ومع ذلك، تجاهلت إيزابيلا الأمر وتابعت سيرها دون أن تلتفت.
الوجهة التي وصلت إليها بخطى سريعة كانت نقابة باتوكا، وهو نفس المكان الذي انتظرت فيه بالأمس أن يأتي داليان لأخذها.
في الطابق الأول، كان هناك عدد من النزلاء يتناولون الإفطار.
‘أظنّ أن قسم الطلبات كان في هذا الاتجاه.’
وبما أنها قد لمحت أمس البنية الداخلية للمبنى، لم تتردد إيزابيلا وتوجهت مباشرة نحو مكتب التقديم.
لكن الموظف، رغم إحساسه بوجودها، لم يرفع عينيه عن الأوراق التي بين يديه.
طَرق طَرق.
قالت بصوت خفيض، بالكاد يُسمع:
“أنا هنا لأقابل شان.”
كان الموظف على وشك الرد بفظاظة بـ“غير موجودة…” لكنه توقف فجأة حين رأى وجهها.
راح يحدّق فيها للحظات، ثم التفت إلى رجلٍ دخل مؤخرًا إلى القاعة، بدا كأنه زبون يتفحص قائمة الطعام، لكنه في الواقع كان يتعقب إيزابيلا منذ أن خرجت من قصر الماركيز.
وحين أدرك الموظف هويته، وقف من مكانه على الفور وقال:
“يرجى الانتظار قليلاً.”
ثم اختفى من الباب الخلفي.
ولم تمر دقائق حتى عاد وأشار لها بأن تتبعه.
عندها، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي إيزابيلا.
‘كما توقعت.’
فـ شان، حتى لو كانت لها أدنى علاقة بعائلة ماركيز، ما كانت لتتجاهل الأمر.
***
حين دخلت مكتب رئيسة النقابة، وجدت امرأة جالسة على الأريكة.
قالت دون أن تتحرك من مكانها:
“أأنتِ من أرادت مقابلتي؟“
كانت تلك هي شان مديرة النقابة، وقد بقيت جالسة بنفس الوضع، لا تنهض ولا تبدي اهتمامًا، تكتفي بتمرير نظرات فاحصة على إيزابيلا من أعلى إلى أسفل، وبنبرة فاترة لا تخلو من اللامبالاة.
كانت تستند بمرفقها إلى مسند الأريكة، وتسند رأسها براحة، فيما كانت ساق على ساق بطريقة متراخية، تنم عن كبرياء وازدراء صريح.
لكن بالنسبة لإيزابيلا، التي عرفت من حياتها السابقة كيف يتعامل النبلاء بتعجرف، لم تكن هذه التصرفات غريبة ولا مهينة.
بل على العكس، كانت تعلم جيدًا أن هذه طريقتها المعتادة في كسر هيبة من أمامها، وفرض السيطرة من البداية.
شان، ولأنها امرأة تشغل منصبًا قياديًا في النقابة، كانت تلتقي بمن يستخف بها بسبب كونها امرأة، لذا فقد تعودت على أن تكون حادة الطبع من اللقاء الأول.
قالت إيزابيلا وهي تبتسم بلطف:
“هل يمكنني الجلوس؟“
أشارت شان برأسها إلى الأريكة المقابلة، دون أن تتكلم.
ثم خرج الموظف الذي رافقها، بعد أن وضع كأسَي ماء أمامهما.
قالت شان بلهجة جافة فيها حدّة تشبه الغاز:
“لِمَ أردت مقابلتي؟“
شعرها القصير الوردي، المقصوص بعناية ليتناسب مع الحركة بدا متناقضًا تمامًا مع ملامحها القاسية.
لكن بدلاً من الرد، طرحت إيزابيلا سؤالاً آخر:
“إذاً… إلى أي مدى نجحتِ في جمع معلومات عني؟“
تجمدت ملامح شان المتعجرفة، وتحولت إلى شيء أكثر حذرًا.
وعندها أكملت إيزابيلا بهدوء:
“ما كنتِ لتقفي مكتوفة اليدين بعد أن سمعتي أن فرسان عائلة الماركيز اقتحموا المكان البارحة وسحبوا فتاة معهم، أليس كذلك؟“
شان.
اسمها الحقيقي هو…
“كاساندرا باتوكا، الابنة الوحيدة لعائلة باتوكا.”
لكن هذا لم يكن سرًا في الحقيقة. فالمعارف كانوا يعرفون.
فهي رغم كونها ابنة كونت، لم تكن تملك أدنى موهبة في التعامل مع الطبيعة، ولا توافقت يومًا مع الصورة النمطية للمرأة النبيلة.
والدها الذي أدرك مبكرًا أن ابنته لن تندمج في المجتمع الأرستقراطي، قرر أن يُشركها في أعمال النقابة، وكان هذا من أكثر قراراته حكمة.
بذكائها الحاد وقدرتها السريعة على اتخاذ القرار، تولّت إدارة النقابة وهي لا تزال صغيرة السن، حتى باتت في هذا العام رئيسة فرع نقابة باتوكا.
ولم يجرؤ أحد على الاعتراض، إذ كانت إدارتها حازمة وفعالة.
وفوق هذا كله، كانت عائلة باتوكا تابعة لعائلة الماركيز ماكا.
ورغم أن لدى كاساندرا أسبابًا شخصية تجعلها لا تتجاهل شؤون الماركيز، إلا أن ذلك لا يهم إيزابيلا الآن.
ما كانت تحتاج إليه هو نقابة يمكن الوثوق بها.
قالت كاساندرا بضيق:
“أتمنّى أن توضحي لي شيئًا… هل جئتِ لتقابلي كاساندرا باتوكا، أم شان مديرة النقابة؟“
ابتسمت إيزابيلا وقالت:
“آه، آسفة.”
كانت سعيدة بلقاء شخص كانت علاقتها به ودية في حياتها السابقة، فاختلطت عليها مشاعرها وأخذت تمزح قليلًا.
لكنها سرعان ما اعتذرت، مدركة أن كاساندرا، التي لا تملك ذكريات الحياة السابقة، قد تجد تصرفها وقحًا.
“أنا هنا لأقابل شان.”
لكن كاساندرا لم تتراجع وسألت بنفاد صبر:
“ولماذا ذكرتِ اسمي الحقيقي إذن؟“
فكرت إيزابيلا، لكنها لم تجد إجابة تستطيع قولها:
‘لأني أردت شكركِ على مساعدتك لثيّو في حياتي السابقة.’
لكنها لم تستطع قول الحقيقة، فغيرت الموضوع:
“ما رأيك أن نصبح صديقتين؟“
تجهم وجه كاساندرا وكأنها سمعت للتو شيئًا سخيفًا.
“إن كنتِ جئتِ لهراء من هذا النوع، فأخرجي.”
لكن إيزابيلا انفجرت بضحكة خفيفة، وكأنها لم تتأثر بفظاظتها.
“صدقيني، لستُ من الخاسرين في هذا العرض.”
ثم وضعت على الطاولة شارة عائلة الماركيز، التي أُعطيت لها حين استُقبلت في القصر.
فازداد عبوس كاساندرا.
“من تكونين بحق الجحيم؟“
رغم أن نظراتها كانت حادة، إلا أن إيزابيلا بدت بريئة وهزّت كتفيها ببساطة.
قالت كاساندرا بجزم:
“لا توجد خادمة مثلك في قصر الماركيز.”
فكمية المعلومات التي تملكها نقابة كاساندرا عن عائلة الماركيز شاملة ودقيقة.
لكن اسم إيزابيلا لم يكن موجودًا.
فقالت إيزابيلا بهدوء:
“إن أردتِ معرفة الحقيقة، فعليكِ الدفع أولاً.”
قهقهت كاساندرا ساخرة:
“أراك موهوبة في هذا المجال.”
فكل معلومة لها ثمن. هذا هو القانون.
ثم سألت بنبرة جدية:
“ما الذي تريدينه مقابل ذلك؟“
طالما أنها تملك شارة العائلة، فلا يمكنها التعامل معها باستخفاف. والأسوأ أنها لا تعرف من أعطاها تلك الشارة.
وبذلك، كانت كاساندرا قد بدأت اللقاء في موقف أقل قوة.
قالت بإصرار:
“كفانا تمهيدًا. أخبريني سبب مجيئك الآن.”
لكن إيزابيلا لم تكن أقل حذرًا.
“قبل ذلك، أود منكِ أن تتعهدي بالحفاظ على السرية.”
كانت إيزابيلا تثق بنقابة باتوكا، لكنها تعرف ذلك بسبب خبرتها السابقة فقط.
أما الآن، فلا يوجد ما يضمن شيئًا.
قالت كاساندرا:
“سأستمع إلى العرض أولًا.”
“أنا لا أطلب منكِ أن تضحي بحياتك من أجل السر. فقط أريد وعدًا بألا يُذاع الأمر.”
وأضافت:
“ويمكنكِ إخبار الماركيز إن أردتِ.”
عند هذه النقطة، تغيرت ملامح كاساندرا.
تأملت الأمر برهة، ثم تنهدت ببطء:
“أنتِ أكثر مكرًا مما تبدين.”
ما قالته إيزابيلا كان محسوبًا تمامًا، ومن الصعب رفضه.
ولأنها فهمت أن إيزابيلا تعرف أنها فضولية بطبعها، زاد انزعاجها.
“حسنًا، موافقة.”
أخرجت ورقة سحرية وكتبت فيها تعهدًا بالسرية، رغم أنه ارتجالي، إلا أنه كان فعالًا.
قالت وهي تدفع الورقة:
“تفضلي، تحدثي الآن.”
أخذت إيزابيلا الورقة، وابتسمت:
“دعينا نبدأ مشروعًا معًا.”
“مشروع؟“
بدت كاساندرا مهتمة على الفور. فهي رئيسة نقابة، والعمل يعني المال.
“ما هي مهاراتكِ؟“
ابتسمت إيزابيلا، وأغلقت عينيها للحظة ثم تمتمت:
[استدعاء: نووم]
بهمسٍ لا يُكاد يُسمع، استدعت روحًا صغيرة.
وفي لحظة، وعلى طاولة بينهما، ظهرت روح شبيهة بالهامستر.
اتسعت عينا كاساندرا بدهشة، وبقي فمها مفتوحًا دون أن تنبس بكلمة.
قالت إيزابيلا:
“نووم، تعال.”
فأسرع الروح الصغيرة إليها وقفز في حضنها.
نظرت كاساندرا إليهما باستغراب، وهمست:
“هل أنتِ… روحانية؟“
حتى لو كان نووم روحًا منخفضة الرتبة، فهي تظل روحًا.
رمزًا للقوة والسلطة.
‘هل ظهرت مستدعِية أرواح في عائلة الماركيز؟!’
فكل ظهور من هذا النوع كان كفيلًا بإحداث تغييرات سياسية في العاصمة.
وقالت إيزابيلا وهي تميل إلى الأمام وتهمس:
“أخبرك بسر… يمكنني استدعاء أرواح من المستوى الأعلى أيضاً.”
هذه المرة، فغر فم كاساندرا على مصراعيه.
عدد مستدعِي الأرواح العليا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
وعائلة الماركيز التي كانت تُعتبر على وشك الانهيار…
إذا أصبحت الراعية الرسمية لمستدعِية من هذا المستوى، فهي على وشك أن تُبعث من جديد.
كانت العاصفة القادمة جالسة أمامها على الأريكة، تبتسم وتلعب بأطراف شعرها.
“ما رأيكِ؟ أليس من الجيد أن نكون شريكتين في مشروع؟“
ثم ابتسمت بخفة:
“وأيضًا… يمكننا أن نصبح صديقتين.”
ابتسامة جميلة، لكنها لا تخلو من الدهاء.
—
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"