريد أن يصدق.
عيناه التي راحت تفحصها بعناية دقيقة، أرسلت قشعريرة غريبة في جسدها.
“على حد علمي، فقد نشأت يتيمة في دار للأيتام. أليس كذلك ايتها الروحانية إيزابيلا؟”
“صحيح.”
ابتسمت إيزابيلا مؤيّدة كلام ولي العهد.
“كبرتُ في قرية تُدعى كوم داخل مقاطعة ماكا كطفلة يتيمة.”
“لكن اليُتم يعني أنه لا وسيلة للتحقق من والديك، أليس كذلك؟ إذن فهناك احتمال أن…”
سأل الأمير بإصرار، وكأنه يرفض الاعتراف بوجود حالة استثنائية.
“هاها، لو كان أحد والديها مستحضرًا لعُلم بذلك بلا شك. الجمعية كانت ستتأكد بنفسها.”
فجميع المستحضرين مسجّلون في الجمعية.
وما إن يولد طفل لهم، حتى يأتي وفد للتحقق مما إذا كان يمتلك قدرة على الارتباط بالأرواح.
وفوق ذلك، معظم المستحضرين من النبلاء.
فوجود طفلهم في دار للأيتام أمر لا يعقل.
حتى لو كان غير شرعي، فلن يُترك هكذا أبدًا.
“فهمت.”
ردّ الأمير وكأنه اقتنع، لكن عينيه الضيّقتين لم تكفّا عن التحديق بها، مما دلّ على عكس ذلك.
شعرت إيزابيلا بالثقل من نظراته المركّزة عليها.
‘هذا الرجل… في حياتي السابقة أيضًا كان هكذا.’
فقد كانت تتذكر كيف كان يطيل التحديق فيها وهي واقفة بجانب الأمير فايتشي.
وحتى حين جلسا للشرب منفردين، لم يتوقف عن إلقاء النظرات نحوها.
لكنه ليس نظرًا مشتهيًا أو فاحشًا…
فلو كان كذلك، لكان من السهل أن تصفه بالمنحرف وتقطع الشك باليقين.
لكن نظرته لم تكن كذلك؛ كانت حادة، أقرب إلى فحص ومراقبة دقيقة.
المرة السابقة كان يسألني عن أبي…
لكن هذه المرة لا يذكر شيئًا عنه.
“أما أنا، فقد توفيت والدتي عندما كنت في الرابعة. ليست لدي الكثير من الذكريات عنها، لكنها كانت امرأة عادية تمامًا.”
قالتها إيزابيلا وهي تضيف الكلام بنفسها بعدما وجدت أنه لا يصرف بصره عنها.
في حياتها السابقة، حين سألها عن أبيها، أجابته بهذا الشكل… وما تلا ذلك كان…
“في الرابعة؟ وكم عمرك الآن؟”
—
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 70"