لن أخدع مرتين [ 33 ]
“ما هي المهمة؟”
“أريدكِ أن تبحثي لي عن كارتر. ماضيه، حياته الشخصية، ومتى بدأ العمل لصالح فايتشي، إلى آخره.”
“عادةً ما يُسلَّم هذا النوع من المهام إلى نقابة معلومات في الحي.”
رغم أنها تمتمت ساخرة، إلا أن عيني كاساندرا لمعتا بحدة، وقد دخلت بالفعل في وضع التحري.
“سأُحضِر لك حتى عدد شعرات رأس أقرب قريب له.”
فنقابة باتوكا كانت من بين أفضل من يعمل في جمع المعلومات، حتى مقارنة بالنقابات المتخصصة.
“وسأتقاضى الأجر على شكل النشوة التي شعرتُ بها حين لقّنا ذلك الأمير الأحمق درسًا في الحفلة.”
كانت تنوي القيام بالمهمة مجانًا على أي حال، لكنها تظاهرت بذلك لأن إيزابيلا وصفتها بـ”طلب رسمي”.
“كاساندرا، أنتِ من ستدفعين اليوم، أليس كذلك؟”
“حقًا؟! إذًا أحضِروا براميل الجعة كلها! لن أترك منها قطرة!”
صرخ ليكاردو وإيدوارد وهما يطلبان الجعة، فقطعت حديثهما.
“اللعنة على هؤلاء!”
صرخت كاساندرا غاضبة وركضت نحو الطابق الأول، بينما ابتسامة مرِحة ارتسمت على وجه إيزابيلا وهي تتبعها.
“اشربوا كما تشاؤون! زعيمة نقابة باتوكا هي من تدفع!”
“هل جننت؟! أتظن أن خزنتنا لا تنضب؟!”
“كاساندرا، نشكركِ مقدمًا!”
“هؤلاء الوقحون…! هاي، ساعديني على إيقافهم! هل ستقفين تتفرجين بينما يُنهب مقر النقابة؟!”
“في يوم كهذا، من الأفضل أن نُضحّي بالنقابة من أجل صداقتنا.”
“لا تقل نقابتنا! بينما أنت تلهو مع سيلف، أنا كنت أُعاني وأُضحي لبنائها من العدم!”
“هاه، أليس من الواضح أن الجميع ثمل أكثر من اللازم؟”
الجميع كان يشرب ويضحك ويتحدث بسعادة.
أما إيزابيلا، فكان ذلك من المرات القليلة التي أمضت فيها وقتًا صاخبًا مع من ينسجمون معها.
وكانت تلك الليلة مقارنة بوحدتها في حياتها السابقة، ليلًا حلوًا مريرًا… ومؤثّرًا بشكل خاص.
***
“تبا…”
كان وجه فايتشي محمّرًا من الغضب.
“اللعنة!”
رمى الكأس من يده، فانكسر بانفجار حاد.
كانت هذه الكأس الثالثة التي يحطمها حتى الآن.
ترنّح فايتشي وهو مخمورًا تمامًا نحو وسط الغرفة، حيث كان الكونت موتكان جاثيًا على ركبتيه.
كانتا كتفاه ترتجفان بخوف.
“أيها الوغد…”
حتى الاحترام الشكلي الذي كان يُبديه لم يعد موجودًا.
جثا فايتشي أمامه، وصوّب طرف شظية زجاج مكسور نحو عنقه.
“هل عليَّ أن أتحمل هذه الإهانة بسببك؟”
“أ…أعتذر سيدي.”
“تعتقد أن الاعتذار كافٍ؟”
خدش الزجاج رقبته، وسرعان ما بدأ الجرح يتوسع.
“لو كان الاعتذار يحل كل شيء، لكانت الدنيا جنة، أليس كذلك؟”
“…..”
لم يجرؤ على الرد.
كان فايتشي في حالة من الغضب أفقدته المنطق، فالصمت كان أذكى خيار.
“هل كان القضاء على تلك المرأة أمرًا بهذه الصعوبة؟”
شعر الكونت بالظلم.
لو كان يعرف أنها مستحضِرة أرواح من الدرجة العليا، لما خاض النزال من البداية.
وحتى فايتشي نفسه لم يكن يعلم، فلماذا يُحمّله وحده المسؤولية؟
لكنه لم يكن يملك الحق في الاعتراض.
“منصبك في جمعية المستحضِرين… ستسلمه لي، أليس كذلك؟”
بما أنه فقد مقعده، أراد أخذ مقعد الكونت كتعويض.
وهنا لم يستطع الكونت البقاء صامتًا.
حتى وإن كان من أتباع فايتشي، لم يكن مستعدًا للتخلي عن مصالحه.
فقد بدأ يشعر بأن مكانته داخل نفوذ فايتشي مهددة، وإن خسر مقعد الجمعية، فذلك سيكون خروجه النهائي من اللعبة.
خصوصًا أن الأرواح التي تم ارتدادها بفعل القوة غالبًا ما ترفض العودة مجددًا.
وما إن يخسر إمكانية استدعاء الأرواح العليا، حتى يصبح مستحضِرًا بلا قيمة.
وكان ليكاردو، نائب الماركيزة ماكا، مثالًا حيًّا على ذلك.
لذا، لم يكن الكونت مستعدًا للسماح بتكرار ذلك المصير لعائلته.
“لو أن سموّك لم يُقدم على تلك المراهنة من البداية…!”
لكن اعتراضه لم يستمر طويلًا.
“هل تجرؤ على الردّ عليّ؟!”
“اغغ…!”
سال المزيد من الدم على عنقه.
وأصاب الزجاج يد فايتشي أيضًا، لكن الغضب وثِقل السكر جعلاه لا يشعر بأي ألم.
كان واضحًا أنه في لحظة غضب قد يُجهز عليه.
“مولاي.”
هنا تدخّل كارتر، الذي كان يراقب كل شيء بصمت.
وضع يده على كتف فايتشي، وكأنه يطلب منه التوقف.
“دعني أيها الوغد!”
صرخ فايتشي بغضب، وضرب كارتر بيده الزجاجية، ما تسبب في جرح ذراعه وثيابه.
رغم الألم الحاد، شدّ كارتر على أسنانه ولم يظهره.
“رغم ارتداد الأرواح، فإن الكونت موتكان ما زال مستحضِرًا من الدرجة العليا.”
يعني، حتى في أسوأ حالاته، ما زال من غير الحكمة خسارته.
نظر فايتشي إلى يده الملطخة بدمه، ثم إلى ذراع كارتر الدامية، فبدأ وعيه يعود تدريجيًا.
لم يُعجبه ما فعله كارتر، لكن كلامه كان منطقيًا.
فلو تمكن الكونت من استدعاء الأرواح مجددًا، سيكون من الغباء الاستغناء عنه الآن.
رنّ صوت زجاج يلامس زجاجًا آخر.
كانت الشظية التي رماها فايتشي ترتطم ببقايا الكؤوس المحطمة على الأرض، مصدرة رنينًا باردًا…
“هفف…”
تنفّس فايتشي بعمق.
امتلأت الغرفة برائحة الخمر الثقيلة.
“الكونت موتكان.”
ارتجف كتفا الكونت حين سمع صوته المنخفض العميق.
“أنت تعرف أنك مطالب بإنجاز ما أوكلته إليك، أليس كذلك؟”
“إذا كنتَ تقصد ما أظنه… فلا يمكن أن يكون…!”
لم يجب فايتشي، بل اكتفى بابتسامة.
لكن تلك الابتسامة مع انعكاس حمرة عينيه، كانت باردة ومخيفة.
لم يكن من الصعب تذكّر أوامره السابقة، التي قالها بذلك التعبير نفسه:
“يمكنك أن تشوّهها… وإن ماتت خطأً، فلا بأس.”
ابتلع موتكان ريقه بصعوبة.
“لم تُنفذ المهمة بعد، أليس كذلك؟”
أومأ موتكان ببطء.
“هكذا يجب أن يكون.”
قالها فايتشي هامسًا، وقد التصقت رائحة الخمر بكلماته.
ثم نهض من مكانه مترنحًا، يسير فوق الزجاج المهشم الذي تكسر تحت قدميه محدثًا صوتًا مزعجًا، بينما كان الدم يقطر من أطراف أصابعه.
كان مشهدًا مروّعًا.
كارتر الذي ظل يراقبه بصمت، حول نظره إلى الكونت.
الوجه الذي كان قبل قليل خاضعًا ومهانًا، صار الآن مشدودًا من الغضب والاشمئزاز، وكأنما على وشك الانفجار.
كانت عيناه تصرخان برغبة في قتل فايتشي إن أتيحت له الفرصة.
الأجواء في الغرفة كانت خانقة، تفوح منها الكراهية والعداء حتى أكثر من الدم المتناثر.
وهو نفسه… لم يكن في وضع يسمح له بالفرار.
‘لقد جنيتُ هذا على نفسي.’
فلم يكن له أن يلوم أحدًا.
لقد اختار بقدميه أن يكون هنا.
أمسك كارتر بذراعه التي ما تزال تنزف، ثم غادر المكان بخطًى سريعة، كما لو أنه يهرب من شيء يريد أن يُمحى.
***
الفصل الثالث
كان موعدًا أشبه بموعد غرامي، طال انتظاره.
“حقًا، سور المدينة عالٍ بشكل مدهش. لا يُرى شيء من ورائه سوى القصر الإمبراطوري.”
اختار الاثنان مكانًا بعيدًا عن الزحام.
لا وسط المدينة، بل تلة مرتفعة على أطراف العاصمة، تطل على الأفق.
فرشا غطاء وجلسا يستمتعان بالجو الجميل.
“يبدو أن الأرواح أيضًا في مزاج جيد اليوم.”
كل الأرواح التي تعود لإيزابيلا وثيو كانت حاضرة معهم.
كلّاي كان مستلقيًا قرب إيلايم، ويغفو بهدوء.
وفي الجوار، كان ناياس ونووم يلعبان مطاردة وسط الحقول.
حتى الفيل الضخم جلس بينهم، والحوت خرج من الماء ليشارك اللحظة.
والأطرف من ذلك، كان الهامستر والضفدع يتدحرجان معًا على العشب.
لو رآها أحد دون معرفة حقيقتهم، لظن أنه مشهد عبثي، لكنه في نظر مستحضري الأرواح كان مشهدًا مدهشًا.
اتكأت إيزابيلا على صدر ثيو، وغمضت عينيها لتستنشق الشمس.
“أحيانًا أفكر أن سبب انجذابي إليك في البداية قد تكون هذه الطاقة.”
قالتها وهي تراقب الأرواح حولهم.
“أنا من عنصر التراب، وأنت الماء.”
ومن المعروف أن الأرواح الترابية تنجذب تلقائيًا إلى الأرواح المائية لتكامل الطبائع.
تأثير الأرواح يمتد إلى مستحضريها كذلك.
“لكن لو فكرتِ بهذه الطريقة، لكان الأمير وليكاردو أكثر توافقًا… أليس كذلك؟”
فـ فايتشي كان من عنصر النار، وليكاردو من عنصر الرياح، عنصران يُفترض أن ينسجما.
لكن الواقع كان عكس ذلك تمامًا، احتقارٌ متبادل.
“اختيارات الأرواح لا تحدد كل مشاعر مستحضرها.”
علّق ثيو بنبرة هادئة، مفندًا الفرضية.
“لكن، ربما كانت طاقتك هي ما جذبني لك من دون وعي في البداية.”
تذكرت إيزابيلا ذلك الوقت.
هي دخلت الميتم أولًا، ثم بعد سنوات جاء ثيو.
تتذكره جيدًا فتى بنظرات تمتلئ احتقارًا لكل من حوله، يرفض اقتراب أي أحد منه.
“كنتُ أظنك أبكم.”
لم يكن يرد على أحد، ولا يبادر بالكلام، ويأكل بالكاد قطعة خبز قبل أن ينسحب بعيدًا.
“كنتُ أعتقد أن من لا يتكلم، لن يُكلَّم.”
تمتم ثيو وهو يضمها إليه.
“ومع ذلك، ظللتِ تثرثرين دائمًا… لا عجب أنني كنت متجهمًا!”
“لكنني أحببت ذلك.”
“كذبة.”
“… حسنًا، أحببته لاحقًا.”
عدّلت إجابة كانت أكثر صدقًا.
ضحكت إيزابيلا.
الكل في الميتم كان يعرف أن ثيو كان يرفضها في البداية.
وهي كانت تلحقه في كل مكان، تحاول التقرب منه.
لكنه كان يتجاهلها، بل كان ينسحب من المحادثة قبل أن تُكمل كلامها.
لكن كل شيء تغيّر بسبب حادثة واحدة…
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات