عاد ثيّو إلى القصر، وما إن دخل حتى أخرج أداة الاتصال السحرية وبادر إلى ربطها بأحدهم. وبعد بضع دقائق من الانتظار، تمكن أخيرًا من محادثة الشخص الذي أراد.
ــ هل استمتعت بموعدك؟
جاءه الصوت الوادع من الطرف الآخر، لكن ثيّو أجاب بشيء مختلف تمامًا:
“أخي، أحتاج إلى مدرّب رقص.”
كان أول ما خطر له بعد لقائه بالأمير، وبشكل مثير للسخرية… هو الرقص.
‘إن لم ترقص، فالأمر لا يهمك، لكن إيزابيلا ليست كذلك. وإن لم ترقص أنت، فسترقص مع شخص آخر.’
صورة إيزابيلا وهي ترقص مع فيليب الأمير الثالث لمملكة موفيو ارتسمت بوضوح شديد في ذهنه.
لقد كان واثقًا من حبها له ويدرك صدق كلماتها حين تقول إنه لا داعي للقلق، ويعلم أن انشغالها الدائم بالأكاديمية يبرّر الكثير.
لكن رغم ذلك، كان يكره أن يقلّ الوقت الذي يقضيه معها، ويشعر بالقلق إن لم يكن هو في أولوياتها.
كان تأجيل موعد زفافهما مرارًا يزيد قلبه اضطرابًا.
وكان يضايقه أن جوشوا أو إدوارد يقدمان يد العون في أمور لا يستطيع هو أن يتدخل فيها، ويزعجه أكثر أن علاقاتها ودوائرها في أماكن لا يعرفها تكبر يومًا بعد يوم.
كان يخجل من نفسه لأنه يسمح لمشاعر غير ناضجة وبلهاء أن تتملكه، ويؤلمه عجزه عن السيطرة على هذه الغيرة الطفولية.
وفي الوقت نفسه، كان كبرياؤه يصرّ على أن يظهر أمامها بصورة كاملة مثالية بلا شائبة.
وتجمّعت كل تلك المشاعر المعقّدة في أمر بدا سخيفًا: رقصة الحفل.
ــ “…….”
ظلّ الطرف الآخر صامتًا للحظة، فقد قرأ كل ما يختلج صدر ثيّو من نبرة صوته وحدها.
ــ لن أسألك عمّا حدث. لكن اختيارك لمدرّب رقص… كان قرارًا صائبًا.
قالها ليكاردو بنبرة هادئة لطيفة، ثم أضاف:
ــ سأرسله إلى قصرك قبل أن ينقضي الأسبوع القادم.
وبانتهاء ما يلزم قوله، انقطع الاتصال السحري.
***
الفصل الجانبي 3 – شبهة سوء فهم
بدأ الاجتماع منذ الصباح الباكر وسار بسلاسة.
فقد جرى حلّ شروط العقد وما قد يثير مشكلات مسبقًا عبر المراسلات، فلم يتبقَّ سوى التوقيع، أي إنه كان في حقيقته عقدًا منتهياً سلفًا.
بطبيعة الحال، حاول بعض التجار الذين حضروا مبكرًا التباطؤ بحجة مراجعة البنود أو طرح أسئلة إضافية.
لكن إيزابيلا لم تهتز، إذ كانت قد استمعت مسبقًا إلى نصيحة جوشوا:
“سوف يحاولون المماطلة، فلا تقلقي، فقط قابلي الأمر بهدوء.”
وأخيرًا انتهى العقد بسلام.
قال أحد التجار مبتسمًا:
“مبارك لك منصبك الجديد كأستاذ في الأكاديمية.”
تنفّس آخر الصعداء وقال:
“ما زلت لا أصدق. قضيت حياتي أتعامل مع ملخصات الأعمال والعقود، وها أنا أصير معلّمًا!”
فما كان من زميله إلا أن تهكم:
“ولا أنا أصدق. شخص مثلك لا يعرف سوى شعار: التجربة هي النظرية، سيُدرّس الأطفال؟”
فردّ الأول بانزعاج:
“على الأقل أنا أفضل منك، الذي لا يسعى سوى وراء الاستقرار بحجة الالتزام بالنظرية الاقتصادية!”
ضحكت إيزابيلا من مشاحنتهم البسيطة، وقالت:
“هاها، كلما جئتم إلينا بخبرات وآراء متنوعة، كنا أكثر ترحيبًا. نتطلع إلى تعاونكم.”
فأصلح التجار هيئاتهم وانحنوا لها:
“بل نحن من نتطلع إلى ذلك.”
ثم قال أحدهم:
“والآن سنغادر. أمامنا الكثير مما يجب أن ننهيه قبل مباشرة التدريس في الأكاديمية، فلنسرع!”
فهم لم يعد بإمكانهم إدارة تجارتهم كما كانوا، ما داموا سيصيرون أساتذة، فسارعوا بالرحيل.
وبقي معها فيليب.
قال مبتسمًا:
“إذن، هل يعني هذا أن مملكة موفيو وإمبراطورية دويتشلان قد أصبحا في قارب واحد؟”
أجابته إيزابيلا:
“ألم يصبحا في قارب واحد منذ أن خُطبت سموّ الأميرة الثانية للإمبراطور؟”
ضحك فيليب بأسف:
“مع الأسف، أختي لا تهتم بالأكاديمية. جلّ ما يستهويها هو علم الآثار وحبّها العميق لتاريخ الإمبراطورية الطويل.”
ابتسمت إيزابيلا:
“حتى حبّ التاريخ هواية نبيلة. كلما عرف المرء جذوره، فهم نفسه أكثر.”
قال فيليب موافقًا:
“صحيح، غير أني أرى أن الاستثمار في المستقبل أهم من التعمق في الماضي.”
وكان يقصد بالأكاديمية مستقبل القارة، بما أنها ستزخر بطلبة يحملون راية الغد.
ثم أضاف متعجبًا:
“ولهذا لا أستطيع أن أصدق أن سموّ الدوقة الكلرى أنجزت ذلك حقًا.”
وأشار إلى الجهاز الموضوع على المكتب وقال بانبهار:
“مقياس التوافق الروحي… يا له من إنجاز.”
فعلى الرغم من أن الأمر استغرق بضع سنوات، إلا أن استثمار كاساندرا ومعرفة إيزابيلا المستقبلية تضافرت وأثمرت اختراع جهاز يقيس التوافق مع الأرواح.
وبالمقارنة، لم تمضِ أربع سنوات كاملة حتى أُنجز، فكان تقدّمًا سريعًا ومدهشًا.
قالت إيزابيلا بتواضع:
“لقد استوحيت الفكرة من جهاز قياس الطاقة السحرية.”
ولم تجد داعيًا لشرح أن هذا البحث، في حياتها السابقة كان قد أُنجز بعد عشرة أعوام بفضل جمعية الأرواح، لكنه تحطم لاحقًا على يد فايتشي.
أكملت بفرح:
“بفضل هذا الجهاز، اكتشفنا حقائق جديدة كثيرة. صحيح أنها لا تزال مجرّد فرضيات تحتاج إلى التثبت، لكن الأمر واعد.”
سألها فيليب:
“تقصدين الفرضية القائلة إن من يعيش مع الأرواح طويلًا يكتسب توافقًا تدريجيًا معهم؟”
ابتسمت إيزابيلا:
“نعم، تمامًا.”
فقد كان هذا الأمر معروفًا، لأنه كان السبب الذي جعل هارْسيز يدعم الأكاديمية بحماس أكبر بعد حادثة مشهورة:
ابنة كارتر سارا التي لم تكن تملك أي توافق روحي، أظهرت فجأة بوادر موهبة كـ مستحضر أرواح.
قبل بضع سنوات فقط، لم تكن تشعر بشيء حتى لو جلس نووم فوق رأسها متخفيًا.
لكن قبل عامين تقريبًا، بدأت ترى خيالًا باهتًا لنوُوم المرافق لوالدها.
في البداية ظنّت أن بصرها يخونها، لكن الصورة صارت أوضح مع مرور الوقت.
كان أمرًا صادمًا، فقد كان الاعتقاد السائد أن التوافق الروحي يُولد مع الإنسان ولا يُكتسب.
حين استمعت إيزابيلا لتجربة سارا، تذكرت كيف أنها امتصّت توافق فايتشي، وأدركت أن التوافق قد يتغير.
وبعد تفكير، خلصت إلى أن السبب هو روحها الأرضية كلاي التي تركتها دومًا بجانب سارا لمساعدتها والوفاء بوعدها لوالدها.
وبما أن سارا قضت معها ليل نهار، فقد كوّنت معها رابطًا وامتصّت تدريجيًا من توافقها الروحي.
حينها خطرت لإيزابيلا الفرضية:
‘ليست الوراثة وحدها هي سرّ التوافق. بل قد يكون للتجربة والمعايشة نصيب أيضًا.’
لعلّ مستحضري الأرواح قد وُلدوا من أسرار شبيهة؛ إذ يتأثر الأبناء، منذ أن يكونوا أجنة، بالأرواح الملازمة لذويهم.
بهذا انقلبت المسلّمات رأسًا على عقب.
وكان هارسيز الذي أراد أن يجعل استحضار الأرواح علمًا متاحًا للجميع لا حكرًا على النبلاء، قد تبنّى هذه الفرضية بكل قلبه.
ولهذا شرعت إيزابيلا في تطوير جهاز قياس التوافق الروحي.
‘في حياتي السابقة لم يُذكر هذا مطلقًا، لكن بما أن فايتشي حاول يائسًا أن يمنع تطوير الجهاز، فلا بد أنه كان يعرف.’
والآن بعد اكتمال الجهاز، كانت تتابع بنفسها ارتفاع مؤشر توافق سارا شهرًا بعد شهر.
الأرقام بدأت تُثبت الفرضية.
قالت:
“النبلاء طبعًا لا يصدقون. بل يرفضون التصديق لأن هذا يعني أن امتيازهم ينهار.”
فابتسم فيليب بتفهم وأجاب:
“منطقهم لا يخلو من وجاهة. فلو كان مجرد مرافقة الأرواح كافيًا، لكان كل خدم النبلاء وحراسهم قد صاروا مستحضرين.”
أومأت إيزابيلا:
“صحيح. لا أنكر ذلك.”
كانت تدرك أن كلامهم يسلّط الضوء على ثغرة كبيرة في نظريتها، ومع ذلك لم تستطع أن تسلّم تمامًا باعتراضهم.
فقالت:
“لكن إن اعتبرنا الأمر متعلقًا بوجود وعاء يصلح أو لا يصلح لاحتواء التوافق…”
ابتسم فيليب وهو يكمل عنها:
“كما أن السحرة يحكمون بوجود الموهبة من خلال وجود قلب قادر على احتواء دوائر السحر أو لا.”
فمن دون “دائرة” ولادية، لا يمكن تعلم السحر. لكن تلك الدائرة لم تكن مرتبطة بالوراثة، بل يمكن حتى نقشها قسرًا من قِبل ساحر آخر.
تابع:
“فالأمر نفسه قد ينطبق على المستحضرين. لهذا، ففرضيتك ليست مجرد فرضية.”
ابتسمت إيزابيلا.
“ولهذا افتتحت قسم الأرواح في الأكاديمية. وأتمنى أن يثبت المستقبل صحة إيماني.”
قال فيليب:
“وسيثبت. وإن كان هذا سيجعل جمعية الأرواح تضجّ بالاعتراض.”
ضحكت إيزابيلا:
“لا بأس. فالقضية تهزّ أُسس ما اعتادوا عليه.”
فقال فيليب مطمئنًا:
“لكن صدقيني… لن يتغير الكثير كما يظنون.”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 146"