عند المدخل، استلموا أساور مخصّصة لدخول مبنى الجمعية.
كانت أساور تتحكم في استخدام قوّة استحضار الأرواح، وذلك تجنّبًا لوقوع كارثة أثناء تجربة أساليب جديدة من فنون استحضار الأرواح داخل المبنى.
وبالطبع، كان الهدف أيضًا الحيلولة دون نشوب شجار عابر قد يتطور إلى معركة.
‘…ليست خانقة كالأغلال التي ارتديتها في السجن.’
ففي السجن، كانت أشبه بالقيود التي تمنع أي استخدام لفن استحضار الأرواح تمامًا.
أما هذه، فمعها لا يزال بالإمكان استدعاء بضع غيلان من نوع نُوْوم.
‘…آه، تبًّا. حتى الاتصال بالخارج انقطع.’
لقد انقطع تواصل إيزابيلا مع كلاي الذي تركته إلى جانب سارا.
لكن الأمر لم يكن مقلقًا؛ صحيح أن متابعة حالته باتت صعبة، غير أن قوّة المَيْل التي تركتها مع سارا ستبقيه هناك على أي حال.
قالت مبتسمة:
“حتى في مبارزتي، كنتَ ترتدي هذا السوار، أليس كذلك؟”
“نعم.”
راح الاثنان يتبادلان حديثًا خفيفًا وهما يسيران معًا عبر الممر، قاصدين قاعة الاجتماعات.
وفي الطريق، ظهرت بعض الوجوه المألوفة.
كانوا من مستحضري الأرواح المنتمين إلى الأسر التابعة لبيت الماركيز ماكا.
وكانت أندريا قد عرّفت إيزابيلا عليهم مسبقًا قبل الاجتماع، ليكون التعارف بينهم أيسر.
غير أنّهم لم يتبادلوا سوى تحية عابرة، فالجميع كان مشغولًا بتحضيراته.
“ثيـو، لقد وصلت!”
“آها، وهذه هي صاحبة المبارزة، صحيح؟”
“سمعنا شائعات تقول إن بينكما علاقة وثيقة، أكانت صحيحة إذًا؟”
كان بين الحاضرين أيضًا بعض أبطال الحرب الذين مُنحوا لقب النبلاء إلى جانب ثيو.
ورغم أن عدد مقاعد الأعضاء في الاجتماع محدود فلا يتسنى لهم المشاركة، إلا أن دخول مبنى الجمعية كان مسموحًا للجميع.
ورغم أنهم مُنحوا ألقابًا، إلا أن وقع النبلاء لم يَأْلَفوه بعد.
لذلك حين ظهر ثيو وسط ذاك الجو المثقل برهبة النبلاء، أقبلوا عليه بفرح وبادروه بتحية حارة.
كما لم ينسوا أن يلقوا التحية على إيزابيلا، بعضهم تفاجأ لكونها حبيبته، وآخرون مازحوها بكونهما ثنائيًا من مستحضري الأرواح.
وأثناء تبادلهم الأحاديث المرحة، أفلتت إيزابيلا يد ثيو قليلًا وقالت:
“تقدّم أنت، سأدخل بعد قليل. أريد فقط تعديل زينتي.”
أومأ ثيو موافقًا.
لكن إيزابيلا لم تتجه إلى غرفة التحضير كما توهّم الجميع، بل إلى شرفة جانبية قلّما تقع عليها الأنظار.
كانت شرفة في الطابق الثاني تطل على الحديقة، لكنها خالية من الناس.
توقفت عند نهايتها وقالت بصوت هادئ:
“ألا تخرج الآن؟”
فما كان من رجل مختبئ خلف الستار إلا أن خرج، ملامحه مألوفة للغاية.
إنه الكونت موتكان الذي سبق أن نال منها إهانة كبيرة.
نظر إليها بحدة وقال:
“أتدرين أي مهانة جررتِني إليها؟”
“أدري جيدًا. فأنا التي تسببت بها، فكيف لا أدري؟”
كان يتوقع منها الإنكار والمراوغة، لكن ردّها الصريح جعله يَشعر بالارتباك.
“فما قصدك إذن؟”
كان صَفَحُها بقدر من الجرأة حتى كاد يقطع لسانه.
فابتسمت ببرود وقالت:
“لنكن صرحاء، لست أنا السبب وحدي. لو لم يكلّفك سموّ الأمير بوضعي تحت قدميك، ولو لم يفرض شرطًا يمنع الانسحاب، ولو لم تغترّ بوهم قدرتك على هزيمتي، لما انتهى الأمر إلى ذلك الحد. أنت تعلم ذلك جيدًا.”
لقد كان ما حدث محض نتيجة لاختياراته.
فما وقع فيه لم يكن سوى الفخ الذي نصبه فايتشي بإيزابيلا.
قالت بنبرة تهكّم:
“فهل جئت تسعى للانتقام الآن؟ مضحك. إن أردت الانتقام، فكان عليك أن تصقل قوتك وتواجهني في الحلبة. أما هذا، فلا يليق إلا بالوضيع.”
لقد اختار موتكان لحظة غياب كلاي، الذي لم يعد ممكنًا استدعاؤه داخل المبنى.
“حتى للنبلاء كبرياء، أليس كذلك؟ أما هذه الطريقة، فما أوقحها.”
“أنتِ…! هذه المرأة الوقحة…!”
وقد احمرّ وجهه من الغضب إثر كلماتها اللاذعة.
لكنها واصلت باستفزاز:
ـ”في وضح النهار، وفي مكان كهذا قد يمرّ به أيّ شخص، أتنوي أن تستخدم العنف؟ أم تراك بلا أرواح متبقية الآن؟”
كانت تعلم أن يوم المبارزة قد أجبر على استدعاء كل أرواحه وإعادتهم، فبادرت بسؤاله على نحو مستفز.
ثم أردفت:
“آه… يبدو أنك ما زلت تحتفظ بكاسا واحدة، وإلا لسُحب منك رخصتك منذ زمن.”
فالقانون كان واضحًا، إن فشل المستحضر في إعادة استدعاء أي روح بعد أن يفقدها، تُسحب منه رخصته. وكان ليكاردو مثالًا حيًّا على ذلك.
ابتسم موتكان ابتسامة غامضة وقال:
“يسرّني أنك افترضتِ أنني سأستخدم الأرواح.”
وما هي إلا لحظة، حتى اندفعت من خلفها ذراع طويلة قبضت عليها وأحكمت السيطرة.
“….!”
في غمضة عين، كانت قد شُلّت حركتها، ثم أُسند جسدها المترنّح إلى الأرض.
اقترب أحد أتباعه وقال بارتباك:
“سيدي الكونت، أمتأكّد أن هذا الأمر صائب؟”
كان تابعًا مبتدئًا لا يملك إلا روحًا دنيا واحدة بفضلها حاز الرخصة.
فانتهره الكونت بحدة:
“اسكت!”
ثم خطا نحو إيزابيلا، شعرها مبعثر يغطي وجهها.
هزّ رأسه متصنّعًا الأسف:
“ما أشد حماقتك حتى تسقطي من نظر الأمير.”
لكن لم يلبث أثر الشفقة أن اختفى من عينيه، فمشكلته كانت أعظم من أن يفكّر في غيره.
“مهما بلغت درجة انكساري، أتظنين أنني عاجز حتى عن حرق واحدة مثلك؟”
تمتم الكونت موتكان مع نفسه.
“سيظن الجميع أنكِ فررتِ خوفًا، ولا أحد سيدري ما كنتِ تنوين فعله في هذا الاجتماع، لكنكِ الآن لن تستطيعي شيئًا.”
وبينما كان يتأمل جسدها الملقى بلا حول ولا قوة، استبدّ به شعور بالنشوة.
“فلنجرّب الانتقال إذًا.”
أخرج الكونت موتكان لفافة سحرية من جيبه؛ كانت لفافة انتقال.
فالغريب أنّ مبنى جمعية الأرواح لم يشدد إلا على ضبط استخدام فنون استحضار الأرواح وقوة المَيْل الروحي، متجاهلًا تمامًا احتمالية اللجوء إلى السحر.
كان ذلك ثغرة وُلدت من تحيّزٍ غريب، إذ اعتقدوا أن المستحضرين لا يعاشرون السحرة.
رَمَى الكونت حزمة من النقود أمام الرجل الضخم الذي كان قد كبَح إيزابيلا.
“إن انكشف الأمر، فعليك أن تتحمّل العواقب.”
تردّد الرجل أمام المال الملقى.
كان الابن الثاني لأسرة متواضعة الحسب، حالفه الحظ ليغدو مستحضر أرواح، لكن بيتهم ظلّ مثقلًا بالضائقة المالية.
لذلك كان أي كسب جانبي كهذا بمثابة طوق نجاة.
ولهذا السبب تحديدًا اختاره الكونت موتكان.
“مع ذلك… لم أظن قط أن المستهدَفة ستكون تلك المستحضِرة الشهيرة من الدرجة العليا…”
“ما بالك تتلكأ؟ خذ النقود وارحل!”
أمره الكونت، لكن الرجل ظل يتفحص إيزابيلا دون أن يتحرك.
“أ-أتنوي قتلها حقًّا؟”
سأل بتردد، كمن لا يريد التورط إن كان القتل هو الغاية.
وحين ظل الرجل متردّدًا، نفد صبر الكونت موتكان فتولى الأمر بنفسه. قبض على معصم إيزابيلا ورفع اللفافة.
ـ”لا تقلق. لن يعلم أحد أين اختفت هذه المرأة. ولا أين سيكون موتها.”
ضحك باستهزاء ثم مزّق اللفافة.
لكن… لم يحدث شيء.
ــ “ماذا؟!”
كان من المفترض أن يشعر بالدوار الناجم عن الانتقال، لكن اللفافة لم تستجب.
أفلت معصمها وأخذ يقلبها بارتباك.
“معيبة…؟!”
اشتعل وجهه غضبًا.
“تفو على هؤلاء السحرة! لا يحسنون شيئًا أبدًا…”
وفي لحظة احتقانه، تحرك كتفا إيزابيلا الملقاة أرضًا… ثم جسدها كله ارتجف.
“كخ… كخ…”
وانفلت منها ضحك مكتوم اخترق حنجرتها.
“م-ماذا؟!”
توسعت عينا الكونت موتكان، وارتد إلى الوراء ليسقط جالسًا مذهولًا من أن المرأة التي ظنها غائبة عن الوعي بدأت تضحك.
وفي اللحظة نفسها، استغل الرجل الضخم الفرصة وفرّ هاربًا حاملاً المال، وكأنه كان ينتظر تلك اللحظة.
“كنتُ أظنها مجرد احتمالات… لكن لم أتخيل أن تحاول فعل هذا فعلًا داخل مبنى الجمعية.”
اعتدلت إيزابيلا جالسة ثم وقفت، تمرر يدها بين خصلات شعرها الطويل المتموّج، ونظرت إلى الكونت بازدراء شاحب يختلط بالشفقة.
“م-ما الذي يحدث هنا…؟”
قالها مذهولًا.
فأجابته بهدوء وهي تنفض الغبار عن ثيابها:
“فايتشي الذي أهنته لن يترك الأمر يمرّ. وبالطبع لن يحتمل أن أمشي مرفوعة الرأس إلى الاجتماع. فقرّر أن يستخدم آخر أوراقه المحروقة.”
مثلما استُخدمت هي كورقة محروقة لإزاحة ولي العهد.
الفرق الوحيد أنّ تلك الورقة هذه المرة شاركت بيديها في القتل.
‘ولو أنّي استفدت من هذا بطريقتي الخاصة أيضاً…’
تذكرت حينها الحوار الذي دار بينها وبين كارتر:
“الكونت موتكان يترصّدك.”
“أعرف، أمر كهذا متوقع.”
“لا ينبغي أن تأخذي الأمر باستهانة. هذه المرة هدفه قتلك حقًا.”
كان وجهه حين قال ذلك شبيهًا بوجهه في حياتها السابقة عندما حثّها على الفرار، حتى شعرت وخزًا في صدرها.
رغم أنه لم يقل يومًا إنه سيكون إلى جانبها، إلا أنه مع ذلك لم يتوقف عن تحذيرها.
ولهذا، كلما كان يصف نفسه بالجبان الناكر للجميل، شعرت هي بالأسى نحوه أكثر.
‘إذن ما زال يملك روحًا أو اثنتين من كاسا… لهذا لم يُسحب ترخيصه بعد.’
وبمجرد إدراكها لتلك الحقيقة، أصبح من السهل عليها توقّع حركات الكونت موتكان.
–
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات