“أخي، إنهم اختلقوا كل هذه الأكاذيب، لا تدع نفسك تنخدع.”
“أتراك ما زلت تصرّ بعد كل هذه القرائن؟”
“لكنها كلها صادرة عنهم!”
“وما المانع أن تكون حقيقية؟ ثم إن لدينا الوسائل الكافية للتحقق من صدقها.”
حاول فايتشي المقاومة للمرة الأخيرة، لكن ولي العهد كان حازمًا.
“ضعوهم جميعًا في البرج الأسود حتى ننتهي من التحقق من حقيقة هذه الأدلة.”
لم يكن الأمر سجنًا في الزنزانة تحت الأرض، بل في البرج الأسود، وهو نوع من الرأفة من ولي العهد. إذ رأى أنه من المبالغة إلقاء الإمبراطورة والأمير في سجن تحت الأرض قبل التأكد من صحة الأدلة.
“مولاي!”
“أخي!”
صرخت الإمبراطورة وابنها معًا معترضين، لكن قائد الفرسان الذي تلقى الأمر أخذ جنوده واقترب منهم بخطوات ثابتة.
“لا تقتربوا! لن أتحرك خطوة واحدة من هنا…!”
أطلقت الإمبراطورة تهديدها لقائد الفرسان، فتردد قليلًا. إذ كان التنفيذ بين سلطتين عظيمتين أمرًا بالغ الصعوبة.
وقبل أن يشير ولي العهد بالإسراع، تقدّم ليكاردو بخطوة.
“مولاي، قبل ذلك، لدي ما أود عرضه.”
أومأ ولي العهد فأمر الجميع بالتوقف.
“تحدث.”
“أودّ أن أعلن هنا أن الدوق لويد لم يفكر يومًا في الخيانة، وأن كل ما لحق به كان ظلمًا وافتراءً.”
“……”
كان ثيو قد ذكر سابقًا براءة الدوق لويد، لكن حديثه طُوي تحت وقع الاتهامات التي طالت فايتشي والإمبراطورة، غير أن ليكاردو أعاد فتح الموضوع.
“فسّر كلامك.”
“كما تعلمون… كان الدوق لويد يعلم الكثير من الأسرار.”
حقيقة محاولة اغتيال أوفيليا، أصل فايتشي، وحتى أمر السحر الذي أصاب الإمبراطور.
“والإمبراطورة كانت تعلم بأنه يعلم كل ذلك.”
“ما الذي ترمي إليه الآن…!”
قالتها الإمبراطورة وهي تضغط على أسنانها بغيظ.
“أليس سبب إبادتك لعائلة لويد هو خوفك من تسرب تلك الأسرار؟”
“هراء!”
صرخت الإمبراطورة، لكن ليكاردو رفع صندوقًا بين يديه، وفيه أداة سحرية للتسجيل.
“هل تسمح يا مولاي؟”
“شغّلها.”
استأذن ليكاردو ثم شغّل الأداة، فانبعث منها صوت رجل وامرأة.
“إلى متى تنوين الإخفاء؟”
كان صوت الرجل غريبًا عن أغلب الحاضرين، وربما تذكّره البعض لكن مرّ زمن طويل منذ سمعوه آخر مرة.
“أأنت متعجرف هكذا لمجرد أن لديك ورقة ضغط واحدة؟”
أما صوت المرأة، فكان مألوفًا تمامًا، لأنه صوت الإمبراطورة نفسها التي كانت قبل لحظات تتحدث أمامهم.
“لو أردت التبجّح، لطلبتُ منك أمرًا يعود عليّ بمكسب شخصي، لكن كل ما أطلبه هو أن تخبري جلالته بالحقيقة.”
“ها! حقًا مثير للسخرية… أتريد رؤيتي مطرودة إلى هذا الحد يا دوق؟”
“جلالته لن يفعل ذلك.”
“أي إمبراطور سيسكت إذا علم أن الإمبراطورة التي لم يمضِ على زواجها عام حملت بابن الأمير هيليبور؟”
“……!”
شحب وجه الإمبراطورة، وتجمدت ملامح ولي العهد.
فيما استمر التسجيل يصدح، غير عابئ بذهول الحاضرين.
“جلالته كريم القلب، سيتجاوز عن خطأ كهذا.”
“لكن لجلالته الحق في أن يعلم أن الأمير الذي اعترف به ليس من دمه.”
“ولي الحق في إخفاء ذلك.”
“إن واصلتِ المماطلة، فلن يبقى أمامي إلا إخبار جلالته بنفسي.”
“دوق!”
“آمل أن تسبقيْني باعترافك قبل أن أفعل أنا.”
“أتهددني الآن؟”
“
أذكّركِ فحسب. وتأخركِ لن يجلب لكِ إلا الويل. ولا تنسي أنني سجّلت كل هذا.”
“دوق…!”
طَقطَقة…
وتوقف التسجيل عند هذا الحد.
ساد الصمت.
وكان ثيو أول من كسره.
“إذن… أبدتِ أسرة لويد لمجرد أن تسكتيه؟”
كان في صوته غضب مكتوم.
أمن أجل أسرار تافهة كهذه تُفنى أسرته كلها؟ أمن أجل هذا تُدمَّر ماضيها بالكامل؟
“ك-كيف…!”
كيف سُجّل هذا الحديث؟ وكيف ظل محفوظًا حتى الآن؟
“لقد… لقد تأكدت من تدميره بنفسي…!”
لقد دمّرت بيت لويد وفتشت كل زاوية وأزلت كل دليل ومحوت كل ما يمكن أن يترك أثرًا لكلامه أو كتاباته.
فكيف ظل هذا الدليل حيًّا حتى الآن؟
فأجاب ليكاردو:
“الدوق لويد سلّمه لوالدي قبل موته. إنها نسخة احتياطية.”
كان في الصندوق أيضًا رسالة:
[إن أصابني مكروه، فليكن هذا آخر ما يضمن كشف الحقيقة.]
وهكذا صار ذلك الملجأ الأخير هو الدليل القاطع الوحيد.
دارت الأحداث والتفّت، لكن في النهاية كانت الغلبة للدوق.
قالت الإمبراطورة بصوت مرتجف:
“جلالتك، أستطيع… أستطيع أن أفسّر الأمر…”
لكن احتجاجها بأن كل شيء كذب وافتراء لم يجدِ نفعًا، إذ انهارت تمامًا. فقد ظهرت أدلة تحمل صوتها بوضوح، ولم يعد بوسعها الإنكار.
صرخت:
“الأمير هيليبور… كل هذا من تدبيره…!”
لكن ولي العهد رفع يده كأنه لا يريد سماع المزيد، ثم حرّك أصابعه فأعاد الفرسان إلى مواقعهم.
هذه المرة أُمسك الاثنان معًا بلا مقاومة، وأُغلقت عليهما الأصفاد التي تكبح الطاقة الروحية والأساور التي تقيد السحر.
عندها تكلّم ولي العهد بثقل:
“سأستدعي كبار الكهنة.”
“جلالتك…!”
لم يكن أمامه إلا أن يختار هذا القرار.
صحيح أن النتيجة الحاسمة ستتضح بعد صدور تقارير الكهنة، لكن مجرد عزمه على استدعائهم يعني اعترافه بصحة الأدلة وبأن فايتشي ليس من دم الإمبراطور.
سادت القاعة سكينة ثقيلة عجز الجميع عن كسرها، فقط ولي العهد أضاف بنبرة عميقة:
“لعل شمسًا صغيرة في الإمبراطورية توشك أن تغيب… ليشرق نجم صغير مكانها.”
كانت نظرته تتجه نحو إيزابيلا.
بدأ الناس يتهامسون، فيما أخذ فايتشي يصرخ ويتخبط:
“أخي! إنهم يخدعونك… كل ما تسمعه محض كذبة نسجها أولئك الأوغاد…!”
دوّى صوت ارتطام الباب وهو يُغلق، فانقطع صوته تمامًا.
ثم قال ولي العهد وهو يحدّق بالرجل الآخر:
“والآن… الكونت لامارتي؟ لا… هاه، لورد الصغير لويد.”
كان يبدو منهكًا حتى إن الألقاب اختلطت عليه.
“بما أنك أقريت بأنك من سلالة أسرة لويد الدوقية، فلا سبيل لتركك حرًّا. تقول إنك مظلوم، لكن التهم لم تُرفع كلها بعد، أليس كذلك؟”
من الواضح أن الإمبراطورة كانت تسعى للتخلص منهما، غير أن ما حدث بين دوق لويد وأرواح الإمبراطور من معركة خلّفت جراحًا خطيرة في جسد الإمبراطور يبقى حقيقة لا تنكر، ويحتاج إلى إعادة نظر.
لكن ولي العهد لم يكن قادرًا على الخوض في ذلك الآن، فقد بلغ به الإنهاك الجسدي والنفسي مبلغه.
هو بحاجة إلى وقت إلى تفكير أعمق ومناقشات أوسع.
“لن نعرف الحقيقة كاملة إلا إذا تعافى جلالته…”
فعندما يزول أثر السم وينكسر القيد السحري ويستعيد الإمبراطور وعيه، ستنكشف الحقيقة وسيتخذ القرار العادل.
أما ما بين يديه الآن فليس إلا فرضيات بناها على جزء يسير من الحقيقة وعلى ما توفر له من أدلة.
“ستقيم في جناح النار، ولن تتحرك خارج رقابة القصر حتى تنتهي كل الإجراءات.”
جناح النار هو المكان الذي اعتادت أسرة ولي العهد ممارسة فنون الأرواح فيه، وتنتشر فيه أدوات التوافق الروحي وأدوات السحر، وهو الأنسب لمنع هروب روحانيّ رفيع المستوى مثله.
أجاب ثيو بانحناءة:
“أمرك يا جلالتك.”
ثم تحركت نظرة هارسيز نحو إيزابيلا.
التقت عيناهما فابتسمت بخجل، غير أن ملامحه تشوّهت كابتسامة من يبكي ولا يستطيع البكاء.
“أما أنت… فستقيمين في الجناح الملحق بالقصر حتى يبتّ الكهنة في أمرك.”
ابتسمت وأحنَت رأسها قائلة:
“نعم، مفهوم.”
نظر إليها هارسيس، وشعور بالوجع يعتصر قلبه.
ظل طيف روح الأرض الذي كان يلعب معه في صغره يراوده.
وأخيرًا قال وهو يطوي اضطرابه:
“إلى هنا نكتفي لهذا اليوم.”
بهذا أنهى ولي العهد ما يشبه الحكم الصادر اليوم، وهو يكتم غليان قلبه.
****
بعد انصراف الحاضرين، بقيت إيزابيلا وثيو وليكاردو مع رفاقهم.
قال أحدهم:
“ما زلت لا أفهم شيئًا… كل شيء التبس عليّ.”
فأجابه جوشوا:
“يكفي أن تعرف أن النتيجة جاءت في صالحنا.”
زمّ إدوارد حاجبيه متألمًا من صداعه، فيما كانت كاساندرا تعاتب نفسها لأنها لم تقدّم أي عون، فواساها دايفيد.
أما إيزابيلا فالتفتت إلى ليكاردو وقالت:
“لم أكن أعلم بوجود شيء كهذا.”
كانت تشير إلى أداة التسجيل التي أحضرها.
ابتسم بمرارة وهو يجيب:
“ولا أنا… البارحة فقط… تركتها لي والدتي.”
ثم أطلق زفرة طويلة وهو يسترجع أحداث ليلة الأمس.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات