وعلى جانبٍ من البحيرة انسدلت أغصانُ صفصافةٍ عظيمةٍ بأغصانها الطويلة، مما أضفى على المكان جوًّا غامضًا، فيما تناثرَت بتلاتُ الزهور على سطح الماء، لتجعل مسار القارب غارقًا في رومانسيةٍ حالمة.
“واو…”
تفجّر الإعجاب من شفتي إيزابيلا.
فقد ازدانت الطبيعةُ بجمالها الفطري ويرافقها ضوءٌ خافتٌ يتداخل مع وهج الشمس الآيلة إلى المغيب، فزاد المنظرَ روعة.
“كم هو جميل…….”
كل ما وقعت عليه عيناها بدا لوحةً خلّابة.
لقد جاءت إلى هذا المكان من قبل، لكن في ذلك الحين كان سطح البحيرة مغطى بطبقةٍ سميكة من الطحالب الخضراء، وكانت أغصان الصفصافة متشابكةً وعشوائية بحيث لم يكن بالإمكان المرور من تحتها. ولم يكن هناك لا بتلات زهور ولا أضواء.
‘شان… حقًّا امرأة مدهشة……’
هكذا أبهرتها قدرة كاساندرا، التي غيّرت ملامح المكان في غضون ساعاتٍ قليلة.
وبينما كانت تحدّق في المنظر بملامح شاردة، دوّى أمامها ضحكٌ مكتوم.
وما إن وصلا حتى اندفعَت أرواحُه كلّها إلى البحيرة تستمتع بحريّتها.
فالأرواحُ القريبة من الطبيعة لا يسعها إلا أن تهوى مكانًا كهذا.
“في العاصمة لا يجدون ماءً إلّا في النوافير، لذا يبدو أنهم لا يرتاحون هناك.”
“هذا مثلما تحبّ أرواحي الجبال.”
وكانت أرواح إيزابيلا من نووم ومولدن تركب على ظهور إيلايم وأونديني، تستمتع برفقة البحيرة، وإن ظهر عليها بعض التردّد والحيطة.
جلس الاثنان يتأملان بصمتٍ لحظةً أرواحهما وهي تلهو. ثم كانت إيزابيلا أوّل من قطع الصمت.
“الشمس تغرب.”
راح قرصها يهبط رويدًا خلف الأفق، فتلوّن جسدُ البحيرة الشاسعة بظلال السماء الموشّاة بألوانٍ شتّى.
“ثيو.”
التفتت إيزابيلا نحوه.
وكان هو بالفعل ينظر إليها.
“لدي اعتراف أريد أن أقوله لك.”
“أنا أصغي.”
كما هو دائمًا، كان كل تركيزه منصبًا عليها.
خفضت عينيها متردّدةً، ثم مدّت يدها أمامها.
“كنتُ أظن أن الصواب أن أُبقي هذا السرَّ مدفونًا في داخلي ما حييت، لذا لم أُرِد البوح به. خصوصًا مع ما يحدث في الأكاديمية، وتلك الأجهزة لقياس التوافق مع الأرواح، وغير ذلك من الفضول المحيط بي… لم أُرِد أن أزيد الطين بلّة.”
“……؟”
“لكنني أعتقد أن من الصواب أن أبوح لك وحدك.”
لم يفهم ثيو مقصدها تمامًا، فأمال رأسه قليلًا.
وتشجّعت إيزابيلا من نظرته التي تحثها على الاستمرار.
“فقط…… لا تندهش كثيرًا.”
تمتمت بصوتٍ واهن، ثم بدأت تستجمع قوّة الأرواح في راحتها.
أدرك ثيو أنها تحاول استدعاء روحٍ ما، فازداد حيرته.
لكن ما إن ظهرت الروح أمامه حتى اتسعت عيناه من الدهشة.
“روح النار……؟”
فراشةٌ حمراء تنثر الشرر انبثقت، ثم ثانية، ثم ثالثة، حتى تكاثر عددها.
وكأنها مسحورة بالعودة إلى العالم بعد غيابٍ طويل، راحت ترفرف بأجنحتها الجميلة متطايرة في الأجواء.
وما إن امتزج الأفق الأرجواني بما بقي من زرقة السماء، حتى انتشر لونها القرمزي على المشهد ليحوّله إلى لوحةٍ مذهلة.
ظلّ ثيو يتأمل المشهد بذهول.
ثم أحسّ بدفءٍ يتكئ بخفّة على ساقه، فخفض بصره.
لقد كان إغنيس يقفز نحوه، ثم استقر في حضنه مطمئنًّا.
وبعدها عادت الفراشات النارية المتناثرة لتتجمّع من جديد حول القارب، وهبط بعضها على كتفَي ثيو وذراعيه وحتى قرب أذنه.
لم يكن من المعتاد أن تسلّم روح النار جسدها لروحانيّ الماء. فعناصرهم على النقيض.
لكن سلوك إغنيس والفراشات النارية لم يكن سوى انعكاسٍ لمشاعر سيّدتها إيزابيلا.
“لو شاع أمر امتلاك شخصٍ لروحَين مختلفَين، لكان خطرًا. فحتى دون استدعاء أرواح النار، هناك كثيرون يرونني خطرًا.”
فعدد الأرواح الأرضية التي تستطيع استدعاءها يفوق بمراحل عدد إيفريت التي يمكن لهارسيز التحكّم بها.
وكثيرون يرون ذلك أمرًا مقلقًا، لا سيما أولئك الذين يعتبرون الأرواح مرادفًا للسلطة.
بالطبع لم يكن هارسيز الذي تمنى أن ينشر الأرواح بين كل أبناء الإمبراطورية يبالي بشيءٍ كهذا.
“لهذا أردت أن أُبقي الأمر سرًّا دومًا. لكن معك… رغبت أن أبوح به.”
قالت إيزابيلا بصوتٍ هادئ.
مداعبًا إغنيس النائم على ركبته، سألها ثيو:
“……هل كان ذلك في ذلك اليوم؟ يوم أمسكتِ بفايتشي؟”
“نعم.”
“هكذا إذن.”
ابتسم ثيو ابتسامة خفيفة.
“لا عجب… كنت أشعر أن الهالة المنبعثة منك قد تغيّرت قليلًا عمّا كانت عليه من قبل.”
كان ثيو يظن أن السبب هو حصولها على المزيد من كلاي، فقد أعلنت بنفسها أن عدد الأرواح لديها قد ازداد.
ومع أنه شعر أحيانًا بوجود شيء مختلف بعض الشيء، إلا أنه لم يولِ الأمر أهمية، وعدّه مجرد تغيّر طبيعي تخلقه قوة التوافق المتزايدة.
“ظننتُ أنك ستكون أول من يدرك ذلك.”
ابتسمت إيزابيلا عند تمتمته تلك.
“بعد تفكير طويل في الأيام الماضية… أدركت أن اعتذاري بالانشغال وتأجيل لقائنا مرارًا، كان لهذا الأمر نصيب من التأثير.”
فكلما قضيا وقتًا أطول معًا، زاد احتمال أن يشعر بالاختلاف بين أرواحها، وحينها قد ينكشف سر وجود روح النار.
“لا أستطيع أن أقول إن هذا السبب وحده هو ما جعلني أبتعد، لكن ما أنا واثقة منه أني لو لم أصرّح به، فلن أكون صادقة تمامًا معك.”
لقد تداخلت عوامل كثيرة جعلت مسارها يتقاطع مع ثيو أو يفوته طوال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، لكنها قررت أن تكشف كل شيء.
“منذ البداية كان غباءً مني أن أظن أنّ بإمكاني أن أخفي عنك سرًّا.”
أطلقت إيزابيلا ضحكة أقرب إلى السخرية.
“لذلك نويت أن أبوح لك بكل شيء… بكل ما خشيت أن يثقل عليك سماعه أو أن تراه مملًا أو أن تجده مخزيًا أو حتى أن تخيب آمالك بي.”
“أنت تعلمين أن ذلك لن يحدث أبدًا.”
قال ثيو إن أي كلام يخرج منها سيكون عزيزًا على قلبه، لكن إيزابيلا لم تُبدِ تصديقًا لذلك، بل ابتسمت ابتسامة مترددة، ثم تابعت:
“في الحقيقة، كنت أعلم أنك تتألم… لكنني تجاهلت الأمر.”
كان صوتها خافتًا وكأنها تسأله: كيف لك أن تقول بعد هذا إنك سعيد؟
لم يعلّق ثيو فتابعت إيزابيلا كلامها:
“في البداية اعتقدت أن إنشاء الأكاديمية هو أفضل طريقة لأستثمر الفرصة التي مُنحت لي.”
ففي حياتها السابقة كانت مدمّرة، ألحقت الضرر بالكثيرين وندمت على كل أفعالها.
ثم حصلت على فرصة ثانية.
وحين لم تكن تدري لمَ مُنحت لها، اندفعت تسعى وراء الانتقام وتعالج ما تراه أمام عينيها وتحمي من حولها.
لكن لم يعد هناك حاجة لذلك الآن.
لقد انتهى الانتقام.
وفوق ذلك، اكتشفت السبب الحقيقي لعودتها.
“فلتعدّيه هدية من أمك، تركتها لك من خلالي.”
الفرصة الثانية كانت هدية من أمها، ومنحة من ملك الأرواح.
فرصة أثمن من أن تُهدر في مجرد الانتقام، لذلك أرادت إيزابيلا أن تعطي للعالم بقدر ما أذته في حياتها الماضية.
ثم جاءت بين يديها الدوقية، وراودتها فكرة الأكاديمية.
“هل كنتُ أرغب أن أصبح بطلة ما…؟”
لم يكن إنشاء أكاديمية كفيلًا بإنقاذ العالم، لكنها اندفعت وراءه كما لو كان كل شيء.
“ثم في لحظة ما، فقدت طريقي… نسيت ما الذي أردت حمايته أصلًا.”
والسبب الحقيقي لعودتها لم يكن لإنقاذ العالم…
“لقد تمنت أن يحيا من رعى أمانيها بدلاً عنها سعيدًا ومطمئنًا.”
لقد كانت إرادة أمها التي أرادت حمايتها.
“دعها تبقى طويلًا إلى جواره.”
“دعها سعيدة للأبد.”
كانت فرصة ثمينة أمسكت بها بفضل حب ثيو لكنها تعاملت معها وكأنها مجرد طريق لتصبح بطلة.
“لا يوجد شيء في هذا العالم أثمن منك، لكنني كنت غبية، على وشك أن أضحّي بك من أجل الأكاديمية.”
التضحية في سبيل قضية كبرى؟
فكرة خاطئة تمامًا.
فما جدوى حياة بلا ثيو؟ لقد فقدته من قبل، وكانت حياتها بلا معنى. وها هي قد عادت لتكون هي بنفسها من يتخلى عنه.
أي حماقة أكبر من هذه؟
“وأظن أنني أدركت ذلك في مرحلة ما… لكنني أنكرت الأمر بعناد حتى وصلت إلى هنا، وجرحتك بكلمات مؤذية.”
“ثيو…”
مدّت إيزابيلا يدها تمسك بيده.
“آسفة لأنني جرحتك.”
وما إن أنهت كلامها حتى جذبها ثيو نحوه بقوة غير متوقعة، فسقطت في أحضانه.
فتناثرت إغنيس وكاسا من حولهما في ارتباك.
“ليس لكِ أن تعتذري.”
همس ثيو وهو يحتضنها بقوة:
“كنتِ دائمًا رائعة في سعيك وراء حلمك. وكنتُ أشعر بالفخر كلما رأيتك تخطين خطوة أخرى نحو هدفك في إنشاء الأكاديمية.”
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 154"