لن أخدع مرتين [ الفصل 16 ]
انكمشت حاجبا إيزابيلا لا إراديًا.
فالندبة التي تمتد من كتفه إلى أسفل الترقوة، كانت خشنة لدرجة أن مجرد النظر إليها كفيل بتخيل كم كانت مؤلمة حينها.
لقد كانت تلك إصابة تعود إلى قرابة عام مضى، في وقتٍ كان لا يزال يخفي كونه مستدعي أرواح.
يومها، غاص سيف العدو في جسده بعمقٍ يكفي لقتله.
وعندما شارف على الموت، لم يستطع ناياس روحه المتعاقدة أن يقف مكتوف اليدين، فاندفع يعالجه فافتُضح أمره كمستدعي أرواح عن غير قصد.
‘ إذًا، هكذا كانت شكل تلك الندبة…’
مدّت إيزابيلا أصابعها تتحسس الندبة ببطء.
خشيت أن تؤذيه، فمرت بأطراف أناملها بخفة على جلده فقط.
‘ لا بد أنها كانت مؤلمة جداً…’
إن كانت الندبة لا تزال واضحة بهذا الشكل، فكيف كان حجم الجرح حينها؟ وكم كان الألم فادحًا؟ تخيّل ذلك وحده مزّق قلبها.
وبينما كانت تنظر إلى الندبة بعين الشفقة، تسلّل إلى عقلها تساؤل غريب:
‘ لكن، كيف لي أن أراها أصلاً؟‘
ففي حياتها السابقة، كانت قد تباعدت علاقتهما قبل عودته من ساحة الحرب.
ولأنه لم يُرد أن يقلقها، لم يخبرها بإصابته في أي رسالة.
وحين علمت لاحقًا بأنه نجا من الموت، كان ذلك بعد أن انهارت علاقتهما بالفعل، وعرفت الأمر من طريق غير مباشر.
فلم ترَ الجرح بعينها، ولم تكن تعلم شكله.
‘ فلماذا إذًا يظهر أمامي بهذا الوضوح؟‘
كيف يمكن لهذا الشكل أن يُرسم بهذه الدقة أمام ناظريها؟
‘ أتكون مجرد صورة من خيال لا واعٍ في داخلي؟‘
حتى لو كانت هذه مجرد صورة خلقها خيالها، هل من الممكن لعقلها أن يبتدع هذا الكم من التفاصيل لشيء لم تره قط؟
حينها، رفعت إيزابيلا رأسها من جديد لتتأمل وجهه عن قرب.
من طوله إلى تقوس حاجبيه إلى عينيه, وأنفه وشكل فمه وخط فكه…
هل هو حقًا كما كانت تتخيله في مخيلتها؟ لا، ثمة اختلاف طفيف.
ليس هو ثيو ذا الثامنة عشرة الذي ودّعها إلى الحرب.
ولا هو ثيو ذو الثامنة والعشرين الذي رسمت صورته في خيالها طوال سنوات الفقد.
‘ إنه ثيو في العشرين من عمره…’
هيئة بطل الحرب الشاب.
‘ لكن… كيف؟‘
ثيو بهذه الهيئة لم يكن مألوفًا لها قط، فكيف تتجلى صورته بهذا الوضوح والتفصيل أمامها؟
‘ هل من الممكن… ؟‘
لم تستغرق الفكرة المستحيلة وقتًا طويلًا لتطل برأسها.
‘ لا، هذا مستحيل…’
كانت التساؤلات تتوالى في ذهنها، حتى امتدت يده تطوق وجهها فجأة.
“ بيلا.”
رفعت رأسها نحو صوته، لتجد عينيه تحدّقان بها بنظرة مفعمة بالألم.
وكأنه كان يريد قول شيء، تحركت شفتاه ثم تنهد بصوت خافت وقال بصوت مهتز:
“ لماذا لم تردّي على رسائلي؟“
اتسعتا عيناها بدهشة، وقلبها سقط كحجر في قاع بئر.
“ لا تخبريني… لم تكوني قادرة على الرد؟ أليس كذلك؟“
قال ذلك بصوت تملؤه القلق، فشعرت إيزابيلا كأنها تلقت ضربة مباشرة على صدرها، وانقطع أنفاسها.
“ هل حدث شيء في الميتم؟“
تجمّدت.
“ أرجوكِ، بيلا، كوني بخير… وإلا، أنا…”
رغم عبوسه الذي قد يوحي بالحدة، إلا أن عينيه كانتا توشكان أن تغرورقا بالدموع، نظرة مملوءة بالقلق والاشتياق.
أخذ يربّت على خدها بيده الخشنة المليئة بالندوب، وكان ملمسه واقعيًا بدرجة أربكتها أكثر.
ملامحه وهو يبحث عن الرسائل…
ملامح ثيو ابن العشرين الذي لا يفترض أن تراه أو تتذكره بهذه الدقة.
“ثيو …”
رغم أن كل هذا بدا سخيفًا، لم تستطع نفي الإحساس الغريب الذي ملأها.
وأخيرًا، سألته بصوت خافت:
“ هذا… حلم، صحيح؟“
في تلك اللحظة، اتسعت عينا ثيو قليلًا واهتزت نظراته.
ثم بدأ الفضاء المحيط يتشوه.
***
“هاه …!”
انهار الحلم كقطعة زجاج تهشمت، واستفاقت إيزابيلا فجأة فاتحة عينيها على وسعها.
نهضت كأن أحدًا رماها من الأرض، ثم زفرت الهواء العالق في رئتيها بشدة.
“ هاه… هاه…”
تنفست بسرعة وكأنها كانت غارقة تحت الماء.
ألقت نظرة حولها تتفقد المشهد من حولها.
كانت في غرفتها بقصر المركيز.
‘ كان… حلمًا.’
هي متأكدة أنه حلم.
‘ لكن… لماذا كان واقعيًا إلى هذا الحد؟‘
ضغطت على صدغيها تحاول تهدئة الفوضى في رأسها، لكنها شعرت أن ذراعها مبللة.
‘ ما هذا العرق… ؟‘
ظنّت أنها تعرّقت من هول الحلم، لكن الثياب لم تكن مبللة كلها، بل موضعًا محددًا كأن أحدهم رش عليها الماء عمدًا.
‘ غريب…’
ثم أدركت أن شعرها أيضًا كان مبللًا، تمامًا كما ابتلّت في الحلم بسبب شقاوة ناياس.
‘ لا يعقل…’
‘ هل الحلم كان متصلًا بالواقع؟‘
هل سألها ثيو عن الرسائل حقًا؟ هل رأت ندبته الحقيقية رغم أنها لم تعرفها من قبل؟
فكرة جنونية، لكن… الثياب المبللة كانت الدليل.
‘ مستحيل…’
إن كان ذلك هو ثيو الحقيقي، فلا بد أنه الآن في طريق عودته إلى العاصمة.
هل يعني هذا أنهما مرتبطان بطريقة ما عبر الحلم؟
هي سمعت بالتنقل السحري، لكن الحلم المتصل؟ هذا جديد.
ولا هي ولا ثيو يجيدان السحر أصلًا، فكيف؟!
حتى الأرواح لا تملك قدرة كهذه.
وفي حياتها السابقة، لم يُسمع عن ظهور قدرة كهذه من قبل.
‘ وإن وُجدت… فلماذا لم تظهر حينها؟‘
لو أنها فقط استطاعت التواصل معه عبر الأحلام في الماضي، لما حدثت كل تلك الكراهية وسوء الفهم.
اقتربت من النافذة، محاولة تبريد رأسها المشتعل بأفكار لا تصدق.
الهواء البارد القادم من الخارج بدا وكأنه يساعدها قليلًا على استجماع ذاتها.
‘ الحلم…’
كم هو غامض. ولا تملك الآن وسيلة لفهمه.
جلست عند حافة النافذة، عاجزة عن النوم مجددًا، بينما النجوم تتلألأ فوقها.
مجرة درب التبانة كانت بديعة كما في كل ليلة.
وانعكس ضوء النجوم على سوارها فتلألأ هو الآخر، لكنها لم تنتبه، إذ كانت غارقة في أفكارها.
***
مرّ الوقت سريعًا، وجاء يوم الاحتفال بالنصر.
“ ما رأيكِ بمظهري اليوم؟“
إيزابيلا التي حرصت اليوم على التأنق أكثر من المعتاد، سألت وصيفتها الخاصة آنا.
رغم أن دعم عائلة ماركيز ماكا لم يُحسم بعد، إلا أنهم قدّموا لها بعض المساعدة، منها هذه الغرفة والخادمة الخاصة.
ولأنها في حياتها السابقة كانت قد كرهت الزينة بسبب فايتشي، لم تكن تهتم كثيرًا بالمظهر.
لكن اليوم… كان مختلفًا.
بذلت جهدًا كبيرًا لتبدو بأبهى حلة.
“ تبدين كجنية فاتنة!”
ردت آنا بمبالغة طفيفة، ورغم أن إيزابيلا أدركت أنها مجاملة، إلا أن الابتسامة علت وجهها تلقائيًا.
بينما كانت تتحقق من مظهرها في المرآة، سألتها آنا:
“ تبدين متحمسة جدًا لحفل النصر، أليس كذلك؟“
رغم أن الوقت الذي أمضتاه معًا لم يكن طويلًا، إلا أن آنا لم ترها يومًا تهتم بمظهرها.
حتى الأزياء والحلي لم تكن تعني لها شيئًا.
لذا، استغربت من حرصها المفاجئ اليوم.
“نعم .”
ظنت آنا أنها تنتظر حفل النصر، لكنها لم تكن تدري أن عقل إيزابيلا كان مشغولًا بشخص واحد فقط.
‘ أخيرًا، سأراه.’
كانت تريد أن تقابله بأجمل هيئة.
أن تركض إليه، وتضمه بكل ما تملك من شوق.
أن تربّت على ظهره وتقبّل وجنته وتقول له كم اشتاقت إليه.
مجرد التفكير في ذلك جعل وجهها يحمر.
سعيدة، كأنها طفلة.
ارتدت معطفًا يناسب فستانها، واتجهت للأسفل بخطى خفيفة.
وما إن وصلت للباب، حتى وجدت الماركيز ماكا في انتظارها وقد أتمّ استعداده.
“ عذرًا، هل انتظرت طويلًا؟“
“ وصلت للتو.”
قال أندريا وهو يرتدي قفازه الأخير.
رغم ازدحام الطرق والساحات بالحشود التي جاءت لمشاهدة الاحتفال، فقد خُصص طريق منفصل لمركبات النبلاء.
وصل الاثنان إلى الموقع المخصص لهما، والذي حدده القصر الإمبراطوري نفسه.
الجانب الأيمن من البوابة الرئيسية كان مخصصًا لأنصار ولي العهد، والأيسر لأنصار الأمير الآخر.
وكلما اقتربت المقاعد من البوابة، كان ذلك دليلاً على قربهم من العائلة الإمبراطورية.
رغم أن عائلة ماركيز ماكا لا تمتلك مستدعي أرواح، إلا أنها من الداعمين الأساسيين لولي العهد.
لذا، خُصص لهم موقع قريب من البوابة.
“ هل أنتِ مستعدة؟“
“نعم .”
تأكّد أندريا من حالتها قبل الصعود للمقاعد المخصصة.
فالاحتفال اليوم لا يخص النصر فقط، بل هو الظهور الرسمي الأول لإيزابيلا.
وقد بدأت الشائعات تنتشر بأن عائلة ماكا بات لديها مستدعي أرواح.
والكل كان يترقّب.
ولأن أندريا لم يرد إثارة المزيد من الاهتمام غير المرغوب فيه، اختار هذا اليوم لتكون البداية.
“ كما ترين، هناك عشرات الآلاف في الساحة، وسيمر بينهم الآلاف من الجنود.”
تذكّر كلام الخادم:
“ الفتيات الريفيات قد يفزعن من الزحام.”
فحاول تهدئتها مقدمًا.
“ إن لم تري من تنتظرينه، فلا داعي للحزن.”
كأنه يعلم ما يجول في خاطرها.
فقد اكتشف أثناء تحرّيه عنها، سبب تكرارها لأحاديث الزواج عن حب.
عشيق خرج إلى الحرب.
ثنائي شهير في كوم، يعرفه الجميع.
ولم يحتج الأمر وقتًا طويلًا ليكتشف أن ذلك الشاب كان ضمن وحدة ابنه.
‘ ربما لهذا اختارت القدوم إلى بيت ماكا.’
—–
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 16"