لن أخدع مرتين [ 66 ]
رغم أن كلماته كانت مختلفة، إلا أن قلق ثيو لم يكن من ساحة الصيد نفسها.
فمنذ البداية، لم يكن هناك طريدة يمكنها أن تُعرّض إيزابيلا وهي مُستَحضرة أرواح رفيعة المستوى للخطر.
ولن تكون هناك مشكلة كبيرة إلا إذا هاجمها سحرة المملكة الذين أُرسلوا دفعةً واحدة.
كل ما في الأمر أنّ ثيو لم يكن يرغب في إرسال ليكاردو وإيزابيلا بمفردهما.
جوشوا لن يشارك، وإدوارد لن يشارك كذلك.
حتى دايفيد لم يكن معروفًا إن كان سينضم إليهم أم سيتجه وحده باسم باتوكا.
وإن مضت الأمور على هذا الحال، فسينتهي الأمر بأن يتوجه ليكاردو وإيزابيلا معًا وحدهما إلى ساحة الصيد.
وكان هذا يزعج ثيو لدرجة جعلت فكرة أن يثير ذلك أنظار الناس من حولهم تبدو بلا أهمية تُذكر.
قال ليكاردو:
“لا بأس، إذًا……”
إيزابيلا التي لم يكن بإمكانها أن تعرف السبب الحقيقي، أرسلت إليه نظرة قلقة.
أما ليكاردو فكان يُدندن فرِحًا لمجرد أن ثيو وافق على المشاركة.
الشخص الوحيد الذي أدرك قلق ثيو كان جوشوا الذي كان يُنهي الأوراق أمامه.
فاكتفى بهز رأسه مُتأملًا التوتر الغريب المتباين بين الثلاثة.
كان المشهد مثيرًا للضحك بعض الشيء ومثيرًا للقلق بعض الشيء، لكنه لم يعد يعنيه.
لذا اكتفى بابتسامة هادئة كالمعتاد، يُدندن وهو يُنهي ترتيب أوراقه.
***
بعد أن تبادلوا الحديث حول بعض التجهيزات اللازمة استعدادًا لمسابقة الصيد، تفرّقوا.
كان في ذهن إيزابيلا نصف ملعقة من القلق بشأن مشاركة ثيو، ونصف ملعقة من التفكير في المتغيرات المجهولة التي قد يجلبها قدوم وفد مملكة هيليبور.
وبينما كانت غارقة في أفكارها عائدةً إلى غرفتها، شعرت بوجود مختبئ خلف الأدغال.
فاستعانت قليلًا بقوة الأرض، فاستطاعت أن تعرف على الفور من يكون.
‘اللورد إدوارد؟’
تظاهرت وكأنها لم تلحظ شيئًا وتابعت سيرها بخطوات هادئة، فإذا به يظهر فجأة ويجذب معصمها.
كانت حركة سريعة جدًا.
“آه!”
“أوه!”
لكن لأن إدوارد لم يتوقع أن تكون إيزابيلا بهذا الخفّة، فقد جذبها بقوة أكبر من اللازم، فانتهى بهما الأمر يتدحرجان معًا فوق العشب.
التفت البستاني الذي كان يرتب الأشجار في الجهة الأخرى من الحديقة، لكنه لم يتمكن من رؤية من كانا مختبئين تحت الأدغال.
وبعد أن تأكد إدوارد من عودة البستاني إلى عمله، أفلت يدها.
غير أن وضعية سقوطهما فوق بعضهما جعلت وجهه يحمرّ بشدة.
“ا-ابتعدي عني أيتها المرأة…!”
“لكن الذي جذبني هو اللورد إدوارد.”
قالت ذلك بصوت متدلّل وكأنها تُشاكسه عمدًا وهي تنهض.
لم تكن تقصد إلا مداعبته، ولم يكن الأمر يزعجها.
وبينما كانت تنفض العشب العالق بثوبها، بادرها إدوارد بالكلام.
“ما كان ذلك قبل قليل؟”
“ماذا تقصد؟”
“قلت ما كان ذلك قبل قليل!”
ارتفع صوته قليلًا، لكنه سرعان ما غطى فمه ونظر حوله.
ولحسن الحظ كان البستاني قد غادر.
خفض صوته وحدّق بها بحدة.
“ذلك الكلام عن أن مرفقي قد انخلع.”
(م.انا يمكن غلط في ترجمه السابقه هو قصده الكتف انخلع يعني العظمه تبعت الكتف تحركت من مكانها وهلاشي جربته شخصيا اوتش~)
“ألم يكن كذلك؟”
“لم يكن!”
“إذًا لماذا قلت نعم؟”
“لأن…!”
توقف الكلام في حلقه.
“لأنكِ قلتِ ذلك!”
“وهل كل ما أقوله يصبح حقيقة؟ لو قلت إن اللورد إدوارد مصاب بالزكام، فهل يعني ذلك أنك مصاب بالزكام من اليوم؟”
“ل- لا… ليس الأمر هكذا……”
وببساطته انساق وراء مزاحها.
راح يتلعثم، ثم قال غاضبًا:
“فقط أخبريني، لماذا قلتِ إن مرفقي قد انخلع؟!”
كان يريد أن يسأل، هل تعلمين السبب؟ لكنه لم يستطع البوح به.
أما إيزابيلا فكانت تعرف تمامًا السؤال الذي أراد أن يطرحه.
“لقد سمعت ذلك. أن اللورد إدوارد أصيب بمرفقه وهو يلوّح بالسيف.”
“لم أقل شيئًا كهذا من قبل……!”
“إذن يبدو أني سمعت خطأ.”
تجاوزت الأمر بابتسامة خفيفة وكتف مرتفع، على عكس إدوارد الذي كان مأخوذًا بالجدية.
أما هو فلم يستطع إلا أن يفتح فمه كسمكة عاجزة عن الكلام.
‘الآن فهمت لماذا يكثر اللورد جوشوا من السخرية منه.’
ردود فعله مسلية جدًا، يصعب حقًا مقاومتها.
‘لكن يجب أن أتوقف عند هذا الحد، ففي النهاية الأمر بالنسبة إليه جديّ فعلًا.’
“كنت فقط أظن أن اللورد إدوارد لا يرغب بالمشاركة في مسابقة الصيد، لذلك قلت ذلك.”
“هذا…!”
ابتلع كلماته فجأة وعضّ شفته.
“…هل كان واضحًا إلى هذه الدرجة؟”
“نعم. وبشكل واضح جدًا.”
هل يوجد رجل يمكن قراءته بسهولة كهذا الرجل؟
فبمجرد كلمات إيزابيلا الآن، هبط كتفاه مُرتخيين.
“هل ياتُرى أولئك أيضًا فكّروا بذلك؟”
كان يقصد ثيو وليكاردو وجوشوا وحتى دايفيد.
“أغلب الظن. لكن بما أن الحديث دار حول مرفقك، فقد ظنّوا أن الأمر لا يتجاوز ذلك وتخطّوه ببساطة.”
“لماذا ساعدتِني إذًا؟”
“حسنًا… لأن اللورد إدوارد صديقي؟”
“أنا؟ صديقكِ؟”
“نعم. وإن لم يُعجبك وصف الصديق… فليكن زميلًا؟”
ارتسمت على وجهه ملامح ارتباك، وكانت تقاطيع حاجبيه المتجمّعة تبدو مضحكة بعض الشيء.
“الزميل هو من يمدّ يده حين يعجز الطرف الآخر. أأنا مخطئة؟”
“هذا صحيح.”
في معجم البسيط الذي يحمله “الزميل” يعني أن تقف بجانبه مهما حدث، وأن تُسرع لإنقاذه إذا سقط في خطر.
لقد كانوا أول أصدقاء وزملاء له منذ لقائه مع ليكاردو.
ولهذا لم يكن يريد أن يخسرهم.
لكن… هل يمكن أن يفهموا ماضيه؟
وهل سيقبلونه بعدما يعرفون كل شيء؟
كان إدوارد مقتنعًا أن ذلك مستحيل.
بل إنه رأى أن انتظار المطر الغزير في موسم الجفاف أسرع من انتظار أن يتفهّموا.
ثم إن ما يهم ليس الفهم، بل الواقع.
فلو لمح أحد من وفد المملكة ذلك…
‘لن أعود، لن أعود…!’
كان يفضّل الموت على أن يعود إلى ذلك الماضي المرعب.
وبينما كان يهز رأسه بعناد، جمعت إيزابيلا ركبتيها واقتربت منه.
“لورد إدوارد، حينما يضيق بك الحال، يمكنك أن تطلب المساعدة من زملائك.”
قالت ذلك وهي تجلس القرفصاء أمامه.
“طلب المساعدة ليس عارًا. تذكّر أن هناك من سيفرح لأن بإمكانه أن يساندك.”
“لن يفرح أحد! حتى المساعدة لها حدود. وكيف لهم أن يساعدوني إذا عرفوا الحقيقة… أ-!”
كاد أن يتفوه بأسراره دون وعي، فسارع إلى إغلاق فمه.
لقد كادت نبرة صوتها اللطيفة أن تُخرجه بما يختبئ داخله.
ورغم محاولته التدارك، ابتسمت إيزابيلا وكأنها تفهم.
“فكّر جيدًا في زملائك الذين تعرفهم. هل هم حقًا من سيتركونك؟”
حتى لو كنتَ عبدًا هاربًا، هل حقًا سيُديرون ظهورهم لك؟
على الأقل كانت إيزابيلا واثقة أنهم سيجندون كل ما لديهم لحمايته.
المشكلة أن إدوارد الغارق في خوفه لم يكن قادرًا على تصديق ذلك.
فالخوف يُعتم البصيرة ويشوّش الحكم.
وهو المقيّد بجراح الماضي لم يعُد قادرًا على التفكير الصحيح.
بل إنه بطبيعته، لطالما ترك أفعاله يقودها غريزته.
وغريزته الآن لم تُمِل عليه سوى اهرب واختبئ.
“آه…”
تدفقت آلام الماضي تسلّلًا، فأحيت ندوبًا لم تندمل.
ضغط على ندبة جبينه بإحكام، متألمًا.
وبينما هو كذلك، مدت إيزابيلا يدها وأزاحت خصلاته الخضراء الداكنة جانبًا.
وما إن لامست أصابعها جبينه حتى تجمّد جسده.
اقترب وجهها منه أكثر بحكم ميلها نحوه، فاشتعل وجهه حُمرة.
“م- م- مهلًا! أ- أنا لا! ليس الأمر كما تظنين! أنتِ… أنتِ امرأة ثيو، ونحن إذًا…”
“بماذا تهذي؟”
قهقهت إيزابيلا بخفة، قاطعةً سوء فهمه في لحظة.
“الرجل الوحيد في حياتي هو ثيو. لذا لا تقلق. ثم إنني لا أرى فيك أي جاذبية رجل على الإطلاق.”
“لا داعي لتقوليه وكأنكِ لا ترين فيّ ‘أي’ جاذبية على الإطلاق…”
ارتسمت على شفتيه غمّازة طفولية مع شفتين بارزتين، متقلّب المزاج كعادته.
يتأرجح بين الغرق في ماضيه الكئيب، وبين العبوس بسبب كلمة قالتها له.
يا لها من مشاعر متقلبة.
لكن كانت إيزابيلا قلقة عليه لذلك تحديدًا.
فلو ترك نفسه أسيرًا لمثل هذه العواطف، فقد يتخذ قرارًا خاطئًا لا عودة عنه.
‘لا بد أنه هكذا كان في حياته السابقة.’
ولهذا ظل حتى آخر لحظة في اضطراب وقلق.
هكذا كانت إيزابيلا تظن.
خيانته لم تكن يومًا ما أراده حقًا.
فبرجالته وسذاجته هذه، كم كان من السهل على فايتشي أن يتلاعب به.
“لورد إدوارد.”
رفع عينيه مضطربًا، غير قادر على توقّع ما ستقوله.
“جَرِّب أن تثق بزملائك.”
“……”
“إنهم سيساعدونك لو كان طلبًا من زميل، فحتى لو تعلق الأمر بتهريب خائن للإمبراطورية من السجن، سيخاطرون بأسماء عائلاتهم ليساندوك.”
كما هرعوا جميعًا يومًا لتهريب قاتلة ولي العهد فقط لأن ثيو هو من طلب.
فتلك الروابط لم تكن بالشيء الذي يمكن أن يُكسر بسهولة.
“أنتِ لا تقولين كلامًا معقولًا…”
لم يستطع إدوارد تصديقها.
لم يقدر.
أراد أن يؤمن، لكنه لم يستطع.
مهما حاول أن يدير عجلة تفكيره في الاتجاه الإيجابي، كان الشك يتسلل إليه في كل لحظة.
فأطرق رأسه وتنهد تنهيدة ثقيلة تكاد تُحطم صدره.
فاقترب صوتها الهادئ وهمس في أذنه:
“لتكن الحرية رفيقك.”
—
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات